اعتزل ذِكرَ الأغاني والغَزَلْ * * * وقُلِ الفَصْلَ وجانبْ مَـنْ هَزَلْ
ودَعِ الـذِّكـرَ لأيـامِ الصِّبا * * * فـلأيـامِ الصِّبـا نَـجمٌ أفَـلْ
إنْ أهنا عيـشةٍ قـضيتُهـا * * * ذهـبتْ لذَّاتُهـا والإثْـمُ حَـلّ
واتـرُكِ الغادَةَ لا تحفلْ بها * * * تُـمْسِ فـي عِزٍّ رفيعٍ وتُجَلّ
وافتكرْ في منتهى حُسنِ الذي* * * أنـتَ تـهواهُ تجدْ أمـراً جَلَلْ
واهجُرِ الخمرةَ إنْ كنتَ فتىً * * * كيفَ يسعى في جُنونٍ مَنْ عَقَلْ
واتَّـقِ اللهَ فتـقوى الله مـا * * * جاورتْ قلبَ امريءٍ إلا وَصَلْ
ليسَ مـنْ يقطعُ طُرقاً بَطلاً * * * إنـما مـنْ يـتَّقي الله البَطَـلْ
صدِّقِ الشَّرعَ ولا تركنْ إلى * * * رجـلٍ يـرصد في الليل زُحلْ
حارتِ الأفكارُ في حكمةِ مَنْ * * * قـد هـدانـا سبْلنا عزَّ وجَلْ
كُتبَ الموت على الخَلقِ فكمْ * * * فَـلَّ من جيشٍ وأفنى من دُوَلْ
أيـنَ نُمـرودُ وكنعانُ ومنْ * * * مَلَكَ الأرضَ وولَّـى وعَـزَلْ
أيـن عادٌ أين فرعونُ ومن * * * رفـعَ الأهرامَ مـن يسمعْ يَخَلْ
أينَ من سادوا وشادوا وبَنَوا * * * هَـلَكَ الكلُّ ولـم تُـغنِ القُلَلْ
أينَ أربابُ الحِجَى أهلُ النُّهى * * * أيـنَ أهـلُ العلمِ والقومُ الأوَلْ
سيُـعيـدُ الله كـلاً منـهمُ * * * وسيَـجزي فـاعلاً ما قد فَعَلْ
إيْ بُنيَّ اسمعْ وصايا جَمعتْ حِكمـاً * * * خُصَّتْ بهـا خيرُ المِللْ
أطلبُ العِلمَ ولا تكسَلْ فمـا * * * أبعـدَ الخيرَ على أهـلِ الكَسَلْ
واحتفـلْ للفقهِ في الدِّين ولا * * * تـشتغلْ عنـهُ بـمالٍ وخَـوَلْ
واهـجرِ النَّومَ وحصِّلهُ فمنْ * * * يعرفِ المطلوبَ يـحقرْ ما بَذَلْ
لا تـقلْ قـد ذهبتْ أربابُهُ * * * كلُّ من سارَ على الدَّربِ وصلْ
في ازديادِ العلمِ إرغامُ العِدى * * * وجمالُ العلمِ إصـلاحُ العمـلْ
جَمِّلِ المَنطِقَ بالنَّحو فـمنْ * * * يُـحرَمِ الإعرابَ بالنُّطقِ اختبلْ
انـظُمِ الشِّعرَ ولازمْ مذهبي * * * فـي اطَّراحِ الرَّفد لا تبغِ النَّحَلْ
فهوَ عنوانٌ على الفضلِ وما* * * أحسنَ الشعرَ إذا لـم يُـبتـذلْ
ماتَ أهلُ الفضلِ لم يبقَ سوى* * * مقرف أو من على الأصلِ اتَّكلْ
أنـا لا أخـتارُ تـقبيلَ يدٍ * * * قَـطْعُها أجملُ مـن تلكَ القُبلْ
إن جَزتني عن مديحي صرتُ في* * * رقِّها أو لا فيكفيني الخَـجَلْ
أعـذبُ الألفاظِ قَولي لكَ خُذْ * * * وأمَـرُّ اللفظِ نُطـقي بِلَعَـلّْ
مُلكُ كسرى عنهُ تُغني كِسرةٌ * * * وعـنِ البحرِ اجتزاءٌ بالوَشلْ
اعـتبر (نحن قسمنا بينهم) * * * تـلقهُ حقاً (وبالحـق نـزلْ)
ليس ما يحوي الفتى من عزمه * * * لا ولا ما فاتَ يومـاً بالكسلْ
اطـرحِ الدنيا فمنْ عاداتها* * * تخفِضُ العاليْ وتُعلي مَنْ سَفَلْ
‍عيشةُ الرَّاغبِ في تحصيلِها * * * عيشـةُ الجاهـلِ فيهـا أو أقلْ
كَـمْ جَهولٍ باتَ فيها مُكثراً * * * وعليـمٍ باتَ منهـا فـي عِلَلْ
كمْ شجاعٍ لم ينلْ فيها المنى * * * وجبـانٍ نـالَ غاياتِ الأملْ
فاتـركِ الحيلةَ فيها واتَّكِلْ * * * إنـما الحيلةُ فـي تركِ الحِيَلْ
‍أيُّ كفٍّ لمْ تنلْ منها المُنى * * * فرمـاهـا اللهُ منـهُ بـالشَّلَلْ
لا تقلْ أصلي وفَصلي أبداً إنما* * * أصلُ الفَتى ما قـد حَصَلْ
‍قدْ يسودُ المرءُ من دونِ أبٍ * * * وبِحسنِ السَّبْكِ قدْ يُنقَى الدَّغّلْ
‍إنـما الوردُ منَ الشَّوكِ وما * * * يَنـبُتُ النَّرجسُ إلا من بَصَلْ
‍غـيرَ أني أحمـدُ اللهَ على* * * نسبـي إذ بـأبي بكرِ اتَّصلْ
‍قيمـةُ الإنسانِ مـا يُحسنُهُ * * * أكثـرَ الإنسـانُ منـهُ أمْ أقَلْ
أُكـتمِ الأمرينِ فقراً وغنى * * * واكسَب الفَلْسَ وحاسب ومن بَطَلْ
‍وادَّرع جداً وكداً واجتنبْ * * * صُحبةَ الحمقى وأربـاب الـخَلَلْ
‍بـينَ تبـذيرٍ وبُخلٍ رُتبةٌ * * * وكِـلا هـذيـنِ إنْ زادَ قَتَـلْ
لا تخُضْ في حـق سادات مَضَوا * * * إنـهم ليسوا بـأهلِ للزَّلَلْ
‍وتغاضى عـن أمورٍ إنـه لـم* * * يـفُزْ بالحمدِ إلا من غَفَلْ
‍ليسَ يخلو المرءُ مِنْ ضدٍّ ولَو* * * حاولَ العُزلةَ في راسِ الجبَلْ
مِلْ عن النَمَّامِ وازجُرُهُ فما * * * بلّغَ المـكروهَ إلا مـن نَقَـلْ
دارِ جارَ السُّوءِ بالصَّبرِ وإنْ * * * لـمْ تجدْ صبراً فما أحلى النُّقَلْ
‍جانِبِ السُّلطانَ واحذرْ بطشَهُ * * * لا تُـعـانِدْ مَنْ إذا قـالَ فَعَلْ
‍لا تَلِ الأحكـامَ إنْ هُمْ سألوا* * * رغـبةً فيكَ وخالفْ مَنْ عَذَلْ
‍إنَّ نصفَ الناسِ أعداءٌ لمنْ * * * ولـيَ الأحكامَ هذا إن عَدَلْ
فهو كالمحبوسِ عن لذَّاتـهِ* * * وكِلا كفّيه فـي الحشر تُغَلْ
إنَّ للنقصِ والاستثقالِ فـي لفظةِ * * * القاضي لَوَعظا أو مَثَلْ
لا تُوازى لذةُ الحُكمِ بـما * * * ذاقَهُ الشخصُ إذا الشخصُ انعزلْ
فالولاياتُ وإن طابتْ لمنْ * * * ذاقَـها فالسُّمُّ فـي ذاكَ العَسَلْ
نَصَبُ المنصِبِ أوهـى جَلَدي* * * وعنائـي من مُداراةِ السَّفلْ
قَصِّرِ الآمـالَ فـي الدنيا تفُزْ * * * فدليـلُ العقلِ تقصيرُ الأملْ
إن منْ يطـلبهُ المـوتُ على * * * غِـرَّةٍ منـه جديرٌ بالوَجَـلْ
غِبْ وزُرْ غِبَّاَ تزِدْ حُبَّاً فمـنْ * * * أكثـرَ التَّردادَ أقـصاهُ المَلَلْ
‍لا يضـرُّ الفضلَ إقلالٌ كما * * * لا يضرُّ الشمسَ إطباقُ الطَّفَلْ
‍خُذْ بنصلِ السَّيفِ واتركْ غِمدهُ* * * واعتبرْ فضلَ الفتى دونَ الحُلُلْ
‍حُبّكَ الأوطانَ عجـزٌ ظاهرٌ * * * فـاغتربْ تلقَ عن الأهلِ بَدَلْ
فبمُكثِ الماءِ يـبقى آسنـاً * * * وسَـرى البدرِ بهِ البدرُ اكتملْ
أيُّـها العائبُ قـولي عبثاً * * * إن طيـبَ الـوردِ مؤذٍ للجُعلْ
عَدِّ عن أسهُمِ قولي واستتِرْ * * * لا يُصيـبنَّكَ سهـمٌ مـن ثُعَلْ
لا يـغرَّنَّكَ لينٌ مـن فتىً * * * إنَّ للحيَّـاتِ لينـاً يُـعتـزلْ
أنا مثـلُ الماءِ سهلٌ سائغٌ * * * ومتـى أُسخِـنَ آذى وقَتَـلْ
أنا كالخيزور صعبٌ كسُّرهُ * * * وهو لدنٌ كيفَ ما شئتَ انفتَلْ
غيرَ أنّي في زمانٍ مَنْ يكنْ * * * فيه ذا مالٍ هو المولَى الأجلّ
واجبٌ عند الورى إكرامُهُ* * * وقليـلُ المـالِ فيهمْ يُستقلْ
‍كلُّ أهلِ العصرِ غمرٌ وأنا * * * منهـمُ، فاترك تفاصيلَ الجُمَل
‍وصـلاةُ اللهِ ربـي كُلّما * * * طَلَـعَ الشمسُ نهـاراً وأفـلْ
للذي حازَ العُلى من هاشمٍ * * * أحمدَ المختارِ من سـادَ الأوَلْ
وعلى آلٍ وصحبٍ سـادةٍ * * * ليسَ فيـهمْ عاجزٌ إلا بَطَـلْ

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي