محمد إقبال بلو: من حمل راية القاعدة إلى الخلافة .. نفذنا المطلوب بدقة متناهيةبدأت الثورة السورية بحراك سلمي كاد يغطي معظم مساحة البلاد، ترافق بزخم إعلامي حقيقي وقوي جداً، جعل موضوع ثورة الشعب السوري ضد جلاده الأسدي حديث العالم كله، بل جعل هذا الحراك مثلاً يحتذى به ويضرب المثل بسلميته ورقيه.وسرعان ما بدأ النظام الذي شعر بدنو الأجل باختراع قصص وحكايات تثير الرأي العام العالمي تحدث فيها عن إرهابيين يريدون تحويل البلاد إلى جحيم ويعملون على تشويه صورة الوطن الجميل سورية، إلا أنه لقي التكذيب من كل الجهات السياسية العالمية التي وجدت أن حراك السوريين لن يكون إلا مثمراً، وأن شعباً قام بهذه الثورة الراقية الحضارية ليس أمامه سوى الانتصار والوصول إلى غايته في الحرية والكرامة.ولو عدنا إلى الوراء واسترجعنا فيديوهات المظاهرات السلمية التي عمت مدن وقرى وبلدات سورية لوجدنا أن تخريب الثورة والعمل على إجهاضها بدأ منذ الشهور الأولى ومن خلال نشاط بسيط قام به بعض الشباب الذين اعتقدنا وقتها أنهم متحمسون ولم نتنبه إلى خطورة ما يقومون به.لقد حمل الكثيرون من الشباب الذين شاركوا في الحراك السلمي أثناء المظاهرات التي كانت تنقل على شاشات القنوات الفضائية العربية وغير العربية، أعلام ورايات تنظيم القاعدة، وكان التبرير وجود شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله على العلم، في حين أنهم كانوا يستطيعون تجهيز رايات أخرى كتبت عليها الشهادة وبكل بساطة، هؤلاء هم المجرمون الأوائل الذين قدموا خدماتهم للنظام لتعزيز رواياته حول التنظيمات الإرهابية والجماعات المسلحة، وليس من الغريب أبداً أن تكون تعليمات حمل هذه الرايات قد وصلتهم من الفروع الأمنية التي يتعاملون معها.ترافق حمل هذه الرايات مع استمرار النظام في قمع المتظاهرين السلميين وتبريره لذلك بصور ومقاطع فيديو من المظاهرات نفسها التي حمل فيها هؤلاء الشباب رايات تنظيم القاعدة والذي يجهل معظمهم من يكون هذا التنظيم ولا يعرف عنه شيئاً، ففي إحدى بلدات ريف حلب كان حلاق لا يعرف أن يكتب اسمه بشكل صحيح يصر على حمل هذه الراية ويعلقها في ساحة التظاهر، بينما كان يخشى من يدركون الخطأ (سواء المقصود أو غير المقصود) هذا من توجيه الانتقادات لإيقاف ذلك التصرف الذي كان الخطوة الأولى في إطفاء جذوة الثورة الحقيقية، ويخافون التهم الجاهزة التي تتعلق بالدين والعقيدة.حينها ازداد النظام وحشية وهمجية في قمع المتظاهرين الأمر الذي دفعهم لحمل السلاح ضد النظام وقتها ليتم بعد ذلك تأسيس الجيش السوري الحر من قبل بعض الضباط المنشقين وعلى رأسهم الأسعد والهرموش، لتتحول الثورة إلى ثورة مسلحة وتفقد أكثر من نصف مؤيديها وداعميها الحقيقيين، ويدخل على الخط داعمون جدد أدركوا انها الفرصة المناسبة لتدمير البلاد بيد المجرم بشار الأسد وأركان نظامه الطائفي، والذين استغلهم النظام عندما أوضح لهم أن الثوار مجرد أتباع للقاعدة يريدون ذبح العلويين لا أكثر.وكلما أوغل النظام في الإجرام أعطى دافعاً أكبر لشباب الثورة لمقاومته وحربه، لتنطفئ شرارة الحراك السلمي بشكل تام في نهاية عام 2013 ويبدو الأمر وكأنه حرب أهلية في سورية وصفها البعض على أنها فتنة يجب وأدها وإيجاد حل سياسي لها، وصار الأمر وكأنه صراع على سلطة أكثر مما هو ثورة شعبية عفوية قامت بها مختلف أطياف الشعب السوري طمعاً بالوصول إلى الحرية والكرامة اللتين فقدهما المواطن السوري منذ عقود طويلة.لتظهر بعدها التنظيمات الإسلامية المتطرفة التي صدرتها كل دول العالم إلى سورية لاعتقادها أن تدخلاً عسكرياً غربياً في طريقه إلى البلاد ومن خلاله سيتم قتل كل هؤلاء ويتم تخلص بلدانهم منهم بكل بساطة، إلا أن اللعبة أعجبت معظم القوى العالمية التي تهدف إلى تغييرات ديموغرافية وجغرافية سياسية في المنطقة، وبدأت تنهال الدولارات الموجهة على كتائب الحر لإفسادها وإغراق قادتها في متع السلطة والمال وهذا ما حدث فعلاً ما أبعدهم عن هم البلاد والأهالي وأدخلهم في مصيدة جمع المال، ومن الطبيعي أن يحدث هذا لاسيما أن معظمهم كانوا لا يمتلكون شيئاً وفجأة أصبحوا أمراء حرب ومال ونفط.وبإعلان الجهاد من قبل بعض علماء المسلمين توافد الآلاف من المقاتلين إلى سورية منهم المجاهدون الحقيقيون ومنهم من كان يتبع لتنظيمات تعمل على مشروعات سياسية لا تمت إلى ثورة الشعب السوري بأية صلة مطلقاً، فظهرت تنظيمات متطرفة قوية جداً على حساب انطفاء كتائب شعبية من الثوار الذين يقاتلون لأجل بلدهم وشعبهم والذين ابتعدوا عن الساحة لانشغالهم بما قدم إليهم من مال وسلطة، فيما بقي مقاتلون سوريون من القرى والبلدات على الجبهات يرفضون الانصهار لا في هذا ولا في ذاك، وهؤلاء هم من دفع ويدفع بشكل مستمر ثمن الثورة السورية، ويقدمون دماءهم على مذابح الحرية كل يوم وحتى اللحظة.وكان تنظيم دولة العراق والشام (داعش) من أخطر التنظيمات المتطرفة التي قتلت ومازالت تقتل الثورة السورية كل يوم، وتقدم المبررات الكاملة للنظام الإجرامي في سورية ليقوم بجرائم فظيعة بحجة محاربة الإرهاب، فوجودهم أعطى الشرعية الكاملة للنظام أمام المجتمع الدولي الذي من الطبيعي أن لا يقبل استبدال نظام بشار الأسد بنظام جديد يترأسه البغدادي.وجاءت الصفعة الأخيرة بنشاط داعش العسكري في العراق وتخلي المالكي عن الكثير من السلاح وانسحاباته التكتيكية كانت تصب في مصلحة التنظيم الذي كفّر كل من لا يتبع له، واعتقد أنه ينجز انتصارات حقيقية بينما هو يسير في اتجاه ترسمه إيران له وتدعمه وتستفيد من قتل السني بسني متطرف كل يوم، وجرائم داعش تثبت هذه الحقيقة.وكذبة إعلان الخلافة الإسلامية لم تكن إلا من صناعة القوى المتحكمة في المنطقة وعلى رأسها إيران، فيما تنقسم داعش لعملاء وضباط استخبارات غالباً ما يكونون قادة، ومقاتلين مغرر بهم لا يفقهون من الدين إلا طاعة الأمير الذي يكون غالباً تابعاً للمخابرات الصفوية الإيرانية.وبذلك يتم قتل الثورة السورية بنزيف حاد ومستمر يؤدي لنقص في عدد الثوار وهجرة لملايين المواطنين السوريين وتغيير في البنية السكانية للمناطق التي اندلعت فيها الثورة منذ بداياتها كحمص، وهكذا نجد أن راية القاعدة التي حملت أيام الحراك السلمي هي بداية الخطة التي رسمها النظام وداعمه الإيراني وصولاً إلى الخلافة الكاذبة، كل ذلك خطط له وتم تنفيذه بدقة متناهية، وكنا نحن السوريين مذهلين جداً في اتباعنا للخطوات المطلوبة تماماً، وذلك بجهلنا السياسي وتصرفاتنا الهوجاء المبنية على العاطفة والرغبة بالسلطة التي حرمنا منها زمناً طويلاً ، لنقبل بمناصب وهمية ترضي غرورنا وبحفنة دولارات تنمو وتتمتع بها أجسادنا، رغم كل ما سبق تستمر الثورة دون توقف فهناك الملايين من أبناء سورية مازالوا يحلمون بالحرية ويصرون على بلوغها إلا أن بعضهم يقول أننا بحاجة للبدء بالثورة الثانية فالأولى قد ماتت.
محمد إقبال بلو: كلنا شركاء 3-7-2014