كنت أدرِّس في أبوظبي، وفي يوم صيفي حار اشتاقت روحي إلى نسمة من الربوة وقاسيون، فقلت:
(قاسيون)
غداً أرجِعْ
غداً أركَعْ
على تُربِكْ
غداً أعدو
وأُلقي رأسيَ المتعبْ
على صدرِكْ
وأنهْدُّ
لها للشامِ تسترخي على زندكْ
وتهمسُ عطرَها الفوَّاحَ
آهاتٍ على خدِّكْ
وتفرطُ عقدَها الماسيَّ
تنثرُهُ على بُرْدِكْ

* * *
غداً أقذفْ
هناك بِسَلَّةِ الوادي
دنانيري وألعنُها
ألا رُدِّي ألا رُدِّي
أعيدي دورةَ الزَمَنِ
وتجُهِشُ ربوةُ الوادي
ألا رُدِّي ألا رُدِّي

* * *
غداً أعدو إلى بردى
أَبُلُّ بهِ صدى روحي
وأمسحُ عن شفاهي الملحَ
طعمَ النفطِ والحنظلْ
وأبترِدُ
مع الصفصافِ والحورِ
وينسى جُرحَهُ الصفصافُ
ترقُصُ ربوةُ الوادي
ويصدحُ طيرُها الغَرِدُ

* * *
ألا يا نسمةَ الجبلِ
سئمتُ مدائنَ القصديرِ
نَتنَ سمادِها العَفِنِ
ألا هُبيِّ على الصدرِ
على النَّحْرِ
على الخدَّينِ يا نسمهْ
وأحيي ذابلَ الزهرِ

* * *
أيا قمَّهْ…
أيا نسرُ…
أيا نجمهْ…
أضَعْنا في صحاري الملحِ
والقصديرِ هَامتَنا
وها جئْنا…
وملءُ جِرابِنا رملُ
وأسمالٌ كجلدِ وجوهِنا رثَّتْ
يسابقُ خَطْوَنا الأَجَلُ
تغيرنا.. تغيرنا.. ونَعترِفُ
نخبئُ وجهَنا منكِ ونرتجفُ
فَشُدِّينا إليكِ إليكِ يا قِمَّهْ
فقد تعبتْ على الأذقانِ أرؤُسنا
وقد غارتْ مع الأوحالِ أرجُلُنا
وأوهى صخرَنَا الوَعِلُ

* * *
بأيدينا قتلنا الشعرَ
والأحلامَ والبسمهْ
وتَوَّجْنا على الهاماتِ أقزاماً
تَعَمْمَّنا مع الأعلاجِ
يَمَّمْنا وجوهَنا شطرَ "بوَّانٍ"
ولا ماءٌ ولا شجرُ
وخلَّفْنا على المحرابِ "مرواناً"
وفي الجناتِ "رضوانُ"
أيا شوقُ
فوقَ هذا الصخرِ أحلامٌ نثرناها
وأسماءٌ حفرناها
وأحبابٌ لنا رحلوا
بُعيدَ السفحِ سُكناها

* * *
أيا أَجَلُ
تمهلْ هدَّنَا الوَجَلُ
وعِدْنا في غَدٍ نلقاكَ
عند السفحِ يا أَجَلُ
هنالك تَعذُبُ اللُقيا
هناكَ هناكَ يا أَجَلُ



نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي