في كندا لمدينة منتريال كتب : مصطفى منيغ
ما كان صعباً لو أراد المغرب القضاء على الفساد ، المغرب الرسمي أقصد ، لكن المصيبة كامنة في انشغاله كما يبدو في تلك المعادلة الرهيبة الرامية لاستئصال جذور أناس بلغت أذرعهم الأخطبوطية مرحلة متقدمة لهم فيها النفوذ والمال وقلة الحياء، منسلخون تماما عن بيئة بعدما لوثوها بنسب عالية من استغلال مقوماتها في الأقصى بغير موجب حق، معتمدين في ذلك على حماية رؤوس على طرابيشها الحُمُر ريشة مستوردة من بلاد "الغال"، وبين أيديهم افتك الأسلحة يُعَطِّلُون بها الحق والقانون،ليظل التجميد الهادف للإبقاء على وطن الفقراء الممدودة أيديهم لَتسَوُّل دريهمات والازدحام كل "رمضان" لشرب "الحريرة" المجانية أمام كاميرات التلفاز وأحاديث بعض ألسُن أصاحبها شاخوا مع النفاق فكان المفروض أن يتجاوزهم عصر دستور 2011 لو كانت الأمور تسير طبيعية. كلنا فدى وطنه بدون مزايدة أحد على أحد ، لكن الفرق بيننا يبدأ عندما تَتَّضِح ما كانت نصف واضحة ،ممنوع الاقتراب منها ،مهما كانت قيمتك أو درجتك خارج سرب له الطائرات تحلق به متى شاء في أي سماء شاء يقود اتجاهاته آنِياً من هواتف غير مُسَوَّقَة في بلاد كثيرة ومنها المغرب ، تُصَنَّعُ حسب الطلب ، وليس مِمَّن كان ، ما دامت الأمور تتم في سِرِّيَة مطلقة تكلف (لتبقى كذلك) أصحابها الدفع بالملايين من عملة مضمونة حسب هواهم، غير مصكوكة محليا .
... ما كنت لأصل حيث أكتب بضمير مستريح وخاطر غير مُشَوَّش عن أمور غاية الدقة ، (لو لم أقف على ما وقفت عليه من أرضية تدعوكَ لتُبرهنَ صراحةً أنَّكَ مُخلصٌ لبلدكَ مُتَحَمِّلٌ مسؤولية َتوعيةِ المعنيين الحقيقيين باستقرار المغرب حفاظا على كيانه ) الفاتحة لمن يتدبَّرون استقراء المعاني الجوهرية لكلماتي السلسة أرتبها لتبقى نموذج العمل الصحفي القوي بالمعلومات الصحيحة المستخدمة ، بِتُؤْدَة وتَرَوِّي، لخدمة الوطن دولة وأمة ،بوضع اليد بالدواء على الجرح ، وليس بأسلوب شمسون في تلك الأسطورة حينما قال "عليَّ وعلى أعدائي " ، الإصلاح داخل المغرب يحتاج إلى حكمة لمواجهة المفسدين الرئيسيين فيه ، وقد وصلوا مرحلة لا يمكن تشطيبها إلا بقيام فتنة يختلط ضمنها المصيب والمخطئ ، نحن عقلاء ، أجل المغاربة عقلاء ولن ينسوا الانتصارات التي حققوها امتداداً لتاريخهم الطويل العريض على قضايا شبيهة بما نحن بصدد الحديث عنها كل انطلاقا من موقعه ، ومع ذلك ما كان صعباً لو أراد المغرب القضاء على الفساد ، المغرب الرسمي أقصد ، ما عليه هذه المرة ، سوى الاهتمام بما يَجِدُ في النهر ، بعدما جرَّب ولمدة 15 سنة ما هو في البحر فكانت النتيجة ما وصلنا إليه يعمق الهوة اكبر و أعتى ممن يحاولون أخفاء الحقائق لأسباب هم أدرى بها من غيرهم .
... في منتريال الشرطة غير مرئية بتاتا لكنها مراقبة لكل شيء ، عيونها مُفَتحةٌ على مجريات الأحداث الصغيرة منها كالكبيرة وعقلها مشحون بالقوانين المعمول بها ، حقُّها ذو الشقين المادي والمعنوي تأخذه ، وواجبها تقوم به كاملا متكاملا ، نظامها ترعاه بغير أخطاء أو تجاوز ، وتدخلاتها تتم وفق تعليمات مكتوبة كوثائق يمكن الرجوع لها كدلائل متى حصلت (نادرا) أية مساءلة ،مزودة بما تحتاجه من معدات ووسائل تنقل سريعة لا تشوبها شائبة ضامنة بذلك الحضور للمكان المطلوب الحضور إليه في أقل من سبع دقائق ، الآن هناك مطلب ملح من طرف السكان لتُحَقِّقَ الشرطة في حضورها لمعاينة وتقرير ما يتطلب الحدث من إجراء ، توقيتاَ أقصاه خمسة دقائق ، مرفوقة برجال الإطفاء ، وسيارة معدة ضامنة تقديم العلاجات الأولية وبسرعة، قبل حمل المصاب أو المصابين إلى المستشفى المختص ،وتلك حكاية أخرى سنتطرق إليها بكل تفصيل إن أراد العلي القدير ، الشرطة في كندا محترمة لأنها تحترم نفسها ، لا تحمل العصا مهشمة رأس أي كان يشارك في وقفة احتجاج أو مظاهرة ، خارجٌ عن ثقافتها استعمال العنف ، مُعرض أي عنصر فيها تبت في حقه نهر أو أساء الأدب على مواطن أكان من أبناء جلدته أو من الزوار الغرباء ، لا ضجيج ولا هرج ولا رفع أصوات منكرة داخل التجمعات الخدماتية ، كالحافلات المستعملة في التنقلات الداخلية أو المترو تحت الأرض بعشرات الأمتار . الكل هنا منشغل بحاله و أسرته ، التسيب منعدم بالمرة ، واللطافة في التعامل بين الناس تقاس بالنجومية والنجاح القيم المتحضر المعبر تلقائيا عن التقدم الجماعي الحقيقي المفعم بالوعي التام الجاعل من "لا"تعادل "نعم" ساعة الاختيار المبني على قناعة الفرد قناعة ترضي ضميره وتنعش بالخير إنسانيته دون تدخل خارجي لغاية معلومة سلبيات تصرفاتها المستقبلية ، الشرطة موجودة كإحساس بالأمان القريب منك وحيث كان المواطن ، نسي أحد التجار المغاربة دكانه مفتوحا بعد خمسة دقائق مرت على موعد الإغلاق الرسمي ليفاجأ بشرطي يدخل عليه محررا محضرا ينتهي بإقرار غرامة تصل ما يعادل العشرة الآف درهم ، أراد التاجر متابعة القضية عن طريق المحكمة عساها تخفف عليه المبلغ ، في الأخيرة سأله القاضي إن كان الشرطي وهو يحرر التقرير داخل المتجر أو خارجه وهو قائم بواجبه في تلك الساعة، فلم يجد الماثل أمامه سوى ابتسامة مصحوبة بتقديم اعتذار والانسحاب لأداء الغرامة كاملة غير منقوصة ، وهذا يعطي الانطباع أن الشرطة الكندية تخدم الدولة في حرصها احترام أي توقيت يخص معاملات أي مجال من مجالات مرتبطة بحياة الكنديين اليومية .
... كاستراحة قصيرة استعدادا لكتابة الجزء التالي من هذا المقال ، أسأل نفسي :هل لنا شرطة في المغرب ، وهل الشرطة في المغرب لها ما ترى فيه الشعب ؟؟؟. أم ثمة خلل ما ويجب معالجته بالقول الصريح البعيد عن الحزازات الراغبة (عند طرف لا يومن بعد بمبدأ التعبير الحر عن الرأي حتى وإن كان معززا بالمعلومات الصحيحة) في القفز على مثل المواضيع .(يتبع)
مصطفى منيغ
مدير نشر ورئيس تحرير جريدة الأمل المغربية