بعد ما سألني بعض الإخوة عن ما لمست من تميز في جوامع السيرة للإمام أبي محمد ابن حزم كتبت هذه الكليمات:
أقام ابن حزم كتابه هذا على ما يشبه مذهبه في الظاهرية، فهو يتناول الأشياء من قريب، ويراها رؤية البصير بعين الفطرة ، ويشرح بعضاً مما سكت مما سكت أهل السير عن شرحه، ويسهب في مواطن جانبوا الإسهاب فيها فتاه معناها عن القارئ.
وأسلوب الكتاب أسلوب ابن حزم الجامع بين العلمية وقرب المأتى، والعاطفية من دون انجراف، حتى إنه ليكاد به يبلغ مرتبة الإمامة في باب السير والمغازي مقدَّماً على أئمة الباب كابن إسحق والواقدي لولا فضل سبق زمنهم إن كان ذلك فضلاً.
يتناول الآراء غير مُنقص منها، ثم يسردها سرداً ملؤه الجمال والحرارة والإحاطة، وذكر المواطن المؤثرة بصيغة التأثير وهو ما جانبه أكثر أهل السير الذين تعاملوا مع حياة نبيهم - مع بالغ الأسف - كأنها تاريخ من التاريخ، لا نبراس نور ولا شعاع هدى.
لقد جعل ابن حزم كتابه كتاب دعوة أولاً، ولم ينس لحظة أنه يؤلف عن خير الخلق، فجعل في كل مقام تذكيراً بعظمته واستفقاهاً لأفعاله واستكناهاً لأسباب أعماله وهديها ، فكان كتابه قصة حياة أعظم الخلق لا سيرته وغزواته فحسب.
رحمة الله على ابن حزم، فقد صنع كتابه فأجاد، روحم من مات من محققَيه ونفع من ما يزال حياً وأمتع به.