ملكة الحوار بين الجمود والاستثمار
جيلالي بوبكر
يكفي الإنسان شرف تكريمه وتفضيله على كثير من الخلق الإلهي، بما أوتي من قوّة بعد ضعف، وقدرته على مغالبة الشدائد وتحقيق الانتصارات، مستلهما قوّته وانتصاراته من مصدر التكريم والتفضيل، الله خلقه ورزقه من الطيّبات وأودع فيه ما لم يُدعه في العديد من مخلوقاته، فبثّ فيه من الملكات ما يتيح له التفوق وبلوغ الرفعة والسؤدد في عالم مليء بالمصاعب والأخطار، مثلما هو مشحون بالحركة ومفعم بالتجدّد والفرص فيه لا تعرف النضوب، فالإنسان بكيانه المتفرد في التكوين والمتميز في البنية وهو من عدل الله وحكمته دخل معترك الحياة في عالم قمّة في الغموض والتعقيد، عالم الطبيعة والإنسان وسائر الظواهر الكونية، عالم الغيب والشهادة، العالم الأصغر وهو الإنسان والعالم الأكبر وهو الكون، عالم الحياة في الدنيا وعالم الآخرة.
دخل الإنسان عالم الحياة بروح واعية قويّة واثقة من نفسها بملكات العقل وقوى النفس وبروح الجماعة المفطور عليها الروح الفردية، فهو يفكر ويدرك ويحكم ويستدل ويحلل ويركب وينقد ويستنتج، وهو يحفظ ويثبّت ما يحتاج إليه ويتذكره عند الحاجة وعند غيرها ويوصل ماضيه بحاضره وبمستقبله، وهو يتصور ويتخيل ويبدع فأضاف عالم الحضارة إلى عالم الطبيعة من الطبيعة ذاتها المتأصّلة في كيانه الإنساني والمتجذّرة في العالم الذي يعيش فيه، الطبيعة كما شاءت لها أن تكون صبغةُ الله وسنّتُه ولن تجد لسنّة الله تبديلا ولن تجد لصبغة الله تحويلا، والإنسان ينفعل فيفرح ويغضب ويأمل وييأس ويحب ويبغض ويقلق ويهدأ ويشجع ويجبن ويتعاطى مع أحوال ومشاعر شتّى مما يميل ويفضل أو مما ينفر ويدبر، ويتداخل في الكيان الإنساني المركب العقلي مع النفسي الروحي مع البيولوجي مع غيره فيزيده تعقيدا ويصعب تكشّفُه، ويزداد الحال غموضا تعقيدا والإنسان يتفاعل مع العالم الذي يعيش فيه تأثيرا وتأثرا سلبا وإيجابا.
مع قوة العقل وقوة النفس وقوة البدن وقوة التأثير والتأثر في العالم الخارجي يتمتع الإنسان بملكات عظيمة تؤهله لامتلاك سائر مقومات وقيم الروح الجماعية التي وراء تكوين الجماعة البشرية بمختلف أشكالها، فمنظومة قيّم الجماعة وشبكة العلاقات الاجتماعية وأصول الاجتماع البشري ومنطلقاته ومساراته ومبتغياته ومنتهياته كل ذلك بذور تكوينه وعناصر بنيته حالّة في الإنسان الفرد، تنبع من الفطرة الإنسانية العاقلة والشاعرة الميّالة صوب الجماعة تأثيرا وتأثرا واندماجا وتكيّفا، تحقيقا للمشيئة الإلهية ويحددها التواصل في إطار الاختلاف والتباين، لا على سبيل الإقصاء والتدابر والتناحر بل على خطى التعارف والتعاون والتكامل.
وسبيل التواصل في إطار الاختلاف لا يضمن إيجابيته في حدود الأنانية والأثرة المفرطة وإلغاء الغير وصراع المصالح الضيّقة في حدود الغرائز والشهوات والتكالب على الدنيا والتناحر والاقتتال في سبيل ذلك، بل التعارف الإيجابي يتحقق في حدود الفطرة السليمة الخيّرة والمشروعية عقلا وشعورا وأخلاقا واجتماعا، بواسطة الرغبة في العيش المشترك واحترام الآخر وقبوله والتعاون معه نحو النظام والتعايش في أمن وسلام تحقيقا للقوامة وتجسيدا للخلافة على أرض الله، والسبيل إلى النظام والإبداع والحضارة في سياق التواصل والتعايش والتعارف الإيجابي وهي مقومات القوامة والخلافة الحوار، الحوار باعتباره المسلك الذي ارتضته الفطرة الطيّبة في الإنسان والطبيعة والكون ككل لكونها عوالم ارتبطت بقّوة السببية دافعا وغاية ولها من الفعّالية ما لا يُحصى ولا ينضب، ولم تكن ذات منحى عشوائي عبثي هزيل، والحوار ارتضاه الله لعباده منهجا لعمارة الأرض وإحكام السيطرة على صلتهم وفق الفطرة السليمة البينية وغيرها، والتفوق في ذلك عن جدارة واستحقاق استثمارا لكل القوى الموجودة واستغلالا لكل الفرص المتاحة، في مقابل الإخفاق الذي كثيرا ما ينتهي إليه الإنسان اجتهادا أو إهمالا على الصعيدين الفردي والاجتماعي أو على صعيد العالم الخارجي أو فيما يخص عالم ما بعد الموت.
يشكل الحوار قبل كونه ملكة في الإنسان ومنهجا في حياته اقتضاء كونيا اقتضته ظاهرة التعدد والاختلاف في مقابل الوحدة والثبات ، وتأرجح حركة الإنسان الدءوبة بين الاثنين، للخروج من الصراع الضيق والتناقض والجدل السلبي إلى رحابة التواصل الإيجابي والنظام والتكامل، فتجتمع الوحدة مع الكثرة ويندمج التغيّر مع الثبات في وفاق ووئام زمن غير اختلال، وبُثّ الحوار في جميع عناصر الكون وبين كل ما تتطلبه الحياة من شروط وضرورات، فالطبيعة وأجزائها وسائر الظواهر الكونية يديرها نظام قمّة في التناسق وغاية في الانسجام والتناغم ومن غير تفاوت ولا اختلال، فكل ما في الكون له مصدر ومسار وموصل، لم يأت جزافا وعبثا بل في أتمّ الدقة والحساب، ومخلوقات الله في أكوانه يحاور بعضها بعضا في دأب وديدان لا تكل ولا تمل، هذا الحوار الكوني من نوع خاص ليس كالحوار بين بني البشر، وهما من مصدر واحد ومسار واحد وغاية واحدة، فالحوار في الأكوان بين سنن هذه الأكوان على اختلاف أنواعها ومراتبها، تتمثلّه سنن الخلق في التكوين والبنية والحركة والدور.
يجري الحوار في صور شتى لا حد لها من الاتساق والانسجام والنظام بعيدا تماما عن الاختلال والتفاوت، ولولا الاتساق المبثوث بين عناصر الكون ووحداته وهو من صور الحوار لفسد الكون وفسدت الحياة، ومن حكمة الله وعدله أنّه خلق الخلق وبث فيه الحياة التي تتخذ من سنّة الحوار منهجا تتعدد وتتنوع صورها بتعدد وتنوع صور الحياة بين حاضرة وغيبية وجامدة وحيّة وبين فردية واجتماعية وبين دنيوية وأخروية وغيرها ما نعلمه وما لا نعلمه، والحوار آية من آيات الله في مخلوقاته يعبّر عن حالة الإبداع والجمال والروعة التي وّجدت عليها سنن الكون وظواهره ما ظهر منها للعيان وما خفي، وعرفها نظامه البديع الجميل الرائع المركب من هذه السنن ويدل على الدرجة العظمى التي بلغتها جميع مخلوقات الله في الدقة والترتيب والإحكام والنظام والجمال والروعة من حيث التكوين والبينة والحركة، يقف أمامها الإنسان صاحب الجبلة السويّة عقلا وشعورا ووجدانا مستلهما إيمانه القويّ الراسخ بقوّة وعظمة وحكمة بديع الكون وواجد النظام والتواصل والحوار، ولا ينكر ذلك إلا الجاحد.
أما الحوار لدى الإنسان فهو ناطق وواعي، فلا تقوم للإنسان قائمة في الحياة على المستوى الفردي أو الاجتماعي وعلى صعيد ارتباطه بالعالم الذي يعيش فيه وسائر ظواهر الكون ومن جهة اتصاله ببديع الكون جلّ جلاله إلاّ بالحوار أداة لتبادل التأثير والتأثر بين وحدات الوجود وهي الله جلّ جلاله والكون والإنسان مع بعضها بعضا وبين عناصر وأجزاء كل وحدة من هذه الوحدات وما أكثر هذه الأجزاء وأنظمها وأعدلها، فمن جهة حياة الإنسان الفردية المتميزة بالذاتية والخصوصية وبالتعقيد والغموض في محتوياتها لدى صاحبها ذاته ولدى الناس عن بعضهم البعض.
تجري الحياة الفردية الذاتية في سكونها وحركتها في كل الحالات وفق الحوار الذاتي الداخلي، فكل الصور والعمليات التي تعرفها الحياة العقلية الذاتية وأصلها التفكير والتأمل من إدراك وإحساس وتذكر وتصور وتخيل وما يرافق ذلك من تحليل وتركيب ونقد وتقييم واستنتاج، وكل الحالات التي تشهدها النفس الإنسانية ومصدرها الانفعال من لذات وألام وميول ورغبات وعواطف وأهواء وسائر المشاعر والأحاسيس الشعورية واللاشعورية السوية والمرضية الظاهرة والباطنية السلبية والإيجابية من حب وكراهية وفرح وحزن وتسامح وتعصب وجبن وشجاعة وغيرها كثير، كل هذا على المستوى العقلي والنفسي يتحرك أول ما يتحرك في شكل حوارات وصورة منولوغات داخلية ذاتية وخاصة لا يعيشها سوى صاحبها، على الرغم من كونها تترك آثارا بيّنة على سلوك صاحبها الظاهر وعلى المحيط الذي يعيش فيه.
لا يمكن بأي حال من الأحوال للإنسان أن يعيش من غير الحوار في ذاته ومعها، فهو يمارس الحوار في كل الحالات حتى في حالات النوم عن طريق الأحلام وفي حالات أخرى كاللاشعور والحالات المرضية وغيرها، فالحوار الإنساني الذاتي الداخلي ميزة وخاصية إنسانية، تدل على قوّة الإنسان وتفرّده في الوجود، وتشكل لديه مدخلا لوعي وجوده الخاص الفردي الذاتي ولا يقاسمه في معرفته غيره من بني جنسه، وتمثل وسيلة للتواصل مع وحدات الوجود الأخرى معرفة وتأثرا وتأثيرا ولبناء صلاته بها، ولتحريك التاريخ وبناء الحضارة من خلال تحقق القوامة والخلافة على الأرض.
من الحوار الذاتي ينقل الإنسان الحوار إلى العالم الخارجي الإنساني الاجتماعي وغيره، فالحوار الإنساني الاجتماعي ضرورة إنسانية اجتماعية يقتضيها الاجتماع البشري في جميع صوره وفي كل العصور والأمصار لتكوينه وفي بنيته وفي حركته، وأول صورة من صور الاجتماع الإنساني اجتماع اثنين من البشر اجتماع المرأة والرجل وهما يشكلان طرفي الكيان البشري الإنساني في منطلقه التكويني البنائي (أبونا آدم وأمنا حواء)، أول ما يحتاج إليه هذا الاجتماع التحاور بين طرفيه لضمان التواصل والتعارف والتفاهم والوصول إلى التعايش بعد ذلك، وقد يصل الحوار بهذا الاجتماع إلى التنافر والتعارض والتناحر، والأمر نقسه مع كل أشكال الاجتماع الإنساني.
ففي غياب الحوار لا تقوم الحياة الاجتماعية أصلا، لأنّ هذه الأخيرة تتأسس على المحاورة الفردية الذاتية التي تنطوي على بذور تشكيل مكونات شبكة الحياة الاجتماعية وعناصر تكوين المجتمع، فحاجة الجماعة بصورها المتعددة في النشأة والدور إلى الحوار كحاجة عالم الأحياء إلى الماء والهواء، فالحوار وراء المجتمع تأسيسا وبنيانا ونشاطا، ووراء تحريك التاريخ وإنتاج الحضارة وصنع المجد والسؤدد من طرف الإنسان الاجتماعي المدني لا الإنسان الفردي البيولوجي، يدلنا كل من الوحي الإلهي والتاريخ والواقع الإنساني المعيشي فرديا واجتماعيا متخلفا كان أو متحضرا إلى أنّ الحوار كائنا ما كان هو مبدأ وأصل كل تحرّك إنساني في ذاته أو نحو غيره، ومنهجه في اتجاه البناء الشخصي الذاتي المطلوب طبيعة ووضعا وشرعا، أو صوب البناء الاجتماعي المرغوب فيه تعايشا وحضارة، وكل ذلك في سبيل التكامل بين عناصر الوجود جميعا.
إذا كان الحوار شرط التكامل بين وحدات الوجود فإن ذلك يبدأ في الإنسان الفرد أولا ثم يشيع بعد ذلك بين جميع أفراد بني جنسه البشري، ويتّخذ طريقه البنائي في الإيجابية تواصلا وعرفانا وبيانا وحضارة أو يسير في الاتجاه المعاكس فينتهي إلى التعصب والفرقة والشقاق والتخلف، وفطرة الحوار السليمة تنبع من نظام الكون في التناغم والتوحيد والتكامل بين مختلف أجزائه في سياق التباين والاختلاف الذي هو من سنن الكون، والتناغم في الحوار يؤسس له التسامح المفضي بالضرورة إلى الوفاق والوئام والعيش في سلام، وتهدمه كل محاولة في اتجاه التعصب اعتقادا وفكرا وعرقا ولغة ومذهبا وغيره كثير، التعصب لأحد الطابوهات المُعطل للحوار شرط الجد والاجتهاد والذي يقود إلى التغيير والتطور والازدهار في مقابل ترسيخ ودعم الجمود والتحجر والتخلف والانحطاط، فالمحاورة إما بنّاءة لها أسسها ومسارها وأهدافها المنشودة وإما هدّامة لا أفق لها مبنية على التصور الضيق في حدود لا يسمح التطرف باختراقها افتراءا على الجبلة الطيّبة وصدفا عنها.
تتجلى كل من صورة الحوار الإيجابية البنّاءة صورة بيضاء خيّرة في منتهى الطيب والجمال، وصورته السلبية الهدّامة صورة سوداء في منتهى القبح والسوء داخل حياة الإنسان في مستويات عديدة، فبين الأديان والمذاهب والطوائف إما تعايش وسلام وإما تناحر واقتتال، وبين الثقافات والفلسفات وسائر الأفكار إما تواصل وتنامي وتطور وازدهار وإما انغلاق وتقوقع وتحجر وجمود وتخلف، أو انتشار واختراق وهيمنة من جهة الأقوى وتقلص وانصهار وذوبان وزوال من قبل الأضعف بعد الغسيل الذي يتعرض له، وبين الحضارات إما إقبال متبادل ونهم متواصل وأخذ وعطاء وإما إعراض وإدبار فينتهي الأمر إلى التراجع والاندثار، وبين الأحزاب والتشكيلات السياسية وبين برامجها إمّا تواصل سلمي إيجابي يصب في قوّة الحكم والدولة والمجتمع تنظيما وتماسكا وتطورا وإما تصارع سلبي فارغ من المحتوى عنيف ينتهي بالمجتمع والسلطة إلى الضعف والاقتتال والانهيار، هذا ما يفعله الحوار بين الإنسان والإنسان، فالحوار الملفوف بمكارم الأخلاق خاصة التسامح والاحترام المتبادل في إطار الندّية منتهاه البناء والتعمير أما الحوار المُغذّى بروح التعصب والانتقام فمنتهاه الهدم الدمار.
والحوار ليس مطلوبا بين الإنسان وأخيه الإنسان لعمارة الأرض والتمكين للخلافة فيها فحسب، بل ضروري بين الإنسان والكون بسائر أجزائه، وإذا كان الكون مستقلا عن الإنسان تكوينا ونظاما وبنية وأثرا فالاتصال بينهما قائما تأثيرا وتأثرا، وحالة التأثير المتبادل هي عين الحوار، يحاور الإنسان الكون بالسعي الحثيث إلى معرفته وتفسير ظواهره واكتشاف النظام الذي يحكمه بواسطة العلوم ومناهجها وسائر الوسائل والتقنيات التي تسمح باكتشاف خيراته وطاقاته وتسخيرها لخدمة حاجات ومصالح الإنسان، تحويل الكون من صورة غير نافعة إلى صورة نافعة تنفيذا لإرادة الإنسان المستمدة من إرادة الله في تواضع ومن غير كبر وافتراء.
ويجري الأمر نفسه بالنسبة لتنفيذ إرادة البشر على نفس المنوال والوتيرة في حياة الإنسان الفردية والاجتماعية حتى لا يختل نظام الحياة الذي يقوم على التكامل، فالحوار الاجتماعي بصوّره المتعددة يجد ضالّته بالحوار مع الكون من خلال التقدم العلمي والتقني وتطور وسائل التأثير في الطبيعة وتحويل ظواهرها صوب تحقيق ما يحتاجه الإنسان ويوفر له الراحة، ويشمل ذلك الحضارة بجميع منتجاتها والثقافة بكافة مظاهرها، أما عدم محاورة الإنسان ظواهر الكون عقلا وبحثا واكتشافا وتحويلا وتسخيرا فهو حال البداوة الخالي من القوامة الإنسانية في الوجود كما كُتب لها أن تكون، ومعارضا لضرب الإنسان في الأرض وسعيه في الحياة، وفي هذا تعطيل لإرادة الإنسان التي هي من إرادة الله في تحقيق الفطرة والاكتساب والتكيف مع الإنّية والغيرية الكون، وضمان التكامل بين السماوي والأرضي وبين المادي والروحي وبين الدنيا والآخرة وبين الله والإنسان، توحيدا وتعبدا ورغبة ورهبة، ابتغاء الوصول إلى برّ السلام والنجاة، إلى رضوان الله تعالى.
الحوار في أعظم صوره ذلك المتبادل بين السماء والأرض، بين الله والإنسان، ويكون في منتهى إيجابيته نزولا وصعودا، على سبيل الوحي المنزّل لإنارة دروب الحياة في الكون الفسيح في عالم الدنيا وفي عالم ما بعد الموت، وفي اتجاه الاسترشاد بتعاليم الوحي والتوجيه بأوامره ونواهيه، ومن خلال لطف الله وعفوه وفضله وكرمه ورحمته التي وسعت كل شيء، وبإيمان الإنسان بربه وتصديقه لحقائق الدين وتعبده بما أبانه الله له، وبتنفيذ سائر أحكام الله في النفس والمجتمع والكون، بعيدا عن الافتراء على الله والإخلال بسننه، أما إذا اتجه الحوار نحو السلبية صعودا ونزولا بالتمرد عن الله والخروج عن شرعه وامتد إلى مجابهة القدر وإلى الصدف عما أراده الله لخلقه وأودعه فيه من خير وإبداع وجمال، فما يكون من غضب الله وسخطه أقوى وأعظم، فالحوار بين العبد وخالقه إما روح وريحان وجنات نعيم وإما خزي وندامة وجحيم.
فالحوار مرتبط بالتواصل والاختلاف في مختلف صوره وميادينه يفقد إيجابيته تماما عند كل من لا يعرفها أو يتجاهل قيمتها أو يجحدها ويكابر عليها، ونتيجة ذلك اختلال حياة الإنسان وفساد صلاته بوحدات الوجود، وفي ذلك إهدار للوقت ومضيعه للأمانة والرسالة التي وُجد لأجلها ولولاها ما وُجد أصلا، وهي خلافة الله على الأرض، فما بال العبد في تقربه من سيده ليصبح خليفة له على الأرض، وهو مطلب يستحيل تحققه في المجتمعات العبودية التي عرفها التاريخ. وتحقق نعمة الحوار إيجابيتها وخيرها وجمالها إذا انبنت على مكارم الأخلاق وعلى رأسها مكرمة التسامح وإذا اخترقت الإنسان والطبيعة والكون وإذا تحققت في مستوى الإيمان بالله والاسترشاد بهداه فتتأدّى الرسالة وتتحقق الخلافة ويتم اكتمال صلة الأرض بالسماء وينعم الإنسان برضوان الله تعالى.


08 رمضان 1432هـ
الموافق 08 أوت 2011 م