عنصرية الصهيونيـة والعهـود والمواثيـق الدوليـة
د.غازي حسين

عنصرية الصهيونية والاتفاقية الدولية الخاصة بالقضاء على كافة أشكال التمييز العنصري:
أدانت الأمم المتحدة الاستعمار وكافة مظاهر العنصرية والتمييز العنصري في الإعلان الخاص بمنح الاستقلال للأقطار والشعوب المستعمرة الصادر في 14 كانون أول لعام 1960، والذي تضمن ضرورة إنهاء كافة أشكال الاستعمار والتفريق العنصري بسرعة وبدون شروط، وكذلك في قرار الجمعية العامة رقم 1904 بتاريخ 20/11/1963، الذي أكد على ضرورة إزالة التمييز العنصري بسرعة في كافة أنحاء العالم بجميع أشكاله ومظاهره.
وخطت الأمم المتحدة خطوة أخرى إلى الأمام في موافقتها في 21 كانون الأول عام 1965 على العهد الدولي الخاص بالقضاء على كافة أشكال التمييز العنصري.
وينص العهد الدولي في مقدمته على بطلان «أية نظرية استعلائية» قائمة على التمييز العنصري ويعتبرها باطلة علمياً ومدانة أخلاقياً وخطرة اجتماعياً، وأنه لا يوجد أي مبرر للتمييز العنصري في أي مكان سواء من ناحية نظرية أو تطبيقية[1].
تُعرِّف المادة الأولى من العهد الدولي التمييز العنصري وتقول: «يعني اصطلاح التمييز العنصري في هذه الاتفاقية أي تمييز أو استعباد أو تحديد أو تفضيل يقوم على العنصر أو اللون أو الأصل أو الانتماء القومي أو العرقي والذي يكون هدفه أو نتيجته إلغاء أو إعاقة الاعتراف أو التمتع بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو إعاقة ممارستها على قدم المساواة، وذلك في المجالات السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية أو غيرها من مجالات الحياة العامة[2]».
ينطبق مفهوم التمييز العنصري الوارد في هذا العهد الدولي على الصهيونية كأيديولوجية وحركة وكيان، فالصهيونية تؤكد بأن اليهود هم شعب الله المختار وتعتبرهم خيرة شعوب الأرض، وأن أرضهم الموعودة في فلسطين، هي من النيل إلى الفرات، ويجب أن يعودوا إليها كيهود ويتجمعوا فيها وينتزعونها من شعبها العربي الفلسطيني بالقوة والإبادة الجماعية والترحيل وتهويد الأرض الفلسطينية ببناء المستعمرات اليهودية وتحقيق الاستعمار الاستيطاني.
وعززت الصهيونية أسطورة «نقاء العرق اليهودي وتفوقه» كي تقيم سداً منيعاً أمام اندماج اليهود وعزلهم وحملهم على الهجرة إلى فلسطين، مما جعلها تلتقي مع الحركات اللا سامية والعنصرية الأخرى ومنها النازية التي كانت تعارض اندماج اليهود وعملت على عزلهم وتعاونت مع الصهيونية على ترحيلهم سراً إلى فلسطين بموجب اتفاقية هافارا بين وزارة الاقتصاد النازية والوكالة اليهودية ـ وركز الزعماء الصهاينة وزعماء «إسرائيل» على النقاء العرقي «للشعب اليهودي» وتفوقه بالذكاء على سائر شعوب الأرض، وعلى أن العرق الواحد النقي ملازم لليهودي وأن اليهود يشكلون شعباً عالمياً واحداً.
ولّد إيمان الصهيونية بتفوق اليهود وتميزهم على غيرهم من الأعراق والشعوب تيارات واتجاهات عنصرية وفاشية بين اليهود أنفسهم في الكيان الصهيوني وبين اليهود وغير اليهود أي العرب.
فتفرِّق «إسرائيل» بين اليهودي الشرقي (السفارديم) واليهودي الغربي (الاشكناز) وتتجلى عنصريتها بأجلى مظاهرها في التمييز بين اليهود والعرب والعنصرية في قوانين العودة والجنسية والأراضي والسكن والأحوال المدنية.
وتمارس «إسرائيل» (دولة جميع يهود العالم) العنصرية والتمييز العنصري والفصل العنصري بناء على تطبيق الحكومة ومؤسساتها والجيش والشرطة والمنظمات الاجتماعية للقوانين الإسرائيلية العنصرية.
وتتجسد سياسة التمييز العنصري لإسرائيل في سياسة مصادرة الأراضي العربية وترحيل العرب وبناء المستعمرات اليهودية وتدمير المقدسات والمعالم الحضارية العربية والإسلامية، وفي تطبيق أبشع أنواع العنصرية والتمييز العنصري على مواطنيها العرب، وبالتالي اتخذ التمييز العنصري في إسرائيل تجاه العرب، سكان فلسطين الأصليين وأصحابها الشرعيين صيغة قانونية وهو ما يسمّى بعنصرية «دولة اليهود» أو عنصرية القوانين الإسرائيلية.
إن قانون العودة الإسرائيلي يكسب اليهودي فقط أينما ولد وأينما وجد حق العودة ويمنع هذا الحق عن الفلسطيني، صاحب الحق الحقيقي، ومالك الأرض والوطن.
ويعتبر أيضاً قانون الجنسية الإسرائيلي من أكثر قوانين الجنسية في العالم إغراقاً في العنصرية والتمييز العنصري، لأنه ينطبق فقط على اليهود، الدخلاء على فلسطين العربية، الغرباء عنها، ولا ينطبق على الفلسطينيين، سكان البلاد الأصليين وأصحابها الشرعيين.
وشرّعت إسرائيل مجموعة من القوانين العنصرية لمصادرة الأراضي الفلسطينية وإقامة المستعمرات اليهودية عليها، ومنها قانون أملاك الغائبين، وقانون مناطق الأمن، وقانون استملاك الأراضي لعام 1953.
وطبّقت على العرب دون اليهود قوانين الطوارئ لعام 1945 التي سنتها حكومة الانتداب البريطاني لتطبّق على اليهود والعرب، وفرضت بموجبها الحكم العسكري والاضطهاد القومي على مواطنيها العرب ومارست «إسرائيل» بموجبها سياسة التمييز العنصري تجاه الفلسطينيين بانتهاكها الحقوق الأساسية للإنسان التي وردت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 والعديد من الاتفاقيات والعهود الدولية الأخرى.
وتنص المادة الثانية الفقرة (أ) من العهد الدولي على ما يلي: «تدين الدول الأطراف التمييز العنصري وتأخذ على عاتقها إتباع سياسة إزالة التمييز العنصري بكافة أشكاله، وتتعهد كل دولة طرف في هذه الاتفاقية عدم القيام بأي عمل أو ممارسة أي إجراء يتضمن تمييزاً ضد الأشخاص أو مجموعات الأشخاص وبعدم رعاية التمييز العنصري الذي يمارسه أي شخص أو منظمة وعدم الدفاع عنه أو تأييده».
وتطالب المادة الثانية في الفقرة (جـ) من الدول الموقعة تعديل أو إلغاء أو إبطال أية قوانين أو لوائح يكون من نتائجه خلق أو إبقاء التمييز العنصري.
وتطالب نفس المادة في الفقرة (د) باستخدام كافة الوسائل المناسبة لإنهاء التمييز العنصري وتطالب الفقرة (هـ) بإزالة الحواجز بين الأجناس وعدم تشجيع كل ما من شأنه تقوية الانغلاق العنصري.
سنت إسرائيل الكثير من القوانين والتشريعات التي تطبقها على المواطنين الفلسطينيين فقط لمصلحة مواطنيها اليهود، وتمارس التمييز العنصري من جراء تطبيق مثل هذه القوانين، وترعى منظمات قطعان المستوطنين اليهود في الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة وتدعمها وتشجعها وتقدم إليها جميع أنواع المساعدات المالية والعسكرية بما فيها المال والسلاح وإصدار القوانين للمحافظة على احتلال الأراضي العربية وتهويدها.
وتنص المادة الثالثة من العهد الدولي على تحريم الفصل العنصري وتقول: «تدين الدول الأطراف في هذه الاتفاقية وبصورة خاصة كلاً من العزل العنصري والتمييز العنصري وتتعهد بمنع وتحريم وإزالة كل ممارسة لها في المناطق الخاضعة لولايتها».
لقد ساد ويسود التعصب ومقاومة الاندماج والانعزال الأوساط اليهودية في بلدان أوروبا الشرقية وتعززت في نفوسهم مشاعر التفوق والاستعلاء لتشبعهم بالتعاليم التوراتية والتلمودية والصهيونية لمقاومة الاندماج وتحقيق الانغلاق العنصري والهجرة إلى فلسطين العربية.
وتُعتبر الصهيونية أن الاندماج هو من أهم الأخطار التي تواجهها، لذلك نادى زعماؤها بأيدية اللا سامية، واستغلوا الهولوكوست للضغط والابتزاز والحصول على المزيد من الدعم المالي والسياسي لإسرائيل والمنظمات اليهودية وليس لضحايا النازية، بالرغم من أن الصهيونية تعاونت مع النازية لتنظيف ألمانيا وأوروبا من اليهود تحقيقاً للهدفين الصهيوني والنازي.
وترفض «إسرائيل» اندماج مواطنيها اليهود مع مواطنيها العرب، ويعتبر العرب مواطنين من الدرجة الثالثة وتصادر أراضيهم وتنتهك حقوقهم الأساسية، وتعمل على تحقيق الانغلاق العنصري في التوظيف والسكن انطلاقاً من إيمانها بالأيديولوجية الصهيونية القائمة على النقاء والتفوق المزعوم للعرق اليهودي.
وانطلاقاً من الفصل العنصري الذي تؤمن به «إسرائيل» وتطبقه توجد فيها مدن بكاملها تمنع غير اليهودي من السكن فيها مثل كرمئيل، وتبني «إسرائيل» على الأراضي الفلسطينية المصادرة أحياء مغلقة تمنع العرب من السكن فيها.
وأكد د. إسرائيل شاهاك، أستاذ الكيمياء السابق في الجامعة العبرية أن إسرائيل منذ احتلالها للقدس عام 1967 قد انتزعت الكثير من الأراضي الفلسطينية وبنت عليها أحياء لليهود فقط وقال «إن أحد قاطني القدس من غير اليهود، والمواطن الإسرائيلي غير اليهودي يمكن أن يكون عضواً في الكنيست أو ضابط شرطة أو جندياً لكنه محظور عليه سكن رامات أشكول» (حي من الأحياء الاستيطانية في القدس العربية)[3].
وتدين المادة الرابعة من العهد الدولي كل دعاية وكل منظمة تقوم على أفكار أو نظريات تدعو لسيادة جنس أو مجموعة أشخاص من لون أو أصل عنصري واحد أو تحاول تبرير أو تعزيز الكراهية والتمييز العنصريين في أي شكل من الأشكال، وتعتبر نفس المادة أن كل نشر للأفكار القائمة على الاستعلاء أو الكراهية العنصريين أو التحريض على التمييز العنصري، وكذلك جميع أنواع العنف أو التحريض عليها ضد أي جنس أو مجموعة أشخاص ينتمون إلى لون أو أصل عرقي واحد وكذلك تقديم أي مساعدة لنشاطات عنصرية بما في ذلك مساعدتها مادياً جريمة يعاقب عليها القانون.
فما رأي أعضاء مجلس الأمن الدولي برفض تقديم الحماية للشعب الفلسطيني من الإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل تجاهه منذ تأسيسها وحتى اليوم؟
وما رأيهم في الاعتداءات المستمرة ليل نهار التي يقوم بها المستعمرون اليهود تجاه الفلسطينيين في مدينة الخليل وبقية الأراضي الفلسطينية المحتلة وإطلاق الرصاص والقنابل عليهم وإتلاف محاصيلهم وتقطيع عشرات الآلاف من الأشجار المثمرة وتكسير زجاج عشرات الآلاف من السيارات الفلسطينية؟
وما رأيهم بالاغتيالات التي قامت وتقوم بها «إسرائيل» والمستوطنون للقيادات والكوادر ورؤساء البلديات الفلسطينية، وقيادات حركات المقاومة السياسية والعسكرية؟
تدعم «إسرائيل» نشاطات وجرائم المستوطنين اليهود سياسياً ومادياً وعسكرياً، وتقدم لهم كافة أنواع الأسلحة وتسمح لهم بأخذ القانون بأيديهم ولا تمنع اعتداءاتهم المتكررة على الفلسطينيين.
وبموجب المادة الخامسة من العهد الدولي تتعهد الدول الأطراف بتحريم وإزالة التمييز العنصري بكافة أشكاله وضمان الحق لكل إنسان بدون تحيز أمام القانون، والتمتع بالمعاملة المتساوية أمام المحاكم، والحق بالسلامة الشخصية وبحماية الدولة ضد العنف أو الإيذاء البدني، والتمتع بالحقوق المدنية الأخرى كحق حرية الانتقال والإقامة داخل حدود الدولة، وحق مغادرة بلاده والعودة إليها، والحق بحرية الفكر والضمير والديانة والرأي والتعبير عنه والمساواة في الأجور عن الأعمال المتساوية وفي التعويضات المادية والمناسبة.
أين هذه الحقوق في معاملة «إسرائيل» مواطنيها الفلسطينيين ومعاملة العرب في الأراضي العربية المحتلة؟
تتعهد الدول الأطراف في العهد الدولي بموجب المادة السابعة باتخاذ إجراءات فورية وفعالة في مجالات التدريس والتعليم والثقافة والاستعلامات من أجل مكافحة الأحقاد التي تقود إلى التمييز العنصري ومن أجل نشر أهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وإعلان الأمم المتحدة الخاص بإزالة كافة أشكال التمييز العنصري.
يتميز التعليم في المدارس الإسرائيلية ببث روح الكراهية والبغضاء في نفوس التلامذة اليهود على العرب وتشويه القومية العربية والتاريخ العربي وحضهم على الإيمان بالاستعمار الاستيطاني ومصادرة الأراضي العربية وترحيل العرب عن فلسطين وتهجير اليهود إليها.
وتضع وزارة المعارف الإسرائيلية كتباً تشوه تاريخ فلسطين وتمحو ذكر العرب فيها، وتعمل على إقناعهم بسياسة الحروب والمجازر الجماعية تجاه العرب والتوسع والاحتلال وتهويد الأماكن العربية الإسلامية والمسيحية، وتعمل على طمس الثقافة العربية لدى التلامذة العرب.
وتنص المادة الثامنة من العهد الدولي على تأسيس لجنة لإزالة التمييز العنصري وتقديم تقرير سنوي حول أعمالها إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وخلاصة القول تتوفر المفاهيم الأربعة للعنصرية وهي: التفوق العنصري، والتمييز العنصري والفصل العنصري والتعصب العنصري التي يحرِّمها ويدينها العهد الدولي في الأيديولوجية الصهيونية وفي ممارسات «إسرائيل»، وبالتالي تنطبق المواد الواردة فيه على عنصرية الصهيونية و«إسرائيل» وتؤكد طابعهما العنصري.
إن اعتقاد الصهيونية وإسرائيل بنقاء العرق اليهودي وتميزه بالتفوق والاختيار والذكاء يقود إلى الانعزال وإلى الانغلاق العنصري، وإلى ممارسة التمييز العنصري، ويقود الإيمان بوجود شعب يهودي عالمي واحد وبأكذوبة الحق التاريخي في أرض الميعاد إلى تجميع أكبر عدد ممكن من يهود العالم في فلسطين وبقية المنطقة العربية واستباحة كل ما هو عربي لإقامة أكبر غيتو يهودي نقي، وبالتالي تحقيق الانغلاق والفصل العنصري على حساب الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني في أرضه ووطنه، وممارسة الإرهاب والعنصرية والتمييز العنصري والإبادة الجماعية تجاهه كما يحدث حالياً في الضفة الغربية وقطاع غزة وفي الداخل الفلسطيني.

عنصرية الصهيونية والعهد الدولي بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
تابعت الأمم المتحدة عملها النبيل في تعزيز حقوق الإنسان ومكافحة العنصرية والتمييز العنصري فأقرت في عام 1966 عهدين دوليين آخرين:
الأول: العهد الدولي بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
والثاني: العهد الدولي بشأن الحقوق المدنية والسياسية، بالإضافة إلى بروتوكول إضافي ملحق بهما.
وافقت الجمعية العامة على العهد الدولي الأول في كانون الأول العام 1966 ودخل حيز التنفيذ في 1976.
تنص المادة الأولى منه على أن لكافة الشعوب الحق في تقرير كيانها السياسي بحرية، وأن لجميع الشعوب الحق في التصرف الحر في ثرواتها ومواردها الطبيعية، وذلك بموجب الفقرتين الأولى والثانية من المادة الأولى.
وتضمن المادة السادسة الحق في العمل لكل فرد، بينما تنص المادة السابعة على المساواة في الأجور والمكافآت عن الأعمال المتساوية القيمة.
وتنص بقية المواد على الحق في تأسيس النقابات والانضمام إليها وحق الإضراب، والحق في الضمان الاجتماعي والتأمينات الاجتماعية، ووجوب جعل التعليم الابتدائي إلزامياً ومتاحاً للجميع، وجعل التعليم الثانوي والفني والمهني متاحاً وميسوراً للجميع، وجعل التعليم العالي ميسوراً للجميع على أساس الكفاءة.
إن العهد الدولي بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية معاهدة دولية تلزم الدول الموقعة عليها بالامتثال إلى الأحكام الواردة فيها.
فهل تلتزم «إسرائيل» ببنود هذا العهد الدولي بالنسبة لمواطنيها العرب وفي داخل الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة؟
إن الممارسات اليومية لقوات الاحتلال الإسرائيلية تجاه المدارس والجامعات الفلسطينية وإغلاقها شهوراً وأحياناً سنوات، وتغيير الكتب والمناهج الدراسية بما يخدم سياسة «إسرائيل» التوسعية والإرهابية والعنصرية تفرض على مجلس الأمن الدولي التدخل لوقف انتهاكات «إسرائيل» لكافة مواد هذا العهد الدولي.
يتناول هذا العهد مع العهد الدولي السابق والعهد الدولي بشأن الحقوق المدنية والسياسية معظم الحقوق المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ويتناول العهد أن بعض الحقوق الإضافية وآلية عمل تتيح لأجهزة الأمم المتحدة الإشراف على أعمال الدول الأطراف فيهما، ويتمتعان بصفة إلزامية للدول الموقعة عليهما، وأنشأ المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة لجنة معنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للإشراف على تنفيذ الحقوق الواردة فيهما.
ووافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على العهد الدولي بشأن الحقوق المدنية والسياسية في كانون الأول 1966 ودخل حيز التنفيذ عام 1976.
يبدأ العهد الدولي في مادته الأولى على النص أن لكافة الشعوب الحق في تقرير المصير وحرية التصرف في ثرواتها ومواردها الطبيعية.
وتنص المادة الثانية على أن تتعهد كل دولة طرف في الاتفاقية باحترام الحقوق الواردة في مواد العهد الدولي لكل الأفراد الموجودين في إقليمها بدون تمييز.
وتنص المادة السادسة على أن لكل إنسان الحق الطبيعي في الحياة، ويحمى القانون هذا الحق ولا يجوز حرمان أي فرد من حياته بشكل تعسفي.
وتتطرق المادة السابعة إلى موضوع التعذيب وتنص على أنه لا يجوز إخضاع أي فرد للتعذيب أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة.
وتتضمن المادة الثانية عشرة حرية التنقل وحق اختيار محل الإقامة ضمن الإقليم وعدم حرمان أحد بشكل تعسفي من حق الدخول إلى بلاده، أي ضمان حق العودة لكل فرد.
وتعترف المادة الثامنة عشرة بحق كل فرد في حرية الفكر والضمير والديانة وحرية التعبير، وتحظر المادة (20) أية دعاية أو أية دعوة للكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية التي من شأنها أن تشكل تحريضاً على التمييز أو العداوة أو العنف.
إن مبدأ المساواة وعدم التمييز مبدأ أساسي في العهدين الدوليين المذكورين لكل فرد بغض النظر عن لونه أو جنسه أو قوميته أو دينه، وتشمل الأحكام والحقوق الواردة فيهما جميع الأفراد الذين يعيشون في الدولة التي وقعت العهدين أو الخاضعين لتلك الدولة (كالاحتلال) كما أن أحكامهما ملزمة للدولة التي صدَّقت عليهما، وبالتالي تصبح الحقوق الواردة فيهما قانون في تلك الدول.
وشكلت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1968 لجنة للقضاء على التمييز العنصري بموجب العهد الدولي للقضاء على كافة أشكال التمييز العنصري، للنظر في التقارير المقدمة من الدول الأعضاء بشأن التدابير التي اتخذتها الدول لتنفيذ بنود العهد الدولي.
وقررت الجمعية العامة تسمية الفترة الممتدة من العام 1973 إلى العام 1983 عقد مكافحة العنصرية والتمييز العنصري، وطالبت الجمعية العامة من جميع الدول الأعضاء العمل على تشجيع حقوق الإنسان باستئصال العنصرية والتمييز العنصري والتصدي للسياسات العنصرية وإنهاء النظم العنصرية وعزل وتفنيد المعتقدات المضللة التي تساهم في إيجاد العنصرية والتمييز العنصري.
وقررت الجمعية العامة إحياء ذكرى مجزرة شار بفيل في جنوب إفريقيا التي ارتكبها نظام الأبارتايد في 21 آذار من كل عام.
وأدانت الجمعية العامة في 14 كانون الأول لعام 1973 التعاون الوثيق بين نظام الأبارتايد العنصري في جنوب إفريقيا و«إسرائيل».
وجاء في إعلان المكسيك الذي صدر عن المؤتمر العالمي للمرأة في الثاني من تموز 1975 وجوب إزالة الاستعمار الجديد والاحتلال الأجنبي والصهيونية والفصل العنصري والتمييز العنصري بجميع أشكاله، وكذلك الاعتراف بكرامة الشعوب وحقها في تقرير المصير[4].
وقررت قمة رؤساء دول وحكومات منظمة الوحدة الإفريقية في كمبالا في الأول من آب 1975 «إن النظام العنصري الحاكم في فلسطين المحتلة والنظامين العنصريين الحاكمين في زمبابوي وإفريقيا الجنوبية ترجع إلى أصل استعماري مشترك ولها هيكل عنصري واحد وترتبط ارتباطاً عضوياً في سياستها الرامية إلى إهدار كرامة الإنسان وحرمته[5]».




[1] حقوق الإنسان بين المبدأ والتطبيق، د. مدثر عبد الرحيم الطيب، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت 1968 ـ ص118.

[2] المصدر السابق نفسه، المادة الأولى من العهد الدولي الخاص بالقضاء على كافة أشكال التمييز العنصري.

[3] د. إسرائيل شاهاك، عنصرية إسرائيل، دار طلاس، دمشق 1988، ص81 ـ 82.

[4] أبحاث ندوة طرابلس، الصهيونية حركة عنصرية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1979، ص119.

[5] المصدر السابق نفسه.