عنصريـة اليهودية و الصهيونيـة والكيان الصهيوني
د. غازي حسين


مقـدمــة:
أقامت الحركة الصهيونية دولة اليهود بعد نصف قرن من تأسيسها على جزء من أرض فلسطين العربية ونجحت خلال النصف الثاني من القرن العشرين بعد توقيع اتفاقيات الإذعان في كمب ديفيد وأوسلو ووادي عربة، وبعد عقد القمم والمؤتمرات الاقتصادية والأمنية في تحويلها إلى قوة إقليمية عظمى كما نجحت اليهودية العالمية في عام 1991 في إلغاء قرار الأمم المتحدة رقم /3379/ الذي ساوى الصهيونية بالعنصرية، أي إلغاء الصفة العنصرية عن الصهيونية من قرارات الأمم المتحدة دون أن تتخلى عن عنصريتها وعن المزاعم والخرافات والأكاذيب والأطماع اليهودية في الأرض والثروات العربية.
ولا تزال «إسرائيل» تتمسك بجميع المرتكزات الأساسية للصهيونية كمقولة «أرض الميعاد»، ومقولة أن اليهود هم شعب الله المختار، وأن الحدود التوراتية لأرض الميعاد تمتد من النيل إلى الفرات والهيمنة على الوطن العربي من المحيط إلى الخليج.
وتعمل منذ مؤتمر بازل الصهيوني الأول على تجميع يهود العالم في فلسطين العربية وبالتالي لا يزال أمام الصهيونية وجوب استكمال المشروع الصهيوني بعودة معظم يهود العالم إلى فلسطين وبعض المناطق العربية الأخرى المجاورة لها وفرض السيادة الإسرائيلية على ما يسمى «أرض إسرائيل التاريخية» وتحقيق السلام الإسرائيلي برعاية الولايات المتحدة الأمريكية وبالشروط والإملاءات الإسرائيلية، والاعتراف بيهودية الدولة أي بدولة يهودية عنصرية نقية.
إن الصهيونية هي أيديولوجية الغالبية العظمى من يهود العالم داخل إسرائيل وخارجها. خدمت وتخدم مصالح الاحتكارات اليهودية العالمية والدول الاستعمارية، حيث ساهم رجال المال اليهود في بريطانيا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة في بلورتها ودعمها.
تعاونت في بادئ الأمر مع ألمانيا القيصرية ثم الاستعمار البريطاني والفرنسي وألمانيا النازية وارتمت كلية منذ الحرب العالمية الثانية في أحضان الاستعمار الأميركي.
وأسست المنظمات اليهودية المختلفة في جميع بلدان العالم لفرض سيطرتها على الحكومات وممارسة الضغط والابتزاز على رجال السياسة والمال والإعلام لتنفيذ المخططات الصهيونية.
وتنطلق الصهيونية من عنصرية اليهودية ومن المرتكزات الأساسية للنظريات العنصرية في أوروبا، فالصهيونية أيديولوجية عنصرية كولونيالية، وهي تجسيد لعنصرية اليهودية. ويقوم الكيان الصهيوني على أساس عنصرية اليهودية والصهيونية.
ظهرت الصهيونية وانتشرت في الأوساط اليهودية في أوروبا الشرقية وبشكل خاص في بولندا وروسيا.
وتعود أسباب نشوئها إلى عوامل دينية وسياسية واقتصادية وكولونيالية. وينبع بعضها من تعاليم اليهودية وأطماع اليهود في الأرض والثروات العربية والبعض الآخر من عنصرية المجتمعات التي يعيشون فيها والتغيرات التي حدثت فيها. ولم تنتشر الصهيونية في أوروبا الغربية بسبب حركات الإصلاح الديني والمساواة والتسامح والاندماج.
وكان الصراع بين اليهودية والمسيحية من أهم الأسباب التي صبغت حياة اليهود في أوروبا، حيث طردوا من إسبانيا وتحسنت أوضاعهم فيها إبان الحكم العربي، وفي البلدان الأوروبية الأخرى بفضل الأفكار الإنسانية التي بثتها الثورة الفرنسية.
ـ ظهر نظام الغيتوات لأول مرة في المدن الإيطالية بناءً على طلب رجال الدين اليهود كي يفرضوا تعاليم اليهودية وسيطرتهم المطلقة على رعاياهم اليهود، وفرض نظام الغيتو فيما بعد على يهود فرانكفورت «بناءً على اتفاق خاص بين مجلس المدينة وسكانها اليهود، كما فرض هذا النظام على اليهود في مدينة فيينا بناءً على طلب اليهود أنفسهم[1]».
وحققت الثورة الفرنسية المساواة بين اليهود والمسيحيين، بعد أن ألغت نظام الإقطاع، ومنعت التمييز بين المواطنين بسبب معتقدهم الديني.
وقام نابليون بتحسين وضع اليهود في بقية البلدان الأوروبية، وأعاد تشكيل مجلس السناديريوم لتسخير اليهود في خدمة أطماعه في الشرق وتحويل أنظارهم نحو فلسطين.
أخذ اليهود في التعامل بالمال والربا منذ القرن عشر، عندما حرمت الكنيسة على المسيحيين التعامل فيه، مما أدى إلى تقوية نفوذ اليهود في فرنسا وبريطانيا، واتجهوا إلى تأسيس البنوك وزاد غناهم واندماجهم في بلدان أوروبا الغربية، وسيطروا على معظم البنوك فيها، مما أجج موجة من الكراهية والبغضاء تجاههم من الطبقات الفقيرة التي حملتهم مسؤولية تدهور أوضاعهم المعيشية.


عنصرية اليهودية:
تقوم الصهيونية على أساس أن اليهودية ليست مجرد ديانة، وإنما هي قومية.
والقومية اليهودية في نظر الصهاينة غير منفصلة عن الديانة اليهودية.
واليهودية هي الوجه الديني للصهيونية، و«إسرائيل» هي التجسيد العملي للصهيونية، وللوجهين الديني والسياسي لليهودية، ودولة جميع اليهود في العالم.
ورسخت اليهودية في أذهان اليهود، إنهم شعب الله المختار، وأنقى الأعراق وأذكاها، والنخبة بين البشر.
وتعتبر مقولة «شعب الله المختار» التي وردت في التوراة المرتكز الأساسي للعنصرية اليهودية، فالتوراة والتلمود تحرضان اليهود على ممارسة العنصرية والإرهاب تجاه غير اليهود، مما يجعل الكثير من اليهود يسلكون سلوكاً شاذاً ويتحلون بعادات غير مألوفة وغير إنسانية بحيث يبدون فوق البشر، وهم وحدهم صفوة البشر.
إن التوراة هي الكتاب المقدس لدى اليهود ويأتي التلمود بعد التوراة من حيث المرتبة والأهمية.
تمتلئ التوراة والتلمود بعبارات الاختيار والتفوق والنقاء وبقصص الإبادة الجماعية والثأر والانتقام والعدوان والكذب والغدر والخيانة والاستعلاء وعدم الاندماج والانعزال.
وترجع التوراة روح الاستعلاء والإرهاب والقتل إلى الإله يهوه، رب الجنود، وبالتالي سارت اليهودية التي رسخها كتبة التوراة والتلمود منذ بدايتها في الاتجاه العنصري والعدواني والإرهابي البغيض. لذلك عندما يريد المرء معرفة عنصرية اليهودية فعليه الرجوع إلى التراث الديني الذي خلفته، وفي مقدمة هذا التراث تأتي التوراة (العهد القديم) ثم التلمود.
يقول يهوه لأبرام: «أقيم عهدي بيني وبينك وبين نسلك من بعدك، في أجيالهم، عهداً أبدياً، لأكون إلهاً «لك ولنسلك من بعدك، وأعطي لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك، كل أرض كنعان، ملكاً أبدياً وأكون إلههم[2]». سفر التكوين.
بنت اليهودية عنصريتها على أساس أن اليهود جماعة فريدة مختارة تتمتع بحقوق إلهية لا يتمتع بها غيرها من الجماعات البشرية، وأن اختيار أبرام ليس له فقط وإنما لأبنائه، وسلالاتهم وأنه ملزم إلى الأبد. وأقامت اليهودية تفكيرها العنصري على أساس هذا العهد الإلهي المزعوم، وذلك لتبرير غزو العشائر اليهودية لأرض كنعان، وتحرس الاستعلاء والعنصرية والتمييز العنصري في الأجيال اليهودية المتعاقبة.
وأخذت العنصرية تنتشر في شريعة موسى عندما خلص جماعته من الذل والعبودية في مصر.
حيث أخذ كردة فعل على العبودية والشعور بالدونية يغذي في جماعته التفوق والتمييز والاختيار. وغرس في أوساطهم مقولات وأفكار التفوق والتمييز والاستعلاء كقول يهوه كما نسبت له التوراة ذلك «تكونون لي قديسين أنا يهوه الذي ميزكم من الشعوب». (سفر اللاوبين 20)، وقول يهوه «أنتم أولاد للرب إلهكم... وقد اختارك الرب لكي تكون له شعباً خاصاً فوق جميع الشعوب» (سفر التثنية 14).
وتتناول التوراة الأرض التي أعطاها «يهوه» إلى بني إسرائيل وتحددها بأنها «كل موضع تدوسه بطون أقدامهم من البرية ولبنان إلى النهر الكبير نهر الفرات، جميع أراضي الحثيين وإلى البحر الكبير نحو مغرب الشمس تكون تخمكم...».
نظر موسى إلى الدين اليهودي حسب قول التوراة «على أنه آله، قوة قاهرة، تخضع السواد الأعظم من العامة لمشيئته، فيكون قادراً على تسخيرهم واستخدامهم. فكان من الطبيعي أن تنطلق تشريعات موسى من مفهوم القبيلة، وتنحصر في ربط اليهود، بعضهم ببعض، في فئة قتالية، غير قابلة للاندماج مع الآخرين. من هنا جاءت تشريعات موسى عنصرية، ضيقة، منغلقة. تدور في دائرة القبلية الإسرائيلية، لا تتعداها إلى غيرها من الشعوب، وإذا صدف وتعدتها، فلتبيان الوسائل في امتصاص الشعوب، واستعبادها، فهي مثلاً تنهي اليهودي عن قتل اليهودي، والغدر به، والانتقام منه، والحقد عليه، أما بقية الشعوب فهي تأمر بقتلها، والغدر بها، والانتقام منها، والحقد عليها[3]».
تروي التوراة كيف أن موسى كلم الرب وطلب منه أن ينتقم لبني إسرائيل من المديانيين وقتل بنو إسرائيل جميع الذكور في مديان وسبوا نساء مديان وأطفالهم ونهبوا جميع ممتلكاتهم والبهائم والمواشي، وأحرقوا جميع مدنهم.
وعندما خرج موسى لاستقبال جماعته أمرهم بقتل كل ذكر من الأطفال وكل امرأة عاشرت رجلاً. وبالتالي وضعت التوراة للأجيال اليهودية الأسس الدينية لارتكاب المجازر الجماعية، وممارسة التطهير العرقي، وسارت الأجيال اليهودية على هذا المنوال كلما سنحت لها الفرصة الملائمة، ولا تزال الإبادة الجماعية سياسة رسمية ترتكبها دولة اليهود في المنطقة العربية بدعم وتأييد كاملين من اليهودية العالمية.
وتزعم التوراة في سفر التثنية، الإصحاح التاسع أن الإله يهوه يحارب مع اليهود «وينتصر لهم ويخطط لهم وهو الذي يريد إبادة الشعوب والأمم من أجل أن يسود شعبه الخاص المقدس على كل الشعوب[4]».
وتتضمن التوراة في سفر التثنية (الإصحاح 20) أن الإله يهوه لا يقبل بأن تتساوى الشعوب مع شعبه المختار «ولذا كل الشعوب والأمم عدوة لبني إسرائيل وليس هناك من أمل في أن تتحول هذه العداوة إلى محبة خاصة وأن كافة الأمم ستغدو بمثابة العبيد لبني إسرائيل إن هادنت ورضيت بالصلح أو ستُباد من الوجود إن رفضت المهادنة، أي على جميع الأمم أن تكون مستعبدة ومسخرة لخدمة بني إسرائيل أو تباد من الوجود[5]».
وتؤكد اليهودية على العنصرية والتمييز العنصري من خلال الزعم بأن اليهود هم شعب الله المختار، أي خصَّهم يهوه بالتميز والتفوق العنصري، وتحضهم على عدم الاختلاط بالشعوب والأمم.
وتحض التوراة اليهود على عدم الزواج من الشعوب الأخرى فترفض الزواج المختلط وتذكر كيف أن الكاهن فينحاس بن العازر قد قتل الرجل اليهودي الذي تزوج بامرأة مديانية وقتلها أيضاً، وتزعم التوراة أن موسى لم يرض فأمر بحرق مديان وقتل الرجال والأطفال، مما يؤكد على سياسة الإبادة والانغلاق والعنصرية التي تسير عليها اليهودية. وتروي التوراة أن أبرام رفض أن يتزوج ابنه اسحق فتاة من فتيات كنعان، وأصرَّ على أن يتزوج فتاة من جماعته. وسار اسحق على منوال أبيه ورفض أن يتزوج ابنه يعقوب فتاة كنعانية. وارتكب أبناء يعقوب مجزرة وحشية بحق سكان منطقة نابلس، لأن ابن ملك المنطقة أراد أن يتزوج ابنة يعقوب التي أحبها وأحبته وطلب الزواج منها فطلبوا من الملك ختان جميع الذكور في مملكته.
ولبى هذا الطلب، فقام اليهود بذبح جميع الرجال بعد الختان مباشرة، وبالتالي كان شرط الختان خدعة لارتكاب جريمة الإبادة الجماعية للمحافظة على النقاء اليهودي ورفض الزواج المختلط والتعايش مع الشعوب المجاورة.
وجاءت وصايا التوراة لليهود فقط (ولا تطبق على غير اليهود) مشبعّة بالانعزال والتفوق والتمييز وكراهية الشعوب واحتقارها والحض على إبادتها.
«اليهودي يحق له أن يسرق الأغيار وأن يزني مع نساء الأغيار وأن يقرض الأغيار بالربا، لكنه لا يحق له هذا مع اليهودي، لأن اليهودي أخوه بينما الأجنبي عدوه، إنها النظرة الضيقة المنغلقة التي تمثل جوهر الفكر الديني اليهودي، هذا الفكر الذي يلقن للأطفال والشباب[6]».
وأخذ اليهود يرثون الاستعلاء والانغلاق والعنصرية وكراهية غير اليهود وإبادتهم.
«لقد ورَّثتْ التوراة عنصريتها للقائد الجديد «يوشع» فكان تلميذاً ناجحاً في العنصرية قاد إتباعه لتنفيذ وصايا يهوه وموسى في كنعان...
ونقرأ في سفر أرميا كثيراً من الشواهد التي تؤكد على النـزعة العنصرية، فأرميا مستاء من الاندماج والاختلاط، ورب الجنود يرى في التسامح والانفتاح وباء عظيماً... أيضاً نجد هذه النـزعة العنصرية في سفر حزقيال. فهو يشدد على ضرورة التمسك بشريعة يهوه الانغلاقية التعصبية. إنه يرى أن اليهود شعب مقدس اختاره يهوه ليكون شعبه الخاص المدلل، الذي وإن أخطأ بحقه سيستمر في رعايته وعنايته وتدمير كافة الشعوب والأمم من أجله[7]».
إن التوراة والتلمود تمتلئان بالمنطلقات العنصرية وكراهية جميع البشر غير اليهود والدعوة لإبادتهم وفرض سيطرة اليهود على الشعوب الكنعانية بالقوة، إذ لا خلاص لليهود بحسب تعاليمهم الدينية إلا باستئصال جميع الشعوب غير اليهودية من المنطقة التي تزاحمهم وتنافسهم على مصادر الماء والكلأ والنفوذ السياسي والعسكري.
وتغرس التوراة في اليهود حب سفك الدماء إذ جاء في سفر يوشع الإصحاح السادس ما يلي:
«وأخذوا المدينة. وحرموا (قتلوا) كل من في المدينة من رجل وامرأة من طفل وشيخ حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف. وأحرقوا المدينة بالنار مع كل ما بها. إنما الفضة والذهب وآنية النحاس والحديد جعلوها في خزانة بيت الرب[8]».
وتكشف التوراة والتلمود طبيعة اليهود وحقيقتهم، فربهم «يهوه» يأمرهم بارتكاب المجازر الجماعية وقتل الشيوخ والعجزة والنساء والأطفال والبهائم وقطع الأشجار وتخريب الزرع وحرق القرى والمدن بما فيها من مدنيين، تماماً كما تفعل «إسرائيل» منذ تأسيسها وحتى اليوم.
وتظهر الروح العنصرية المتأصلة في اليهودية والمعادية والحاقدة على جميع الشعوب في قول أشعيا: «أن للرب سخطاً على كل الأمم ومحقاً على كل جيشهم. وقد دفعهم للذبح قتلاهم تطرح وجيفهم تصعد نتانتها، وتسيل الجبال بدمائهم» سفر أشعيا 34.
وقول الرب بلسان أشعيا عن دمشق: «هو ذا دمشق تزال من بين المدن وتكون رجمة ردم». سفر أشعيا 17.
ويقول الرب بلسان أرميا عن موآب: «وتصير مدنها قرية بلا ساكن فيها» سفر أرميا 48.
وعن بني عمون (بالأردن) يقول الرب: «تصير تلاً خرباً. وتحرق نباتها بالنار».
ويقول الرب عن بصرة، مملكة أدوم: «بذاتي حلفت أن بصرة تكون دهشاً وعاراً وخراباً ولعنة. وكل مدنها خرباً أبدية لا يسكن هناك إنسان ولا يتغرب فيها ابن آدم». «سفر أرميا 49».
ويقول الرب عن مصر: «وتصير خراباً خربة مقفلة، لا تمر فيها رجل إنسان ولا تمر فيها رجل بهيمة وأشتت المصريين بين الأمم وأبددهم في الأراضي» سفر حزقيال 29.
لقد ربط موسى جماعته به عن طريق الإله «يهوه» لخدمة مصالحهم. وارتبطت العلاقة بين يهوه وبينهم لخدمة المصالح المشتركة. وكانوا يحبون سفك الدماء والمجازر الجماعية والأخذ بالثأر والانتقام وتدمير القرى والمدن وحرقها، وكان يهوه يقف دائماً بجانب موسى وجماعته يحثهم على الإغارة على المدن الكنعانية وتدميرها وقتل سكانها من رجال وأطفال وشيوخ ونساء حتى الحيوانات.
وعندما غزا يهود اليمن نصارى نجران في مطلع القرن السادس الميلادي وهزموهم «جمع اليهود ما تبقى من المسيحيين الأحياء بعد أن حفروا خندقاً وأوقدوا فيه النار ثم ألقوا إليها بالنصارى ليحترقوا وهم على قيد الحياة[9]». إن حقد اليهود على الشعوب وحب الانتقام منهم، والاستعلاء عليهم، واحتقارهم واعتبارهم حيوانات، وبيوتهم زرائب، وتحريم اليهودي إنقاذ غير اليهودي، ومكافأة اليهودي الذي يقتل أجنبياً بالخلود في الجنة، وأن السرقة جائزة من غير اليهودي، وأنه يجوز لليهودي أن يشهد زوراً يظهر بجلاء خطورة اليهودية على البشرية جمعاء وإيمانها بالعنصرية والتمييز العنصري.
إن اليهودية تميز أرواح اليهود عن سائر الأرواح بأنها جزء من العزة الإلهية، وأن أرواح اليهود عزيزة عند الله، بينما الأرواح غير اليهودية تشبه أرواح الحيوانات، وأن اليهودي عند يهوه أكثر من الملائكة. وينص التلمود على «أن الله خلق الأجنبي على هيئة إنسان فقط، ليكون لائقاً لخدمة اليهود الذين خلقت الدنيا من أجلهم[10]».
ويزعم حاخامات اليهود أن إسرائيل سأل يهوه «لماذا خلقت غير شعبنا المختار؟ فأجابه قائلاً:
لتركبوا ظهورهم وتمتصوا دماءهم وتحرقوا أخضرهم وتلوثوا طاهرهم وتهدموا عامرهم[11]».
ويصف التلمود «إن غير اليهود حيوانات في صورة إنسان، وهم حمير وكلاب بل الكلاب أفضل منهم، لأنه مصرح لليهودي في الأعياد أن يطعم الكلب، وليس مصرحاً له أن يطعم الأجنبي[12]».
وبالتالي تكون تعاليم اليهودية قد وضعت بذور الاستعلاء والتفوق والعنصرية والتطهير العرقي وسيادة اليهود على سائر الشعوب، مما يجعل اليهود ينظرون إلى الشعوب الأخرى نظرة مليئة بالحقد والكراهية والازدراء وحب الانتقام، والاعتقاد بوجوب استغلال جميع الشعوب لأنها خلقت لخدمة اليهود وتنفيذ أغراضهم.
ولعب الكهنة دوراً أساسياً في بلورة الشخصية اليهودية وتحليها بالصفات الواردة في التوراة والتلمود وفي عزل اليهودي عن محيطه، وتلقينه الأفكار العنصرية، والاحتفال بالأعياد الدينية لتذكيره بانفصاله عن المجتمع الذي يعيش فيه، وبثوا فيه الاعتقاد بأن يهوه اختاره من بقية أبناء الشعوب الأخرى وخوله حق التسلط على الشعوب وثرواتها.
وتمسك رجال الدين اليهودي بالعزل الاجتماعي والاقتصادي لليهود من بلدان أوروبا الشرقية، لأنه في نظرهم يعني المحافظة على الدين اليهودي من جهة وعلى ممتلكات اليهود من جهة أخرى.
ويؤكد المؤرخ «ساخر» أن قيام الغيتو الأول في كل من إسبانيا وصقلية في الفترة المبكرة من القرون الوسطى كان بناءً على طلب اليهود أنفسهم[13].
وأعلن الحاخام اليهودي الأميركي، المر بيرجر «أن ممثلي التجمعات اليهودية في أغلب الدول كانوا يلتمسون من السلطات الحاكمة إنشاء غيتو لهم[14]».
وظهرت في العديد من الدول الأوروبية غيتوات نتيجة للتربية اليهودية وانعزال اليهود ومقاومتهم للاندماج.
وطرحت الصهيونية إقامة غيتو واحد لجميع يهود العالم في فلسطين وركزت على الانغلاق والانعزال والتفوق والهجرة إلى ما تسميه أرض الآباء والأجداد، وممارسة الإبادة الجماعية والإرهاب والعنصرية تجاه الفلسطينيين سكان البلاد الأصليين وأصحابها الشرعيين.
إن مقولة «شعب الله المختار» تدفع باليهود إلى الاعتقاد بتفوقهم وتميزهم عن الشعوب الأخرى.
وتقود فكرة التفوق العنصري إلى عرقلة الاندماج وتحقيق الانعزال. ودفع الاعتقاد بالتفوق انطلاقاً من تعاليم اليهودية بالمفكرين اليهود إلى تبني الأفكار العنصرية والترويج لها.
لذلك طالب العديد من المفكرين في أوروبا ومنهم برونو بوير بتخلي اليهودي عن يهوديته لكي يصبح كغيره من البشر.
وقال كارل ماركس في كتابه «المسألة اليهودية» إن تحرير اليهودي في معناه الأخير يقوم على تحرير الإنسانية من اليهودية، والتحرر الاجتماعي اليهودي إنما هو تحرير المجتمع من اليهودية وإن المال هو إله إسرائيل المطاع، وإن قومية اليهودي الوهمية هي قومية التاجر، قومية رجل المال.
لقد تأثر موزيس هيس بفلسفة فريدريش نيتشه وهربرت سبنسر حول عدم اندماج الأصناف المختلفة.
وأخذ تيودور هرتزل من فلسفة نيتشه تمجيده القوة بينما أخذ منه آحاد عام مقولة «التفوق»، واستبدل اليهودي بالآري في نظريته العنصرية.
وبالتالي فإن عنصرية اليهودي سبقت العنصرية في أوروبا بعدة قرون لأن جذورها تعود إلى تعاليم التوراة والتلمود وإلى النظريات العنصرية التي ظهرت في القرن التاسع عشر في أوروبا.
لقد أثبت علم السلالات أن اليهود لا يمثلون جنساً أو عنصراً نقياً حيث أكد إعلان الأجناس والتباينات العرقية الذي أقرته مجموعة من علماء الاجتماع والسلالات البشرية البارزين في العالم عام 1951 «إن المسلمين واليهود لا يمثلون أجناساً نقية شأنهم في ذلك شأن الكاثوليك والبروتستانت[15]»
وعندما اعتنق ملك الخزر الديانة اليهودية لأسباب سياسية اعتنقت مملكته ديانة ملكها الجديدة، وهم ليسوا من الساميين، فاليهودي من بلاد الخزر لا ينتمي إطلاقاً لجنس واحد أو لأمة واحدة أو للعنصر السامي وإنما ينتمي للديانة اليهودية.
إن اليهودية ديانة وليست قومية. وإن اليهود لا يشكلون أمة واحدة أو شعباً عالمياً واحداً، ولا يشكلون مجموعة قومية أو عرقية، ولا وجود على الإطلاق لعرق يهودي نقي وإنما هم من أعراق وأمم وشعوب متعددة.


العنصرية في فكر موزيس هيس:
تعتبر الأوساط اليهودية موزيس هيس نبي الأيديولوجية الصهيونية، وتيودور هرتسل مؤسس الصهيونية كحركة سياسية عالمية منظمة.
كان هيس أول من نادى بأن اليهودية هي «قومية» وطالب اليهود بعدم الاندماج في المجتمعات التي يعيشون فيها لكونهم شعب الله المختار وأنقى الأعراق في العالم ودعاهم إلى الهجرة إلى فلسطين وتأسيس إسرائيل فيها بمساعدة فرنسا وتحت رعايتها.
وتجلت دعوته بوضوح في كتابه «روما والقدس» الذي نشر في مدينة لايبرغ عام 1862 وتتلخص بأن:
ـ اليهودية قومية ولا يمكن فصلها عن القدس.
ـ مقاومة اندماج اليهود ووجوب حملهم على الهجرة إلى فلسطين.
ـ تأسيس دولة إسرائيل في القدس تحت الحماية الفرنسية.
وأعلن في مقدمة كتابه أنه «سيشهر الحرب على الأوهام العقلانية التي تنكر الدلالة القومية للدين اليهودي، وعلى الإصلاحيين الاندماجيين اليهود الذين يحاولون فصل السياسة عن الدين، متجاهلين المنابع العميقة للحياة القومية والتي ألهبت الأدب التلمودي والتوراتي[16]».
ورفض هيس فصل الدين عن السياسة وأكد أن أحكام الدين وإلهاماته ثابتة وصالحة لكل العصور.
ويرى أنه طالما أنكر اليهودي قوميته، فسيزداد حاله سوءاً، حيث أن الشعوب الأوروبية كانت تنظر دوماً إلى وجود اليهود بين ظهرانيهم على أنه وجود دخيل ويقول: «سنُطارد دائماً غرباء بين الأمم، قد تأخذهم الإنسانية أحياناً، وتدفعهم العدالة إلى أن يطلبوا الحرية لنا، ولكنهم لن يحترموننا طالما ننكر قوميتنا ونجعل منها ديناً فالقومية اليهودية مقوّم أساسي من مقومات اليهودية[17]».
ويقول هيس أن الاندماج «طعم وفخ» يسقط فيه اليهودي، مهما اختبأ وتخفى وراء تأكيداته الفلسفية أو الجغرافية بالانتماء للمكان الذي يعيش فيه «ومهما أخفيت وجهك، وغيرت اسمك، ورحلت مجهول الهوية كي لا يتعرف الناس على يهوديتك فستلاحقك الإهانات والعذابات[18]».
واعتبر هيس الصراع بين الأجناس والأعراق قدراً لا خلاص منه. وأقام كتابه على أساس المفهوم العرقي والصراع المحتوم بين الأجناس وقال:
«فالعرق اليهودي عرق نقي وهو الذي يولّد صفاته، برغم كل تأثيرات الأجواء والمناخات المختلفة فقد ظل الطابع اليهودي ثابتاً على مر العصور، ومنذ القدم تعرض الشعب اليهودي للغزو، حتى كاد أن يباد تماماً على يد الأغراب، ولو لم يحتفظ اليهودي على نحو تام بكل صفاته العرقية لذاب وانمحى، فقد كان أمامه أما التخلي عن هويته أو الموت، ومع ذلك فاليهودية تدين بخلودها ودوامها إلى خصوبة عبقريتها الدينية[19]».
وطالب هيس بترويض البابا فكتب يقول: «إن روما المقدسة، روما البابا والحبر الأعظم كانت على الدوام مصدر كل الشرور لليهودية، وبالقضاء على مصدر الشرور هذا الذي يستمد منه أعداء السامية المسيحيون الجرمان كل حججهم، يمحى العداء للسامية ذاته[20].
وبالفعل نجحوا فنصَّبوا أحد البابوات فقام بتبرئة اليهود من دم المسيح».
ويلخص هس في خاتمة كتابه مفهومه عن الجنس أو العرق ويقول:
«الأبحاث العلمية بالإضافة إلى تجارب حياتي الشخصية، تحولت عندي إلى عقائد وقناعات سياسية أصوغها على الوجه التالي:
ـ التنظيم الاجتماعي مثله مثل المفاهيم الفلسفية من نتاج العرق الذي ابتكرها.
ـ التاريخ حتى يومنا هذا يصنعه صراع الأعراق والطبقات.
ـ العرق المسيطر الأخير هو العرق الألماني، ولكن صراع الأعراق وصل إلى نهايته، بفضل الشعب الفرنسي».
ـ نهاية الصراعات العرقية هي أيضاً ختام الصراعات الطبقية: والمساواة بين جميع الطبقات الاجتماعية هي الثمرة المباشرة للمساواة بين الأجناس والأعراق[21].
وتتجلى شوفينية وخطورة الفكر العنصرية اليهودي الذي صاغه هيس بقوله: «ليس بمقدوري أن أتسامح مع أي عداوات موجهة ضد عرقي، لأن هذا العرق لعب في تاريخ العالم أكبر دور وهو مدعو من جديد لأن ينهض بدور أكبر في المستقبل. ولا أستطيع أن أتقبل العداء المسبق للغة آبائنا المقدسة، إن الصلوات العبرية تستنهضني، فإنني أسمع فيها رجع صدى ألف جيل فهي تحمل عذاباتهم كل يوم إلى عنان السماء[22]».
ويمضي هيس بوضع أسس الأيديولوجية الصهيونية وعنصريتها ويقول: «الشعب اليهودي هو الشعب الوحيد الذي له دين قومي وعالمي معاً. وبفضل اليهودية أصبح تاريخ الإنسانية تاريخاً مقدساً».
وفسر هيس التطور التاريخي مثل شارل داروين بالصراع من أجل الوجود.
وتضمن كتابه «المادية الدينامية» الذي نشرته زوجته بعد وفاته أفكاره حول الصراع والتعاون وأن البقاء للأقوى والأصلح.
وركز هيس آماله على فرنسا الكولونيالية لدعم مشاريع استثمار فلسطين، «ليس فقط بدوافع أيديولوجية فحسب، باعتبارها حاملة مثل الثورة الفرنسية، بل وأيضاً بسبب المصالح الفرنسية الاقتصادية والاستراتيجية في الشرق الأوسط. فالفرنسيون هم حماة المارونيين، وقد أعادوا النظام إلى لبنان، وحفروا قناة السويس واليهود يمكن أن يقوموا بدور «الجندرمة» التي ستحمي المصالح الفرنسية في فلسطين[23]».


عنصرية الصهيونية:
إن العنصرية هي اعتقاد شعب من الشعوب أو عرق من الأعراق بأنه يتفوق على غيره من الشعوب أو الأعراق الأخرى بسبب العرق أو الجنس أو اللون أو الدين.
ويقود الاعتقاد بالتفوق لدى شعب أو عرق إلى التمييز والتعالي على بقية الشعوب أو الأعراق، فينظر إليها نظرة استعلاء وتميز وازدراء.
وتقوم العنصرية في مجال التطبيق العملي على أساس ممارسة التمييز بين الشعوب والبشر.
وتقود العقيدة العنصرية إلى استعمال العنف والإرهاب لتفرض تفوقها وهيمنتها على الآخرين وتحقيق نظرية المجال الحيوي وتقيم أنظمتها السياسية وأطرها القانونية وممارساتها العملية على أساس التمييز العنصري.
وتثير العنصرية الكراهية والبغضاء بين الشعب المتفوق وغيره من الشعوب، وحتى بين أبناء الشعب الواحد تماماً كالنازية في ألمانيا والأبارتايد في جنوب إفريقيا والصهيونية في فلسطين.
ظهرت كلمة صهيونية لأول مرة في الكتاب الذي نشره الكاتب اليهودي الألماني ناتان بيرنباوم بعنوان: «البعث الثقافي للشعب اليهودي في أرضه كوسيلة لحل المسألة اليهودية». واستخدم كلمة صهيونية بدلاً من القومية اليهودية.
وظهرت أول جمعية صهيونية، جمعت أحباء صهيون في روسيا عام 1882 بسبب التعصب الديني لدى اليهود الذي حال بينهم وبين الاندماج وبسبب عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية كانت سائدة هناك.
وقام برنامج جمعيات أحباء صهيون على محاربة الاندماج وبلورة الشعور اليهودي المتعصب والهجرة إلى فلسطين للاستيلاء عليها وتهويدها.
وفي عام 1890 نشر اليهودي الألماني بودنهايمر كراساً طالب فيه بضرورة هجرة يهود روسيا إلى سورية وفلسطين.
ووجه عام 1890 نداءً بعنوان «يا صهيونيي العالم اتحدوا». نادى فيه بضرورة تأسيس شركات لتطوير الأراضي واستعمار فلسطين ووضعها تحت الحماية الألمانية. وأسس بودنهايمر بالتعاون مع اليهودي الألماني دافيد فولفسون عام 1892 جمعية أحباء صهيون الألمانية.
وانعقد المؤتمر الأول للجمعية في برلين عام 1893. واتخذ عدة قرارات منها:
ـ إنشاء منظمة صهيونية موحدة.
ـ تشجيع الاستيطان اليهودي في فلسطين.
ـ وإحياء اللغة العبرية والثقافة اليهودية..
وفي عام 1896 ظهر كتاب «دولة اليهود» بالألمانية لمؤلفه تيودور هرتسل ويتضمن:
ـ الحل الوحيد للمسألة اليهودية هو تأسيس دولة اليهود.
ـ دولة اليهود ستقوم بدعم من الدول الأوروبية الاستعمارية.
ـ العداء للسامية حركة مفيدة وأبدية.
وفي عام 1897 انعقد المؤتمر الصهيوني الأول في بازل بسويسرا برئاسة تيودور هرتسل والذي افتتح المؤتمر قائلاً:
«اجتمعنا هنا لوضع حجر الأساس للبيت الذي سيأوي الأمة اليهودية».
وكتب هرتسل في مذكراته عن مؤتمر بازل يقول: «لو رغبت في تلخيص مؤتمر بازل لقلت: في بازل تم تأسيس دولة اليهود» وذلك لأن المؤتمر حدد الهدف الصهيوني والوسائل التي يجب إتباعها وشكل الدولة بأدق تفاصيلها. وقرر إقامة المنظمة الصهيونية العالمية، والتي تتألف من المنظمات الصهيونية الإقليمية.
أما كلمة الصهيونية فلقد عرفتها الموسوعة البريطانية بما يلي: «أن اليهود يتطلعون إلى افتداء إسرائيل واجتماع الشعب في فلسطين، واستعادة الدولة اليهودية، وإعادة بناء الهيكل وإقامة عرش داود في القدس ثانية وعليه أمير من نسل داود[24]».
وجاء في الموسوعة اليهودية تحت كلمة صهيونية: «أن اليهود يبغون أن يجمعوا أمرهم، وأن يقدموا إلى القدس ويتغلبوا على قوة الأعداء، وأن يعيدوا العبادة إلى الهيكل ويقيموا ملكهم هناك».
ويعرف (ماير باري) الصهيونية ويقول: «فالصهيونية ليست شيئاً آخر سوى النضال من أجل التحرير الوطني لشعب وضحت معالم حقه في وطنه، وطن آبائه وأجداده، من خلال تاريخ طويل من الاضطهاد[25]».
ـ استغل الصهاينة الحنين الديني لليهود إلى القدس، كحنين المسلمين إلى مكة المكرمة والقدس، لحمل اليهود على الهجرة إليها واستعمارها للسيطرة على المنطقة العربية واستغلال ثرواتها.
ورسخت الصهيونية في أذهان اليهود انطلاقاً من التوراة والتلمود أنهم شعب الله المختار وأنقى الأعراق وأذكاها والنخبة بين بني البشر. فالديانة اليهودية هي الأساس الذي قامت عليه عنصرية الصهيونية.


جذور عنصرية الصهيونيـة:
تستمد الصهيونية عنصريتها من اليهودية ومن العنصرية في أوروبا حيث تأثر المؤسسون الصهاينة بها وبشكل خاص موزيس هيس وهرتسل وآحاد عام، وغيرهم من المؤسسين الصهاينة.
وكان أهم رواد العنصرية في أوروبا من الألمان: فيشته، فون ترتشكة وفريد ريش نيتشه، ولذلك ليس من المستغرب أن يكون أهم رواد الحركة الصهيونية من اليهود الألمان.
تبلورت العنصرية الألمانية بشكل واضح بمجيء فريدريش نيتشه الذي مجّد القوة، وطور نظريته النخبة.
ووضع الأسس النظرية للنازية واضطهاد الطبقة العاملة والشعوب الأخرى. وبلور آراءه عن الرجل المتفوق والصراع القومي، وطالب البرجوازية بالتخلي عن الديمقراطية والإنسانية.
تأثر هرتسل وآحاد عام والعديد من اليهود بفلسفة نيتشه وأخذوا منه تمجيد القوة والتفوق، وعدم اندماج الأصناف المختلفة.
وعلق آحاد عام على كتاب نيتشه إعادة تقييم القيم وقال: «إن اليهودية احتضنت النيتشوية، ولكن نيتشه لكونه ألمانياً رأى التفوق من خلال الصفات الآرية... إن اليهودية سبقت النيتشوية بعدة قرون بفكرة الرجل اليهودي المتفوق، الرجل النقي، الذي هو غاية في حد ذاته والذي خلق العالم من أجله[26]».
نادى العنصريون في أوروبا بأن العنصر اليهودي عنصر غريب بسبب أصله السامي، فالخلاص الوحيد لهم يكمن في إيجاد وطن لهم. وطالبوا بعدم الاندماج معهم وضرورة هجرتهم إلى فلسطين.
وانطلق العنصري الألماني شبنجلر من أن القدر يفرض على البعض السيادة والتفوق، وعلى الآخرين الخضوع والتسليم.
وتنطلق الصهيونية من رسالة «إسرائيل» الإلهية واختيار شعبها لقيادة العالم وقدرته في السيطرة على كل ما حوله من الشعوب التي كتب عليها الخضوع والتسليم.
ووصل تأثر هرتسل بالعنصرية الأوروبية حداً قال فيه إن كل ما هو عاجز عن البقاء سوف يدمر ويجب أن يدمر. وأن القوة تتقدم على الحق. وكل ما يخص العلاقات بين الأمم هو مسألة قوة.
وقال في كتابه «دولة اليهود»: «أن اليهود بقوا شعباً واحداً وعرقاً متميزاً. إن قوميتهم لا يمكن أن تتقوَّض، لذلك لا يوجد غير حل واحد فقط للمسألة اليهودية هو دولة اليهود[27]».
وقامت الصهيونية على مجموعة من الخرافات والأساطير والمزاعم والأطماع اليهودية منها:
ـ خرافة شعب الله المختار وتفوقه على غيره من الشعوب بالنقاء العرقي والتفوق والاختيار.
ـ الزعم بأن اليهودية قومية وليست ديانة فقط.
أكذوبة الحق التاريخي لليهود في فلسطين العربية.
ـ أبدية معاداة السامية.
إن الزعم الصهيوني القائم على أساس أن اليهود هم أنقى الأعراق. زعم باطل لا أساس له من الصحة، ولكن الصهاينة يتمسكون به لأسباب سياسية إذ بدون هذا الزعم تسقط مطالبتهم بالعودة إلى فلسطين واستعمارها.
أظهر المؤسسون الصهاينة إعجابهم بالعنصرية الألمانية ولكنهم استبدلوا الآري باليهودي ووضعوا العنصر اليهودي النقي والمتفوق بدلاً من العنصر الآري، والتقوا مع العنصريين الألمان في مقاومة اندماج اليهود وعزلهم وحملهم على الهجرة إلى فلسطين مما شكل أرضيه مشتركة للتعاون بين ألمانيا النازية والحركة الصهيونية. ولكن عنصرية الصهيونية لها جذور وامتدادات أقدم بكثير من جذور العنصرية الألمانية، وتعود جذورها إلى التوراة والتلمود وبروتوكولات حكماء صهيون.
استغلت الصهيونية الديانة اليهودية وتعاليمها العنصرية واستخدمتها لصالحها وصالح الاستعمار واعتمدت عليها كركيزة أساسية في زعمها أن اليهودية قومية بالرغم من فقدانها لأهم مقومات القومية وهي الأرض والتاريخ واللغة والعادات المشتركة.
واستغلت أكذوبة الحق التاريخي المزعوم لليهود في فلسطين لكي تكسب أوساطاً واسعة من اليهود وتحملهم على الهجرة إليها وإقامة دولة اليهود فيها كمقدمة لإقامة إسرائيل العظمى الاقتصادية من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد.
إن زعماء الصهيونية لا يريدون لليهودي أن يعيش مندمجاً في مجتمعه بأمان واستقرار وإنما يريدون له أن يعيش دائماً تحت شبح الخوف والاضطهاد، شبح اللا سلامية وعلى حساب الشعوب الأخرى ومنعزلاً على نفسه خاضعاً للصهيونية لكي تحميه، وبالتالي يسهل عليها استغلاله لتحقيق برامجها ومخططاتها الاستعمارية والعنصرية والإرهابية والتوسعية في المنطقة العربية وفي العالم.
إن اليهود بالرغم من أنهم عاشوا وسط أرض كنعان ومصر وما بين النهرين، واحتكوا بشعوب هذه المناطق، إلا أنهم لم يتأثروا بالأفكار والقيم الحضارية والإنسانية التي كانت سائدة فيها، وأفكار التسامح والمحبة التي هي من صفات آلهة شعوب هذه الحضارات وإنما تبنوا أفكاراً عنصرية معادية للقيم الحضارية والإنسانية.
إن مقولة شعب الله المختار دفعت باليهود للاعتقاد بتفوقهم وتميزهم على غيرهم من الشعوب.
ودفع الاعتقاد بالتفوق بالمفكرين الصهاينة إلى الترويج للأفكار العنصرية، وازدواجية الولاء وعدم ولاء اليهودي للبلد الذي يعيش فيه تمهيداً للهجرة إلى فلسطين. وسارت أوساط يهودية واسعة في اتجاه الترويج إلى تفوق اليهود وعبقريتهم ومقاومة الاندماج وتهجيرهم إلى فلسطين العربية.
إن معظم الصهاينة لا يمارسون الطقوس الدينية، لذلك لا بد من ابتكار شيء يشدون اليهود إليه، فركزوا على الانتماء العرقي ونقاء الدم اليهودي، ومقاومة الاندماج ومحاربة الزواج المختلط، وبالتالي ركزوا على التفوق العنصري والنقاء العنصري، والفصل العنصري والانغلاق العنصري والتمييز العنصري، لذلك يقول الزعيم الصهيوني ناحوم سوكولوف في كتابه تاريخ الصهيونية، «إن اليهود يمثلون أنقى عرق وأعرق أمة بين جميع الأمم[28]».
ورفض المفكرون الصهاينة اندماج اليهود انطلاقاً من مفاهيم ومواقف عنصرية. حيث رفض ليوبينسكر في كتابه «التحرر الذاتي» فكرة الاندماج قائلاً:
«إن الشعب اليهودي عنصر متميز عن الشعوب وغير قابل للذوبان أو الاندماج في كيان أية أمة».
استخدم الصهاينة الترويج إلى مقولة تفوق اليهود وتميزهم وعبقريتهم لكي يقاوموا الاندماج ويحققوا الانغلاق العنصري لتحقيق الهدف الصهيوني الرئيسي وهو تهجير اليهود إلى فلسطين وترحيل العرب منها للمحافظة على الانغلاق العنصري، وتحقيق الاستعمار الاستيطاني اليهودي والهيمنة على ثروات الوطن العربي.
وتظهر عنصرية الصهيونية وهمجيتها في كتاب هرتسل «دولة اليهود» حيث كتب يقول:
«إن دولة اليهود ستكون حصناً للتفوق الحضاري في مواجهة الهمجية الآسيوية».
لقد نجحت الصهيونية في تأسيس شركة الكيرن كيمت (للاستيلاء على الأراضي العربية) والتي تعتبر من أكبر المؤسسات اليهودية عنصرية، حيث تحرِّم بيع الأراضي التي بحوزتها إلى العرب وتعتبر أن الأراضي التي تملكها ستكون ملكاً لليهود دون غيرهم ولا يجوز تأجيرها أو بيعها لغير اليهود.
وطبقت الشركة منذ تأسيسها هذا المبدأ العنصري، إذ لم تنتقل قطعة أرض من ملكية الشركة إلى أحد المواطنين العرب، كما منعت العمال العرب من العمل في الأراضي التابعة لها، وحرمت على اليهود السماح باستخدام العمال العرب، وفي حال إخلال المستوطن اليهودي بهذا الشرط تسترجع منه الأرض أو تفرض عليه عقوبات مالية كبيرة.
ورفعت الصهيونية شعار «العمل العبري» وأصبح هدفها تهويد الأرض العربية وتهويد العمل في الأراضي والمؤسسات اليهودية. ووصلت العنصرية عام 1905 بالعمال اليهود حداً قاموا فيه بقلع أشجار الزيتون من غابة هرتسل في مزرعة بن شميس بالقرب من حيفا التي زرعها العمال العرب وأعادوا زراعتها لكي لا تدنس ذكرى هرتسل، (الذي مات بمرض (السفلس)) بزرع غابته من قبل العمال العرب.
وانتقلت عدوى العنصرية من المنظمة الصهيونية العالمية وشركة كيرن كيمت، والعمل العبري ومن ممارسات العمال اليهود العنصرية إلى الأحزاب الصهيونية التي تأسست فيما بعد في فلسطين وخارجها، وخاصة حزبي حيروت والماباي (حزب العمل حالياً) وبقية الأحزاب الدينية.
وبلور حزب الماباي موقفه العنصري من العرب إبان الانتداب البريطاني على فلسطين في أن «الحقوق في أرض إسرائيل (فلسطين) تعود لليهود الذين يسكنونها، ولكل يهود العالم الذين ينوون القدوم إليها، بينما يملك العرب الفلسطينيون حق السكن فيها فقط، ويفقدون هذا الحق في اللحظة التي يتركون فيها البلد». واعتبر حزب الماباي (العمل) أن السيادة على فلسطين تعود لليهود فقط، ويجب حمل العرب على ترك البلد ومغادرتها.
وقام النشاط الصهيوني في فلسطين على تهويد الأرض العربية وإقامة المستعمرات اليهودية عليها وطرد الفلاحين العرب منها واستبعادهم من العمل والإنتاج فيها لتحقيق شعار «العمل العبري» ومقاطعة المنتجات العربية وتهويد السوق والاعتماد على القوة المسلحة لتنفيذ هذه الأسس، مما يبين بجلاء سياسة التمييز العنصري التي بدأت الصهيونية في تطبيقها.
ولعب الهستدروت (اتحاد العمال) الدور الرئيسي في تحقيق العمل العبري والسوق اليهودية، التي تعني مقاطعة المنتجات العربية، أي مقاطعة الإنتاج العربي وشراء الإنتاج اليهودي، ورفعوا شعار: «لا تشتروا من تاجر أو بقال أو بائع خضار أو فواكه عربي». «لا تتعاملوا مع طبيب أسنان عربي».
ويعني «العمل العبري» الذي طبقه الصهاينة في فلسطين «طرد العمال العرب» من المؤسسات اليهودية وعدم تشغيلهم فيها وإحلال عمال يهود محلهم.
وورد في بيان الاستقلال عند قيام الكيان الصهيوني في 14 أيار 1948، وهو أول وثيقة رسمية صدرت عن إسرائيل أن مذهب الصهيونية سيكون الأساس للأيديولوجية والسياسة الإسرائيلية، مما يؤكد أن العنصرية والتمييز والانغلاق العنصري قد أصبحت كعقيدة لدولة اليهود وجزء لا يتجزأ من ممارساتها، وبالتالي أصبحت عنصرية الصهيونية سياسة رسمية في فلسطين العربية.
نسفت عنصرية الصهيونية اندماج اليهود في مجتمعاتهم الأصلية. واستخدمت كافة أساليب الضغط والابتزاز والعنف ضدهم لإجبارهم على الهجرة إلى فلسطين. وشجعت التيارات المعادية للسامية وتعاونت معها «بما فيها النازية» للحيلولة دون حل المسألة اليهودية ضمن إطار إنساني وديمقراطي.
واستخدمت الإرهاب ضد العرب للحيلولة دون تعايش المهاجر اليهودي مع المواطن العربي وللمحافظة على النقاء العنصري للمجتمع اليهودي.
وأصرت على إقامة دولة مغتصبة عنصرية إرهابية لليهود على أرض فلسطين العربية بقوة السلاح وبدعم من البلدان الغربية. وأصبح الاستيطان اليهودي ملتصقاً بالطابع العنصري للصهيونية وبعنصرية الشعب والمجتمع الإسرائيلي.
وتنطلق جميع الأحزاب والنقابات والمؤسسات السياسية والاجتماعية والعسكرية في الكيان الصهيوني من منطلقات عنصرية. وتؤمن بمقولة «شعب الله المختار» بالشعب اليهودي صاحب الرسالة الخاصة، المتفوق على غيره من الشعوب، كما تؤمن بأن العنف هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق الأهداف الصهيونية، وبأن القوة فوق الحق والعدالة والمبادئ الإنسانية والعهود والمواثيق الدولية.
إن الصهيونية هي من نتاج النظام الإمبريالي القائم على القهر والاستغلال والاضطهاد والحروب العدوانية. وتقدم نفسها للغرب على أنها تنقل الحضارة الغربية إلى الشعوب العربية المتخلفة.
وقامت على أساس إنشاء دولة عنصرية نقية لليهود في فلسطين على أساس الدين، دون أخذ الأغلبية العربية بعين الاعتبار والتي هي صاحبة الأرض والحقوق.
ووضعت سراً «بروتوكولات حكماء صهيون» والتي تسمى أحياناً «خطة اليهود للسيطرة على العالم» واتهمت كل من يثور ضدها بمعاداة اليهود وبالعداء للسامية، واستغلت معزوفتي اللا سامية والهولوكوست لإقامة كيان الاستعمار الاستيطاني اليهودي في فلسطين.
وفعلت في قرار الأمم المتحدة رقم /3379/ الذي ساوى الصهيونية بالعنصرية ما فعلته في مواجهة بروتوكولات حكماء صهيون، واتهمت القوى والشخصيات التي تؤيده بمعاداة اليهود ونجحت بإلغائه، بالرغم من أنه قد كشف القناع عن الوجه الحقيقي لعنصرية الصهيونية.
وملأت العالم بالكتابات والمقالات والنشاطات للدفاع عن الفكر الصهيوني ولتنفي عنه العنصرية. وأنتجت الكثير من الأفلام في المؤسسة اليهودية لإنتاج الأفلام «هوليود» عن الهولوكوست وما تعرض له اليهود من اضطهاد على يد النازية بمبالغة وتكرار منقطعي النظير في تاريخ البشرية. وتركز الدعاية الصهيونية داخل الكيان الصهيوني على:
ـ تنمية وتقوية الفكر العنصري الصهيوني.
ـ الاستمرار في ممارسة التمييز والعنصرية والإرهاب والاستعمار الاستيطاني والاضطهاد القومي للعرب في الكيان الصهيوني.
ـ وصف العرب والمسلمين بالوحشية والتخلف والتأكيد على أنهم لا يفهمون إلاّ لغة القوة لتبرير العنف اليهودي تجاههم ولإبادتهم وترحيلهم.
ـ غرس وتنمية الأفكار العنصرية والروح العسكرية في نفوس اليهود والشعب الإسرائيلي.
ـ الاستخدام اليومي للقوة والإرهاب والإبادة في الضفة والقطاع وجنوب لبنان، وحمل الولايات المتحدة وبقية الدول الغربية على إعلان للحرب الصليبية على الإسلام.
ـ المحافظة على صورة إسرائيل المنتصرة وإثبات تفوقها العسكري وإجبار البلدان العربية على قبول السلام الإسرائيلي والتطبيع، وكسر الإرادات الفلسطينية والعربية باستخدام القوة وفرض الأمر الواقع.
وتلعب المؤسسة العسكرية الدور الأساسي في تحقيق الاستراتيجية الصهيونية لأسباب عقائدية واقتصادية ولإقامة «إسرائيل العظمى» عن طريق الشرق الأوسط الجديد للهيمنة على الاقتصادات العربية كمقدمة لهيمنة الصهيونية على العالم.
إن الصهيونية بصفتها حركة عنصرية وشكلاً من أشكال التمييز العنصري نجحت بدعم من اليهودية العالمية والدول الاستعمارية في تأسيس كيان استعماري وعنصري لها في فلسطين، وأقامت فيه مجتمعاً عنصرياً، مما طبع الشعب الإسرائيلي بالعنصرية. وأصبح المجتمع الإسرائيلي يقوم على أساس التفريق العنصري بين العرب واليهود وحتى بين اليهود أنفسهم، بين اليهود الشرقيين واليهود الغربيين.
وأصبحت العنصرية سياسة رسمية لإسرائيل جسدتها وتجسدها في ممارسات وقوانين، ممارسات كالحروب العدوانية والمجازر الجماعية والمستوطنات اليهودية وأعمال النهب والسلب والقتل والتدمير والعقوبات الجماعية، وقوانين كقانون الجنسية وقانون العودة وقانون أملاك الغائبين وقوانين مصادرة الأراضي العربية وغيرها.



عنصرية الكيان الصهيوني:
تعتمد عنصرية الكيان الصهيونية على مصدرين أساسيين:
الأول: الأوامر والنواهي والأحكام والتقنينات ومقاومة الاندماج والزواج المختلط، والانطلاق من نقاء العرق اليهودي وتفوقه التي وردت في التوراة والتلمود.
والثاني: التراث العنصري الذي تأثر به المؤسسون الصهاينة في أوروبا في القرن التاسع عشر، وبالتالي فإن عنصرية الكيان الصهيوني لها صفات وتجارب وخبرات لها أبعاد إجرامية لا تتوفر في الأنظمة العنصرية الأخرى التي ظهرت في تاريخ البشرية.
فالكيان الصهيوني يرى في العرب أحفاد شعوب مديان وعي وأريحا وموآب الأمر الذي يبرر إبادتهم وسلب ممتلكاتهم وثرواتهم كما ورد في التوراة.
ويجسد تاريخ «إسرائيل» منذ تأسيسها وحتى اليوم عنصرية دولة اليهود وممارستها للإرهاب والإبادة الجماعية والاستيطان كسياسة رسمية.
يقول إسرائيل شاهاك عن عنصرية الكيان الصهيوني ما يلي:
«إن إسرائيل كدولة يهودية تشكل في رأيي خطراً لا على نفسها وقاطنيها فقط، بل على كل اليهود وكل الشعوب والدول الأخرى في الشرق الأوسط وفيما يقع خلفه أيضاً، فإسرائيل كدولة يهودية لا تخص إلاّ الأشخاص الذين تعرفهم السلطات الإسرائيلية بأنهم يهود بغض النظر عن المكان الذي يعيشون فيه، وإسرائيل من ناحية ثانية لا تخص رسمياً مواطنيها غير اليهود وتكون النظرة إلى مرتبتهم الاجتماعية، حتى رسمياً أدنى من مرتبة اليهود... وتتحيز دولة إسرائيل رسمياً وقانونياً لصالح اليهود ضد غير اليهود في العديد من المجالات أهمها حقوق السكن والعمل والمساواة (والملكية) أمام القانون، تصوروا لو أن دولة في العالم تصرفت تجاه اليهود كما تتصرف دولة اليهود تجاه غير اليهود، لأقام اليهود الدنيا وأقعدوها وأثاروا حملة عالمية من الاحتجاج والاستنكار واتهموها باللا سامية. أما أن تمارس إسرائيل العنصرية تجاه العرب فتتجاهله الولايات المتحدة الأمريكية عن عمد ويلقى التبرير والدعم الكاملين مما يشكل انتهاكاً فاضحاً لحقوق الإنسان العربي[29]».
إن الكيان الصهيوني يعتبر أن أراضي فلسطين التي احتلها بالحروب العدوانية من العرب أصحابها الأصليين وسكانها الشرعيين لا تعود ملكيتها لغير اليهود وإنما لليهود فقط من جراء الوعود التي وعدهم بها إلههم يهوه ودهاقنة الاستعمار الاستيطاني اليهودي. ويغرس الكيان الصهيوني هذه الأكاذيب والخرافات والأطماع اليهودية في تلاميذ المدارس وطلبة الجامعات، ويعتبر أن الأرض التي احتلها اليهود بالقوة من أصحابها العرب، هي أرض انتقلت ملكيتها من غير اليهود إلى اليهود.
وتظهر مدى خطورة الكيان الصهيوني على السلام والاستقرار وعلى الأراضي والمنجزات والثروات العربية في أن مفهوم الحدود التوراتية أو التاريخية التي رسمتها التوراة يمتد من النيل إلى الفرات، ولذلك تعتبر الصهيونية أن المجال الحيوي لليهود هو الوطن العربي من المحيط إلى الخليج.
ووصلت العنصرية والأطماع اليهودية حداً طالب فيه مجرم الحرب آريل شارون في مؤتمر الليكود في أيار 1993 أن تتبنى إسرائيل مفهوم الحدود التوراتية كسياسة رسمية.
فالليكود والأحزاب الدينية تنطلق من تعاليم اليهودية، بينما يصبغها تكتل العمل بالصبغة العلمانية لتحقيق الأهداف اليهودية بقالب علماني.
إن المنبع الأساسي لعنصرية قادة إسرائيل وأطماعهم في الأرض والثروات العربية هي تعاليم اليهودية والأطماع الصهيونية، والتي تنطلق من المزاعم والخرافات والأطماع اليهودية أهم بكثير مما يدعيه اليهود عن معاداة السامية، كما أن الحرب على الشوفينية والعنصرية والأطماع اليهودية وعلى ممارسات دولة اليهود للعنصرية والإرهاب والاستيطان كسياسة رسمية يرتبط ارتباطاً وثيقاً في التصدي لمعاداة السامية وجميع الحركات الاستعمارية والعنصرية الأخرى في العالم.
إن المسؤولين الإسرائيليين ورجال الفكر والسياسة والصحافة اليهود وبل حتى اليهودي العادي يمارسون الكذب والغش والخداع والتضليل أكثر من غيرهم من بني البشر، لأنهم يؤمنون انطلاقاً من تعاليم اليهودية أن الكذب والخداع واجب عليهم دفاعاً عن المصالح اليهودية.
يقول عنهم د. إسرائيل شاهاك: «كذابون وطنيون، ونزعتهم الوطنية نفسها تلك هي التي تفرض عليهم الصمت حين يشاهدون التمييز ضد الفلسطينيين والتنكيل بهم[30]».
وتنطلق مواقف وممارسات الكيان الصهيوني من المقولات والأفكار العنصرية والإرهابية والدموية التي ترسخت في التوراة والتلمود تجاه الشعوب الكنعانية وتجاه غير اليهود.
ويستغل الكيان الصهيوني النكبات التي حلت باليهود من جراء معتقداتهم وتصرفاتهم وتربيتهم لتبرير اضطهاد اليهود للعرب، ويصف المقاومة العربية ضد الاحتلال الإسرائيلي بالإرهاب لتبرير التوسع والاستيطان والمجازر الجماعية والحروب اليهودية.
يعلق د. إسرائيل شاهاك على موقف تعاليم اليهودية من قتل اليهود للعرب ويقول: «وبناءً على ما نص عليه الدين اليهودي فإن الإقدام على قتل إنسان يهودي إنما هو إثم كبير من ثلاثة آثام تعد من أكبر الكبائر... وأما حين تكون الضحية من غير اليهود فإن الوضع يصبح مختلفاً تماماً. فاليهودي الذي يقتل إنساناً من غير اليهود لا يكون مذنباً إلا بارتكاب إثم ضد شريعة السماء. أي جريمة لا يعاقب عليها القانون[31]» ويؤكد شاهاك أنه بناء على أحكام الشرع اليهودي فإن التلمود يقضي بوجوب عدم إنقاذ حياته. ويقول شاهاك عن موقف إسرائيل والقضاء الإسرائيلي من قتل اليهود للعرب ما يلي:
«إن اليهود الذين أقدموا على قتل العرب العزل في مواقع عسكرية أو شبه عسكرية وفي كل الحالات بما فيها حالات المجازر الجماعية كالمجزرة التي حدثت في كفر قاسم في عام 1956 كان جزاء القتلة منهم أما إخلاء سبيلهم نهائياً وأما أحكام مخففة جداً أو عفو بعيد الأثر إلى حد تقليص العقوبة إلى الصفر[32]».
وخلاصة القول أن مواقف الحقد والكراهية والعداء والعنصرية وسفك الدماء الموجودة في تعاليم اليهودية حيال غير اليهود تؤثر تأثيراً جوهرياً على ممارسات دولة اليهود تجاه غير اليهود.
يتحدث د. شاهاك عن التمييز العنصري ويقول إنه يمتد في إسرائيل إلى ما بعد الموت، حيث لا تحترم إلاَّ المقابر اليهودية أما المقابر غير اليهودية فلا احترام لها، تنبش وتهدم وتمحى عن بكرة أبيها من قبل اليهود وبمعرفة السلطة ورضاها.
ويؤكد شاهاك تغلغل العنصرية في المجتمع الإسرائيلي ويقول: «إن كل مظاهر الحياة في إسرائيل يمكن تلخيصها بمبدأ بسيط هو أن اليهود وحدهم يعتبرون بشراً، أما غير اليهود فيعتبرون مجرد حيوانات وينظرون إليهم أحياناً على أنهم حيوانات ضارة وخطيرة، ويتصرفون تجاههم بشراسة وعنف وتنكر لمبادئ الرفق بالحيوان».
وتتجسد عنصرية إسرائيل في القوانين التي تطبقها على العرب لتتحكم في حياتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية لصالح اليهود. يقول المؤرخ العالمي الكبير برتراند راسل عن استغلال إسرائيل لجرائم النازية: «كثيراً ما يقال لنا علينا أن نتعاطف مع إسرائيل بسبب ما عاناه اليهود في أوروبا على يد النازيين ولكن لا أرى في هذا القول ما يبرر إبقاء أية معاناة أخرى، فما تفعله إسرائيل اليوم لا يمكن أن يغتفر، فاتخاذ فظائع الماضي مبرراً لارتكاب فظائع الحاضر هو نفاق ورياء محض. فإسرائيل لا تقف عند حد إخضاع عدد ضخم من اللاجئين للبؤس والشقاء، ولا تكتفي بإخضاع عدد كبير من العرب للاحتلال العسكري، بل هي تحكم أيضاً على الدول العربية التي لم يكد يمض وقت يذكر على خلاصها من الاستعمار بالتعرض لحالة من الإفقار المستمر لأنها مضطرة إلى إعطاء الأولوية للمطالب العسكرية وتقديمها على مقتضيات التنمية الاقتصادية الوطنية».


[1] صبري جريس، تاريخ الصهيونية، الجزء الأول، مركز الأبحاث الفلسطيني بيروت 1981، ص15.

[2] د. جورجي كنعان، العنصرية اليهودية، دار النهار للنشر، بيروت 1983، ص33.

[3] د. جورجي كنعان العنصرية اليهودية، دار النهار للنشر 1983، ص54.

[4] علي خليل، اليهودية بين النظرية والتطبيق، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1997، ص56.

[5] المصدر السابق ص57.

[6] د. علي خليل، اليهودية بين النظرية والتطبيق مصدر سابق، ص89.

[7] المصدر السابق من 29 ـ 98.

[8] محمد جواد مغنية، إسرائيليات القرآن، دار الجواد بيروت 1981، ص9 ـ 10.

[9] محمد جواد مغنية، إسرائيليات القرآن، مصدر سابق، ص14.

[10] مجلة فلسطين المسلمة، كانون الثاني 1998، ص51.

[11] المصدر السابق نفسه.

[12] المصدر السابق نفسه.

[13] جورجي كنعان، العنصرية، مصدر سابق، ص 88.

[14] المربيرجر، فدائي في تاريخ اليهودية، نيويورك 1951، نقلاً عن العنصرية اليهودية ص87.

[15] د. جورجي كنعان، العنصرية اليهودية، مصدر سابق، ص60.

[16] أديب ديمتري، نقي العقل، دار كنعان للدراسات والنشر، دمشق 1993، ص118.

[17] المصدر السابق نفسه.

[18] المصدر السابق نفسه.

[19] المصدر السابق ص120.

[20] المصدر السابق نفسه 117.

[21] أديب ديمتري، تغي العقل، مصدر سابق، ص120.

[22] المصدر السابق ص122.

[23] المصدر السابق ص128.

[24] الموسوعة البريطانية (بالإنكليزية) طبعت عام 1926، المجلد 27 و28، صفحة 986 ـ 987.

[25] من الفكر الصهيوني المعاصر، مركز الأبحاث الفلسطيني، بيروت 1968، ص297 ـ 298.

[26] الصهيونية والعنصرية، المجلد الأول، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1977، ص19 ـ 20.

[27] المصدر السابق ص24.

[28] ناحوم سوكولوف، تاريخ الصهيونية نقلاً عن العنصرية اليهودية، مصدر سابق، ص95.

[29] إسرائيل شاهاك، التاريخ اليهودي المكشوف، دار البعث للصحافة والطباعة والنشر، دمشق 1996 ص20.

[30] د. إسرائيل شاهاك، التاريخ اليهودي المكشوف والمستورد، دار البعث للصحافة والطباعة والنشر، دمشق 1996، ص56.

[31] المصدر السابق ص124.

[32] المصدر السابق ص129.