منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 9 من 9
  1. #1
    محاضر في جامعة الشلف الجزائر
    تاريخ التسجيل
    Sep 2010
    المشاركات
    419

    الفكر العربي المعاصر: مدلوله ومصادره







    الفكر العربي المعاصر: مدلوله ومصادره
    الدكتور جيلالي بوبكر
    الفكر العربي المعاصر: مدلوله ومصادره
    * يمثل الفكر في حياة الإنسان الثقافية والحضارية والتاريخية العامل المحرك الذي يشكل الإنسانية بكل أبعادها في الفرد ويبني المجتمع والدولة والأمة ويحرك التاريخ ويصنع الحضارة، من دون الفكر يبقى الإنسان رهينة لبهيميته لا تشغله إلاّ شهوته وحبيس حاضره في مستوى الحيوانية لا تهمه إلاّ لحظته الراهنة، لكنّه مخلوق مُكرّم بالعقل وقوى أخرى لا تحصى، بها صار على ما هو عليه الآن من رفعة وسؤدد وسيطرة وتحكّم.

    * الفكر يصنع الإبداع بشقّيه الكشفي والاختراعي والإبداع قوّة لم تُؤت لغير الإنسان ترتبط بالفكر، تُطوّره وتُجدده باستمرار، والتقدم الذي أحرزه الإنسان في جميع ميادين الحياة عبر العصور وانتهى إلى ما يسمى بالثقافة والحضارة هو نتيجة للتقدم الفكري والعلمي والتقني الناتج عن قدرة الإنسان على الوصول إلى الجديد في النظر والعمل، وذلك هو عين الإبداع وجوهره، ولولا الإبداع ومن وراءه الفكر لبقيت الإنسانية على حالتها البدائية الأولى ولم تعرف الرقي والازدهار الحضاري.
    * للفكر كيان فعّال ومنفعل، يتعاطى مع الواقع سلباً وإيجاباً ويعكسه ويندمج فيه أو يقاطعه ويعاديه، كما يتعاطى معه بعمق أو بدون عمق، باندفاع أو بتبصر، بجدّية أو بدون جدّية، يهتم بشكله وصورته أو بمحتواه ومضمونه أو بهما معاً، يعامله بصدق وصراحة أو بنفاق وخداع، يبقى دوره أساسيا في تغيير ظروف الحياة في مختلف جوانبها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها، والجانب الفعّال والمنفعل في الفكر هو وراء كل التغيّرات التي تشهدها حياة الإنسان الفردية والجماعية سواء أكانت إيجابية أو سلبية.
    * إنّ الفكر ميزة بشرية وجهد إنساني كرّم الله به الإنسان وفضّله على كثير من مخلوقاته، فصار وراء كل ما صنعه الإنسان، سواء في ميدان النظر أو في مجال العمل، والفكر مرتبط بعوامل عديدة، خارجة عن الإنسان وموضوعية وأخرى مرتبطة بذاته، والفكر له كيانه ووجوده المستقل المتعدد والمتنوع في مجالاته و نتاجاته وهو معطى طبيعي بشري يقوم على الحرية والإبداع، فالتعدد والتنوع والتطور في الفكر أمور طبيعية لا تسمح لنا بإخضاع الفكر لمنهج واحد ونمط واحد وفي مجال واحد ووفق إيديولوجية واحدة، فالفكر أوسع عن أن يكون يسارياً فقط أو يمينياً فحسب.
    * الفكر يتعدد ويتنوع، يتنوع بتنوع بيئات الشعوب والأقوام والأمم والمجتمعات الجغرافية والسياسية وغيرها، وتنوع الثقافات والحضارات والفلسفات والديانات في هذه البيئات، ويتعدد بتعدد مجالات الحياة التي تتميز بالتنوع والتداخل داخل المجتمع الواحد والبيئة الواحدة والحضارة الواحدة ثقافيا واجتماعيا وسياسيا واقتصاديا ودينيا وفلسفيا وعلميا، يتنوع بتنوع الوعي التاريخي والظروف التاريخية التي تعرفها الإنسانية عبر الحقب التاريخية المختلفة التي تمرّ بها جماعاتها، الأمر الذي جعل بحوزة الإنسان أنواعا وأنماطا وأشكالا شتى من التفكير ذات معايير شتى في تصنيفها، يعجز الإنسان عن الإلمام بها جميعا في وقت واحد.
    * الفكر العربي الإسلامي نوع من أنواع الفكر التي عرفها تاريخ الإنسانية، له منظوماته وخصوصياته، ارتبط بالوجود العربي وبالوجود الإسلامي وتطوّر عبر العصور متأثرا بسائر التحوّلات التي عرفها الإنسان في حياته، يتحدد بالتراث الإسلامي المتمثل في القرآن الكريم والسنة النبوية - المنظومة التأسيسية - وما انبثق عنهما من منظومات فكرية وعلمية وفلسفية منذ القديم حتى الآن، كما يتحدد بالتراث العربي متمثلا في ديوان العرب قبل الإسلام، وفي سائر عناصر الثقافة العربية الفكرية والدينية والأخلاقية والسلوكية، التي جاءت وتطوّرت بعد الإسلام إلى يومنا هذا، ويتحدد كذلك بما أفرزه امتزاج التراث العربي بالتراث الإسلامي بالفكر الإنساني القديم والحديث والمعاصر وبمشكلات وتحدّيات العصر الحاضر وتحوّلاته.
    * الفكر العربي الإسلامي المعاصر جزء من الفكر العربي الإسلامي ككل بجميع منظوماته التأسيسية والتجديدية وبما فيه من عناصر ذاتية محلية وأخرى عالمية شمولية عامة، ثوابت أو متغيرات، هو جزء من الفكر الإنساني العالمي العام، يعكس حياة الإنسان بجميع جوانبها في العالم العربي والإسلامي المعاصر، ويصور المشكلات والهموم والتحوّلات والتحدّيات، كما يعرض الجهود المبذولة والمحاولات القائمة والمواقف والاتجاهات والتوجهات في جميع مستويات الحياة، فلا سبيل للاطلاع على أي مرحلة تاريخية إلاّ بالفكر ومن خلاله.
    * نحتاج في هذا البحث إلى التعرض لمدلول الفكر العربي الإسلامي المعاصر، من حيث كونه عربيا ومن حيث كونه إسلاميا ومن حيث هو منظومة فكرية عربية إسلامية فيها العناصر الذاتية المحلية وفيها الكثير من الجوانب الإنسانية المشرقة وغيرها ذات الطابع العالمي الشمولي العام، ونتعرض لتياراته الكبرى التي انبثقت من التواصل بين الموروث والوافد وتأثرت من دون شك بما يجري في العصر من مستجدّات ومتغيّرات في كل مستويات الحياة، ونتعرض لمدارسه الفلسفية المختلفة التي ارتبطت هي الأخرى في نشأتها واستمدادها بالتيارات الفكرية وبالموروث والوافد، ونتعرض للتحدّيات التي تواجهه وتحوّلات العصر، وللآثار والتداعيات والانعكاسات التي خلّفتها تحوّلات العصر وتوجّهاته، ونشير بصفة عامة ومن وجهة بعض المفكرين في العالم العربي والإسلامي إلى السبل الكفيلة بحل المشكلات وتجاوز الصعوبات وتمنع انعكاسات تحوّلات العصر الخطيرة، وتضمن معادلة متوازنة تجمع الحداثة والتحديث والتراث وتسمح للفكر العربي الإسلامي بالتطور والازدهار والإسهام في بناء حضارة عصره دون أن يتخلّى عن خصوصياته.
    * تتكون التسمية من أربعة مفاهيم هي الفكر والعربي والإسلامي والمعاصر، أما الفكر فهو قدرة الإنسان على النظر العقلي في الموضوعات وتعقيلها أو تعقّلها، وإنتاج المعرفة وتداولها والاعتماد على العقل في الإصلاح ورسم التقدم وفي تنظيم حياة الفرد وتوجيه حياة المجتمع في جميع مجالاتها، والفكر هو قدرة الإنسان على التأمل والتدبر والتفكّر والتبصر والتعقّل والتنظير وإعمال العقل باستخدام كل فعّاليات الذهن ونشاطاته في الوجود الفردي الذاتي الباطني وفي الوجود الاجتماعي الموضوعي الخارجي وفي الوجود الإنساني العام وفي الوجود الطبيعي الموضوعي وفي الوجود الغيبي الميتافيزيقي، والفكر يختلف من فرد إلى آخر ومن مجتمع إلى آخر من حيث الأسلوب والاهتمامات والغايات والمبادئ والمنطلقات ودرجة الصحة ومعاييرها ودرجة العمق وشروطه ودرجة الوفرة والكفاية ومجالها ومدى الدقة وحدودها، الأمر الذي يدل على أنّ الفكر تتحكّم فيه عدة عوامل متداخلة بعضها ذاتي في الإنسان وبعضها موضوعي، بعضها داخلي وبعضها خارجي اجتماعي وطبيعي وغيره، بعضها قديم وبعضها حديث وآخر معاصر.
    * نظرا لاختلاف الأفراد والجماعات والأزمنة في التفكير ونظرا لتعدد موضوعات ومجالات التفكير ونظرا لاتساع المجال الواحد بحيث لا يمكن للتفكير أن يتصدّى له كاملا دراسة وبحثا، وكلما ازداد التفكير تعمقا في تفاصيل وجزئيات مجال ما كلما ازداد المجال المدروس في آفاقه توسعا وتبحرا، الأمر الذي جعل الفكر الإنساني في تطوّره ينتقل من العصور القديمة إلى العصر الحديث والعصر الحاضر من التوجّه الفكري النمطي الموسوعي إلى التوجّه الفكري التخصصي اللاّنمطي، ويعرف كل تخصص من التخصصات اتساعا وعمقا كلما ازداد تقدما في البحث والدراسة، لهذا عرف الإنسان أنواعا شتى من التفكير تتعدد وتختلف باختلاف مصادرها ومحدداتها وموجهاتها، ومن هذه المصادر والمحددات والموجهات تكون جغرافية ولغوية وبيئية ودينية، وهي مصادر ومحددات وموجهات الفكر الذي ارتبط بالجغرافيا العربية وباللغة العربية وبالثقافة العربية وبالسلوكيات والممارسات العربية المختلفة وبديوان العرب وبالديانة الإسلامية والبيئة العربية الإسلامية عامة وتطوّر بالاحتكاك والتواصل والانفعال والتفاعل مع أنماط التفكير الأخرى، ومرّ بظروف ومراحل تاريخية أسهم فيها وأسهمت فيه، حتى وصل إلى العصر الحديث والمعاصر بالصورة التي هو عليها، وفيه التقت عدة أفكار وعدة ثقافات وعدة ديانات وعدة فلسفات، خاصة بالنسبة للجانب الإنساني العالمي فيه، وله من العناصر الذاتية والمحلية ما يتميز به عن غيره، هذه المكونات بقسميها الخاصة والعامة تدل بجلاء على وجود نوع من الفكر هو جزء من رصيد الفكر العالمي الإنساني العام هو الفكر العربي الإسلامي له كيانه وخصوصياته.
    * أما الفكر العربي وكونه عربيا فالفكر هنا مرتبط في أساسه باللّغة العربية وبالثقافة العربية وبالعنصر العربي بالدرجة الأولى أي بالعروبة عنصرا ولغة وثقافة وجغرافيا وبكل ما يخص العرب وحياتهم في العصور القديمة وفي العصر الحديث وعصرنا الحاضر، ويشمل الفكر العربي إسهامات العديد من المفكرين الأعاجم التي جاءت باللغة العربية، على أساس أنها لغة القرآن والسنّة أسست لحضارة عربية إسلامية مزدهرة وقوية، وارتبطت قبل ذلك بثقافة عربية قوية تمثلت مظاهرها في فنون أدبية نثرية وشعرية وفي ألوان أخرى من الفكر والثقافة والديانات بعضها عربي صرف وبعضها دخيل بفعل احتكاك العرب بغيرهم من شعوب العالم، عن طريق الأسفار والتجارة والغزوات والحروب وغيرها، ويشمل المعطى الثقافي والفكري والديني والأدبي لدى العرب قبل الإسلام عدة اتجاهات أهمها الديانة اليهودية والديانة المسيحي ومذهب الصابئة ومعطى الثقافة العربية المتمثل في ديوان العرب بالإضافة إلى اللغة العربية والتاريخ والكثير من المعتقدات والأفكار التي استوعبها الإسلام وهذبها وأصبحت من جوهره وروحه.
    * فالفكر العربي أي في جانبه العربي يشمل كل ما هو عربي صرف عربي، عربي يهودي، عربي مسيحي عربي صابئي، عربي بمعتقدات وأفكار ومعارف أخرى، ويظم كل ما هو عربي ممزوج بغيره استوعبته الثقافة العربية والبيئة العربية في توافق وانسجام قبل الإسلام، كما يشمل كل ما هو عربي تطوّر وامتزج بالإسلام وتطوّر بعد امتزاجه بالإسلام، وبعد امتزاجه بثقافات وديانات وفلسفات أخرى، بعد اتساع رقعة الدولة الإسلامية واحتكاك العرب والمسلمين واللغة العربية والثقافة العربية بشعوب وأمم غير عربية في مشارق الأرض ومغاربها، عن طريق الفتوحات الإسلامية والتجارة والأسفار العلمية وغيرها، ولعبت حركة الترجمة دورا كبيرا في نقل التراث الفكري والفلسفي والأدبي وغيره إلى العرب والمسلمين، فانكبوا عليه دراسة وفحصا ونقدا وتحصيلا، كما يشمل ما هو عربي تطوّر عبر العصور الإسلامية والعصور الوسطى، خاصة ذلك الذي ارتبط بالبيئة العربية ويحمل خصوصيات عربية، ولما دخل عليه العصر الحديث تفاعل معه في توافق ووئام وانسجام في حين وفي تنافر وتباين واصطدام في حين آخر، حتى جاء العصر الحاضر الذي أصبح فيه الفكر العربي يطلق على أي إنتاج فكري وثقافي للعرب وللغة العربية وللبيئة الثقافية العربية نصيب فيه، في العصور القديمة وفي العصر الحديث وفي عصرنا الحاضر، سواء أكان الإنتاج الفكري والثقافي العربي صرفا في عروبته أو ممزوجا بغيره، والفكر العربي الإسلامي من إنتاج امتزاج الفكر العربي بالإسلام وبالفكر الإسلامي منذ ظهور الإسلام إلى اليوم.
    * أما الفكر الإسلامي وكونه إسلاميا لارتباطه بالإسلام عقيدة وشريعة، عبادة ومعاملة، ولاتصاله بالثقافة الإسلامية وبحياة المسلمين، وبسائر التطورات التي عرفتها هذه الحياة منذ مجيء الإسلام إلى اليوم، خاصة وأنّ قوّة الإسلام ومناعته وفي المقابل هشاشة المعتقدات والديانات والثقافات الأخرى جعل الإسلام ينتشر بسرعة ويُقبل عليه الناس مجتهدين في تكييف معتقداتهم وثقافتهم وفلسفاتهم مع المعتقدات والتعاليم الإسلامية أو متخلين عنها مندمجين تماما في الحياة الإسلامية، وارتبط الإسلام والفكر الإسلامي باللغة العربية لكونها لغة القرآن الكريم ولغة الديانة الإسلامية ولغة التعبد في هذه الديانة، فاحتضن الإسلام الثقافة العربية التي سبقته بما في ذلك ديوان العرب وقام بإصلاحها بتهذيبها، فأصبحت الثقافة آنذاك مركبة مما هو عربي ومما هو إسلامي، والأمر نفسه ينطبق على الفكر في تلك الحقبة، الفكر الذي ازداد اتساعا وازدادت معه الثقافة غنى وثراء.

    * مادام الإسلام يدعو إلى التأمل والتدبر والتفلسف في الوجود والكون والحياة عامة، ويدعو إلى إنتاج الفكر والمعرفة والاجتهاد في ذلك باستمرار، فإنّ هذه الدعوة فتحت كل الآفاق على البحث والدراسة والاطلاع، من طرف المسلمين العرب وغير العرب، الأمر الذي جعل الساحة الفكرية والعلمية والفلسفية والثقافية عامة في العالم العربي والإسلامي تشهد ازدهارا هائلا، خاصة بعد اتصال الثقافة العربية والإسلامية بالثقافات الشرقية القديمة، الثقافة المصرية القديمة والثقافة الفارسية والثقافة الهندية والثقافة الصينية، واتصالها بالفلسفة اليونانية وبالعلم اليوناني، هذه الفلسفة وهذا العلم اللذان يمثلان قمّة التطور الذي عرفه اليونان القديم بعد حكمة الشرق القديم، هذا التطور سنح لبعض المفكرين والفلاسفة في الغرب الأوربي الحديث والمعاصر برفع شعار "الحضارة حكر على الغرب" قديما وحديثا ومعاصرا، وهو موقف يجانب الحقيقة في كافة أوجهها، لأنّ الحضارة لا عنوان لها والتقدم العامي لا وطن له والحكمة ليست حكرا على أحد فالحضارة عرفتها الشعوب الشرقية القديمة، والحكمة الفلسفية والعلمية اضطلع بها اليونان القديم والتقدم العلمي أنتجه المسلمون في حضاراتهم، كما نجد الحضارة في العصر الحديث والعاصر تحوّلت إلى أوربا لما توفرت شروطها، وحصا الأخذ والعطاء بين الحضارات في التاريخ.
    * يبقى التواصل العربي الإسلامي بالفكر الإنساني الذي سبقه والذي عاصره على مدى مختلف الحقب التاريخية هو الذي كان وراء ظهور الكثير من الاتجاهات الفكرية والفلسفية والعلوم والفنون والآداب وغيرها، وتبلورت تلك الاتجاهات في شكل أنساق علمية، فظهرت علوم الحكمة أو العلوم العقلية وتمثلت في الفلسفة وعلم الكلام وفرقه وفي علوم التصوف، كما ازدهرت العلوم الطبيعية والتجريبية وتطورت معها الفنون العملية والصناعات المختلفة، وظهر العديد من العلوم الدينية، مثل علوم التفسير وعلم الفقه وعلم أصول الفقه وعلوم الحديث وعلم السيرة النبوية وغيره، وفي خضم هذا التقدم العلمي الذي تميّز به الفكر العربي الإسلامي وتميّزت به الحضارة العربية الإسلامية تطورت علوم اللغة العربية تطورا هائلا لاحتوائها ثقافات متنوعة وتعبيرها عن حضارة الإسلام والمسلمين، هذا التطور الذي أسهم في فيه المسلمون من عرب وعجم انتهى باكتمال ظهور فكر جديد تولّد عن امتزاج اللغة العربية والثقافة العربية بالإسلام وبثقافات وديانات وفلسفات أخرى شرقية وغربية، وكانت المعايير في هذا الفكر الجديد هو ما جاء به الإسلام من معتقد وشرعة ونظام، كل منها مُثبّت في القرآن الكرم والسنة النبوية الشريفة، باعتبارها تمثل أصول العقيدة ومصادر التشريع الإسلامي.
    * أما الفكر العربي الإسلامي المعاصر وكونه معاصرا فهذا يدل دلالة واضحة على أنّ الفكر متغير ومتطور تاريخيا وباستمرار عبر العصور، فهو مرتبط بالعصر الذي يتواجد فيه وبظروفه، ويتغير بتغير انشغالات واهتمامات ومشكلات العصر، ولما كانت الغاية القصوى في صدر الإسلام التمكين للإسلام على أرض الله ونشر عقائده وتعاليمه والدفاع عنها وشرحها وتوصيلها إلى الناس خاصة لأصحاب الديانات والثقافات والفلسفات الأخرى، كالفرس والروم والإفرنج واليونان وغيرهم كثير، جاء الفكر بطابع عقلي جدالي يقوم على الحوار والمحاجة والجدل ويستخدم الاستدلال العقلي المنطقي في إثبات عقائد الإسلام ودفع الشبهات عنها، وفي الردّ على الخصوم والمعارضين الذين هم من داخل العالم الإسلامي أو من خارجه، الطابع العقلي الاستدلالي المنطقي الفلسفي للتفكير في هذه الحقبة التاريخية عكسته الفرق الكلامية والاتجاهات الفلسفية.
    * بعد مرحلة استخدام الاستدلال العقلي المنطقي للذود عن الدين وفي ظل أوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية وظروف فكرية وثقافية مغايرة للتي سبقتها ازدهرت حركة التصوف والمتصوفة، وازدهرت حركة العلم والعلماء والبحث العلمي ومناهجه، وانتهت إلى نتائج علمية متطورة جدّا بالقياس إلى الحركات العلمية السابقة وما تميّزت به في الشرق القديم أو في الحضارة اليونانية، تمثلت هذه النتائج في ظهور عدد من العلوم المزدهرة، فلسفية ودينية مثل علم الكلام وعلوم التصوف وعلم أصول الفقه وعلم الفقه وعلوم القرآن وعلوم الحديث وغيرها، وطبيعية تجريبية مثل الفيزياء والكيمياء والأحياء والرياضة والفلك وغيره، وإنسانية واجتماعية من التاريخ والعمران البشري وعلم الاجتماع وغيره، بهذا ارتبط الفكر العربي الإسلامي بأوضاع وظروف ومشكلات الإنسان في المجتمع الإسلامي منذ ظهور الإسلام حتى الآن، كما ارتبط بحضارة عربية إسلامية مزدهرة قائمة بذاتها انبثقت من مبادئ وقيّم ومفاهيم الإسلام عقيدة وشريعة في تفاعلها وتواصلها مع الديانات والثقافات والفلسفات والحضارات السابقة.
    * لما كان الفكر نشاطا إنسانيا مرتبطا بالظروف التاريخية وحركة بشرية تمليها الأوضاع التي يعيشها الفرد وتعيشها الجماعة ثقافيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا في عصر من العصور، فإنّ الظروف التاريخية والاهتمامات والانشغالات والمشكلات والتحديات والتحولات التي عاشها ويعيشها الإنسان في العالم العربي والإسلامي في العصر الحديث والمعاصر تختلف تماما عن تلك التي عرفها المجتمع الإسلامي القديم، وهي كثيرة منها الاستعمار، الاستقلال، الإصلاح، النهضة، التخلف، التحرر، الحداثة، ما بعد الحداثة، التجديد، التنوير، القومية، الليبرالية، الاشتراكية، الديمقراطية، حقوق الإنسان، المجتمع المدني، العلمنة، العلمانية، الأتمتة، والعولمة وغيرها، فالفكر العربي الإسلامي المعاصر يشمل كل البحوث والدراسات والمشاريع الفكرية والفلسفية التي تشتغل ببحث المشكلات والقضايا والانشغالات في العام العربي الإسلامي المعاصر، وهي اهتمامات المجتمع المعاصر بصفة عامة واهتمامات الشعوب المتخلفة ومنها الشعوب العربية الإسلامية، ولكونها شعوبا تراثية فإنّ الفكر لديها مرتبط بالتراث العربي الإسلامي من جهة وبالوافد من جهة أخرى، فهو يخضع لمحددات ثلاثة الموروث والوافد والواقع المعيش، ويتصدى لهذا الفكر عدد من المفكرين والباحثين منتشرين عبر أقطار البلاد العربية والإسلامية، كما يمثله عدد من الاتجاهات الفكرية والدينية، ويستجيب لاهتماماته عدد من المشاريع الفكرية تمثل الموقف الحضاري فيه.
    * إنّ أهمّ ما تميّز به الفكر العربي الإسلامي عامة، والفكر العربي المعاصر خاصة ظاهرة التعدد والتتنوع والتركيب، ففيه الموروث المحلي والدخيل، وفيه المعاصر الوافد وغير الوافد، وبين الوافد والموروث يوجد تعدد كبير وتنوع هائل في عناصر ومكونات المنظومة الفكرية في العالم العربي والإسلامي، هذه المنظومة التي تتفاعل بداخلها سائر عناصر المظاهر الثقافية والفكرية والمعرفية فيما بينها من جهة ومع تحولات العصر وتحدياته من جهة أخرى، والتفاعل الداخلي بين عناصر المركب للمنظومة يتم في توافق وانسجام على مرّ العصور واختلاف ظروفها التاريخية وتجدد الأبنية المعرفية والثقافية باستمرار مع تجدد أوضاع الحياة، والذي يدل على مدى التفاعل داخل شبكة المنظومة الفكرية العربية والإسلامية عامة هو ارتباط الفكر في هذه الشبكة بالحياة الثقافية والفكرية والفلسفية والعلمية وغيرها، وبكل ما هو عربي فكرا وممارسة وتاريخا وغيره وبكل ما هو إسلامي عقيدة وشريعة وفكرا وممارسة وتاريخا وغيره، وبكل التحولات والتحديات المعاصرة في العالم بصفة عامة وفي العالم العربي والإسلامي بصفة خاصة، وباستجابات هذا الفكر لهذه التحديات وبآفاقه وتطلعاته، وبحكم تركيبه فهو ينطوي على ما هو ثابت وعلى ما هو متغير، فلكونه إسلاميا ففي الدين ما هو هدي إلهي أزلي خالد لا مكان للتجديد فيه، والفكر الإسلامي نتيجة للتفاعل بين المسلمين وأحكام الدين الخالدة، هذا التفاعل الذي يستمر مع أجيال المسلمين التي تضطلع بالتفكير في الإسلام يتأثر ويتكيف وينفعل بالظروف القائمة التي تحيط به، وبمطالب وحاجات الناس وبالوسائل والإمكانيات المتاحة، مما يدل على احتواء الفكر الإسلامي للمتغيرات واستيعابه للجديد وممارسته التجديد في ظل الهدي الأزلي الخالد الذي يتضمنه الوحي وبيّنته السنة النبوية الشريفة، هذه الثنائية ثنائية الثبات والتغير في الفكر الديني الإسلامي سنة كونية وحكمة إلهية قامت عليها الحياة، والأمر نفسه مع الفكر العربي الذي يتضمن قيّما ثابتة قد تكون مشتركة بينه بين الفكر العالمي العام وقد تكون خاصة به، عرفها ومازالت تحدده ويتحدد بها، وهكذا مع كل أنواع الفكر سواء أكان الفكر مشتركا بين بني الإنسان ولهم عامة أو كان خاصا ببعضهم فهو متعدد المكونات متنوع الروافد فيه الثوابت والمتغيرات، يتّجه نحو الأوضاع التي تميّز عصره يشهد لها أو عليها، يكرسها ويبررها أو يثور في وجهها، يسكّن الواقع أو يحركه، يتميّز بالفعّالية والتأثير أو بالسكون والجمود، يُسهم في تغيير الواقع وتطوير الحياة أو يكتفي بالإتباع والنقل من موروثه أو مما يعاصره.

    * ففي حقل التفكير الفلسفي وهو نوع من أنواع التفكير الذي عرف أحوالا متباينة عبر تاريخه الطويل تراوحت بين القوّة والضعف وبين العمق والسطحية وبين الدقة والعفوية وبين الكفاية والقلّة وغيرها، ارتبط هذا النوع في كل مرحلة من مراحل تاريخ الطويل بالظروف التاريخية وبأوضاع الناس المختلفة، ارتبط بعقلية الإنسان وبلغته وبمعتقداته وبنمط عيشه وبثقافته وبالجغرافيا التي يعيش فيها وبكل ما يعانيه وما يعنيه ككائن حي وكإنسان، بالمشترك الوجودي والمشترك الإنساني، بما هو عام في المشترك الإنساني وبما هو خاص داخل المشترك الإنساني، لذا تعددت الفلسفات وتباينت، ومنها الفلسفة التي ارتبطت بالبيئة العربية الإسلامية، وتمثل الفكر الذي انبثق وتشكّل من التوحيد بين ما هو فكري فلسفي وبين ما هو عربي وبين ما هو إسلامي، وتمّ واكتمل نموذجا من نماذج التفكير الفلسفي يطلق عليه التفكير الفلسفي العربي الإسلامي، واستمر هذا الفكر عبر التاريخ يتفاعل وينفعل في داخله وذاتيا كما يتواصل بالتحدي والاستجابة مع الظروف التاريخية التي تمرّ عليه بالتفوّق أو بالإخفاق حتى العصر الحاضر، ففي عصرنا تلتقي الفلسفة بالثقافة العربية وما شهادته من تطورات وبالثقافة الإسلامية وما عرفته من تجديد، وذلك في الجامعات وخارجها، ففلسفة الحركة الإصلاحية الحديثة والمعاصرة روادها لم يكونوا من ذوي الاختصاص في الفلسفة الإسلامية أو العربية أو ما يُسمى بالفلسفة العربية الإسلامية، فجمال الدين الأفغاني وتلميذه محمد عبده ومحمد رشيد رضا الذي هو تلميذ محمد عبده وهم الرواد الأوائل للفكر الإصلاحي الديني والسياسي والتربوي والاجتماعي عامة قدّموا اجتهادات في الفلسفة الإسلامية لم ترق إلى مستوى الأنساق الفلسفية التي عرفها الفكر الفلسفي في الغرب الحديث، ولكنّها استطاعت أن تضع بذور تفكير تميّز ببعده الفلسفي في قراءته للواقع وفي تحليله ونقده له وفي تصوره لمناهج حل المشكلات و التعامل مع الأزمات ومعالجتها، كما أثرت هذه الاجتهادات الفلسفية في الجيل الذي جاء فيما بعد ومن أفراد هذا الجيل مصطفى عبد الرازق الذي يُردّ إليه تأسيس الدراسات الفلسفية المعاصرة في العالم العربي، وكذلك أحمد لطفي السيد الذي يعتبره الكثير فيلسوف الجيل الأول بعد جيل الحركة الإصلاحية بدون مُنازع، وكان لهذا التداخل بين الفلسفة والفكر العربي والفكر الإسلامي أثره البالغ الكبير في الفكر الفلسفي السياسي المعاصر، كما وقع تداخل الفكر الفلسفي والعلمي المرتبط بالتقدم العلمي والتكنولوجي الحديث والمعاصر مع الفكر العربي والعلماني، وأبرز رواد الفكر العلمي العلماني شبلي شميل وفرح أنطوان وسلامة موسى وغيرهم، ولم يكن هؤلاء من داخل الجامعات، التقى فكرهم مع الفكر الفلسفي العلمي من داخل الجامعة، وأبرز رواد الفكر الفلسفي العلمي من داخل الجامعة زكي نجيب محمود وفؤاد زكريا، اتسع مجال الاهتمام بالفلسفة وبقضاياها ومشكلاتها العامة والخاصة بالعصر والمجتمع العربي الإسلامي المعاصر، فلم يعد الاهتمام بالفلسفة يقتصر على المتخصصين في الفلسفة أو في الفروع التي تقاربها وتوازيها بل ساهم في الاهتمام بها أئمة وعلماء وقضاة شرعيون ومصلحون دينيون ومفكرون سياسيون وأدباء وصحفيون وكتاب وأصحاب أقلام، واتسع مجال الفكر الفلسفي ليشمل مجالات واسعة من الفكر الفلسفي العام الذي يظم الفكر الديني والعلمي والسياسي داخل الجامعات وخارجها، واتسع أكثر ليشمل كذلك العلوم الإنسانية والاجتماعية، مثل علوم اللغة واللسانيات وعلم النفس وعلوم التربية والجغرافيا والتاريخ و السياسة والأدب والقانون وغيره، فالفكر العربي الإسلامي المعاصر بهذه الاهتمامات اندمج في العصر وشكّل ساحة فكرية بانت فيها روافده ومصادره وتوجهاته التراثية القومية والإسلامية، والمعاصرة المادية الاشتراكية والليبرالية الغربية.
    * إذا ما أردنا تصنيف الأبنية والأنساق الفكرية والثقافية والمعرفية التي تتشكل منها منظومة الفكر العربي الإسلامي منذ القديم إلى يومنا هذا ومن باب الوصف العام، لأن التدقيق والتفصيل في الموضوع يتطلب جهدا معتبرا ودراسة مطولة وبحثا عميقا، لكن هذا لا يمنع من تحديد ووصف هذه الأبنية والأنساق، هذه المنظومة كانت عربية قبل أن تكون إسلامية، تكوّن الفكر فيها بداية وتمهيديا من الثقافة العربية التي هي بحوزة العرب قبل مجيء الإسلام، هذه الثقافة التي تضمّنت أربعة اتجاهات أساسية هي الديانة اليهودية والديانة المسيحية والصابئة ومجمل ما احتواه ديوان العرب من شعر ونثر وحكم وأمثال وأخلاق وغيرها، هذه الثقافة السابقة على الإسلام تحتاج الآن إلى دراسة وتحليل ونقد، لما جاء الإسلام شكّل مجالا واسعا للتفاعل مع البيئة الثقافية والفكرية القائمة، وهو يمثل المنظومة التأسيسية التي تشمل مصادر وأصول الحكمة الإسلامية متمثلة في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والعقل والإجماع وبعد ذلك جاءت أعمال واجتهادات الصحابة والتابعين وتابعي التابعين والعلماء، وأصبحت المنظومة التأسيسية مهيمنة على الساحة الفكرية والثقافية، مُعدلة ومطوّرة للأبنية والأنساق الثقافية السابقة وذات تأثير بالغ على الأبنية والأنساق الفكرية التي جاءت بعدها، وارتبطت هذه المنظومة بالعرب تاريخا ولغة وثقافة كما ارتبط العرب بالإسلام اعتقادا وشرعا وديانة وفكرا فحصل الاندماج بين الجانبين في توافق وانسجام، المركب مما هو عربي ومما هو إسلامي دخل في تفاعل وانفعال مع نفسه ومع الثقافات الديانات والفلسفات الأخرى الغربية والشرقية القديمة والمعاصرة له، ارتبطت المنظومة التأسيسية بالعروبة لغة وتاريخا ثقافة وبالديانة اليهودية والديانة المسيحية، وبالثقافات الشرقية القديمة والفلسفة اليونانية وبالفلسفة الرومانية وبغيرها، وعلى الرغم من أنّ قوام المنظومة التأسيسية ثابت يتمثل في القرآن الكريم إلاّ أنّ ممارسة التدين في الإسلام تتطلب التكيّف مع المتغيرات والمستجدات والتحوّلات التي تعرفها ظروف الحياة، الأمر الذي يقتضي فهم هذه المنظومة فهما عصريا في ضوء التطور الحاصل في الحياة المعاصرة، بالإضافة إلى المنظومة السابقة على الإسلام والمنظومة الإسلامية الخالصة التأسيسية وبعد التفاعل الإسلامي الديني والفكري مع التعدد والتنوع الديني والثقافي والفلسفي والعلمي القديم والذي عاصره وتمّ بأساليب ووسائل عديدة أهمها الفتوحات الإسلامية وحركة الترجمة، نتج فكر تحصيلي تخصيبي يشمل المعرف المزدهرة والعلوم المتطورة وكل ما أنتجه المسلمون وارتبط بالحضارة العربية والإسلامية وساهم فيه كل المسلمين من عرب وعجم وساهمت فيه كل الثقافات والحضارات التي احتك بها أهل الإسلام، وتمثل الإنتاج الفكري في هذه المنظومة كل العلوم الدينية والشرعية وفي العلوم الطبيعية والتجريبية وفي علوم الحكمة، علم الكلام وعلوم التصوف والفلسفة وفي العلوم الإنسانية والاجتماعية ، التاريخ وعلم العمران وغيره، هذا الإنتاج الذي يحتاج إلى دور نهوضي وعمل يعيد قراءته والاستفادة منه، خاصة بالنسبة للإنتاج الفكري الذي يحتوي على الجوانب الخاصة والذاتية في الثقافة العربية والإسلامية، أما ما هو مشترك وإنساني عام يمكن قراءته في ضوء التحولات الفكرية الجارية في العالم المعاصر ككل، إلى جنب الفكر التحصيلي الفلسفي والشرعي والعلمي يوجد نظام آخر من الفكر داخل المنظومة العامة، هو الفكر التأصيلي ويشمل جميع الرؤى ذات الأبعاد الدينية الشرعية والقواعد والأصول التي يتم الاعتماد عليها في فهم واستيعاب المنظومة التأسيسية، ومن ذلك فهو يتضمن التفكير المنطقي والمنهجي بكل أشكاله، ويمثل الفكر العقلاني الشامل في الفكر العربي الإسلامي، ويحتاج هذا الفكر إلى إعادة قراءة ونظم واستشراف في ضوء انتقاد كل عمليات المراجعة والتحديث المتتالية والمتعاقبة، هو الأمر الذي حدث ومازال يحدث من خلال جهود المراجعة والتحديث الأولى وكذلك مسار جهود النهضة واليقظة والدعوة إلى الاستعادة وبعد ذلك مجهود التيارات والتوجهات الفكرية المعاصرة، وفي المقابل مازالت جهود النهضة واليقظة بالدعوة إلى الاستعارة قائمة وهي جهود التيارات القومية الليبرالية، خاصة بعد التطور الهائل الذي حققه العالم المتقدم في مجال العلم والتكنولوجيا وفي إدارة المجتمع ونظام الحكم وتنظيم الاقتصاد، كما توجد جهود أخرى تبني فكرها في المراجعة والتحديث لا على الاستعادة وحدها ولا على الاستعارة وحدها بل على الاستفادة من التراث ومن العصر معا، وهي الجهود التي تشغل الحيز الأكبر في حقل الفكر العربي الإسلامي المعاصر، هذا الأخير الذي يعوّل أساسا على المراجعة والتحديث من خلال إعادة قراءة وصياغة التراث العربي الإسلامي وفق ما يجري في العصر، وتوجد العديد من المحاولات في هذا التوجه تحتاج إلى المتابعة للوصول بها إلى درجة أرقى من خلال الاستفادة من الماضي ومن التجربة الإنسانية المشتركة، والإسلام لا يجد صعوبة في التعاطي مع روح العصر، فهو دين الفطرة والعقل والعلم والحضارة، يتجاوز سائر المفاهيم الملفقة والمعيقة لعملية المراجعة والتحديث، أخلاقه تقوم على الحوار والتسامح ومنهجه مبني على التحليل النقد للتركم الفكري والمعرفي التاريخي وللتجربة الإنسانية القديمة والحديثة والمعاصرة، كما يقوم على التحديد الدقيق للمشكلات القائمة والقادمة، ومن منظور إسلامي معاصر تتحقق الاستعادة والاستفادة معا بتحقق الوعي بالذات وممارستها لدورها الإيجابي.
    * على الرغم من الاندماج بين الفكر العربي والفكر الإسلامي واشتمال كل منهما على الآخر وتعبير كل منهما عن الآخر وتطوير وازدهار كل منهما للآخر منذ القديم إلى اليوم، فإنّ صعوبة الجمع بين الفكر الإسلامي والفكر العربي وكون الفكر عربيا وإسلاميا في الوقت نفسه تطرح إشكالية لدى الكثير من المشتغلين بالفكر والثقافة في العالم العربي الإسلامي وخارجه، من منطلق وجود فرق ملحوظ بين ما هو عربي صرف وما هو إسلامي بحت، ومن منطلق وجود منظومة فكرية وثقافية سابقة على الإسلام لها كيانها المستقل وتتمتع بخصوصياتها، وتميّزت بالتنوع الفكري والثقافي والديني، والإسلام ومنظومته الدينية يختلف في عقائده وفي تعاليمه عما سبقه في البيئة العربية وفي غيرها، فالفكر العربي ينطوي على ما هو عربي غير إسلامي مثل الفكر العربي المسيحي واليهودي والصابئي وغيره، والفكر العربي القومي الليبرالي أو الاشتراكي حينما يعالج قضايا ومفاهيم عديدة في سياق عربي قومي بحت بعيدا عن أي سياق ديني فهو بذلك يكون منفصلا ومستقلا عن الفكر الإسلامي، والفكر الإسلامي ينطوي على ما هو إسلامي بحت وليس عربيا تماما، ويتمثل في الأفكار الإسلامية التي عولجت من غير العرب أو أفكار سادت في بلدان إسلامية غير عربية، كما توجد أفكار غير عربية وغير إسلامية دخلت حقل الفكر العربي الإسلامي وامتزجت به، وارتباط هذه الأفكار والمفاهيم الأعجمية بالفكر العربي الإسلامي ومعالجته لها قديما وحديثا ومعاصرا لا يكفي بأن توصف بأنّها عربية إسلامية مثل الحداثة، الديمقراطية، اللبرالية، الاشتراكية، العلمانية، العلماوية، العولمة وغيرها كثير في عصرنا الحاضر، هذه الاعتراضات على التوحيد والجمع بين الفكر العربي والإسلامي لابد من معالجتها، وإن كانت لا تؤثر بشكل ملحوظ في واقع المحاولات الفكرية في العالم العربي الإسلامي الذي احتضن العروبة والإسلام في كل واحد موحد لا يقبل التجزئة والانقسام، واستمد ذلك من روح العروبة الإسلامية ومن روح الإسلام العربية، وأي ثقافة أو لغة تقوم بالدور نفسه الذي قامت به الثقافة العربية واللغة العربية تكون جديرة باحتضان الإسلام وحري به أن يحتضنها، هذا فضلا عن كون ظهور الإسلام في البيئة العربية وباللغة العربية من الحكمة الإلهية، وبغض النظر عن صعوبة الجمع بين ما هو عربي وما هو إسلامي في الفكر حسب الاعتراضات السابقة الذكر، فإنّ الفكر العربي الإسلامي سار في الريادة والاستكشاف والتفتح والازدهار والتنظير والتأصيل والتأسيس، وأنتج أفكارا ومعارف وفنونا وعلوما كثيرة في وقت قصير، وورث منتجات الحضارات التي سبقته، بما في ذلك ما جاءت به الأديان والفلسفات، وسقطت مقولة الدين سكون وتحجر وكتب المفكرون عن شمس العرب والمسلمين وهي تسطع على الغرب وعن الإسلام وهو ينتشر، وجعلوا نبي الإسلام أعظم عظماء البشرية قاطبة من قبل ومن بعد، استطاع الفكر العربي الإسلامي أن يحاور مختلف الديانات والثقافات والحضارات التاريخية، وأن يناقش مختلف القضايا والمسائل والدعاوى والاعتراضات ومعالجة سائر المشكلات التي تواجهه، فجاء فكرا جامعا شموليا وموسوعيا يغطي كل ما أنتجه من خلال فعّالياته المتواصلة.
    * للتأكيد على الطابع العربي والطابع الإسلامي للفكر في العالم العربي والإسلامي ينبغي التأكيد على منظوماته الفكرية التاريخية، بالنسبة لمنظومة النسق الفكري قبل الإسلام أشاد القرآن الكريم وأشادت السنة النبوية الشريفة بالكثير ما كان للعرب فيها من أفكار وأخلاق وسجايا ومعتقدات دينية و بعض العادات والتقاليد وبعض الأفكار المنسوبة للعقل، يضاف إلى ذلك كل ما تُرجم إلى اللغة العربية من ثقافات أخرى، وجد قبولا كبيرا لدى المسلمين واستحسنه الفكر الإسلامي واستساغه على سبيل الاشتمال والتضمن لا على سبيل الإنتاج والإصدار، أي على أساس تفاعلي، وصارت الأفكار الناتجة عن التفاعل الإسلامي مع الحضارات والديانات والفلسفات وسائر الثقافات السابقة على العربية هي من صميم وروح الحضارة العربية الإسلامية، مما يؤكد أنّ جميع الحضارات اللاحقة والحديثة تلقت معارفها بشكل أساسي مما هو حضاري وثقافي وفكري قبل الإسلام وغير إسلامي، فضلا عن الثقافة العربية الإسلامية وبواسطة المنتج الفكري للحضارة العربية الإسلامية، هذا المنتج الذي نهض بمهمة الحفاظ على الفكر الإنساني بشكل عام وتهيئته مجددا على نحو راق جدّا، إنّ تفاعل الفكر العربي الإسلامي ومفكروه مع توجهات الحضارات اللاّحقة الحديثة والمعاصرة ممثلة في الفكر الغربي تحديدا بتوجهه الليبرالي العلماني وبتوجهه المادي الاشتراكي وما ينطوي عليه كل توجه من التوجهين من أفكار وقيّم تتعارض مع توجهات الفكر العربي الإسلامي،هذا التفاعل الذي تمّ بالترجمة والدراسة والمحاورة والنقد ومحاولة الاستفادة منه أو تبنّيه ومحاولة استعارته من طرف بعض الجهات الفكرية والسياسية، على العموم أحدث هذا الاحتكاك العديد من التوجهات والتيارات التي نادى بها مفكرون عرب ومسلمون محدثون ومعاصرون بصرف النظر عن مدى تطابق الفكر الغربي الحديث والمعاصر مع العروبة والإسلام أو من أية جهة صدر، كان في أغلبه موضع دراسة وتحليل ونقد ومعالجة من منظور عربي إسلامي.
    * الفكر العربي الإسلامي تاريخيا لا يغطي ما هو عربي سابق على الإسلام وما هو إسلامي تأسيسي ديني شرعي وما مصدره التفاعل العربي الإسلامي مع ما هو ديني وثقافي وفلسفي وحضاري وتمّ بالمحاورة والنقد وعلى سبيل الاشتمال والاحتواء لا على سبيل الإنتاج وما كان مصدره التفتح والازدهار والتنظير والتأصيل والتأسيس والريادة والاستكشاف لدى العرب والمسلمين عموما، بل يشتمل كذلك على ما جاء من مصادر أخرى حديثة ومعاصرة تمّ استيعاب البعض منه ومازال يبحث ويناقش البعض الآخر، ونتيجة التفاعل الفكري العربي الإسلامي التاريخي والمعاصر صار الفكر في العالم العربي والإسلامي المعاصر ممثلا في مجمل التيارات الفكرية المعاصرة ، يهتم بمشكلات وأوضاع العالم المعاصر بصفة عامة وبهموم العالم العربي والإسلامي المتخلف بصفة خاصة وبمشكلة التخلف فيه، كما يعتني أيّما اعتناء بالمنظومة التأسيسية لتكون في مكان الصدارة من حيث الاهتمام في خضم التحديات القائمة والتحولات المتسارعة ولأنّها تمثل زاد الأمة الفكري والروحي وهويتها التاريخية والحضارية، ويعتني كذلك بالدرجة الثانية بالفكر الليبرالي الذي صار الفكر الأبرز بعد انهيار المنظومة الاشتراكية والشيوعية، صار الإسلام بتوجهه الإنساني العالمي الشمولي والفكر العربي الإسلامي في العالم المعاصر هو اللاعب الأساسي إلى جانب اجتهادات ومبادرات التيارات الليبرالية ذات الاتجاه العولمي، وتعود العناية في الفكر الإسلامي المعاصر بالإسلام لما فيه من قوّة ويقين وقدسية وصلاحية وإنسانية، وبالليبرالية لالتقائها في كثير من الجوانب مع الإسلام، ولنجاحها في إنتاج مجتمعات حديثة ومتطورة، الأمر الذي دعا العديد من الدول إلى انتهاج الليبرالية سبيلا للتقدم، والفكر العربي الإسلامي مدعو الآن إلى ممارسة تجديد منتجه الفكري وتحديث محتوياته ومعالجة الفكر الليبرالي بطابعه العولمي مع العمل بمقتضى منهج نقدي ملائم للتجديد والتحديث والتعاطي مع تحولات العصر وتحدياته بإيجابية من منظور الثوابت في المنظومة التأسيسية.
    * إنّ إطلاق عبارة الفكر العربي الإسلامي هكذا من غير تقييد تاريخي دلالي أو زمني تغطي كل ما هو عربي وكل ما هو إسلامي وكل ما ارتبط بالعروبة والإسلام بالاحتكاك والتواصل، ويبدأ من قبل الإسلام إلى اليوم ، كما لا نجد البتة انفصالا بين الفكر العربي والفكر الإسلامي ولم يسجل التاريخ ذلك رغم وجود اعتراضات ذُكرت بعضها من قبل، واستمر هذا التداخل والتزاوج بين الاثنين حتى الآن، فرائد الفكر الإسلامي الحديث ومؤسس الإصلاح الديني جمال الدين الأفغاني لم يكن عربيا وقبله وبعده كثير، ومحمد إقبال وأحمد خان من الهند، وسعيد النورسي من تركيا وعلي شريعتي وطالقاني والإمام الخميني من إيران، أما أبناء الجيل الحالي فمنهم الكثير، فريد إسحق وعبد الله الطيب وإبراهيم موسى من جنوب إفريقيا، وأغل التيارات في الفكر العربي المعاصر لها امتداداتها خارجة في العالم الإسلامي، لأنّ العروبة قلب الإسلام ومهبط وحيه ومصدر فكره ولغته وثقافته.
    * يُطلق اسم الفكر العربي الإسلامي المعاصر في العالم العربي والإسلامي على ما يلي: مفاهيم وتصورات ومقولات بعضها تراثي وبعضها حداثي وبعضها معاصر عن الإنسان والحياة والوجود والكون والطبيعة وما بعد الطبيعة وغيرها؛ دراسات وبحوث لقضايا ومسائل ومشكلات مطروحة في البيئة الفكرية والثقافية والدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية للعالم العربي والإسلامي المعاصر، وهي قضايا قديمة وحديثة ومعاصرة؛ مناهج بحث وأساليب دراسة متبعة في البحوث العلمية والفكرية والفلسفية والدينية بعضها تراثي وبعضها حداثي ومعاصر؛ تيارات ومدارس ونزعات دينية وثقافية وفكرية وفلسفية وعلمية تستمد عناصرها مما هو تراثي ومما هو معاصر؛ إيديولوجيات ونماذج ومناهج دينية وفكرية وسياسية وغيرها مقترحة لتجاوز الأزمات وحل المشكلات المختلفة خاصة أزمة النهضة ومشكلة التخلف.


    http://boudji.extra-blog.net/

  2. #2
    ابحاث كتلك قليلة نسبيا لكنك لم تستعن دكتور بكتابات الجابري وامثاله فاتت ناقصة اتكات على التاريخ ولم تكمل.\مرور اولي
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  3. #3
    داعية ومحاضر جامعي
    تاريخ التسجيل
    Nov 2013
    المشاركات
    598
    ولا يمكن اصلاح هذا الجيل الا بدعم رجال التنوير والفكر الاسلامي الحر...
    .......
    مطلوب من كل صديق اقتراح اسم كاتب من كتاب التنوير المعاصرين الذين يعملون على نهضة الأمة والتعريف به بسطرين على الاقل........
    وأنا أقترح أحمد الشقيري......

  4. #4
    أسئلة الفكر العربي الإسلامي المعاصر

    د. بوبكر جيلالينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيللفكر العربي الإسلامي المعاصر أصول ومصادر أفرزت الوعي التاريخي العربي الإسلامي في مستويات شتى، على امتداد الحقب الزمنية التي شهدها العرب قبل وبعد الإسلام ومنذ القديم حتى الآن، وله مسارات تميّزت بالتعدد والتنوع، وتحددها مناهج تتوزع على الموروث والوافد بدرجات متفاوتة في الانتماء والتمثل وتتباين في المنطلق والطرح والتحليل وفي النتائج والحلول والبدائل التي تتبناها وتقدمها، وتجلّت في مواقف واتجاهات ورؤى ومشاريع تباينت في تعاملها مع قضايا ومشكلات وظروف وتحديات العالم المعاصر بشكل عام والعالم العربي الإسلامي بشكل خاص، وهي أوضاع ارتبطت بالحياة المعاصرة عامة في الفكر وفي السياسة وفي الاقتصاد وفي الأخلاق والعقائد وغيرها، ولما كان التفكير في أي موضوع وبأي منهج يبدأ وينطلق من سؤال يُطرح والرغبة في الإجابة، فالفكر العربي الإسلامي يؤطره عدد من الأسئلة بعضها قديم قدم الفكر ذاته وبعضها يخص صلته بالثقافات الأخرى وبعضه يتعلق بالتطورات المعاصرة على المستوى المحلي العربي والإسلامي وعلى مستوى ما درج على تسميته بالعالم الثالث وعلى مستوى العالم ككل، وفي سياق هذه التراكمية والتواتر والتعقيد في المكونات والمنابع والتوجهات والمناهج والمواقف والمشاريع التي يشهد بعضها التكلس والترسب واللافعالية ويعرف بعضها الآخر الدينامكية والنّماء والأصالة والإبداع نجد ثقافة العرب والمسلمين ومجتمعاتهم وحياتهم عامة تعيش على التراث فهو ماضيها وحاضرها ومستقبلها وعصب حياتها من دون منازع على الرغم من أنها تعيش بحداثة الغرب المادية وتتلقف كل منتج من إنتاج هذه الحداثة.
    توزعت الثقافة العربية الإسلامية وتفرّقت تياراتها على عدة نماذج أبرزها وأكثرها تأثيرا في الواقع والحياة اليومية وفي نمط التفكير والعيش النموذج التاريخي التراثي وأقلها تأثيرا النموذج اللاتراثي، أما النموذج الثالث فهو التوفيقي جامع بين النموذجين ويمثل المسار الوسطي الذي يسعى إلى التوحيد والجمع المتآلف بين التراث والوافد من منطلق الاستقامة في البناء الحضاري التاريخي مشروطة بالتوازن والاعتدال بين أبعاد الزمان في المكان، بين الحاضر والماضي والمستقبل، وبين أبعاد الفكر، المعنى واللفظ والشيء، وبين الفرد والجماعة، بين كل بديلين أو أكثر يمكن أن يجر أحدها الكل في اتجاه الأحادية والتطرف وإقصاء الآخر، والمغالاة في اتجاه الاستبداد والعنف والانتقام والتناحر، هذه الممارسات المنافية لكل معاني الخير ودلالات البناء الحضاري التاريخي صارت تميز السلوك الرسمي والشعبي وتحدد العلاقات بين الأفراد والجماعات، فانهار البنيان العربي الإسلامي بأيدي أصحابه أولا ثم تداعت عليه أمم أخرى استغلت ضعفه وضياعه، فأصبح مضرب المثل في الفساد الاجتماعي والاستبداد السياسي والتخلف الاقتصادي والانحلال الأخلاقي والديني والتدهور الفكري والثقافي، ماضيه ممحون وحاضره مفتون ومستقبله غير معلوم.
    تشتت الفكر العربي الإسلامي بين القومي والأممي، بين الكلاسيكي والتحديثي، بين الديني والعلماني، بين العلمي والأسطوري، بين الكلي والجزئي، بين الرافض للعولمة والمؤيد لها، بين هذا وذاك مازال الفكر العربي يجتر أسئلة الماضي بطريقة الماضي ويدفع بقوة وعناد في اتجاه الماضي، يطلب العيش في الماضي معترضا على قيم الحداثة والتحديث وعلى مقومات التغريب ودعوة ما بعد الحداثة وعلى ثقافة العولمة ومرارات انعكاساتها في الاجتماع والاقتصاد والسياسة والأخلاق والعقائد وغيرها كثير، لكن مع هذا تصدى الفكر في الواقع العربي الإسلامي المعاصر في فصل منه للراهن متقفّيا تحدياته ومشكلاته وهمومه وما أكثرها في هذا الواقع، تحديات الاجتماع والثقافة والاقتصاد، ومشكلات السياسة والدين والأخلاق، وأزمات الإبداع والتخلف والاستعمار الذي اتخذ أشكالا عدة واستعمل أساليب شتى، وانتهى الفكر في عالمنا العربي والإسلامي الراهن إلى تفجير الثورة بسبب الثروة وغيرها وبغض النظر عن أسبابه ودوافعه وعن وسائله وغاياته فإن أسئلته الراهنة يمكن طرحها كما يلي:

    *سؤال التحرّر - الاستعمار- التخلّف
    لماذا الاستعمار والتخلّف؟. كيف السبيل إلى التحرّر من الاستعمار بكافة أشكاله وتداعياته ومن التخلّف بجميع أسبابه ومظاهره؟

    *سؤال النهضة- الإصلاح – التقدّم
    لماذا تأخر العرب والمسلمون وتقدّم غيرهم؟. كيف يجري الإصلاح ويتحقق التقدّم لدى العرب والمسلمين في عصرنا؟

    *سؤال التجديد- الإبداع- السلفية والتجديد
    لماذا يغيب الإبداع والتجديد في عالمنا العربي المعاصر؟. وهل تجاوز الأزمة يتمّ بالاكتفاء بالموروث القديم أم بالاعتماد على الوافد الجديد أم بالجمع بين الاثنين؟. هل يمكن الجمع بين الاثنين في انسجام وتناغم؟.

    *سؤال الأصالة والمعاصرة
    كيف السبيل إلى الجمع بين التراث العربي الإسلامي من أفكار وقيّم وفنون وعلوم وآداب وأعمال وغيرها كثير مع ما أنتجته الحضارة الحديثة والمعاصرة من أفكار وقيّم وعلوم وتكنولوجيا وغيرها كثير؟.

    *سؤال الحداثة- قيّم الحداثة
    الإنسانية-الحرية – العلمانية – العلمية – النقدية- التحديث - التقانة- التغريب- الديمقراطية – التمدّن - ما بعد الحداثة...الخ.
    هل يمكن بناء مجتمع عربي إسلامي معاصر متقدّم ومتطور ومزدهر على قيّم ومبادئ الحداثة الغربية؟.

    *سؤال الهوية- العروبة والإسلام- علاقة العروبة بالإسلام - القومية العربية - الجامعة الإسلامية
    بما تتحدد هويتنا في السياق الجغرافي والتاريخي في العالم؟. كيف السبيل إلى الجمع بين الوحدة والكثرة والثبات والتنوع ثقافة وجغرافيا وتاريخ وأيديولوجيا ولسانا ولون بشرة وجنسا وغير ذلك كثير في عالمنا العربي والإسلامي المعاصر؟. ما حقيقة العروبة؟ ما صلة الإسلام بالعروبة؟ ما حقيقة القومية العربية لدي منظّريها؟ وهل تتعارض القومية العربية مع الإسلام ومع فكرة الجامعة الإسلامية التي دعا إليها ولازال الكثير؟.

    *سؤال العنف والحوار والتسامح والتواصل
    لماذا ينتشر العنف بمختلف أشكاله ومظاهره وفي كل مناحي الحياة وفي جميع المؤسسات في المجتمعات العربية والإسلامية المعاصرة؟ كيف السبيل للتخلّص من العنف؟. لماذا لم تشع ثقافة الحوار والتسامح بين العرب والمسلمين أفراد وجماعات دينية وطائفية وعرقية وجهوية وغيرها كثير؟ وكيف يتمّ التخلّص من كل ما يعيق فعل الحوار ونزعة التسامح؟. كيف السبيل إلى تحقيق تواصل إيجابي مؤسس على قبول الآخر ندّا وشريكا بنّاء في الحياة لا عائقا هدّاما يجب إقصاؤه بل استئصاله؟.

    *سؤال الأنا والآخر- الاستغراب- نظرة المفكر العربي إلى الآخر...الخ
    كيف السبيل إلى الجمع بين الأنا والآخر في منظور قائم على التكامل والندّية لا التعارض والدونية؟. كيف يتحول الأنا إلى منظار دقيق يكشف حقيقة الآخر ضعفا وقوّة وينطلق في النهوض والتقدم؟. إلى متى يبقى الأنا يعيش عالة على الآخر عملا وإبداعا وإنتاجا وحضارة؟. إلى متى يفيق الأنا ويقطع مسافة قرون التأخر ما يعادل سنة ضوئية ويلحق بالركب الحضاري؟.

    *سؤال العولمة - العولمة من منظور الفكر العربي المعاصر
    لماذا انقسم الفكر العربي المعاصر إلى ثلاثة رؤى، رؤية مؤيدة للعولمة ورؤية معارضة لها ورؤية في الوسط تؤيد بعض العولمة وتعارض بعضها الآخر؟ كيف السبيل للفكر العربي المعاصر إلى بناء تصور دقيق منطقي عن العولمة؟ كيف يتفاعل الفكر العربي المعاصر إيجابيا مع العولمة باعتبارها أكبر تحدّ يواجه الإنسان في العالم العربي والإسلامي المعاصر في كافة مناحي حياته؟ ما مصير الخصوصية السياسية –الدولة الوطنية- والثقافية والدينية في ظل العولمة؟.

    *سؤال الثورة
    لماذا ثارت العديد من الشعوب العربية المعاصرة على حكامها وفي وجه أنظمة الحكم؟ لماذا تتصف الشعوب العربية المعاصرة وأنظمة الحكم في البلاد العربية الحالية بالفساد والاستبداد؟ كيف السبيل إلى نظام ديمقراطي ناجح وعيا وممارسة في عالمنا العربي والإسلامي المعاصر؟ هل الحراك الثوري الراهن في عالمنا العربي والإسلامي المعاصر إنتاج ذاتي محلي أم إنتاج دخيل مغرض؟ ما مآل الحراك الثوري في عالمنا العربي الإسلامي المعاصر؟.

    *سؤال المستقبل
    كيف السبيل إلى استشراف مستقبل العالم العربي والإسلامي في ضوء التحدّيات الراهنة والتطورات التي شاهدتها وتشهدها الساحة الدولية عامة والعربية الإسلامية سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا وعسكريا؟. أي كيف يبني العرب والمسلمين في عصرنا علم المستقبليات لديهم؟ وهل يمكن إنتاج علم مستقبل العرب والمسلمين؟.

    *سؤال الأسئلة
    في خضم السياق التاريخي المعاصر الذي يعجّ بالتطورات في العلم والتكنولوجيا وفي السياسة والاقتصاد والثقافة وفي غيرها كيف يمكن تشخيص المشكلات وطرحها ومعالجتها وفق نسق يستفيد معرفيا ومنهجيا وموضوعيا ومنطقيا من الموروث والوافد بعيدا عن الأحادية والتلفيق وينتهي إلى نظرية دقيقة حول التراث والعصر والمستقبل؟ هل يمكن إنتاج مشروع فكري حضاري معاصر يجمع بين السياسي والفكري يتحقق في الواقع؟.

    أمام هذه الأسئلة وغيرها مما يطرحه العصر من طرف الأنا أو من طرف الآخر أو منهما معا، أو ما ينتج عن علاقة الأنا بالآخر أو ما يطرحه في مستويات الأنا خاصة بالنسبة لماضيه وتراثه، مازال الفكر تخنقه أزمة الحرية والتحرر وأزمة الإبداع التي تجاوزها الآخر وطالما عانت منها الشعوب والأمم عبر التاريخ، ويبقى أخر سؤال طرحه ويطرحه الفكر العربي الراهن سؤال الثورة، هل الثورات الراهنة عمل إبداعي سياسي واجتماعي وثقافي أم أنّها مجرد حراك اجتماعي غير قادر على قلب الأوضاع على نمط الثورات الكلاسيكية، ما دامت الثورة الراهنة غير مؤطرة فكريا وسياسيا، أم أن التأطير السياسي والحزبي والفكري تجاوزه الزمن ولم يُعول عليه في إحداث التغيير، خاصة بعد تطور وسائل وأساليب التواصل الاجتماعي ومن ورائها تطور تقنيات الإعلام والاتصال والإشهار والاستثمار في هذه التقنيات، التطور الذي أحدث قفزة في اتجاه التعارف والتعاون والتكتل والوحدة، وحدة المبدأ والمنهج والمصير.
    سؤال الثورة زاد في توسيع مجالات البحث والتحليل والنقد والاستنتاج في الفكر العربي المعاصر، لكن عوّدنا الفكر في عالمنا العربي المعاصر على الجعجعة من غير طحين وعلى مقولة "تمخّض الفيل فأنجب فأرا"، فمنذ بداية العصر الحديث إلى اليوم مازال يطرح سؤال النهضة وسؤال التحرر وسؤال التمدن وغيرها، وهي أسئلة لم يعد لها مكان في فكر الآخر، وتبقى كل الأسئلة التي طرحها ويطرحها الفكر العربي المعاصر المتصلة بالسياق الراهن، من حيث الطرح والتحليل والنقد والتركيب ومن حيث آليات ومناهج التفكير والدراسة والبحث يتوقف النجاح في ذلك على النسق الذي يشكل فكرنا العربي المعاصر في ارتباطه بالمورث العربي والعجمي وبالوافد وما يحويه من طرق وأدوات في التفكير ومناهج وأساليب في البحث والدراسة.
    مازال يبادر فكرنا العربي المعاصر في مساعيه إلى الطرح والتحليل والنقد فيما يحدث من تغيرات وتطورات حاصلة في الواقع الراهن العالمي والعربي الإسلامي، لكنه عاجز كل العجز عن الوصول إلى نظرية علمية في تفسير الواقع، وإلى تقديم قراءة معاصرة للموروث الثقافي والحضاري العربي الإسلامي تجمع وتوحد بين الماضي والحاضر والمستقبل في توازن يسمح بالممارسة الحضارية ويُسهّل إنتاج الحراك التاريخي الإبداعي، وعاجز عن الوصول إلى بناء علاقة محكمة تقوم على أساس الندّية والاحترام المتبادل بين الأنا والآخر، عنده إما الانطواء والعزلة أو الانصهار ونكران الذات، ففي إطار أسئلة الأبعاد التاريخية يبقى دوما سؤال العجز وسؤال القطيعة بين النظر والعمل في الفكر والسلوك مطروحا، وعود على بدء لماذا تأخرنا وتقدم غيرنا؟.

    الدكتور جيلالي بوبكر
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  5. #5
    وضع المفكر في العالم العربي الراهن

    د. بوبكر جيلالينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيالحديث عن الفكر والمفكرين وعن العلم والعلماء وعن الثقافة والمثقفين، وعن البحث والباحثين وعن الإبداع والمبدعين في كافة التخصصات الفكرية والعلمية والفنية والتقنية وغيرها في البلاد العربية هو حديث عن واقع وعن خطاب في هذا الواقع، واقع مأزوم وفيه خطاب مأزوم انعكاس لهذا الواقع، وكل مظاهر الثقافة بما في ذلك البحث في جميع ميادين العلم والمعرفة والعمل والإنتاج والإبداع لكون الثقافة وعي فكري متجدد وعمل منتج مادي متطور وبينها تأثير متبادل والعملية متواصلة ولا تعرف التوقف، فإنّ المثقف العربي عموما مريض فكريا ونفسيا واجتماعيا، مهموم بهموم الفكر والوطن والواقع، مازال يعاني مشكلات فكرية قديمة لم يجد لها حلولا حتى الآن، وتواجهه تحّيات جديدة خطيرة فرضها التطور الحضاري الذي عرفته وتعرفه الشعوب المتقدمة، في وقت يشهد فيه عالمه المتخلف تراجعا كبيرا نحون الخلف، تراجع في الفكر والعمل والقيّم والآداب، وكل ما يقال عن المثقف يقال عن الباحث وعن البحث الأكاديمي وغير الأكاديمي، فالباحث العربي في جميع ميادين البحث والدراسة داخل مؤسسات البحث الأكاديمية أو خارجها يشتكي من عدد من الهموم ذات مصادر عديدة ومتداخلة ومتشابكة وخطيرة ومتفاقمة باستمرار، أبرزها:
    1- التهميش السياسي: السلطة الحاكمة في البلاد العربية وإرادتها السياسية لا تشجع الثقافة والعلم والفكر والبحث ولا تحترم المثقفين والعلماء والمفكرين والباحثين، تشجع قطاعات المال والأعمال وأنشطة ثقافية ترفيهية آنية وتحترم أصحابها مثل المطربين والرياضيين على حساب البحث في جميع الميادين الثقافية الأخرى، مثل العلم والتكنولوجيا والفكر.
    2- النبذ الاجتماعي: في عصر العولمة واقتصاد السوق والشركات المعددة الجنسيات لم تعد الشعوب العربية تهتم بما هو ثقافي ولا بالبحث العلمي، انصب الاهتمام على تحقيق الربح المادي السريع بطرق كثيرة مشروعة وغير مشروعة على حساب الاجتهاد المدرسي والإبداع في البحوث والدراسات الجامعية وفي المجتمع بشكل عام.
    3- العزلة: الباحث العربي في أغلب البلاد العربية معزول عن قومه فكريا وسياسيا واجتماعيا، بسبب التهميش السياسي والنبذ الاجتماعي وانفصاله عن واقعه، هو وما يقوم به من أبحاث ودراسات أكاديمية وغيرها في المجال العلمي أو الأدبي أو التكنولوجي أو الإنساني والاجتماعي كل ذلك لا يمت بصلة بواقع الباحث لوجود قطيعة بين البحوث ومشاكل الواقع وهمومه.
    4- القهر والاستبداد: المثقف العربي بصفة عامة والباحث بصفة خاصة كلاهما يتعرض للقهر والاستبداد والظلم في المجتمعات العربية، بسبب سلب حريتهم في الرأي والفكر والتعبير وفي البحث، ومنعهم من إطلاق مواهبهم والكشف عن إبداعاتهم، بقرارات سياسية وإدارية طاغية وبوعي ثقافي فاسد وزائف تفرضه الفئة المتعالمة المسيطرة على الحياة الثقافية.
    5- الفقر والفاقة: في أغلب البلاد العربية وحتى تلك الغنية بالنفط تعاني شعوبها من سوء توزيع الثروة، وتتخبط في مشاكل خطيرة جدا، وبما أن الاهتمام ضعيف جدا بالثقافة والعلم والبحث فإن القائمين على هذا القطاع يعانون من الفقر المدقع إلى حد الجوع، بسبب الدخل الضعيف لممتهن الثقافة والعلم والبحث وبسبب غلاء ما يحتاجه الباحث من مقتنيات لإنجاز أعماله البحثية، ناهيك عن مشكلات النقل والإيواء وغيره.
    6- الإهمال أكاديميا: الباحث في ميادين البحث المختلفة في المؤسسات الأكاديمية، جامعات ومعاهد مراكز وغيرها في غالبية البلاد العربية لم توفر له ما يحتاجه من إمكانيات مادية ومعنوية، وسائل وتقنيات ومناهج وظروف عمل مناسبة تسمح له بتحقيق الازدهار المطلوب في مجال بحوثه ودراساته، على الرغم من كون البحث العلمي هو محرك التنمية والتطور الاجتماعي في كل عصر وفي كل مصر.
    7-الاحتقار: ظاهرة التهميش السياسي والنبذ الاجتماعي والعزلة والاستبداد والقهر والإهمال الأكاديمي والفقر والفاقة، كل هذا جعل البحث يعيش حالة يأس وقنوط ويشعر بالاحتقار والضيم، فإما يترك العلم والبحث وينصرف إلى أشغال أخرى، وإما يعيش طيلة حياته في الحسرة والضيق، وإما يهجر إلى البلاد التي تحترم البحث والباحثين والعلم والعلماء حيث تجد ضالتها ويجد ضالته في البحث.
    8- الاستجابة السلبية للباحث: إنّ اقتصاد السوق وثقافة العولمة وديمقراطية الغرب الأوربي وثقافته، كل ذلك لا يسمح لأي طرف بمنافسته فكريا وثقافيا وعلميا واقتصاديا وصناعيا، وأي إبداع في عالمنا العربي في أي مستوي وفي أي ميدان يقابل من طرف المجتمع ومن قبل السلطة ببرودة وعزوف وسلبية، فتموت المواهب وتدفن الإبداعات وتشيّع العبقريات ونحن في أمس الحاجة إليها، وتعيش شعوبنا في تبعية علمية وتكنولوجية واقتصادية وسياسية للعالم المتقدم يتحكم فيها كما يشاء.
    9- ضعف الباحث: الباحث في البلاد المتقدمة يتلقى تعليما جيدا وتكوينا قويّا وقاعدة صلبة في البحث، كل في تخصصه، أما في البلاد العربية فالتعليم ناقص جدا وظروفه صعبة ومضطربة والتكوين هش، الأمر الذي أدى بمؤسسات البحث والدراسة في سائر البلاد العربية إلى تخريج دفعات من الباحثين الأكثر ضعفا ونقصا في النظري والتطبيقي معا، لا يمكنهم الإسهام في حل مشكلات مجتمعاتهم لضعف تكوينهم وضعف بحوثهم بالمقارنة مع بلغه من إبداع في مجالات البحث في العالم المتقدم وما عرفه من تقدم وازدهار.
    10- انعدام مؤسسات البحث المتخصصة: توجد في البلاد العربية جامعات ومعاهد ومراكز بحث في اللغات والعلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية والعلوم الدقيق والتجريبية والعلوم التكنولوجية، كل هذا موجود ولكن للأسف لا تشتغل هذه المؤسسات بالمعايير والإمكانيات والطاقات والنظم والعقليات والأخلاق التي تشتغل بها مؤسسات البحث في البلدان المتقدمة، وبالتالي فأداء مؤسسات البحث عندنا ضعيف ومردودها هزيل جدا لا يظهر نهائيا في سوق البحث العالمي الشرس الذي لا يعترف إلا بالأقوياء علما وعملا.
    إنّ وضع الثقافة بصفة عامة والبحث بصفة خاصة يتردّى يوما بعد يوم في البلاد العربية بسبب تفاقم أوضاع البحث والباحث في اتجاه الاستبداد والاحتقار والفقر والتهميش والسلبية وغيرها، الأمر الذي أدّى إلى هجرة العبقرية والكفاءة والموهبة والإبداع إلى العالم المتقدم حيث تتوفر ظروف العمل الإبداعي الموضوعية والبيئية وتتحرك دوافع الباحثين والمبدعين الذاتية، فانتهى أمر البحث والإبداع في جميع ميادين العلم والمعرفة النظرية والعملية إلى ما هو عليه الآن من تقدم كبير جدا وازدهار رهيب، جعل أصحابه في منزلة رفيعة احتراما وتقديرا بين شعوب وأمم العالم، منزلة تسوس العالم وتسوده.
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  6. #6
    محاضر في جامعة الشلف الجزائر
    تاريخ التسجيل
    Sep 2010
    المشاركات
    419
    السلام عليكم
    أستاذتي الكريمة ريمة الخاني ملاحظتك النقدية في الصميم مقالي حول مدلول الفكر العربي المعاصر وحول مصادره فعلا ارتكز على التاريخ ولم يرتكز على البحوث ونتائج البحوث التي أنجزها المفكرون في عالمنا العربي المعاصر حول الموضوع أمثال الجابري وحسن حنفي وتيزيني وأركون وغيرهم، فالوقت لا يسمح بالإلمام الكافي بما جاء حول الموضوع من بحوث حديثة ومعاصرة وحتى قديمة، ولما كان التاريخ شملا لكل مجالات المغرفة ومصدرا رئيسا من مصادرها، جاء مقالي المباشر حول الموضوع ردا على سؤال مباشر من أحد طلبتي ماذا يعني الفكر العربي، ومما استمد وجوده، فكتبت المقال إجابة على سؤاله للاستئناس فقط أما البحث في الموضوع فيطول ويتطلب أعمال وحدات بحث ومخابر وأطاريح أكايديمية،وهي مهام يضطلع بها طلبتنا في الحاضر والمستقبل
    http://boudji.extra-blog.net/

  7. #7
    محاضر في جامعة الشلف الجزائر
    تاريخ التسجيل
    Sep 2010
    المشاركات
    419
    ولا يمكن اصلاح هذا الجيل الا بدعم رجال التنوير والفكر الاسلامي الحر...
    مطلوب من كل صديق اقتراح اسم كاتب من كتاب التنوير المعاصرين الذين يعملون على نهضة الأمة والتعريف به بسطرين على الاقل........
    وأنا أقترح أحمد الشقيري.
    السلام عليكم أخي الفاضل محمد حبش
    بالتأكيد لا يقوم الإصلاح ولا تتحقق النهضة ولا تتقدم الأمة وتزدهر إلا بعلمائها ومفكريها ومثقفيها عامة، كل في مجال تخصصه بالتعاون لا بالتناحر، بالاجتهاد لا بالكسل بالتنوير والتجديد لا بالظلامية والتعصب، وأزمتنا أزمة أخلاق ودين وإيمان ، ومشكلتنا القطيعة البغيضة المقصودة المقيتة بين السياسي والمثققف من جهة والقطيعة بين الحاكم والمحكوم وبين المثقف وعامة الناس وبين المثقف والواقع، يوجد كتاب ومفكرون تنويريون أكفاء في عالمنا العربي والإسلامي المعاصر لنهم مهمشين، ولي مقال في هذه الصفحة يصور وضع المثقف في العالم العربي المعاصر.....
    http://boudji.extra-blog.net/

  8. #8
    المفكرين الجدد مستغربون, أي تشربوا طريقة الغرب في العمل ولاضير, ولكن إلى اي مدى نحن بحاجة لهذا:
    http://www.omferas.com/vb/showthread...223#post206223
    مع تحيتي.

  9. #9
    بين فكرنا العربي والنهضة


    د. بوبكر جيلالي
    bobaker jilali
    إنّ الفكر في حياة الإنسان بالإضافة إلى جميع الوظائف والأدوار التي ينجزها فهو يدلي شهادته على المرحلة التاريخية التي يعيش فيها صاحبه، كما يحكم على الوقائع ويفصل فيها، للفكر بعد شعوري روحي يدل على وجود صاحبه في حال قوّته أو في حال ضعفه ونكبته، فسقراط ألقى شهادته واستشهد في سبيلها ومثله أحمد بن حنبل وغيره كثير، وكل واحد من هؤلاء كان شاهداً وشهيدا لأنّه أدّى الأمانة وأكمل المسؤولية وحقق رسالة الفكر على قوتها وعظمها.
    وفي كل الحضارات التي عرفها تاريخ الإنسانية سجّلت حاجة الإنسان إلى الفكر عموما، والفكر يحتاج إلى فكر آخر يكون ضروريا له للبناء إذا سبقه، ويكون للإنتاج والإبداع فيأتي بعده، ارتباط الأفكار في الزمان في الحاضر والماضي والمستقبل، وتواصل الثقافات والحضارات، وتجد الفكر هو الذي يتحرك ويربط بين الأوضاع والظروف في المكان والزمان، تكون هذه الحاجة ملحة حينما يستقيم العمل على المبادرة في التعاطي مع التاريخ والواقع والمستقبل بثقافة ذات وعي على درجة عالية من الدقة والتدرج والفحص النقدي في طرح المشكلات وتحديد الاهتمامات في واقع الفرد والمجتمع والأمة والإنسانية، في الحاضر واستشراف المستقبل، ويحتاج الإنسان كذلك إلى نفس المطالب والحاجات لتحديد مداخل ومناهج وأدوات فحص الواقع انطلاقا من الوعي التاريخي لاستشراف الآتي من خلال الوقوف على المبتغيات الحضارية التي تعكس مآلات البناء الفكري والثقافي والاجتماعي والحضاري، الأمر الذي يجعل الفكر عنصر بناء الحضارة وصنع التاريخ، ويقيم شهادته الحيّة عليهما إن لم يتحول إلى شهيد الحضارة والتاريخ.
    إنّ الفكر ميزة إنسانية وجهد بشري متميّز، هو وراء كل ما صنعه الإنسان وخاص به في ميدان النظر أو في مجال العمل وفي حياته عامة، مرتبط بعوامل عديدة موضوعية خارجة عن الإنسان وذاتية مرتبطة بالكيان البشري في جميع مستوياته، والفكر له كيانه المستقل المتعدد المتنوع في أصوله ومجالاته ونتاجاته، وهو أمر طبيعي يقوم على الحرية والإبداع، فالتعدد والتنوع والتطور في الفكر أمور طبيعية لا تسمح لنا بإخضاع الفكر لمنهج واحد ونمط واحد وفي مجال واحد ووفق إيديولوجية واحدة، فالفكر أوسع من أن يكون يسارياً فقط أو يمينياً فحسب.
    المتفق عليه والثابت في التاريخ والمؤكد في كل الأنظمة الثقافية عبر التاريخ أنّ الإنسان في غياب الحضارة يفقد إنسانيته وكمالها تماما، وينزل إلى حياة البهيمية بمستويات متباينة، وتسيطر عليه منازع الشرّ، فلا يحيا مخاطر قانون الغاب فحسب بل يعيش مخاطر انقلاب الإنسانية على ذاتها في اتجاه ممارسة الشرور باستغلال كل ما أوتي الإنسان من قوى وإمكانات في دعم وتنفيذ المكر والخبث والخراب والدمار، فالحروب القاسية وويلاتها التي عرفها ولا يزال يعرفها الإنسان تعكس الجانب المظلم الأسود فيه، الأمر الذي انتهى بضرورة تدخل العقل في إيجابيته فكرا وعلما وثقافة وتنظيما فرديا واجتماعيا وأمميا، وبحاجة العقل إلى التوجيه الديني والأخلاقي، في الحياة الفردية والاجتماعية وفي تنظيم شبكة العلاقات بين بني البشر أفراد وجماعات، وهي حاجات وضرورات لا تقوم الإنسانية إلاّ بها ولا تتحقق الحضارة من دونها.
    إنّ الإنسانية في جوهرها وفي اتجاه مبلغ كمالها متفرّدة، فهي عاقلة مفكرة وأخلاقية وخيّرة وإيجابية واجتماعية ومنظمة، تستثمر العقل والدين وسائر القيّم والمثل العليا، كما تتحرك في اتجاه الخير والصلاح والإيجابية في تنظيم حياة الأفراد والجماعات، وتنتصر للحقّ والعدل والجمال ولكل أشكال الخير وأساليبه في النظر والعمل، وتسخّر الكون لراحة الإنسان بدأب وديدان بتحويله من صورة غير نافعة إلى صورة نافعة، وتستغلّ العلم والعمل وكل طاقة في الإنسان وفي الكون للمزيد من السلطان والسيطرة في اتجاه آفاق الكمال الإنساني التاريخي والحضاري من خلال الفكر والعلم والإبداع.
    تمثل الحضارة بما تشمله من مدنية وتقدّم وسائر أسباب الراحة المادية والروحية قيمة الإنسانية، وتُعتبر بحقّ خاصية الإنسان وميزته ومبلغ تنافسه وشرط تألقه وتفوقه، وتُعدّ منزلة مكرّمة إلهيا ومفضّلة عمّا سواها، وتشكل أهم وأبرز وأكبر مظهر من مظاهر الكمال الإنساني. ولمّا كانت الحضارة بهذا الوزن والدور بحسب أصولها وشروطها ونتائجها ومظاهرها، راح الإنسان منذ وجد أول مرة يبذل وسعه في تنمية الفكر والمعرفة، فشهدت أفكاره ومعارفه تطورات وتحولات زادها التفاعل الفكري والتواصل المعرفي والثقافي تجديدا وقوّة وازداد تأثير الفكر على الطبيعة والإنسان الفرد والمجتمع، وتشكّلت الحضارة وتطورت بتطور الفعل الحضاري وانتقاله من مرحلة إلى أخرى مستفيدا من التبادل والتناوب الحضاريين، فمن الحضارات الشرقية القديمة إلى الحضارة اليونانية إلى الحضارة الرومانية إلى الحضارة الإسلامية إلى الحضارة الحديثة، وكل حضارة لها طابعها المميّز لها مستمد من الطابع العام الذي يطبع الفكر السائد، فطابع الحضارات الشرقية القديمة تغلب عليه الخرافات والأساطير أما طابع الحضارة اليونانية يغلب عليه الفكر الفلسفي المتأرجح بين المثالية والعقلانية وقليل من التجريبية أما طابع الحضارتين الرومانية والإسلامية فيغلب عليه الفكر الديني بشقّيه التوحيدي والوثني وطابع حضارتنا الحديثة والمعاصرة علمي تكنولوجي مادي براغماتي.
    ويرتبط فكرنا العربي الإسلامي بمكوناته ومكنوناته بحياة العرب والمسلمين منذ القديم إلى الآن، وهو جزء من الفكر الإنساني في عالميته، عرف حضارة راقية ما زالت معالمها شاهدة على الدور الذي لعبه الفكر العربي الإسلامي بعد تواصله وتفاعله مع ثقافات وديانات وحضارات أخرى في الغرب وفي الشرق، يحتوي على مواقف ومشاهد مشرقة سجّلها التاريخ في مقابل مواقف ومشاهد أخرى سوداء مظلمة، ولم تكف قوّة فكرنا العربي والإسلامي فيما كان عليه في الماضي في مجابهة تحديات العصر الحديث ومسايرة نهضته العلمية وثورته الصناعية، قيّم الحداثة والتحديث عزلته وعزلت كل فكر تراه من الماضي خاصة إذا ارتبط بالتراث وبالدين، وفشل الفكر العربي الإسلامي من جهته في استيعاب الدروس في الماضي والحاضر ولم يستطع لا الاندماج والانصهار بحكم عوامل وظروف موضوعية ولا النهوض واليقظة واللّحاق بالركب الحضاري بل بقي يخبط خبط عشواء وانتهى إلى ما عليه العرب والمسلمون الآن من تخلّف وانحطاط في جميع مجالات الحياة.
    ينبغي للإنسان الاعتماد على أصول المجد وسنن الحضارة المرتبطة أصلا ومنهجا وغاية بالتراث والتجديد والإبداع، وهي شروط لا يمكن للإقلاع الحضاري أن يتمّ في غيابها، ففي عالمنا العربي الإسلامي بجب التركيز على المنظور الفكري العربي الإسلامي المعاصر إلى الحضارة عامة وإلى أحوال الواقع العربي الإسلامي الحديث والمعاصر المتميّزة بالانحطاط بسبب القمع والاستبداد السياسي والفساد الاجتماعي والأمر يعود إلى تعثّر عالمنا العربي في نهضته الحديثة إلى الآن، ويتمّ التركيز على مشاريع كبار مفكري وفلاسفة التاريخ والحضارة والنهضة في عالمنا العربي الإسلامي، أمثال "محمد إقبال" ومشروعه الفلسفي الذي جمع بين الدين والعلم والفلسفة جامعا بين الثقافتين الغربية والإسلامية، و"مالك بن نبي" ومشروعه النهضوي الحضاري القائم على تشخيص أسباب التخلّف وتحديد شروط النهضة والتقدم، و"حسن حنفي" صاحب مشروع "التراث والتجديد" كمشروع حضاري قومي موقعه في صدارة المشاريع الفكرية العربية المعاصرة.
    وفي سياق الاهتمام بالحضارة وبالفكر العربي المعاصر وبمنظوره إلى الحضارة وإلى التقدم، من خلال أحوال الواقع العربي الإسلامي المعاصر وما يعانيه من تخلّف وتدهور عام في حياته الفكرية والثقافية والدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وما تتميّز به مرجعياته من خصائص تراثية والتاريخية ودينية غيرها، وانطلاقا من مسؤولياته الثقافية والحضارية والتاريخية، ضرورة العناية اللازمة بموقف الفكر العربي المعاصر من الحضارة الغربية بين السلب والإيجاب، وفي السياق نفسه ومادام الفكر العربي المعاصر طابعه تراثي ديني إسلامي في المنبع والمسار والمصب، ضرورة التركيز على الإسلام الذي يجسد علاقة الإنسان بالسماء في صورة ارتضاها له ربه تذل بالتأكيد على كمال المنهج الإسلامي في التحضّر، باعتبار الإسلام عقيدة وشريعة ومنهج حياة، قوّته مستمدة من قوّة الشارع الذي خلق الإنسان وشرّع له من الدين ما أوصى به الأمم السابقة، وما شكّل عبر الأزمان لوازم النهوض الحضاري وحاجات الكمال الإنساني.
    ولما كانت الفلسفة وفعلها أحد مصادر الوعي التاريخي الإنساني إلى جانب العلم والدين والفن وغيره، لها دور أساسي في الحياة الفكرية والثقافية والعلمية وفي الحراك التاريخي والحضاري عامة، فهي لم تنل حقّها من العناية والاهتمام في فكرنا العربي المعاصر، ولعلّ ازدراء الفلسفة في الوعي الثقافي العربي المعاصر الشعبي والرسمي وتهميش المشتغلين بالتفلسف عامل إخفاق وفشل سائر محاولات النهوض ومبادرات اليقظة ثقافيا وعلميا وتكنولوجيا، وذلك لغياب فلسفة نهضة تتحدد فيها بالدّقة الكافية المنطلقات والإمكانات والوسائل والسبل والأهداف والمرامي، لذلك ضرورة رعاية الفلسفة والتفلسف في الوطن العربي الراهن وتشخيص وضعها بين الأمس واليوم، الفلسفة كفكر في أوساط العامة ولدى النخبة في الجامعة وفي مراكز البحث وخارجها، لأنّ الفكر الفلسفي عبر التاريخ كان وراء كل نهضة وخلف كل حضارة ومادة كل محاولة في سبيل الإبداع الحضاري، حتى الحضارة الحديثة والمعاصرة بالرغم من طابعها المادي البراغماتي والتجريبي هي في مجموعها من إنتاج فلسفة الحداثة والتحديث التي ثارت على الفلسفات الكلاسيكية بما في ذلك الفلسفة العربية الإسلامية وغيرها.
    المؤكد تاريخيا وواقعيا أنّ بين الحضارة والفكر عامة علاقة سببية حتمية، فالفكر ميزة بشرية لولاه لعاش الإنسان حياته في مستوى العجماوية والبهيمية، والبناء الحضاري منتج فكري في أعلى درجاته وصوره، ويستحيل قيام حراك إنساني تاريخي حضاري في غياب حراك فكري فيه الإبداع والتطور على مستوى النظر والعمل والمادة، فالتقدم الحضاري الحديث الذي شهده الغرب الأوربي وانتشر بعد ذلك عبر مختلف بقاع المعمورة مدين للثورة الفكرية على التراث الفكري والديني والعلمي والأخلاقي والسياسي الكلاسيكي ومدين للنهضة العلمية والتطور التكنولوجي في تفسير ظواهر الكون والوجود الإنساني الفردي والاجتماعي، وتمثل كل من الثورة والتثوير والعلمية والتقنية والصناعة وكل قيّم ومعاني الحداثة والتحديث أهم وأبرز الخصائص التي يتميز بها عصرنا، وفشل عالمنا العربي الإسلامي في محاولات نهوضه وتخلّصه من أزمته العميقة المتفاقمة باستمرار يعود إلى ضعفه فكريا وعلميا وتكنولوجيا في سياق ضعف عام شمل كافة قطاعات الحياة، في وقت لا مكانة فيه للضعفاء في عالم العولمة ومن منطلق المركز و الأطراف.
    وبحكم موقع الوطن العربي في الأطراف لا في المركز في عالم التخلف والانحطاط لا في عالم التقدم العلمي والتكنولوجي، ولمّا أصبحت الهوّة سحيقة بينه وبين الركب الحضاري وتقدّر بسنة ضوئية، فهو مضطر للتعامل مع المركز بطاعة عمياء وبتنفيذ الأوامر من غير قيد أو شرط وفي إطار تبعية رهيبة شاملة سياسيا واقتصاديا وغذائيا وعسكريا وأمنيا، ففقد الاستقلال والسيادة والكرامة تماما إلاّ من ترديدها حبر على ورق وشعارات على يافطات وفي خطابات عبر المناسبات المختلفة، ولاسترداد الاستقلال والسيادة من طرف أيّة أمة ضرورة نهوضها الفكري والعلمي والثقافي عامة، لأنّه يمثل الرأسمال لبناء كيان بشري اجتماعي يتمتع بالاستقلال والسيادة والحرية وسلطة اتخاذ القرار.
    إنّ العرب والمسلمين في عالم العولمة والنظام الدولي الراهن لا سيادة لهم إلاّ بحفظ هويتهم الثقافية والتاريخية التي يعمل طوفان العولمة على جرفها وطميها وطمسها إلى الأبد، ضرورة استنهاض هوية من غير تعصّب عرقي أو تطرف ديني ومذهبي وطائفي، وضرورة مسايرة الركب الحضاري من خلال الأخذ بأسباب القوّة فكريا وعلميا وماديا وتقنيا، في جوّ يسوده الحوار والتسامح والتعاون والتسامي فوق الصغائر، وبعيدا عن العنف بمختلف أشكاله. فالنهضة في اتجاه المدنية والتحضر والتقدم مرهونة بجميع لوازم الإقلاع الحضاري والتي يعدّ الفكر ونهوضه الرأسمال الأول ليشيع بعد ذلك النهوض عبر كافة أنحاء الكيان الاجتماعي للأمة.
    وبالإضافة إلى العلاقة الضرورية بين الفكر والحضارة وحاجة الحضارة إلى الفكر دوما في المنطلق وفي الوسائل والأساليب وفي الغايات، عند تخلّقها وخلال نموها وسيرها نحو الاكتمال، نسجل حاجة الحضارة إلى عدد من السنن والنواميس ترتبط بالفكر وبالإنسان عامة كفرد وكمجتمع، الإنسان كعقل وكنفس وشعور وكتاريخ، فإلى جانب التراث الإنساني المادي واللاّمادي وفي جوانبه المشرقة كضرورة مرجعية مادية وثقافية نظرية وعملية ينطلق منها كل حراك إنساني نحو التحضر، تحتاج كل مبادرة في سبيل تحريك التاريخ في اتجاه البناء الحضاري إلى سنّة التغيير والتجديد والإبداع، علما بأنّ أزمة عالمنا العربي الإسلامي المعاصر في جوهرها أزمة إبداع.
    إنّ بداية التحضر بواسطة التراث والتغيير والتجديد والإبداع تبدأ في الذات المستعدة لذلك التي تستثمر طاقاتها وطاقات الكون الفسيح الذي تعيش فيه، كما بيّنه محمد إقبال في فلسفة، وتحتاج الذات إلى رأسمال حضاري يمثل العدّة الأولية للإقلاع الحضاري كما بيّنه مالك بن نبي في كتاباته التي سبق بها عصره بشهادة الكثير من المفكرين العرب والعجم، وتعتمد الحضارة على الثورة وعنصر التثوير مثلما تعتمد على الثروة، بل هي ثورات بأشكال متعددة تشمل جميع ميادين الحياة الفردية والاجتماعية وحياة الأمّة ككل، هو الأمر الذي طبع مشروع "التراث والتجديد" الثوري التثويري في جميع جبهاته، باعتباره مشروعا عربيا إسلاميا حضاريا، جبهة التراث وموقفنا من الماضي وجبهة الواقع وموقفنا من الحاضر وجبهة المستقبل وموقفنا من المستقبل.
    ولمّا كان الإسلام يشكل الجانب الأكبر والأكثر تأثيرا في الثقافة العربية الإسلامية وفي هوية العرب والمسلمين ومنهجه يتصف بالكمال والتمام وحيا في القرآن الكريم وفي السنّة النبوية الشريفة، فهو لا يتعارض سننا وفكرا وعلوما وعملا وأخلاقا مع الذات الحضارية الفردية والاجتماعية ومع الحضارة في المنبع والمسار والمصب، فهو أنتج حضارة شكّلت أنموذجا في الإبداع العلمي والفكري والعملي وفي التأثر والتأثير حوارا وتسامحا، وفي لمّ شمل الإنسان وتحقيق الأخوة الإنسانية والدينية، فوق كل الاختلافات بين بني البشر في اللّون والعرق والنسب والدين واللّغة وغيرها، فضرب أروع الأمثلة في الالتزام بالحق والعدل وبسائر القيّم والمثل العليا التي تفتقر إليها حضارة العولمة المعاصرة.
    فالحضارة فكر في مبدأها وفي مسارها وفي منتهاها، فكر نيّر ديني وفلسفي وعلمي وأخلاقي وأدبي، فكر نظري وعملي يؤثر في الفرد وفي المجتمع وفي الأمة وفي الكون، يستثمر الطاقة في الإنسان وفي الوجود ويحوّلها بما أودعه الله فيه من قدرة على الإبداع وبما ألهمه من تفرّد إلى عالم جديد بديع رائع في الجمال والبهاء يُضاف إلى الطبيعة. قال عزّ وجلّ: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ (الإسراء:70).
    فالحضارة في أصلها فكر وشعور إنساني، لانّ بداية التحضر أفكار تتغير ومشاعر تتبدل في الذات الإنسانية الفردية والاجتماعية. قال عزّ وجلّ:"إنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم".الرعد:11. ولأنّ بداية الطريق خطوة يخطوها الإنسان في المكان والزمان، والخطوة الأولى في الحضارة فكرة نيّرة، وأصل البناء حجر ،وحجر الأساس في الحضارة فكرة بديعة، والفكرة كلمة وعمل ورسالة ومسؤولية لا يضطلع بها إلاّ الكبار، رواد النهضة وقادة الفكر وصناع التاريخ، والكلمة الطيّبة الحرّة البديعة المستقلة مسؤولية وأمانة عظيمة، والفكرة السليمة جوهرة ودرّة تستحق التضحية لأجلها، وهي جديرة بأن يتحمّل الإنسان كل الصعاب ويواجه كل التحدّيات لأجلها.
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

المواضيع المتشابهه

  1. الفكر العربي المعاصر: مدلوله ومصادره
    بواسطة بوبكر جيلالي في المنتدى فرسان الأبحاث والدراسات النقدية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 12-21-2014, 10:18 AM
  2. النقد في الفكر العربي المعاصر
    بواسطة بوبكر جيلالي في المنتدى فرسان الأبحاث والدراسات النقدية
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 08-22-2014, 02:16 AM
  3. أسئلة الفكر العربي الإسلامي المعاصر
    بواسطة بوبكر جيلالي في المنتدى فرسان الإسلام العام
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 07-12-2014, 07:55 PM
  4. أسئلة الفكر العربي الإسلامي المعاصر
    بواسطة بوبكر جيلالي في المنتدى فرسان الأبحاث الفكرية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 03-02-2012, 03:44 AM
  5. الفكر العربي المعاصر، مدلوله ومصادره
    بواسطة بوبكر جيلالي في المنتدى فرسان الإسلام العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-16-2012, 03:40 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •