فنجان قهوةمريم نور ، اسم من الشرق أتانا من الغرب بقوة واندفاع وحماس . من خلال الفضائيات حلت ضيفة كريمة ولبقة في كل البيوت وسكنت القلوب والعقول .
تدخل مريم نور إلى حيثيات ودقائق الإنسان وتتناول التفاصيل والجزئيات بكل جرأة وقوة ، لكن بعلم ودراية ودراسة ، اسم لم يأت من العبث ، نكتشف ذلك من خلال كتابها الذي صدر عن دار الفكر بدمشق ، فنجان قهوة بألم الإنسان / من ركوة مريم نور .
إن الكتاب دعوة لمرافقتها إلى الله على طريق الأنبياء والصالحين ، رحلة إلى الفطرة والطبيعة لتعرف الذات سبر أغوار النفس .
من البداية نبدأ ، تحاول مريم نور كسر المألوف والعادة فينا لأن الكثير من العادات والأعراف تحمل سلبيات أكثر من الإيجابيات ، تأتيك بالجديد الذي هو قديم في كثير من الأحيان لكننا نكون قد نسيناه فتذكرنا به ، عسى أن تنفع الذكرى .
هي ذي مريم نور تهب صارخة في البرية ، تهيب بالإنسان أن يعود إلى فطرته ويتعرف على ذاته ويعرف سر وجوده ويمتن صلته بخالقه ويصل دنياه بآخرته ، ويسترد بعده الروحي الخالد . تعلمه فن الحياة وفن الموت وتوحيد الخالق والشوق إلى لقائه ...
إنها تصرخ هنا على الورق ، كما تصرخ عبر الفضائيات عسى أن يجد صوتها الصارخ رجع صدى ، فبفضل العلم والتكنولوجيا أصبحت الحواجز نوافذ .
مريم نور لم تأت بعلمها وفهمها بسهولة ويسر بل كان ذلك نتيجة الدراسة والمتابعة والبحث بكل إصرار وعزيمة ، كان مشوارها طويلا ً وشاقاً ومازالت تسعى وتتابع ، بدأت دراستها في الجامعة الأمريكية للعلوم الاجتماعية ، تركت لبنان وسافرت من أجل العلم حول الكرة الأرضية ، علم التوحيد ، علم معرفة الذات .
ألمت مريم من خلال دراستها ورحلتها الطويلة بالعلم في كثير من جوانبه واتجاهاته ، تعلمت على يد أشهر الأطباء والعلماء في العالم ، ولا زالت تدرس في جامعة الكون جامعة الحياة .
مريم تقول لا حدود عندها للعلم حتى لو كان في الصين أو في الثريا . رجعت بعد رحلتها الطويلة إلى لبنان مسقط رأسها وفتحت بيت النور الذي لا يزال وحيدا في العالم العربي ، لكنه ينتشر بعلمه وعطائه في كافة الدول العربية ، من الإنسان تنطلق مريم نور في كتابها فنجان قهوة ، تطرح سؤالا ً مهما ً من أنت ، تبدأ الإجابة بالسؤال لأن السؤال كما يقال يحتوي نصف الإجابة ، ومن يفهم السؤال ويتدبر يجد مخرجا ً .
يجب إذا ً أن نعرف أنفسنا أولا ً حتى نعرف بعدها ما حولنا ، إننا نجهل الكثير عن أنفسنا ، نعم يا أخي .. لا تتعجب .. أنت جزء من هذا المحيط ، والجزء متصل بالكل .. وإذا أسأت إلى نفس ٍ أسأت إلى كل نفس ، والى نفسك أولا ً وأخرا ً .. يجب أن نعرف أنفسنا ولا نستصغرها .
أتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر ؟ !
تدعونا مريم نور إلى التأمل ، التأمل يرفعك من الأرض إلى السماء .. من العقل إلى القلب ، تتعرف إلى قواك العقلية والجسدية ، والى طاقتك المادية والروحية .. على الإنسان أن يعمل قليلا ً ويكسب كثيرا ً .. من صدق مع نفسه صدق مع الله ، ومن صدق مع الله صدق الله معه ...
الصلاة : وما أدراك ما الصلاة . مفهوم مريم نور للصلاة هو بين السطور ، فيجب أن نفهمها من خلال المعاني ليس فقط المعنى الحرفي ، لأن الحقيقة هي في الصدور وليست في السطور ... ! كلما توسعت البصيرة ضاقت العبارة ... إن الصلاة ليست بالحرف أو بالصوت أو بالحركات .. كلنا يصلي وكلنا يتمنى الفردوس .. وكلنا يعلم بأننا على ممر وأن الموت فينا وحولنا ، وأن الآخرة خير وأبقى ، وينبغي ألا ننسى أن الصلاة ليست سلعة أو غاية أو صفقة تجارية بين الخالق و المخلوق .
الصلاة فعل وعمل وصلة بين كل المخلوقات مع الخالق .. والأفعال لا تحدها الكلمة .. الكلمة مصدرها العقل ، والصلاة مصدرها القلب ... هي صمت و إصغاء لهذا الصفاء الساكن في السكينة . كلنا نصلي إلى الله لنصل إليه .. وأجمل مسجد هو هذا الذي بناه الله وسكن فيه .. هذا القلب الذاكر الذي لا ينام أبدا ً ..
لما سئلت رابعة أين أصلي ؟ قالت : طهر قلبك وصلي حيثما شئت ... وبأي لغة أصلي يا رابعة ؟ قالت : إن الله يفهم لغة القلوب الصافية الصالحة المتصلة بكل المخلوقات .. ( إن لجسدك عليك حقا ً ) ، سألت جسدي فحدثني قائلا ً : الجسد سر لا يعرفه إلا الذي خلقه ، العلم يعلم أشياء وأشياء ، ولكن العلم محدود ، إن الجسد حي لا يموت يتغير ويتبدل وينمو كل لحظة ويعود من حيث أتى ، وينمو بطريقة أخرى .. الحياة لا تموت ، هو حي في التراب ، وفي كل ذرة من ذرات الأسرار .. ولكن هذا البيت الذي نسكنه لفترة ما ، ونستخدمه في كل رحلاتنا إلى أن نعبر هذا الممر ..
إنه نعمة وأمانة من الخالق،علينا أن نتعامل معها بلطف قدر استطاعتنا..فهل لدينا المعرفة الكافية الوافية عن هذا الجسد؟إذن الجسد هدية من الله وإذا أحببناها أحبتنا .. علينا أن نعتني بهذا البيت .. ماذا يأكل ؟ ماذا يشرب ؟ ماذا يلبس ؟ الجسد يأكل بكل الحواس ..وإذا استمعنا إلى إنذاراته الحمراء و الخضراء،نتعلم الكثير من هذه الأسرار.. علينا أن نحب جسدنا..كم من مرة نسمع هذا القول" أنا أكره جسمي وأكره حالي..إنني قبيحة وسمينة و.. ".
يقول الخبير بالجسد إن الجسد يسمع و يصدق وينفذ كل كلمة نقولها له.. إنه آلة مطيعة.. إذا قلت لولدك إنك ذكي .. الجسد يقوم بعملية الذكاء.. تفاءلوا بالخير تجدوه .. أهل الحكمة قالوا الحِكم بعد أن اختبروها .. الاختبار سبق العلم .. كن جميلا ً ترى الوجود جميلا ً..شم الهواء واترك الدواء.. فنجان سم ولا فنجان هم ...لذلك يجب أن نعتني بالجسد ونجعله قويا ً. فالطاقة الكامنة فيه قوية إذا أحسنا استعمالها واستخدامها والتصرف والتعامل معها . فالمحبة قوة والعلم قوة .. وكل ما ترى ولا ترى قوة ..
يا رب!! قوّني ثم قوّني ثم قوّني .. حتى لا أقوى على أحد ..
الصحة : الصحة تأتي إن كنا في تناغم مع الطبيعة .. الصحوة مع الطبيعة ومع الذات .. إن الطبيعة اليوم لم تعد أمنا بل أصبحت عدوتنا لأن الإنسان عدو نفسه .. يجب أن أعاملها كما أعامل نفسي .. من عاملك كنفسه لم يظلمك .. أعمدة الصحة التي تقوم عليها أربعة : الصحوة – التناغم – النشوة – الرحمة . هذه طبيعة كل فرد منا .. ما علينا إلا أن نسترجعها.. الوسائل عديدة أهمها : أن نطلبها من أنفسنا لا من الطبيب ولا من المسؤولين . قال الحبيب : صوموا تصِحوا وتصحوا .. الصيام صحة وصحوة .. ما أصعب العيش لولا فسحة الأمل .. لا تؤجل لحظة الفرح إلى الغد .. الحياة لحظة .. اذهب إلى النافذة وتأمل .. الإنسان مسؤول عن نفسه وهو أدرى بها من غيره ، عليه أن يحارب اليأس والإحباط . نحن لا نعمل لنحيا اللحظة بل المستقبل الذي هو المجهول .. كما يقول إيليا أبو ماضي :
اضحك فيغدو الكوخ قصرا ً نيرا ً ابغض فيمسي الكون سجنا ً مظلما ً
من ذا يكافئ زهرة فواحة أو من يثيب البلبل المترنما
الإنسان :
الإنسان هو المريض الوحيد وهو الوحيد الغير طبيعي في الطبيعة .. لا نستطيع أن نقنع أي حيوان أن يشرب إذا لم يكن عطشانا ً ... على عكس الإنسان ... حتى إن الحيوان الساكن في الطبيعة يختلف عن الذي يسكن معنا .. اذهب إلى حديقة الحيوانات وراقب تصرفات الإنسان والحيوان .. أخطر حيوان هو الذي تراه في المرآة .. ولكن هذه ليست من طبيعة الإنسان .. علينا العودة إلى طبيعتنا .. إلى حياة ملؤها الفرح والدهشة . وساعة الموت ماهي إلا الإشراقة قبل الانتقال تماما ً كما يفعل نور الشمعة قبل أن تنطفئ . نحن من الله ومن روحه وهو حي لا يموت .. وعلينا أن نحي نعمة الله فينا ونستحق الموت .. تماما ً كما نعمل كل يوم وعند المساء ندخل في رحاب الموت .. وعند الصباح نعود إلى الحياة ونعمل ونستعد للدخول في ممر الموت .
إن الحياة فن وكذلك الموت فن ومن أرقى وأرفع الفنون .. نحن بحاجة إلى ولادة إنسان عاقل وسليم .. والعلم هو المخرج الوحيد من هذا المأزق .. إن العلماء خلفاء الأنبياء ، ولا وطن لهم ولا حدود ، ولا غاية سوى خدمة الله . وأنا لا أقصد العلم الذي لا ينفع .. اللهم نجنا من علم لا ينفع ومن عين لا تشبع .. إننا نسعى إلى علم الله .. العلم اللدني وعلم اليقين .. علم الخلق مع الخالق .. المستقبل هو الآن هذه اللحظة .. الصحوة ، اصحوا من النوم بعد الغفوة الطويلة .
هذه هي موجات الحياة .. إننا على عتبة صحوة وولادة إنسان جديد .. صيام وقيام وموت وصلة .. هذه هي صلاتنا المتواصلة .. وللصحوة وسائلها ..
من وسائل الصحوة :
أن تعرف بأنك غير صاح .. إذا كنت تعرف بأنك في الظلمة فابحث عن النور وهو أمامك وفيك وحواليك وأنتم نور العالم . هذا قول المسيح وقول الأنبياء وقول العلماء .. صدقهم ولو للحظة ولا تسعَ بل انظر وابصر والبصيرة هي أم العلم .. وسلاح السلم .. لذلك نحن في النار ونحلم بالنور .. هذه هي خدعة الأحلام والحلم يلزمه نوم .. فالإسلام قوي والمسلمون نائمون .. والمسيح حي والمسيحيون أموات .. والبوذا نور وأهله وأتباعه في النار .. وموسى في عبادة رب الدار وأهله في عبادة الدولار.. كلنا في غفوة وغفلة ، والشخير صوتنا وشعار وجودنا .. النوم وسيلة الأحلام ولعدم الإحساس بالألم .. وفي البدء كانت الكلمة .. وأتت قبل البدء وبعده .. كل الأنبياء دخلوا في عالم الصمت .. إنه الباب .. ادخل واعقل وتوكل .. إن تحمد الله لا بصوتك بل بصمتك .. بالمعرفة التي وصلت إليها عبر القلب لا عبر العقل والجيب لا عبر الطمع والطموحات .. إن صمت الزهرة في حضورها وفي نشر عطرها وفي قبول كل الإزعاج لها . نقطعها ونقتلعها ونضعها في مزهرية لأيام معدودة وهي لا تزال تعطر لكل الدهر .. العلم يؤكد لنا إن عطر الزهور يبقى في الوجود . فيا أخي الصامت .. الصمت لغة العشاق .. لغة أهل البلاغة والتبليغ .. ألم يقولوا لنا : خير الكلام ما قل ودل .. فكلنا من الله وإليه راجعون .. فلتكن عودتنا إليه عز وجل ، فيها صدق الحق وصدق العمل .. لا كلمة عندي أفضل من الصمت .. فالموت صمت .. والحقيقة صمت .. والصلة والصلاة صمت ..فلنصمت ولنصمت مع الصمد الواحد الأحد ..
أشكركم . بهذا الكلام تختم مريم نور كتابها الصادر عن دار الفكر بدمشق :
فنجان قهوة بألم الإنسان / من ركوة مريم نور .
الطبعة الأولى / ربيع الأول 1422 ه /
حزيران ( يونيو ) 2001 م .
سلام مراد – دمشق