الحركة على هامش المشروع الاستعماري البريطاني في طريقةِ الدعوة إلى القومية وإلى الإسلام (!!) بقلم أسامة عكنان


إن بريطانيا قبل أن تُصَفِّيَ إرثَها الاستعماري في العالم الإسلامي نفَّذت سياسةً غريبة، لكنها ذات جوهر واحد قائم على تحويل "الدين إلى قومية"، وتحويل "القومية إلى دين"، بطريقتين إحداهما تفتيتية، والأخرى تجميعية، وذلك حسب ما كانت تقتضيه المصلحة (!!)ما معنى هذا الكلام (؟!)في بداية القرن السابق كانت هناك دولتان كبيرتان للمسلمين رغم أن إحداهما كان المسلمون بالكاد يمثلون نصف تعداد سكانها او اقل قليلا، إحداهما مستعمرة والأخرى يراد لها أن تُسْتَعْمَر، وكان يجب أن تتغيَّر أحوالهما تماما، هما "الدولة الهندية"، و"الدولة العثمانية" (!!)في الهند تمَّ الدفع باتجاه تقسيم الهند بفصل الثقل الإسلامي ممثلا فيما عُرِفَ لاحقا بباكستان، ثم بباكستان وبنغلاديش (!!)ولتحقيق هذه المعادلة كان يجب أن يشعرَ من أريد لهم أن يكونوا باكستانيين مستقلين، بأن هناك ما يفرقهم عن "بني قومهم" الهنود الآخرين، ولم يكن أمامهم سوى "الدين الإسلامي"، فكانت باكستان دولة قامت على "قومنة الدين"، فالباكستانيون هم "الهنود المسلمون" (!!)وفي الدولة العثمانية كان يجب أن يشعرَ من أريد لهم أن يكونوا عربا مستقلين، بأن هناك ما يفرقهم عن "بني دينهم" العثمانيين الآخرين، ولم يكن أمامهم سوى "القومية العربية"، فكانت نثاراتُ "سايكسبيكو" دويلات قامت على "تديين القومية"، فالعرب هم "المسلمون غير الأتراك" (!!)الهدف هو التفتيت في الحالتين لغرض الإضعاف، وهذا ما حصل (!!)فالدين في الهند فعل نفس ما فعلته القومية في منطقتنا ولا فرق (!!)فإذا كانت قوميتنا العربية منبوذة هنا لأنها فرقت المسلمين العرب عن المسلمين الأتراك، فيجب أن يكون الدين الإسلامي منبوذا هناك لأنه فرق بين الهنود المسلمين والهنود غير المسلمين من أبناء القومية الواحدة (!!)الغريب في الأمر أن فصائل الإسلام السياسي تَعتبر التفتيتَ في حال انفصال باكستان عن الهند إنجازا إسلاميا عظيما لأنه قام على أساس ديني فصل المسلمين عن الهندوس وميزهم وأقام لهم دولة مستقلة، بينما هم لا يعتبرون أن الانفصال في الحالة العربية إنجازا لأنه فتَّت مسلمين في نظرهم فاصلا بين عرب مسلمين وأتراك مسلمين (!!)أما القوميون العرب فقد كانت نظرتهم هي النظرة الضد تماما، فهم قد اعتبروا انفصال باكستان عن الهند مؤامرة دينية جزأت القومية الهندية الواحدة، في حين أنهم اعتبروا أن انفصال العرب عن الأتراك إنجازا عظيما لأنه مكَّن العرب من استقلال هويتهم حتى وإن تعرضوا للاحتلال المؤقت فهذا مصيره إلى زوال، وهو قد زال على كلِّ حال كما يتصورون (!!)هؤلاء كان التجمع على أساس الدين هو مرجعيتهم، فأكبروا التجربة الباكستانية وخوَّنوا التجربة العربية (!!)بينما نظراؤهم اعتبروا أن التجمع على أساس القومية هو مرجعيتهم، فأكبروا التجربة العربية وخوَّنوا التجربة الباكستانية (!!)لا هؤلاء ولا هؤلاء كانوا مُوَفَّقين في بنائِهم المرجعي، لأن الدين في النموذج الباكستاني كان أداةَ فرقةٍ وتمزيقٍ وهدرٍ وفتنةٍ وإضعافٍ، ولأن القومية في النموذج العربي كانت أداة فرقة وتمزيقٍ وهدرٍ وفتنةٍ وإضعافٍ (!!)الاستعمار البريطاني وضع هدفا واضحا ومحددا نصب عينيه هو "التجزئة"، تجزئة الدولة الهندية، وتجزئة الدولة العثمانية، وبحث عما يحقق هذه التجزئة واستخدمه (!!) فعندما كان "الدين" هو الأداة التي تنجزها – أي التجزئة – استخدمها بلا تحفظ، فكانت باكستان وبانغلاديش وكشمير حاليا (!!) وعندما كانت "القومية" هي الأداة التي تنجزها استخدمها بلا تحفظ أيضا، لتكون دويلات سايكسبيكو العربية الهزيلة (!!)ما نزال نتحرك على هامش إرادة الاستعمار حتى في تصورنا لمكونات نهضتنا وتحرُّرِنا (!!)ما نزال نجتر النتائج التي أرادها الاستعمار باعتبارها منجزاتٍ نقيم عليها مشروعاتنا السياسية (!!)ونستميت في الدفاع الغبي الأحمق عنها ظانين أننا أنشأنا دينا إسلاميا هناك، وأنشأنا قومية عربية هنا (!!)لا مفر أمامنا إن شئنا أن نُفْشِلَ مخلفات المشروع الاستعماري البريطاني الذي ما نزال كلنا عربا ومسلمين، قوميين وإسلاميين، نتحرك على هوامشه المدمرة.. نقول.. لا مفر أمامنا من أن نتحرك في الاتجاه الضد الذي قام عليه ذلك المشروع الاستعماري، وهو اتجاه الوحدة وليس التفتيت (!!)

عندما يكون الدين الإسلامي مدعاة تفتيت، فلن يكون سلاحا مناسبا لإنجاز مشروعنا (!!)
وعندما تكون الهوية القومية، مدعاة تفتيت فلن تكون سلاحا مناسبا لإنجاز مشروعنا (!!)عندما نواجه حالة مثل "الدولة الهندية" يجب أن نكون قوميين كي لا يفتتنا الدين (!!)وعندما نواجه حالة مثل "الدولة العثمانية" يجب أن نكون مسلمين كي لا تفتتنا القومية (!!)إن الحفاظ على مشروع الأمة القائمة الموحدة هو معيار الاختيار، ثم بعد ذلك نناضل من خلال الوحدة لإنجاز الهوية القومية إن كانت هويتنا القومية مغيَّبَة، ونناضل من خلال الوحدة لإنجاز الهوية الإسلامية إذا كانت هويتنا الإسلامية هي المغيَّبة (!!)أما أن تكون "الهوية" مقدسَة على حساب الكل الموحد المتحد القائم القوي، فهو نوع بائس من الاستغراق في مشروع التفتيت الاستعماري ليس إلا (!!)ألم تمارس بريطانيا نفسها، خلق قومية لأتباع ديانة مشتتين في كل أنحاء العالم وموزعين بين كل القوميات، فقط لتجسيد مشروعها عندما كان التوحيد على ذلك الأساس الديني هو المطلوب لتحقيق الغاية (!!)ألم تكن الحالة الصهيونية "إسرائيل" من ثم هي هذا النموذج التجميعي على أساس ديني لخلق قومية لعلمانيين مفرطين في علمانيتهم استخدموا الدين لأجل الوحدة والتوحيد (؟!)الأولويات ضائعة، والبوصلة ترتجف مرتبكة لا تتجه نحو المكان الصحيح، وعلينا أن نحدد أولوياتنا وأن نوجه بوصلتنا وفق أجندة حقيقية (!!)نهضتنا تعني وحدتنا بالدرجة الأولى، وهي المقدس الوحيد الذي يجب أن تخدمه كل المكونات الأخرى، لأن الوحدة هي لغة القوة والمنعة في هذا العصر وفي كل عصر، ولقد شاهدنا كيف أن الاستعمار تمكن منا عندما أضعفنا بالفرقة والتجزئة.. إلخ (!!)وبالتالي فكل العناصر الأخرى وكل مكونات الهوية وكل مشاريع التغيير والتحرير، تأتي في الدرجة التالية لنختار من بينها، أو لنعشِّقَها بعضها بالبعض الآخر، أو لنقدم منها هذا العنصر ونؤخر ذاك، وفق الصورة الأقدر على خدمة ذلك المقدس (!!)إنها لفتة للتفكير في موقع "الهويات" في مشروع التغيير والتحرير والوحدة والنهضة الذي نؤسِّسُ له (!!)