اللغة السينمائية والكتابة بالصورة
سلام مراد
«الفيلم هو كتابة بالصورة، هذه مقولة لجان كوكتو، كما يقول الكسندر أرنو أن «السينما لغة صور لها مفرداتها وبديعها وبيانها وقواعد نحوها».
الصورة لغة مكثفة في كثير من الأحيان فالمثل الصيني يقول «الصورة تعادل ألف كلمة بل مليون كلمة».
والسينما مرت بتجربة الصورة من غير كلام وذلك عبر أفلام الكرتون وأقلام الصور المتحركة، وأقلام شارلي شابلن، واستطاعت أن تصل إلى المشاهدين بواقعية، ولاقت استقبالاً جيداً من قبل جمهور السينما، واللغة نفسها مرت بتجارب مماثلة في بداياتها، فاللغة الأولى كانت عبر الإشارات والتمثيل من أجل توصيل الفكرة والفهم للطرف المقابل، ثم تطورت شيئاً فشيئاً حتى صارت بصورتها الحديثة، كذلك السينما مرت بمراحل متنوعة، وتطورت بشكل تدريجي، إلى أن وصلت إلى السينما الحديثة عبر مؤثراتها السمعية والبصرية والفنية التي لا تعرف حدوداً معينة، فهي دائمة التغير والتطور.
اللغة إنتاج اجتماعي، وعرضها هو التفاهم، لكثير التفاهم هو أيضاً سبب وجودها وعلته، فسلطان الحاجة إلى العلاقات المتبادلة بين الأفراد، كان سبباً لتطور اللغة، ابتدأت بالصوت والانفعالات والإيماء إلى أن تطورت بشكل تدريجي وتاريخي، الإنسان والمجتمع الإنساني تكونا وتطورا سوية بشكل متوازٍ، فالإنسان لا يستطيع تحقيق ذاته إلا في المجتمع، لذلك يقول: (روبنسون كروزو، إن إنساناً وحيداً لا يعود إنساناً تماماً، فحالة الإنسان قائمة على غريزة القطيع).
إن لغة السينما قوية فهي تفرض نفسها كلغة مثلى، لأن الأشياء، والأشخاص هي ذاتها في السينما، فالمواجهة مباشرة، والإشارة والشيء المشار إليه هما هنا شيء واحد.
ونستعين هنا بتوضيح للمؤلف مارسيل مارتان يوضع فيه تعريف لغة السينما يقول: «اللغة المنطوقة هي نظام شارات مقصودة، واللغة السينمائية هي نظام شارات (طبيعية) وإن كانت منتقاة ومنظمة عند عمد».
فاللغة الفيلمية المبنية على (الصورة – الفكرة) هي أقل غموضاً من اللغة المنطوقة وهي تذكرنا بدقتها باللغة الحسابية. والمادة الفيلمية الأولية، الصورة هي أداة تصويرية بدرجة فائقة، لأنها تفرض على أعيننا وعلى آذاننا قطعة من الحقيقة، وعلى هذا المستوى يكون المضمون والشكل من الناحية العلمية ملتحمين لا يمكن فصلهما. لذلك تعد السينما فن واقعي إلى أقصى حد، أو هي تقدم لنا الإحساس بالواقع على خير وجه، لأنها تصور لنا مظاهر الواقع، وهي مثل كل الفنون الأخرى، تخدم نقل الأفكار، وهي وسيلة نقل وتعبير ولغة، فالسينما تستطيع رواية حكاية كاملة، وبالتالي هي لغة ووسيلة وصول قوية إلى المشاهد.
فاشبتين يقول: «السينما هي أقوى وسيلة شعرية».
كما يبين أبيل جانس الدور الكبير للمصور فيقول بحماس: «ليست الصورة هي التي تصنع فيلماً، بل روح المصور».
فالسينما بالنتيجة هي وسيلة تعبير قوية، وغنية وهي فن حديث يمزج بين عمل الآلة والإنسان، ليخرج الفلم بشكله النهائي، ويشاهد من قبل المتفرجين والمتابعين لهذا الفن الرائع الحديث الفن السابع.
السابع هي «فن الصور المتحركة» والصورة السينمائية في جوهرها حقيقة متحركة، وعرض الحركة هو علة وجود السينما، والخاصية العليا لها، والتعبير الأساسي لعبقريتها وهي النتيجة التي توصل إليها المؤلف مارسيل مارتان.
والصورة الفلمية واقعية وتأتي الحركة من الواقع، وهذه الحركة أثارت في الماضي دهشة الإعجاب عند المتفرجين الأوائل الذين هزتهم رؤية أوراق الشجر خافقة مع النسيم، أو قطار يهاجم في اتجاههم قادماً من البعيد، والصوت أيضاً أحد مكونات الصورة الفلمية، فهو يساهم الإحاطة بالمشهد وبين الجو المحيط بالأشخاص والأشياء المشاهد نفسه يفهم الصورة بشكل متعدد ومختلف وذلك بحسب الثقافة والنظرة إلى الصورة من خلال خلفيات مختلفة من مشاهد إلى آخر، فتكون نفس الصورة شديدة التنوع، واستشهد المؤلف لتوضيح هذه الفكرة من خلال شاهد من آية الإنجيل، فحبة الحنطة في الإمكان أن تسقط في الأرض الطيبة، أو بين الأشواك، أو على الصخر، وهناك تصورات مختلفة ـ ومتعددة بقدر عدد المتفرجين
السينما
السينما وسائل وأدوات وإنتاج وإخراج أي تضافر مجموعة من العوامل وليست كاميرا فقط، لذلك يستشهد المؤلف بقصة المخرج السوفييتي الشاب «دزيجا خيرتوف» الذي أعلن في سنة 1922 عن فكرة «السينما ـ العين» التي كان ينوي بمقتضاها أن يلغي من السينما كل ما ليس «من لحم الحياة الحي».
لقد كان مثله الأعلى هو تصوير الحياة كما هي، على طريقة لوميير، وعندما طبق نظريته في عمله، اصطدم بتقاليد السينما الكلاسيكية التاريخية.
طالب هو وأصدقاؤه والمؤيدون لفكرته يرفض الملابس، والماكياج، والاستديو، والديكورات، والإضاءات، أي رفض كل الإخراج بالنتيجة، كان هدفهم الاكتفاء بعين الكاميرا الأكثر موضوعية، من العين البشرية.
لكنهم لم يدركوا الطاقات الكامنة في العين البشرية التي هي الأساس، فالعين البشرية تلتقط مشاهد الحياة في كل وقت وحين، والكاميرا لا تستطيع مجاراتها فهي آلة ثقيلة تتعب حاملها وتتطلب شروطاً دقيقة في الإضبارة.
لذلك يضطرب المصور ويتعب تحت حمل آلة التصوير.
وبالنتيجة لم يستطع خيرتوف تسجيل الإحالات قليلة من مشاهد لحم الحياة الحي الذي كان يديره. وفي فيلم خيرتوتوف «رجل الكاميرا» 1929م.
بين أن الناس عندما يحسون بآلة التصوير ينظرون إلى الكاميرا ويتخذون لها أوضاعاً.
وهذه ليست الحياة الحقيقية، بل هي إخراج عفوي وكارثة فنية، فالسينما لا يجوز لها أن تنسخ الواقع حرفياً، فهذه المشاهد المصورة ليست ناجحة دائماً، المادة الفلمية تتطلب عملاً عميقاً، لأنها مادة خام وبحاجة إلى من يخرجها للمشاهدين بالصورة المقبولة، وهذه الصورة هي لغة السينما التي ستصل إلى المشاهدين والمتابعين من مختلف الشرائح والطبقات وأصحاب الاهتمامات المتعددة، المختصون منهم وغير المختصين.
وفن الصورة فن يمتلك قوة خاصة، هي قوة الصور وقدرتها على التعبير، هذه القدرة الكامنة في الصورة والمشاهد السينمائية التي تؤثر في الحواس الإنسانية بشكل مباشر، وهذه الطاقة الكامنة هي سر من أسرار قوة السينما ولغتها التي تكسر الحواجز لتصل إلى المشاهد بطريقة سلسلة وقوية بنفس الوقت.
الكتاب: اللغة السينمائية والكتابة بالصورة.
الكاتب: مارسيل مارتان ـ ترجمة: سعد مكاوي ـ مراجعة فريد المزاوي.
الناشر: وزارة الثقافة ـ سلسلة الفن السابع العدد 164 ـ دمشق 2009