في لقاء مع الروائي والمسرحي محمد الحفري
فكرت بجدية بالتوقف عن الكتابة والى الابد ....!؟!.....
حوار سلام مراد
روائي ومسرحي مواليد درعا معرية 1968 لديه ثلاث روايات مطبوعة في الشارقة والخرطوم ودمشق وثلاث مسرحيات، واحدة منها للأطفال عن طريق الهيئة السورية للكتاب، يعمل مخرجاً مسرحياً منذ العام 2003م، وحاصل على عدد من الجوائز منها جائزة الطيب صالح العالمية في مجال الرواية، ومن قبلها جائزة الشارقة في مجال الرواية مروراً بجائزة المزرعة مرتين في المسرح والرواية، وكان آخرها جائزة اتحاد الكتاب العرب «قصة الطفل»، العام المنصرم وهنا نشير بأن محصلته أثناء مسيرته الأدبية كانت عشر جوائز حتى هذا التاريخ...
1 ـ متى كانت البداية؟..
السؤال عن البدايات موجع ومؤلم، ولعلي لا أستطيع ذلك بالضبط، فمن أين أبدأ، أو بدأت وشريط الذكريات طويل وممتد من غرفة طينية مسقوفة بالقصب سكنتها عائلتنا يوماً أم من امرأة كنت أمسك ثوبها المجعد والمتسخ بشقاء السنين ونحن نهرب إلى المغارة لشدة خوفنا من القصف وأصوات طائرات الفانتوم والميراج المحلقة فوق المكان من بلدة تمتد كذيل عقرب ليخاصرها اليرموك جنوباً ومن خلفه الأراضي الأردنية وشمالاً يطعنها الرقاد، وهو ينطلق مثل سهم معوج الرأس ومن خلفه أرض الجولان ليحصر أرضها ويجعلها أكثر ضيقاً كلما اتجهنا غرباً، أم أبدأ من لعنة الحدود التي حذفت المتفجرات عندها ألوان من أحب أو حجبت بيني وبين امرأة كنت أحبها على الضفة الأخرى أو من طريق ترابي كنا نسلكه لعدة كيلو مترات للذهاب إلى المدرسة من الأنسب لو بدأت من صوت النايات الصباحية من كل الذكريات يمكن أن أبدأ...
2 ـ ما هو العمل الأول الذي أنجزه الأستاذ محمد الحفري؟
كان مسرحية بعنوان «تداعيات الحجارة عام 2004م»، هنا من حيث الطباعة لكنني قبل ذلك كنت قد كتبت رواية بين دمعتين وتعود كتابتها للعام 1992 حيث خبأتها لزمن طويل لتفوز بالمركز الثاني لجائزة الشارقة للرواية العربية عام 2007م وطبعت هناك...
3 ـ الرواية هذا الفن الحكائي الجميل كيف انجذبت إليها؟..
الجواب ضمن سؤالك فهي فن جميل ومدهش وساحر جذبتني إليها التفاصيل المثيرة وفنية تقديمها بعد أن قرأت الكثير من الأعمال الروائية العالمية والعربية والمحلية وسأبقى ممتناً طوال حياتي لرجل اسمه يوسف المحمود أعرفه من خلال رواية كتبها يوماً بعنوان «مفترق المطر» لتفتح لي بعد ذلك درباً على الحلم والأمل البعيد ولن أنسى يوماً قريباً بعد نضوج التجربة نوعاً ما دموعاً غزيرة كسرت روحي وأنا أقرأ اللحاف لأيمن ناصر.
4 ـ المشهد الروائي السوري والعربي ماله وما عليه خاصة أنك قريب منه ومتابع له؟..
لاشك أن الأحداث التي عصفت بالوطن العربي ومنها سورية قد قللت من النتاج الأدبي والفني عموماً ذلك لأن الكاتب في النهاية فرد من مجتمعه ولابد أن يتأثر بما يجري حوله، وإن كنت تقصد في سؤالك السوية فهي بالتأكيد متفاوتة بين الساحر المدهش وبين الذي يبعث على الملل وبينهما نصوص جيدة ومقبولة، الشيء الذي أكاد أكون متأكداً منه بأن هذه الأحداث ستخرج نصوصاً كثيرة من بين ريحها وعواصفها...
5 - لماذا لا يعرفك القارئ السوري وأنت روائي وقاص سوري حاصل على جوائز عربية ومحلية؟
حالي في ذلك ليست الوحيدة، هناك العشرات أو ربما أكثر ممن ينطبق عليهم حالي وأعتقد أن المشكلة ليست في نصوصنا بل في الجهات المعنية بالشأن الثقافي، وهنا أريد أن أسأل لماذا الروائي المصري مثلاً مشهور ويعرفه من في مصر وخارجها هل نصه هو الأجمل؟.. المشكلة لها علاقة بالإعلام والثقافة وطريقة التسويق، عندما يصدر نص في بلاد أخرى نرى احتفالية بهذا النص وتكتب عنه عشرات المقالات النقدية أما نحن قد نكتفي بمادة واحدة عن ذلك الكتاب ربما تكون مقتصرة على الإعلان عن صدوره وبعد ذلك صمت مطبق، عندما عدت من جائزة الطيب صالح العالمية وعلى الرغم من أنني أجريت عدة لقاءات تلفزيونية وجدت اسمي قد كتب بالخطأ في عدد من الجرائد المحلية ووجدت أحدهم قد كتب عن الرواية التي فازت معي بنفس الجائزة، لست ضد الرجل وهو يستحق أن يكتب عنه ولكن أليس صاحب البيت أولى؟... نحن حقيقة بأمس الحاجة لتغير الآلية التي نتعامل بها مع الكاتب فمثلاً هذه المبالغ الزهيدة التي يأخذها لقاء مادة أو كتاب هل تستحق أن تذكر، كاتبنا بحاجة إلى الاهتمام بما يوفر له العيش الكريم وهذا لا يكلف كثيراً صدقني وقد يتم ذلك بضبط القليل من النفقات.
6 ـ هل استطعت في رواياتك أن تكون سورياً بامتياز من حيث الحياة والمعاناة؟.. هل أنت راض عن نفسك وكتاباتك؟..
أنا سوري في الرواية والحياة، وعند أشير إلى خطأ في مكان ما ذلك لأنني أحب ألاَّ يكون وعندما أكون متسامحاً أترفع عن الشكوى وأحتمل الحيف الذي يقع عليَّ أكون سورياً بامتياز، هي الفطرة مزروعة فينا، فنحن نحيا بالحب وبه فقط وبغيره نموت وبالنسبة للشق الثاني من السؤال أقول لا لست راضياً وإن كنت كذلك أكون قد انتهيت لا يرضى بما وصل إليه إلاَّ العجزة والمفلسين وفي داخلي أمل يشع دوماً وطموح لا يحد على الرغم من كل المعوقات وسأكتب ما حييت عن وطن وعطر وحلم وامرأة تقبع دوماً في داخلي.
7 ـ قرأت روايتك، العلم، معرية، عبرت فيها عن مكنوناتك وحياة فلاح ومواطن سوري وفيها استشراف مستقبلي، أسألك إلى متى هذه المعاناة؟ وهل استطاع الروائيون تجسيد وتصوير معاناة السوري خاصة الفلاح والعامل والإنسان أولاً؟...
حقيقة عندما قلت بأنها معرية قصدت سورية ذلك لأن ما ينطبق على الجزء أو على أي بقعة ينطبق على أماكن أخرى وأعتقد بأن الاستشراف طبيعة في المبدع ذلك لأنه يستطيع أن يرى بقلبه ما يقبع خلف الجدار ويستنتج من البدايات ما ستؤدي إليه الأحداث وأظن بأن المعاناة لن تتوقف حتى يؤمن الجميع بأن من يقتل هو سوري وأن ما يدمر ملك لنا جميعاً وسورية هي الخاسرة وأن الدم يؤدي للدم...
أما بالنسبة للشق الثاني من سؤالك فأنا أعتقد أن النجاح كان محدوداً في ذلك المحال فبعض الكتاب ترفع عن السرد البسيط المرتبط بالبسطاء أصلاً وبعضهم اعتمد الشعرية والوصف المتعب مبتعداً عن الحدث أو مجموعة الأحداث الصغيرة التي تشكل أعمدة متينة في البناء الروائي.
8 ـ برأيك ما هي الجسور والمعوقات بينك وبين القارئ؟
حتى لا نسخر من الكلمات أقول لا جسور ولا طرقات، فالأغلبية منا نطبع كتبنا على نفقتنا الخاصة ثم نوزعها على الأصدقاء والمختصين منهم وينتهي كل شيء وقد يكون الخاص هو المستفيد فقط، في هذا المجال، فلماذا نخدع أنفسنا، قلت لك في البداية بأن الانتشار يتوقف على آلية عمل المؤسسات الثقافية وعقليتها وسعيها لخدمة الكاتب مبتعدة عن المنفعة الشخصية في تفكيرها وعلى كل حال هذا عمل كبير لا يقع على عاتق الدولة وحدها بل يتحمل معها المجتمع الأهلي وذلك وقد يكون تشاركاً بين العام والخاص والأمر لا يأتي هكذا بل يحتاج إلى سعي دائم...
9 ـ أنت مخرج مسرحي ما هي حكايتك وقصتك مع المسرح؟
حكايتي بدأت من مشاهد محدودة شكلت عرضاً بسيطاً في ساحة البلدة، قدمتها أمام جمع قد يجهل أغلبه اسم المسرح ومعناه ثم تطورت لتنقل إلى قرى وبلدات أخرى ثم صارت مع الوقت بوح وهمس واشتياق محب يتوه ويذوب أمام حبيبته وأسعد لحظات حياتي تلك التي أقضيها بين طلابي وأفراد فرقتي المسرحية وحين نبدأ ببناء المشاهد ومحاولة سد الثغرات وتلافي العيوب تلك لحظات عصيبة وحرجة لكنها جميلة لابد أن تتوج بعرض مسرحي نتحدث عن مساوئه وحسناته كثيراً فيما بعد ثم نعيده بعد سنوات لنكتشف كم أخطأنا، المسرح حكاية الأصدقاء من كل المدن السورية أولئك الذين نتخاصم معهم كل لقاء ومهرجان ثم نعود لنتعانق من جديد هي حكاية سورية الوطن المتعدد المختلف والمنسجم هي حكاية بلاد جميلة فآه من تلك الحكاية وآه كم أشتاق إليها.
10- حصلت على جوائز كثيرة لماذا لم تشكل هذه الجوائز جواز سفر لك خاصة في مسقط راسك؟
لا أدري بالضبط ماهو السبب لكنني كثيراً ما أحسبها لعنة وسداً منيعاً يقف أمام سعادتي، أصدقك القول بأنني أشعر أحياناً بأن بعضهم يكرهني أو ربما كرهني بعد حصولي على هذه الجائزة أو تلك كأنني سلبتها منه ولأجل ذلك قد يعطل لي أمراً أكون بأمس الحاجة إليه وهل تصدق بأنني لم أتلقَ كلمة مبارك من أي جهة كانت باستثناء بعض الأصدقاء المقربين وحين صدرت رواية بين دمعتين ووصلت لبعض أبناء البلدة سببت لي فيما بعد مشاكل لا حصر لها ولا عد وهذا ما جعلني أفكر بجدية التوقف عن الكتابة إلى الأبد..