الانقسام في بلاد العرب
د. فايز أبو شمالة
ما الذي يحدث في بلاد العرب؟ من الذي يتآمر على ليبيا ومصر والسودان واليمن والعراق وسوريا وغيرهم؟ ولمصلحة من يجرى تجفيف العربي، وتحويل الثورة النقية إلى خراب وتدمير مقدرات؟ من الجهات المنتفعة التي تمد يدها الشريرة إلى ساحات الثورة، وتجهد في قلب الموازين لصالح الأنظمة الفاسدة ذاتها؟
لقد انطلق العرب بثورتهم السلمية في الميادين طمعاً بالحرية، وكانوا مقتنعين بالديمقراطية خياراً لتبادل السلطات، وكانوا يحلمون بغد يخلو من الفساد والظلم والقتل والسجن، لقد ثار الشباب العربي على الأنظمة القمعية الفاسدة، ولم يثر على شخص ملك أو شخص رئيس، لقد سار الشباب العربي خلف نداء (الشعب يريد إسقاط النظام)، ذلك النظام الذي كان نتاج اتفاقية سايكس بيكو التي مزقت البلاد العربية بما يتلاءم وقيام دولة لليهود، ودمر مقدرات الأمة العربية كي تكون حليب الصباح في كأس الوجود اليهودي
تلك حقيقة لا يجادل فيها إلا غبي عنيد، أو كل من له مصلحة مرتبطة بالأنظمة العربية الفاسدة، أو كل من صادق عقله وقلبه على بقاء إسرائيل آمنة سليمة، فالنظام العربي الذي ثار عليه شباب العرب ظل لعشرات السنين صمام الأمان لوجود لدولة إسرائيل، وبغض النظر عن الارتباط المباشر لبعض الأنظمة العربية بإسرائيل، أو تأمين بعض الأنظمة حدود إسرائيل ووجودها بشكل غير مباشر، فإن النتيجة واحدة، وهي أن النظام العربي الذي ثار عليه الشباب، كان يخدم دولة الصهاينة، ويحفظ بقاءها، ويسهم في نمائها.
الذي يجري في كل بلاد العرب دون استثناء، ودون الانتباه لأسماء الملوك والرؤساء، ودون الانتباه لأسماء المجموعات التي أفرزها الربيع العربي، الذي يجري هو صراع بين الحرية والاستعباد، بين الكرامة والمهانة، بين الحق والباطل، بين الديمقراطية وبين الدكتاتورية، بين الأمل بالغد واليأس المرتبط بالماضي، بين مصالح الأمة العربية الواحدة وشبابها الطليعي وبين مصالح أعداء العرب ومن صار أجيراً لديهم، الذي يجري في بلاد العرب هو صراع وبين نظامين، نظام فوقي قديم فاسد متآمر مرتبط بشكل مباشر مع أمريكا، وبين نظام جديد له قواعده الشعبية، ويتشكل في رحم المواجهات، ويهدف إلى الوصول بهذه الأمة العربية إلى مصافي الدول المتقدمة، ويسعى للنهوض بها إلى حيث الأمن والاستقرار والتطور والحرية والأمل.
حتى الآن لا يستطيع أي طرف الادعاء بأنه قد حسم المعركة لصالحه، فما يجري في شرق الأمة العربية يؤثر على غربها، وما يجري في الشمال سينعكس على الجنوب، والمعركة في بلاد العرب على أشدها، فإما أن يكون الميلاد، وإما أن يكون الهلاك، ولا أظن أن في الأفق أي مصالحة بين القديم والجديد، والأيام والشهور والسنوات القادمة ستعطي الجواب.