رسالة مفتوحة إلى حركتي فتح وحماس
بمناسبة مرور الذكرى السادسة والستين لنكبة شعبنا وأمتنا

شــــرعية المقــــــــاومة المسلحة

د. غازي حسين
عضو الأمانة العامة للاتحاد العام
للكتاب والصحفيين الفلسطينيين

تعتبرالحروب العدوانية في القانون الدولي المعاصرمن أكبرالجرائم ضد السلام ترتكبها الدولة المعتدية ضد سيادة و استقلال و حرمة الدولة او الإقليم المعتدى عليه .
تحظرالمواثيق والعهود الدولية ومبادئ القانون الدولي الحروب العدوانية و تنص على معاقبة مرتكبيها كمجرمي حرب وملاحقتهم مهما طال الزمن , حيث أقرت الأمم المتحدة عدم سريان تقادم الزمن على جرائم الحرب والجرائم ضد السلام و ضد الإنسانية. وأصبح منع الحروب الوقائية والاستباقية والغزووتحريمها بعد الحرب العالمية الثانية و بعد تأسيس الأمم المتحدة من أهم سمات القرن العشرين .
يتضمن ميثاق الأمم المتحدة نصوصاً صريحة لتحريم الحروب ومنع الدول الأعضاء من استخدام القوة أو التهديد باستخدامها في العلاقات الدولية .
و تنص ديباجة ميثاق الأمم المتحدة على عدم استخدام القوة في غيرالمصلحة المشتركة , وتطالب المادة الثانية منه بفض المنازعات الدولية بالوسائل السلمية ومنع الدول الأعضاء التهديد بالقوة في العلاقات الدولية . وهكذا يحرم الميثاق الحروب العدوانية و لا يعترف بشرعية الاحتلال .
وتفرض العهود والمواثيق الدولية و مبادئ القانون الدولي والتعامل الدولي على الدولة المعتدية الانسحاب الفوري و دفع التعويضات عن الخسائر التي ألحقتها بالدولة أو الإقليم المعتدى عليه. وخطت الدول الأربع الكبرى في اتفاقية بوتسدام عام 1945خطوة جديدة متقدمة و قررت سلخ أجزاء من إقليم الدولة المعتدية كي لا تشكل بؤرة لاندلاع حروب جديدة ,ووقعت أيضا في نفس العام اتفاقية لندن لإنشاء محكمة نورنبيرغ لمحاكمة مجرمي الحرب النازيين ومحكمة طوكيو العسكرية لمحاكمة مجرمي الحرب اليابانيين , و أقرت الأمم المتحدة بالقرار 95 عام 1946 نظام وقرارات محكمة نورنبيرغ كجزء من القانون الدولي .
وأقرت الأمم المتحدة عام 1948 معاهدة تحريم إبادة الجنس البشري والمعاقبة عليها.
وتعتبرهذه المعاهدة الدولية الهامة بمثابة تقنين دولي يمنع جريمة الإبادة الجماعية (هولوكوست) ويحرمها ويعاقب مرتكبيها كمجرمي حرب أسوة بمجرمي الحرب النازيين .
وخطت الأمم المتحدة خطوة متقدمة أخرى و أقرت عام 1949 اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 حيث تتناول الاتفاقية الرابعة حماية السكان المدنيين , مما أعطاها مكانة هامة في القانون الدولي الإنساني.وتنص المادة 49 من الاتفاقية المذكورة على أنَّه ُلايجوزلدولة الاحتلال أن ترحل أو تنقل جزءاً من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها .
أثبتت حركات المقاومة الأوروبية أن مقاومة قوات الاحتلال النازية وإلحاق الهزيمة بها ضرورة حتمية. وهذا ما حصل ولا تزال الشعوب الأوروبية تفتخروتعتزبحركات المقاومة وتؤكد على شرعيتها .
اتفقت أراء معظم فقهاء القانون الدولي بعد الحرب العالمية الثانية و تأسيس الأمم المتحدة على شرعية مقاومة لاحتلال.وأكدوا أن المقاومة المسلحة للشعوب الأوروبية هي نتيجة منطقية وطنية و إنسانية للاحتلال البغيض, وان عمليات المقاومة ضد قوات الاحتلال النازي هي دفاع عن النفس والوطن.

-1-

ويؤيد معظم فقهاء القانون الدولي في العالم شرعية حركات المقاومة الفلسطينية و اللبنانية و العراقية في مواجهة الاحتلالين الإسرائيلي والأميركي .
فالقاسم المشترك بين حركات المقاومة الأوروبية و حركات المقاومة العربية هو الاحتلال, و الاحتلال هو ذروة الإرهاب. و تستند شرعية المقاومة الفلسطينية إلى عدم شرعية الكيان الصهيوني المغتصب للأرض و الحقوق و المياه و إلى عدم شرعية الحروب العدوانية و التغييرات الجغرافية و الديموغرافية التي نفذها العدو في فلسطين و الجولان .
وتتفق آراء فقهاء القانون الدولي على تأكيد شرعية مقاومة الاحتلال . فالمقاومة الأوروبية نتيجة منطقية ومشروعة للاحتلال النازي , والمقاومة الفلسطينية نتيجة طبيعية للاحتلال الإسرائيلي, وعمليات المقاومة هي دفاع عن الوطن والمواطن والتاريخ والجغرافيا والديموغرافيا والحضارة العربية الإسلامية .
ويؤيد معظم رجال القانون الدولي في العالم شرعية المقاومة الفلسطينية واللبنانية في مواجهة الحروب العدوانية والإبادة الجماعية والاحتلال والاستعمارالاستيطاني اليهودي .
وتنبثق شرعية المقاومة من حق الشعوب والأمم في تقريرالمصير, وهو حق غيرقابل للتصرف. ويعطي الشرعية للمقاومة المسلحة كوسيلة للوصول إلى حق تقريرالمصير .
أن المفهوم المتعارف عليه للإرهاب هو الاستخدام غير المشروع للعنف , أوالتهديد باستخدامه بواسطة فرد أو جماعية أو دولة ينتج عنه رعب يعرض للخطر أرواحا بشرية أو يهدد حريات أساسية , وليس كل عنف إرهابا ولكن كل أشكال الإرهاب عنف , وذلك ضروري للتفريق بين مكافحة الإرهاب وشرعية المقاومة .
والإرهاب هوأخطر الوسائل التي مارستها الدول الاستعمارية و الفاشية ضد شعوبها و الشعوب الأخرى عبر التاريخ .
ويحظرالقانون الدولي إرهاب الأفراد والمجموعات والدول ويفرق بين المقاومة والإرهاب وينص على تجريم الإرهاب ويعترف بشرعية المقاومة المسلحة ضد الاحتلال .
وميزت الأمم المتحدة بين النضال العادل الذي تخوضه حركات المقاومة ضد الاحتلال والاستعمار الاستيطاني و النظم العنصرية .
وأقرت المنظمة الدولية عام 1947 بالقرار رقم 3214 حول تعريف العدوان حق الشعوب في النضال بجميع الأشكال بما فيها الكفاح المسلح من اجل الحرية و الاستقلال و حق تقرير المصير.وبالتالي أجازت الأمم المتحدة المقاومة المسلحة للشعوب و الأمم الرازحة تحت الاحتلال.وأكدت اللجنة الخاصة بموضوع الإرهاب التي شكلتها الأمم المتحدة عام 1989 على الأسباب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للعنف وجاء فيها ما يلي:
· الاستعماروالتشبث بالسيطرة الاستعمارية .
· احتلال أراضي الغيروالهيمنة على الشعوب.
· إنكار حق الشعوب في تقرير المصير.
· حروب الإبادة والعدوان و انتهاك السيادة و الاستقلال و الوحدة الإقليمية للدول.
· استخدام الإرهاب للسيطرة على الشعوب و إجبار السكان على النزوح.
· شرعية مقاومة الاحتلال .
انطلاقا ًمن العهود و المواثيق الدولية و قرارات الأمم المتحدة المذكورة أعلاه.
و نظراً لنكبة فلسطين واغتصابها و ترحيل شعبها التي وقعت منذ أكثرمن ستة وستين عاماً. ونظراً للحروب العدوانية التي أشعلتها إسرائيل على فلسطين وسورية ولبنان والأردن ومصر . ونظراً لرفضها الانسحاب من القدس بشطريها المحتلين مدينة الإسراء والمعراج ومن بقية الأراضي الفلسطينية المحتلة والجولان السوري المحتل و مزارع شبعا , واستمرارها في بناء المستعمرات اليهودية في فلسطين و الجولان و تهويد الأرض و المقدسات في الخليل و القدس وبيت لحم و

-2-
طبريا.
ونظراً للاستمرار في ارتكاب الهولوكوست وسياسة الأرض المحروقة وتدميرالمنجزات الصناعية والزراعية و العمرانية و الثقافية .
ونظراً لتخاذل الأمم المتحدة في إنهاء الاحتلال ووقف الهولوكوست على الشعب الفلسطيني.
ونظراً لازدواجية المعاييرلدى الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وانحيازهم للعدو الإسرائيلي ومعاداتهم للعرب و الإسلام .
ونظراً لاستمراردولة الاحتلال في بناء المستعمرات و جلب قطعان المستعمرين اليهود وترحيل الفلسطينيين. وقرارانتفاض الشعب الفلسطيني للدفاع عن وطنه وأرضه وأملاكه ومنجزاته و مقدساته و حياته بالمقاومة المسلحة و العمليات الاستشهادية يؤكد أنَّ المقاومة هي خياره الاستراتيجي لقلع الاحتلال الإسرائيلي البغيض , وتفكيك المستعمرات اليهودية و عودة اللاجئين إلى ديارهم و استعادة أرضهم وممتلكاتهم .
إنَّ كل احتلال يؤدي إلى المقاومة , وكلما ازدادت وحشية الاحتلال كلما ازدادت المقاومة شدة واتساعا. واستمرار الاحتلال والمستعمرات اليهودية والهولوكوست و العنصرية و الإرهاب يجعل المقاومة بكل أشكالها و في طليعتها المقاومة المسلحة هي الرد الشرعي والقانوني والوطني والقومي والديني والإنساني على الاحتلال الإسرائيلي . والمقاومة هي الأسلوب العلمي و العملي المتبقي الوحيد الذي يقود إلى إنهاء الاحتلال و إلى الحرية و الاستقلال و عودة اللاجئين إلى ديارهم و استعادة أراضهم وأملاكهم . ويقود أيضا إلى الهدوء والاستقرارفي المنطقة , والقضاء على الكيان الصهيوني كآخر كيان استعمار استيطاني ونظام عنصري في العالم , وإقامة الدولة المدنية الديمقراطية في كل فلسطين التاريخية .
خلاصة القول : مقاومة الاحتلال الإسرائيلي عمل مشروع يتماشى مع مبادئ القانون الدولي و ميثاق الأمم المتحدة و بقية العهود و المواثيق الدولية ,ومع تجارب الشعوب الأوروبية في مقاومة الاحتلال النازي , ومع الدرب الصحيح الذي سلكه شهداء فلسطين الأبرار .
أثبت التاريخ البشري إن مصير الأنظمة الاستعمارية والعنصرية إلى الزوال . زالت النازية من ألمانيا , والفاشية من إيطاليا و العنصرية من روديسيا و البرتغال والابارتايد من جنوب إفريقيا وسيكون مصير كيان الاستعمارالاستيطاني اليهودي والعنصري والإرهابي إلى الزوال .







-3-