الجراحة والصحة العامة في العراق القديم
بقلم روبرت بكز([1])

ترجمة الدكتور حسيب حديد
جامعة الموصل – كلية الاداب
هنالك نقاش مهم يتعلق بأي مدى مارس الطبيب في بلاد الرافدين الجراحة. ان مثل هذه المناقشات تتعلق بعمليات العيون والتي ذكرت في قانون حمورابي في المواد 215 – 220 ومهما كان الاجراء المتّبع فانه من غير المحتمل ان اية جراحة معقدة قد تم اخذها على عاتقهم وهنالك ما يدل على استعمال المشرحة من قبل الطبيب. وثمة دراسات قليلة للعصور القديمة تم نشرها حول البقايا البشرية من بلاد الرافدين القديمة ولا يوجد سوى بعض العظام البشرية التي كان يحتفظ بقسم منها وتم العثور عليها اثناء التنقيبات في الواقع الاثرية. ومن المحتمل ان هنالك مجموعة واسعة من التنقيبات الذي قام بها بوستغيت في (ابو سالابيق) من الالفية الثالثة ان بعض الرسوم قد تم نشرها.
ولا يوجد دليل في بلاد الرافدين القديمة يشرح الارتعاش او الشلل (ولكن بعض الجماجم تم العثور عليها كانت تتضمن بعض الثقوب ويبدو ان هذا كان امراً تتم ممارسته وعلى اقل تقدير في المناسبات في مناطق اخرى من الشرق الادنى وخاصة في مصر). وحسب معرفتنا فان عملية الختان لم تتم ممارستها في بلاد وادي الرافدين على الرغم من انها تتم ممارستها بصورة واسعة في مناطق اخرى من الشرق الادنى.
ويعتقد ان اوبنهايم وجد دليلاً ما يعرف بالعملية القيصرية في بابل وتم اخذ اقتراحه كحقيقة واقعة. وعلى الرغم من اضافة نصوص اخرى ومناقشات مستمرة من قبل العديد من الباحثين يجب القول بان اية حالة مقنعة قد تمت فعلاً ولكنها بقيت غير مبرهنة او على شكل مقترحات تحتاج الى برهان. ومهما كانت العمليات الجراحية محدودة فانه قد تمت فعلاً وان هذا كان يتضمن حالات تتعلق بجرحى المعارك او الجروح بانواعها او التي كانت يسببها ثور او الخنزير البري. وربما كانت مثل هذه الاساليب المستعملة تتطلب بعض التدريبات بالاضافة الى الاطباء من ذوي الخبرة حيث انهم تطوروا كثيراً خاصة في الاوضاع الطارئة. ومن السهولة بمكان الاعتقاد بان نسبة الالتهاب باي اجراء جراحي لابد من ان يكون عالياً وان التداخلات الجراحية الخطيرة قد اجريت فعلاً في الحالات الخطرة باعتبارها الحل الاخير. وهذا مجرد افتراض على كل حال لم تتحدث للنصوص القديمة حول الموضوع.

الصحة العامة
من الصعوبة بمكان التحدث عن الصحة العامة على الرغم من ان هنالك دائرة حكومية تتعلق بالطب الوقائي او الاستراتيجيات الخاصة بالرقابة عندما يكون هناك انتشار خطير لاي مرض من الامراض. ومن الواضح بصورة خاصة من الرسائل التي جاءت من (ماري) في بداية الالفية الثانية ان الاجراءات قد اتخذت من اجل السيطرة على انتشار أي مرض وبائي معدي وسط السكان. ولدينا عدد من الرسائل تشير الى سكان القرى الذين كان نصيبهم كبيراً فيما يتعلق بالامراض. وفي الحقيقة تم ادراك حقيقة ان بعض الامراض كان انتقالها يتم بسهولة من شخص الى اخر وعلى الاقل بدرجة معينة وهناك مسألة عزل المرضى عندما يبدو ان مرضهم يهدد السكان وتوضح الرسالة الاتية مثل هذه الحالة:
(سمعت ان امرأة نانا كانت مريضة بمرض (سيمول) ولكنها كانت على اتصال كبير مع القصر (النساء الخادمات) وانتقل المرض منها الى العديد من النساء حولها. فقد اعطيت اوامر صارمة بان لا شخص يشرب من الكاس الذي تشرب منه ولا شخص يجلس في الكرسي التي تجلس عليها ولا شخص ينام في السرير الذي تنام فيه ولذلك فانها سوف لا تنقل المرض الى النساء الاخريات حولها).
وفي الحقيقة فان حظوظ انتقال الالتهابات الميكروعضوية او الفايروسات لابد من ان تكون عالية في المناطق المغلقة. ثمة بعض الامراض التي تعطي انطباع بانها معدية وهي امراض يكون عادة سببها تناول الحبوب التي فيها عدوى خاصة المسمومة منها. و يجب ان يكون الدليل واضحاً ولكن بالتأكيد فان ذلك امر مهم وذكرت بعض النصوص مرضاً يصيب الانسان والحيوان الاليف على حد سواء خاصة الماشية وكما هو معروف ان كبد الماشية ليس قادراً على تحمل السموم. وتوجد اوصاف للثيران المريضة في ماري حيث هنالك وسائل تؤكد على هذا وتقدم دليلاً يتعلق بالتسمم الذي يصيب الماشية. ولا توجد هنالك دراسات للاجراءات المتخذة في بلاد الرافدين القديمة للتعامل مع النفايات البشرية. اذ ان انظمة التصريف أي تصريف المياه الثقيلة يفترض ان تكون هنالك وسيلة معينة لمعالجتها كما ورد ذلك في التقارير الاثارية من مواقع مختلفة من بلاد الرافدين. وفي الحقيقة هنالك انظمة خاصة بالبالوعات التي كانت موجودة والتي تتضمن ما يشبه الانابيب التي بدورها تنقل المياه الثقيلة.وتمت اقامة هذه الانظمة الخاصة بالبالوعات التي لا يمكن معرفة او تحديد الاجراءات الصحية المتخذة بشأنها.
اما بالنسبة للعلاج في المنازل فان مجاميع من الناس كانت تتم معالجتهم في البيت نفسه او في القصر او في موقع اخر ولكن ليس من السهولة ان نفترض وجود أية مؤسسة تشبه المستشفيات على سبيل المثال كما هو معروف في الشرق الادنى الاسلامي.

الطب البيطري
يعدّ الطب البيطري في بلاد وادي الرافدين القديمة معروفاً من خلال مصادر متعددة. واشارت قوانين حمورابي الى معالجة الثيران والحمير وتوجد رسالة من الفترة البابلية القديمة تذكر لنا طبيب بيطري للماشية. ويقدّم لنا نص معجمي من الالفية الثالثة مصطلح الطبيب البيطري للحمير. ولدينا نصوص في الاكدية وفي الاورغارتية تشير الى الامراض التي تصيب الخيول ومثال مختصر هنالك ثمانية مواد تستخدم لعلاج ما يصيب الحيوانات او الخيول يدخل فيها الخمر عادة.
استنتاج
عملت هذه الدراسة على تقديم معظم الملامح الخاصة بالممارسة الطبية في بلاد الرافدين القديمة ان طب بلاد الرافدين الذي اثبتته صيغ عديدة تعود الى الالفية الثالثة قبل الميلاد بقيت ضمن اطار تقاليد العامة لطب الاعشاب مثلما تمت ممارسة ذلك في مناطق مختلفة من العالم. وتوجد بعض المتوازيات بين طب بلاد الرافدين والطب الذي وجدناه في بلاد الاغريق القديمة لكن لا يبدو بان الطب الاغريقي مقارنة مع مجالات الرياضيات والفلك بأية صورة من الصور تعتبر مشتقة من طب بلاد الرافدين. وفي الوقت الذي يكون طب بلاد الرافدين ضمن افضل الوثائق او النصوص الموثقة في العالم القديم فان الامر مهم جداً لمعرفة المزيد ويمكن القول بوجود رواد مباشرين للطب العلمي الذي تتم ممارسته في معظم مناطق العالم في الوقت الحاضر.



([1] ) Robert D. Biggs:Medicine,Surgery and Public Health in Ancient Mesopotamia, Civilizations of the Ancient Near East, Vol.: 3