بعض الخصائص النبوية ً التي يخطئ بعض الجُهْل ِ في فهمها فيقيسونها بمقياس البشرية ، ولذلك يستكثرونها ويستعظمونها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويرون أن وصفه بها معناه وصفه ببعض صفات الألوهية ، وهذا جهل محض:

ذكر سيدي السيد محمد بن علوي المالكي الحسني في كتابه مفاهيم يجب أن تصحح مانصه :
ومن ذلك بعض الخصائص النبوية مثلاً التي يخطئ بعضهم في فهمها فيقيسونها بمقياس البشرية ، ولذلك يستكثرونها ويستعظمونها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويرون أن وصفه بها معناه وصفه ببعض صفات الألوهية ، وهذا جهل محض لأنه سبحانه وتعالى يعطي من يشاء وكما يشاء بلا موجب ملزم وإنما هو تفضل على من أراد إكرامه ورفع مقامه وإظهار فضله على غيره من البشر وليس في ذلك انتزاع لحقوق الربوبية وصفات الألوهية ، فهي محفوظة بما يناسب مقام الحق سبحانه وتعالى : وإذا اتصف المخلوق بشيء منها فيكون بما يناسب البشرية من كونها محدودة مكتسبة بإذن الله وفضله وإرادته لا بقوة المخلوق ولا تدبيره ولا أمره إذ هو عاجز ضعيف لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً ، وكم من أمور جاء ما يدل على أنها حق لله سبحانه وتعالى ، ولكنه سبحانه وتعالى منَّ بها على نبيه صلى الله عليه وسلم وغيره .
وحينئذ فلا يرفعه وصفه بها إلى مقام الألوهية أو يجعله شريكاً لله سبحانه وتعالى.

فمنها : الشفاعة ، فهي لله ، قال الله تعالى : قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ ، وهي ثابتة للرسول صلى الله عليه وسلم ولغيره من الشفعاء بإذن الله كما جاء في الحديث : ((أوتيت الشفاعة)) ..
وحديث : ((أنا أول شافع ومشفع)) ..
ومنها : علم الغيب ، فهو لله سبحانه وتعالى : قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ، وقد ثبت أن الله تعالى علّم نبيه من الغيب ما علّمه وأعطاه ما أعطاه عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً {26} إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ .

ومنها : الهداية فهي خاصة بالله تعالى ، قال الله تعالى : إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ، وقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم له شيء من ذلك فقال : وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ، والهداية الأولى غير الهداية الثانية ، وهذا إنما يفهمه العقلاء من المؤمنين الذين يعلمون الفرق بين الخالق والمخلوق ، ولولا ذلك لاحتاج أن يقول : وإنك لتهدي هداية إرشاد ، أو أن يقول وإنك لتهدي هداية غير هدايتنا ، ولكن كل ذلك لم يحصل ، بل أثبت له هداية مطلقة بلا قيد ولا شرط ، لأن الموحد منا معشر المخاطبين من أهل الإسلام يفهم معاني الألفاظ ويدرك اختلاف مدلولاتها بالنسبة لما أضيف إلى الله ، وبالنسبة لما أضيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونظير هذا ما جاء في القرآن من وصف رسول الله بالرأفة والرحمة إذ يقول : بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ، ووصف الله سبحانه وتعالى نفسه بذلك أيضاً في أكثر من موضع ، فهو سبحانه وتعالى رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ، ومعلوم أن الرأفة والرحمة الثانية غير الأولى ، ولما وصف نبيه صلى الله عليه وسلم بذلك الوصف وصفه به بالإطلاق بلا قيد ولا شرط ، لأن المخاطب وهو موحد مؤمن بالله يعلم الفرق بين الخالق والمخلوق ، ولولا ذلك لاحتاج أن يقول في وصفه صلى الله عليه وسلم : رؤوف برأفة غير رأفتنا ، ورحيم برحمة غير رحمتنا أو أن يقول : رؤوف برأفة خاصة أو رحيم برحمة خاصة ، أو أن يقول : رؤوف برأفة بشرية ورحيم برحمة بشرية ، ولكن كل ذلك لم يحصل ، بل أثبت له رأفة مطلقة ورحمة مطلقة بلا قيد ولا شرط،فقال:بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ.
=
منقول عن سيدي السيد محمد بن علوي المالكي الحسني
من صفحةالطريقة الأحمدية الإدريسية بمصر