الراهبة / دينيس ديدرو
--------------------------------------------------
ريم بدر الدين بزال
عندما عرض مسلسل إخوة التراب للمرة الأولى صدم مخرج العمل نجدت إسماعيل آنزور جمهوره بعرض عمليات التصوير في شارة النهاية و كأنه يعتذر للمشاهد بأنه ينقل لنا القصة و هذه أدوات الحكاية و هذا بالضبط ما فعلته رواية الراهبة لدينيس ديدرو
تناولت الرواية إرغام فتاة مراهقة على تقديم النذور بالرهبنة من قبل أهلها و الكنيسة و مع أنها رفضت هذا منذ البداية لكنها في النهاية رُسمت راهبة .
حاولت أن تلجأ للقضاء لإبطال النذور لكنها خسرت القضية وأقر القضاء أن النذور سليمة .
و بانتقالها بين أديرة مختلفة و ما لاقته من صعوبات و شدائد هربت من الدير مع راهب تبين فيما بعد أنه فاسق و غادر و جراء سقطتها من على سور الدير العالي أصيبت و مرضت ثم ماتت .
كتبت الرواية بأسلوب رسالة موجهة إلى ماركيز يمكنه مساعدة الأخت سوزان و عبرت له عن آلامها و المصاعب التي تعانيها في الأديرة من قسوة رئيسة الدير الأول و شذوذ رئيسة الدير الثاني و حسد الراهبات و انتهاك القوانين الدينية داخل الأديرة و انعدام التعاطف و الممارسات المازوشية بتعذيب النفس بالجلد بالسياط و لبس المسوح الخشنة و الحبس في زنازين مظلمة و الحرمان من النوم إلى ما قد لا تتسع له القائمة من ممارسات عنيفة.
رويت بلغة سردية مشوقة جدا غير أنها في بعض الأحيان مبالغ بها من حيث وصف فضائل الراهية سوزان الخارقة و طهارتها و طيبتها في وجه الراهبات الأخريات و رئيسات الأديرة .
و بعد أن انتهيت من قراءة الرواية وجدت تنويها بأن ثلة من الأصدقاء غادرهم صديقهم الماركيز الى الريف و أرادوا أن يعيدوه إلى باريس فاخترعوا هذه الرسائل على خلفية اهتمام الماركيز من قبل بقضية حقيقية لراهبة أرادت إبطال نذورها .و كتب الرسائل الأديب ديدرو الشاب ثم أرسلت للماركيز على أنها من الراهبة و تلقوا منه رسائل تطمئن الراهبة على وضعها و أنه سيتولى العناية بها و كانت الراهبة المزعومة قد ألهبت خيال ديدرو فشرع في كتابة روايته و كان يبكي و هو يكتبها تأثرا بوضع الراهبة المأساوي.
لوهلة ما و قبل انكشاف حقيقة الرواية يخيل للمرء أن هناك كاميرا سينمائية دخلت أحد الأديرة و اطلعت على ما يجري من أحداث و انتهاكات و لا يملك المرء إلا التحسر و الألم و الاستنكار لما يجري باسم الرب.
و يتقاطع ما ذكر في الرواية مع المذكور في الكثير من الأعمال الأدبية التي تتشابه في المنظور ليعتقد أن هذا فعلا ما يحدث في الأديرة و قد قفزت إلى البال رواية عزازيل للكاتب يوسف زيدان و التي دخلت ديرا للرهبان واطلعتنا على الانتهاكات و المؤامرات و النزوع نحو السلطة و قفز إلى بالي مقطعا من قصة قصيرة لجوركي بعنوان " الأحازين الغليظة" و التي يقول الراهب للمرأة التي تصنع له سلما عندما سألته : أبتاه لم تحتاج لسلم من الحبال ؟ فقال لها : كلنا خطأة ياسيدتي!
و معظم الأعمال التي تتحدث عن الأديرة و الرهبنة لم تستند إلى معلومات توثيقية فلا يمكن أن نستخدمها كوثيقة و لكن يمكن اعتبارها عملا أدبيا متميزا من حيث القدرة السردية برغم الكثير من التجني و الافتقار الحيادية فما الذي يثبت أن هذا ما يحدث فعلا في الأديرة و ضمن حياة الرهبنة ؟ و في رواية الراهبة اعترف الكاتب بنفسه أنها كانت مجرد مزحة طويلة الأمد بين أصدقاء ؟!
و لكن بعيدا عن توثيق العمل يمكننا أن نناقش القضية من حيث النزوع نحو الحرية و محاولة فك الأسر من أي مؤسسة كانت سواء كانت مؤسسة دينية أو اجتماعية أو سياسية .
كانت الأخت سوزان تريد التحرر من سلطة الرهبنة لا لهدف معين و إنما لكي تتمتع بالحرية و هي لا تعرف حقا ما ستفعل بحياتها فيما بعد و منذ اللحظة التي هربت فيها من الدير تمنت لو أنها تعود إليه مرة أخرى ..أليس هذا ما يحدث في أسارى المؤسسة الاجتماعية كالزواج مثلا ؟ فهم لا يريدون سوى الحرية دون أن يحددوا مسارها و إلى أي تمضي بهم . ألا يحدث هذا مع أسارى المؤسسة السياسية ؟ يريدون حرية لا يستطيعون تحديد شكلها .
ورد في قاموس بوييه للترجمة :" الراهبة عمل مسرف في تحرره و قد جلب العار لمؤلفه."
و لكن لو خرجنا به من نطاق الإدانة لنظام الرهبنة في الأديرة إلى نطاق إنساني أشمل سنرى أنه عمل متميز يمكن قراءته من زوايا متعددة.
تتوفر رواية الراهبة باللغة العربية / دنيس ديدرو/ ترجمة روز مخلوف/ مشروع كلمة للترجمة