الرئيس: راوي الحكاية/ مصطفى ابراهيم
14/3/2014


كلمة الرئيس محمود عباس امام المجلس الثوري لحركة فتح اثارت استفزاز غالبية كبيرة من الشعب الفلسطيني، و في وقت كان الفلسطينيون يحبسون انفساهم خوفاً من ما قد تقدم عليه اسرائيل من تنفيذ عدواناً همجياً على قطاع غزة، ويتنقلون من محطة تلفزيونية الى اخرى لمتابعة ما قد يجري. فاجئنا تلفزيون فلسطين بخطوة غريبة لا تعبر عن أي حس ببث كلمة الرئيس المسجلة، تحدث فيها عن فترة زمنية كان وما زال فيها رئيساً للشعب الفلسطيني، انتظر كل هذه السنين ليخبرنا بجرائم القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان.طرق خطاب الرئيس ابواب الناس في بداية الحفلة المنتظرة، قال ما لم يكن يتوقعوه، ظنوا انه سيتحدث عن الضغوط الذي يتعرض لها من الادارة الامريكية واسرائيل، وزيارته الى واشنطن الاسبوع القادم، ويصر الناس عليه ان يصارحهم عن ماهية الضغوط وما متوقع ان يحدث، او ان يطالبهم بالوقوف خلفه ودعمه في لقاؤه مع اوباما.تحدث بجدية مفرطة كشفت عن غضبه من دحلان شريكه خلال سنوات ماضية، زميله في اللجنة المركزية لحركة فتح، لم يعرف الرئيس أن كلامه يمكن أن يتسلل إلى الاصدقاء والأعداء ويمس بتاريخنا ونضالنا الوطني.تعمد الرئيس السخرية من كل الشعب الفلسطيني، وكذبة النضال الفلسطيني وأظهر القيادة الفلسطينية بأنها غير مهتمة بشان الفلسطينيين، وغير مبالية بمحاسبة المخطئين بحق الناس والقضية، وكأنه اراد تذكيرنا بما يحاول الناس نسيانه من فشله في توحيدهم وجمع شملهم.شعرت بالاستفزاز، كيف لم يخشى الرئيس انه مس مشاعر غالبية كبيرة من الفلسطينيين والمناصرين للقضية الفلسطينية وكيف ستكون سمعة الفلسطينيين في العالم وما قد يجلبه من عار، وماذا سنقول للثوار العرب الذين شاركوا يوما ما في الثورة الفلسطينية ومن استشهد و اسر في سبيل تحرير فلسطين.مسكين الشعب الفلسطيني لأنه لا يعرف تاريخ قيادته، فهو ينتظر منها ان تتابع تفاصيل التفاصيل في حياتهم من حصار وعدوان، وفقر وبطالة متوحشة، والبؤس والشقاء والقتل اليومي الذي يتعرضون له، وقطع رواتب الموظفين والتمييز بينهم وفصلهم من اعمالهم وتهديدهم بقطع ارزاقهم، فالقادة العظام قبل اتخاذ أي خطوة او قرار يعودون للناس يشعرونهم انهم يستمدون قوتهم منهم.الناس ينتظرون القتل، وكلمة الرئيس تسجل ويعاد بثها اكثر من مرة لنشر الغسيل الوسخ، في تلك الليلة لم يكن خبر القتل الموعود الخبر الاول على شاشة تلفزيون فلسطين، فالخبر الاول كان وما زال مخصص لإعادة بث كلمة الرئيس، لحسن الحظ لم يسقط ضحايا تلك الليلة ولا الليلة التي تلتها.أحسد الرئيس على جرأته في تعرية الشعب الفلسطيني، ولا استغرب كيف لم يقدم المجرمين المزعومين ومن خانوا القضية الوطنية للقضاء الثوري، فنحن ما زلنا ندعي اننا اصحاب الثورة الفلسطينية المعاصرة. الرئيس البريء لا علاقة له بما يجري من ممارسات الاحتلال وحصار غزة، واعتداءات جنود الاحتلال اليومية في الخليل ورام الله ونابلس، وجنين ومن استشهدوا خلال الايام الماضية في رام الله وغزة.الرئيس يعشق الحديث الساخر والاستهزاء بتاريخ الشعب الفلسطيني، وإدانة الصواريخ العبثية، ويعتبر ما تحدث به مصارحة ومكاشفة و إنجازاً وطنياً وجزءاً لا يتجزأ من الخطة لتدمير ما تبقى للناس من كرامة.كلمة الرئيس لم تضمن للناس الاستقرار والوحدة والتلاحم والسيادة والعزة، ولم تغلق الثغرات التي يستغلها الاعداء لاستمرار تمزيق النسيج الوطني، هو يعشق الكلام المباشر وتوصيل الرسائل عبر تشويه نضالنا وتاريخنا، طريقته لم تعبر عن مسؤولياته ومطالباته للناس وحماس بعدم التدخل في شؤون الاخرين، لم يكن اسلوبه اسلوب رجل دولة، كان راوي الحكاية.رجل الدولة يحترم القانون ولا يردعه احد عن تطبيقه، حرق القانون وسيادته وخرقه بصمته سنوات طويلة، اعطى لنفسه الحق في تشويه الاخرين وتركهم من دون مساءلة ومحاسبة، وترك الناس حيارى و من يصدقون، خطابه تسلل بالهمس واللمز لأكثر من بلد وشخصية عربية، لم يستطع افهام الناس ماذا يريد، اعطى لنفسه الحق بتزييف وعي الناس وكيه، ما قاله كان اكثر فتكاً بنا من أي شخص اخر.اثار الخطاب ما زالت تتصدر معظم الشاشات، ومروجو الكراهية وعشاق الفضائيات مستمرون في جلدنا وتشويه عقول المشاهدين، أخطر ما في الخطاب انه عمق الكراهية بين ابناء التنظيم الواحد و الشعب المنقسم، وشككهم في تاريخ ثورتهم ورموزهم وطهارة السلاح، عجل من الانهيار في صفوفنا، اصبحنا في بدايات صراعات جديدة و طويلة.تكلم ووجه الاتهامات ولم يقدم الحلول للناس، ولم يخبرنا عن نواياه وما سيقوله في واشنطن، وكيف سنواجه الاحتلال وجرائمه، فهو لم يعتذر عن صمته الطويل، والأخطر انه لم يعتذر للشهداء والجرحى والأسرى وأمهات، وآباء كل اولئك اللاجئين من الجوعى والغرقى، والمشردين والمحاصرين.