النُّخَب العربية بين تَسَوُّلِ الفكر وتَسَلُّقِ السياسة (!!) بقلم أسامة عكنان

ArabNyheter | 2014/02/17لا يوجد تعليقات
سنحارب من مواقعنا في خندقِ إيران ضد إسرائيل وأميركا، مادامت تعلنُ عن عدائها لهما، على الأقل في المدى المنظور، فإن غيَّرت غيَّرنا، وإن بدا لنا أنها تتاجرُ بالأمر بناء على إستراتيجياتٍ وأجندات قومية تخدم طموحاتِها الإقليمية فقط، تعاملنا معها على هذا الأساس، ولكلِّ حادثٍ حديث ولكلِّ مقامٍ مقال (!!) وسنحارب في الوقت ذاته ومن مواقعنا أيضا ضد النظام الإيراني في خندق الحريات والعدالة وحقوق الإنسان، لأنه يمارس عداءَه لكلِّ ذلك وينتهج فيه انتقائية بغيضة، على الأقل فيما نعرفه ونراه ونلمسه من سياساته داخليا وخارجيا (!!)فالإنسان المُعْتَرف بحقوقه إيرانيا – على ما يبدو لنا من سياساتِ إيران المُتَّبَعَة في الأمر – هو فقط الإنسان الذي يعيش في دولةٍ يحكمها نظامٌ غير حليف لها، أو في دولة حليفة لأميركا والغرب، حتى لو كانت معاناته أقلَّ من معاناة غيره من شعوب الأرض، أما من يعيش في بلدٍ حليف لها، فهو بمجرد معارضته يُصَنَّف فورا على أنه حليف لأميركا والغرب بل ولإسرائيل أيضا، حتى لو لم ينزلقَ إلى هذا المستنقع، مهما كانت معاناته شديدة (!!) ولن نبيع موقفنا هنا بموقفنا هناك، ولن نشتري موقفا هناك بموقف هنا، فالحقوق الإنسانية هي في المنظور الأخلاقي حزمةٌ واحدة لا تتجزَّأ، وليست تابعة للموقف السياسي المَبني على المصلحة البراغماتية الميكافيللية ولا هي نابعة منه، بل إن الموقف السياسي – كما نفهمه – هو الذي يجب أن يكونَ تابعا للحقوق الإنسانية، بل ونابعا منها أصلا، ليدورَ معها حيث دارت، وإلا فإنه موقف سياسي غير إنساني، نربأ بأنفسنا أن تقوم عليه إرادتنا السياسية، فنفرِّق بسببه بين المصلحة عمادِ السياسة، والحقِّ عماد الإنسانية، بل إننا ندعو إلى ممارسةِ سياسةٍ تقوم على فلسفةٍ تجمع بين الاثنين "المصلحة" و"الحق" (!!) لذلك لن نجدَ أنفسَنا مضطرين لمداهنة إيران في مجال حقوق الإنسان، وفي مجال مواقفِها السلبية والمتناقضة من معاناة الشعوب ونضالاتها لتحصيل حقوقها، لمجرد أننا نساندها في مجال معاداة الإمبريالية والصهيونية، أو لمجرد أنها تعادي الإمبريالية والصهيونية، ولن نشعر بأيِّ حرج سياسي أو فلسفي عندما نعلن مساندتَنا لإيران في خندق المواجهة مع الصهيونية والإمبريالية، إذا كان لزاما علينا في الوقت ذاته ومن وجهٍ آخر أن نؤكدُّ على معاداتنا لها من داخل خندقِ حقوقِ الإنسان والحريات والعدالة الاجتماعية ومكافحة الطغيان والاستبداد.. إلخ (!!)فمعاداة هاتين – الإمبريالية والصهيونية – جزءٌ لا يتجزأ من المنظومة القِيَمِيَّة المُتَعَلِّقَة بمساندة الشعوب في تحصيل حقوقها من مغتصبيها، ومن يُفَرِّقُ بالتالي بين الأمرين – معاداة الإمبريالية والصهيونية، والوقوف مع الشعوب وهي تناضل ضد الطغاة المستبدين – ويفصل أحدَهما عن الآخر نضاليا، يجب أن يُصار إلى الوضوح السياسي والفلسفي معه لجهة إدانته والتنديد بموقفه دون مهادنة أو مجاملة أو تهاون (!!)وبناء عليه، وبالمنطق ذاته، فإننا لن نتنازلَ عن إدانة أيِّ معارضةٍ مشروعةِ المطالب الإنسانية في مواجهة الطغيان والاستبداد، في هذا المكان أو في ذاك من الوطن العربي، في أيِّ موقف تتخاذل فيه تلك المعارضة في عدائها للإمبريالية وللصهيونية، أو لا تكون فيه واضحة جليَّة (!!)أما معركتنا مع الأنظمة الوظيفية العربية التي تعتدي على كامل حقوقنا، فهي تخصنا وحدنا بصفتنا مواطنين عربا، ولا نسمح لأيِّ طرفٍ أجنبي بأن يتدخل فيها بأيِّ حجة، لا أميركا، ولا فرنسا، ولا بريطانيا، ولا روسيا، ولا حتى إيران أو تركيا، ولا نقبل منهما ومن غيرهما بأكثر من الدعم المعنوي إذا طلبناه (!!)فالأجندة الأخلاقية لا تتجزأ، والأجندة الإنسانية لا تخضع للانتقاء، والشرف والكرامة يبدءأن من نقطة مفادُها أن قبول التدخل في شؤوننا الداخلية بحجة الدفاع عنا، هو تنازل منا عن كلِّ الشرف وعن كلِّ الكرامة (!!)من يقف مع إيران ضد الإمبريالية، ونحن نفعل ذلك بلا أيِّ تحفظٍّ أو تردُّدٍ، تقتضي بداهة الأمور أن يقفَ مع كلِّ من هو ضد الإمبريالية، كي يستقيمَ له الأمر في المنظور الأخلاقي، وكي يُعْتَبر منسجما مع مبادئه، ولذلك وقفنا مع سياسات الراحل "هوغو شافيز" في فنزويلا، وما نزال نقف مع سياسات خليفته "نيكولاس مادورو"، فيما يتعلق بالموقف من الإمبريالية الأميركية (!!)ونتعهد بأن نلتزمَ بهذا الموقف، دون أن يعني ذلك أن نتغاضي عن جرائم وانتهاكات وتجاوزات النظام المعادي للإمبريالية والصهيونية على صعيد حقوق الإنسان والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية إذا وقع فيها، ولذلك لن نترددَ في إدانة النظام الفنزويلي أو النظام الإيراني، إذا مارس أَيٌّ منهما أيَّ سياسةٍ فيها اعتداء على هذه الحقوق، دون أن يعني ذلك تراجعنا عن دعمهما في مواجهة الإمبريالية الأميركية. وما يقال عن فنزويلا أو عن إيران في هذا الخصوص، يقال عن كلِّ مكان في العالم توجد فيه هذه الثنائية (!!)ومن يقف مع المعارضة البحرينية لأنها تملك حق المعارضة السلمية المشروعة، ومع الشعب البحريني لأنه يمتلك حق الاعتراض على حُكامِه، ونحن نفعل ذلك بلا أيِّ تحفظٍ أو تردُّدٍ، تقتضي بداهة الأمور أن يقفَ مع كلِّ معارضةٍ تمارس معارضتَها بشكل سلمي أخلاقي، ومع كلِّ شعبٍ يعارضُ حُكاَّمَه، من حيث حقُّ كليهما في ذلك، المعارضة والشعب، بصرف النظر عن الموقف من المشروع السياسي الذي تعارِضُ تلك المعارضة، أو الذي يعارض ذلك الشعب حُكامَه لأجل تجسيده، ومن ذلك المعارضة الإيرانية، والمعارضة السورية.. إلخ، والشعبٍ الإيراني والشعب السوري.. إلخ، بصرف النظر عن موقفنا من المشاريع السياسية التي تتم المعارضة على أساسها في إيران أو في سوريا.. إلخ (!!) مع تأكيدنا في هذا الشأن على أن الحالة السورية قد اتخذت أبعادا أخرى تداخلت فيها عديد العناصر منذ أن تَمَّتْ عسكرتُها، لتصبحَ محلا لكلِّ التجاذبات العالمية والإقليمية، ما يقتضي أخذَ تلك التجاذبات في الاعتبار عند محاولة فهم سيرورات الحدث السوري وطرائق التعاطي معه، دون أن يعني حكمنا عليها بهذا التوصيف أننا نقف ضد حقوق الشعب السوري في التخلص من النظام العسكري الفاسد المستبد الذي يحكمه ويضطهده ويقتله، مادامت إرادته تتجه إلى ذلك، ونحسبها قد اتجهت إليه منذ زمنٍ بعيد (!!)ونحن نتعهد بأن نقفَ مع حقِّ كلِّ الشعوب وهي تناضل لتحصيل كرامتها وحرياتها المستلبة، ولاستعادة ثرواتها وأوطانها وهوياتها المغتصبة، ومع حقِّ كلِّ معارضةٍ – حتى لو اختلفنا مع مشروعها السياسي في الكثير أو في القليل – في أن تعارضَ وتناضلَ بشكلٍ سلمي وأخلاقي دون أن يُخَوِّنَها أحد، أو أن يُصْدِرَ في حقها صكوكَ إدانة، لمجرد أن مشروعَها يلتقي في القليل أو في الكثير بشكلٍ عرضي مع مصالح جهاتٍ أجنبية لا تروق له. ونحن ننطلق في ذلك من حقيقةِ عدم وجود أيِّ مشروع سياسي كلُّه شَرٌّ بالنسبة لنا حتى عند خصومنا وأعدائنا، أو وجود مشروع سياسي كلُّه خير بالنسبة لنا حتى عند حلفائنا وأصدقائنا، ومن حتمية عدم وجود معارضة معنيَّة بتفصيلِ وتصميمِ مشروعٍ سياسي على مقاسِ حلفائها وأصدقائها، ويكون في الوقت ذاته على تناقض كاملٍ مع مقاسات أعدائها وخصومها، وإنما هي معنيَّة فقط بأن تفصلَّ وتُصَمِّمَ مشروعَها السياسي على مقاسات شعبها ووطنها وقضاياهما، وليلتقِ هذا المشروع بعد ذلك مع كائن من كان، فليست تلك بقضية، بل ربما أن التقاءَه مع أوسع قاعدة من البشر دولا وشعوبا ومنظمات وهيئات، قد يخدم القضية التي تتم المعارضة لأجلها، على ألا يخضعَ بناءُ المشروع وتصميمه وبشكل مسبق لأيِّ إرهاصات تقاربية مع أيٍّ كان، وإنما لإرهاصات المتطلبات الوطنية التي لا مانع بعد ذلك في أن يَتَأَتَّى تقاربُها وتماهيها مع هذا الطرف أو ذاك، في هذا المكان من العالم أو في ذاك (!!)دون أن يعني موقفنا المساند للمعارضة المشروعة أننا نتغاضى عن جرائم أو تجاوزات أيِّ معارضة وممثلي أيِّ شعب على صعيد موالاة الإمبريالية والصهيونية، أو أننا سنضطر إلى مهادنتها ومداهنتها ومغفرة خطاياها على هذا الصعيد، لمجرد أنها تطالب بحقوقٍ مشروعة في ذاتها على صعيد مواجهة الطغيان والفساد والاستبداد (!!)أما أن نقف مع إيران لأنها ضد أميركا وإسرائيل – ونتجنَّب هنا النقاش في التفاصيل التي قد تريد لفتَ انتباهنا إلى أن هذا العداء بينهما غير جَدِّيٍّ وغير إستراتيجي وغير مبدئي، فهذه ليست قضيتينا في الرؤية الإستراتيجية التي تتعامل في السياسة بمنطق المصالح والتحالفات القائمة على السياسة المنبثقة من قيم حقوق الإنسان بأوسع معانيها – لنتغاضى بعد ذلك عن مواقفها السلبية والمتراجعة من حقوق الإنسان، وعن مواقفها مما يعانيه الشعب الإيراني، أو أيُّ شعبٍ في أيِّ دولة من الدول المتحالفة معها، متجاهلين المعارضة والشعب في سوريا على سبيل المثال، لمجرد أن تلك المعارضات مرفوضة من إيران التي لا يُراد لنا أن ننظرَ إلا إلى وقوفها ضد أميركا وإسرائيل، ونغفر لها ما سوى ذلك من الخطايا بسبب هذا الموقف المعادي للإمبريالية وللصهيونية، فهذه ليست "سياسة" بل هي "وَساخَة" (!!)المواطن الفنزويلي الذي كان يعارض "هوغو شافيز"، والذي ما يزال يعارض خليفته "نيكولاس مادورو"، ليس جاسوسا ولا عميلا ولا خائنا، لمجرد أن مطالبَه تلتقي مع مصالح الولايات المتحدة في الإقليم الذي توجد فيه فنزويلا، إنما هو مواطن فنزويلي يتبنى مشروعا يختلف مع مشروع "شافيز" و"مادورو" ونظامهما، ونحن نعلن هذا الموقف من ذلك المعارض ونقرُّ به ونعترف، رغم أننا نتوافق تماما وإلى حدٍّ كبير في موقفنا من السياسة العامة لفنزويلا مع مشروع "شافيز" وخليفته "مادورو"، وليس مع مشروع معارضيه (!!)في بلادنا العربية وبالاستناد إلى رؤى بعض نُخَبِنا البائسة، سمعنا ونسمع بأن معارضي "شافيز" سابقا، ومعارضي "مادورو" حاليا، ليسوا أكثر من عملاء للإمبريالية، وجواسيس للمخابرات المركزية الأميركية، ومنفذين لأجندة تخصُّ الولايات المتحدة، وهو ما لم نسمعه لا من شافيز ولا من خليفته، فلو كان هؤلاء المعارضون الذين يحشدون وراءهم قطاعات واسعة من الشعب الفنزويلي عملاء وجواسيس كما تَدَّعي نخبُنا تلك، لكان شافيز وأنصاره وخلفاؤه أولى منا بالتعامل معهم على هذا الأساس، ولن نكون شافيزيين أكثر من شافيز، ولا فنزويليين أكثر من فنزويلا. إننا بهذه المواقف نجسِّد نوعا مزريا من أنواع التفكير السياسي (!!) والمواطن الأوكراني المعارض لسياساتِ الرئيس "فيكتور يانكوفيتش" وحكومته، ليس جاسوسا للولايات المتحدة أو عميلا لها، لمجرد أن مطالبَه تصبُّ في اتجاهِ الرغبة على التقيُد بالالتزامات الموجبة لقبول عضوية أوكرانيا في الاتحاد الأوربي، إذا كانت تلك الالتزامات قد تبدو قريبة – من وجهة نظرِ ماَّ – من السياسة العامة للولايات المتحدة تجاه أوكرانيا ومستقبلِها لجهة الضغط على روسيا أوربيا، حتى لو كنا نتعاطف مع من يرفضون الانضمام للاتحاد الأوربي، ونميل بسبب ذلك إلى سياسات الرئيس الأوكراني لاعتبارات تتعلق بسرورنا من كلِّ من يرفض أيَّ تقارب مع الولايات المتحدة ومن خلفها أوربا الرأسمالية (!!)كما أن معارضي حكومة الرئيسة الأوكرانية السابقة "يوليا تيموشينكو"، لم يكونوا أبطالا أو ثورا شرفاء ووطنيين عظماء لمجرد أنهم يريدون أن يَحولوا دون بلادهم وأن تدورَ في الفلك الأوربي، أو لأنهم يريدونها أن تدورَ بدل ذلك في الفلك الروسي، لاعتباراتٍ لا علاقة لها لا بالحرية ولا بالعدالة ولا بحقوق الإنسان ولا بمصالح الشعب الأوكراني، وإنما بمصالح روسيا الإقليمية في أوربا، بصرف النظر عن مردود ذلك على الشعب الأوكراني. كما أنهم لم يكتسبوا مشروعيتهم ولا هو أثبتوا عدالةَ قضيتهم التي كانوا يعارضون الرئيسة السابقة لأجلها من هذه النقطة بالذات، لا بل إنها نقطة حَرِيَّة بأن تكون مبررا لاتهامهم بالعمالة والولاء للأجنبي إن صحت، تماما مثلما يقال عمن يعارضون "يانكوفيتش" حاليا. إن مشروعيتهم وعدالة قضيتهم تَنْتُجان عن مدى ملاءمة مشروعهم السياسي لمطالب الشعب الأوكراني وطموحاته، وعن مدى تجسيده لإرادة الغالبية من هذا الشعب، حتى لو بدا أن كل ذلك لا يلائمنا نحن العرب الذين لنا قضايانا التي ليس بالضرورة أن تتطابق مع قضايا الشعب الأوكراني، ومع قضايا غيره من شعوب العالم، ولا مع مواقفهم من الولايات المتحدة ومن أوربا ومن الغرب عموما (!!)في بلادنا العربية – مرة أخرى – وبالاستناد إلى رؤى بعض نخبنا البائسة، سمعنا ونسمع بأن معارضي الرئيس الأوكراني الحالي ليسوا أكثر من عملاء وجواسيس للولايات المتحدة، وهم من ثمَّ مجرد أدواتٍ في يدها، وهو ما لم نسمعه من قادة أوكرانيا الحاليين وعلى رأسهم الرئيس نفسه بل وحليفه "بوتين"، رغم كلِّ بلطجة هذا الأخير في التعامل مع تلك المعارضة عندما طالب السلطة في "كييف" بسحقها بلا رحمة (!!) لكننا لم نكن نسمع من هذه النخب العربية البائسة عن معارضي الرئيسة "تيموشينكو" الذين جاءوا بالرئيس "يانكوفيتش" إلى سدة الرئاسة بعدها، بأنهم جواسيس لروسيا وعملاء لها، بل كانوا يوصفون في الخطاب السياسي لهؤلاء بأنهم منقذو أوكرانيا ومعيدو أمجادها، مع أن ارتباط تلك المعارضة بموسكو ارتباط تبعية كاملة، كان أكثر وضوحا من ارتباط المعارضة الحالية بواشنطون، ولاعتبارات تكاد تكون أقرب إلى ما يوصف عندنا بالقبلية والعشائرية والعصبية البغيضة، إذ أن معظم مساندي الرئيس الحالي، ومعارضي الرئيسة السابقة، كانوا من أصول عرقية روسية (!!) ولو كانت المعارضة الأوكرانية السابقة ومثلها الحالية هي معارضات تنطبق عليها توصيفات مُتَشَدِّقي النخب اليعربية الفاشلة التي لا تتورع عن اعتبار فشلها مركزا للكون يجب أن يدور معه العالم حيث دار، بسبب عجزها الفاضح عن ابتكار الحلول الخلاقة لقضايانا العربية، لكان الرئيس الأوكراني وحلفاؤه داخليا وخارجيا في الوقت الراهن، أولى بالتعامل مع معارضيه على هذا الأساس، ولن نكون "يانكوفيتشيين" ولا "قبليين روس" في أوكرانيا أكثر من "يانكوفيتش" وأتباعه أنفسهم (!!) إن تلك الفئة من نُخَبِنا السياسية بمثل هذه المواقف المثيرة للشفقة تعكس حالة جدُّ بائسة من تدني الوعي السياسي، وتنسى أو تتناسى أن "روسيا الاتحادية" اليوم ليست هي "الاتحاد السوفياتي" المعادي للإمبريالية بالأمس، بل هي نموذج روسي قيصري مُتَخَلِّف لا ميزة له سوى أنه يملك ترسانة نووية وعسكرية تقليدية تجعله دايناصورا مخيفا وقويا ومرعبا، ينافس الولايات المتحدة على موقف متقدم في مساحات النفوذ الإمبريالي العالمي، شبيه بذلك الذي كان حاصلا في أوربا بين ألمانيا من جهة والاستعمارين الفرنسي والبريطاني من جهة أخرى، فأدى إلى تدمير أوربا مرتين في حربين عالميتين أحرقتا أخضرها ويابسها (!!)إن الحكمَ على أيِّ معارضة سياسية سلمية تحشد قطاعا شعبيا واسعا، وتتخذ من الشارع أسلوبا لها تعبِّرُ فيه عن رؤيتها ومشروعها، في هذه الدولة أو في تلك، يجب أن يتحَرَّرَ ابتداءً من منطق التخوين والاتهام بالعمالة والولاء للأجنبي، ثم بعد ذلك يقاس مشروعها الذي تطرحه بمدى تجسيده لمطالب الشعب الذي تعارض لأجله، بمنتهى الموضوعية والعقلانية، ولا يجوز لذلك الحكم أن يستندَ إلى تحديد الجهة الخارجية التي تساند تلك المعارضة لجهة موقفنا السياسي منها، فإن كانت تساندها جهة نتماهى معها لأسباب سياسية تكتيكية أو إستراتيجية، فهي معارضة مشروعة ومقبولة ووطنية وشريفة، أما إن كانت تساندها جهة لا نتماهي معها، أو نعاديها لسبب أو لآخر، فإنها معارضة لا تضم سوى عملاء وجواسيس ودجالين ومنافقين وأفاقين (!!)ولا يحق لمن يتخذ مثل هذه المواقف أن يَدَّعي أنه يتحدث عن الحقوق وعن الأخلاق وعن الإنسانيات (!!)لأن الأجندة الإنسانية والأخلاقية لا تبدأ من نقطة العداء لأميركا أو الولاء لها، ولا من فكرة العداء لروسيا أو العداء لها، بل من حرية الإنسان، ومن حقوق الإنسان، ومن العدالة في واقع الإنسان، وهذه القيم لها تَجَلِّيات وتَجَسُّدات مجتمعية وسياسية واقتصادية واضحة ومعروفة لا يختلف عليها عقلاء علم الأخلاق والإنسانيات وفلاسفة العالم ومصلحوه (!!) ولأن معاداة الإمبريالية والصهيونية تُعَدُّ واحدة من أهمِّ مظاهر وتجليات حقوق الإنسان وحرياته وتجسيد العدالة في واقعه إقليميا وعالميا.. إلخ، زمانا ومكانا، فإننا نعاديهما عداء لا هوادة فيه (!!)وبالتالي فإن أيَّ عدو تفترضه تلك الأجندة الإنسانية الأخلاقية على صعيد تجلياتها السياسية والاقتصادية والمجتمعية.. إلخ، هو عدو لنا بلا تحفُّظٍ أو تردُّد (!!)أما أن ندعي أننا من أنصار تلك الأجندة الأخلاقية الإنسانية، ثم ننتقي من بين من تنطبق عليهم صفة أعداء الشعوب بمعاييرها الأخلاقية والإنسانية، من يروق لنا بناء على أجندتنا الخاصة في الولاءات والعداءات القُطْرِيَّة والفئوية والمصلحية، فهي "القماءة السياسية" و"الدناءة الأخلاقية" بعينها، بل هي أبشع أنواع "المتاجرة" بالقضايا السامية" (!!)فإذا كان من يَتَسَتَّر بحقوق الإنسان ويختبئُ خلفَها، ليُخَفِّفَ من وقع موالاته لأميركا وليمرِّرَ مشروعها الإمبراطوري الرأسمالي الصهيوني العالمي المتغوِّل، مُتَزَلِّفا ومنافقا ومشبوها (!!)فإن من يَتَسَتَّر بمعاداة الإمبريالية ويختبئُ وراءها، ليُخَفِّفَ من وقعِ طغيانه واستبداده واعتدائه على حقوق الإنسان وحرياته وتجسيد العدالة الاجتماعية في حياته، مُتَزَلِّف ومنافق ومشبوه، وهو فوق كلِّ ذلك مجرد بلطجي فكر، ومدعي أخلاق، ومرتزق أيديولوجيا (!!)