الموقف المطلوب من حماس...الآن وفورا
كتبه:سري سمّور

أولا وقبل طرح فكرتي،أشهد الله أنني أخط حروف كلماتي ولا طمع لي في شيء يخص شخصي، ولا تنتابني أي رغبة في التملق ولا المزايدة، ولا أسمح في المقابل بالمزايدة على شخصي لأنني لطالما سبب لي لساني وقلمي متاعب جمة...ولكن أخطها وأنا آمل أن تصل للمعنيين بها، ولا سبيل لأن يشكك أحد أيا كان في مدى حبي لشعبي الفلسطيني ووطني الذي كرمه الله قبل البشر بالقدسية، وأنا شخصيا أقسم بالله الذي طاف الحجيج ببيته، وأسرى بعبده منه إلى المسجد الأقصى أنني لا أرضى بقصر منيف على مرمى حجر من المسجد الأقصى محررا بدلا من ذرة تراب من قرية أم الشوف التي أخرجت العصابات الصهيونية أبي وجدي وأهلي منها!
إن كاتب هذه السطور الذي سيبلغ-إذا قدر الله- بعد بضع عشرات من الساعات عامه الأربعين قد حفظ في طفولته ومن أغنية فرقة العاشقين سيرة محمد جمجوم وفؤاد حجازي وعطا الزير، والتقطت أذناه قبل أن يتقن القراءة سيرة بطولة وشهادة عز الدين القسام وفرحان السعدي، وتشرّب قبل أن يبلغ الحلم رسائل حسن البنا ومعالم سيد قطب، وعاش مع فكر عبد الله عزام شبابه الأول، وشعر أنه(فلسطيني بلا هوية) مع صلاح خلف، وأحب الفكر الثوري لفتحي الشقاقي، وأحب أدب غسان كنفاني، وبكى على اغتيال خليل الوزير، وحزن وصعق لاغتيال يحيى عياش، وفرح -مع شعور بحجم الإجرام- لخاتمة أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي، واستشعر كارثة حصار وتسميم ياسر عرفات، وذهله اغتيال أحمد الجعبري، وكان لشهداء مخيم جنين جميعا مهما كان انتماؤهم في قلبه مكانة يعجز اليراع عن التعبير عنها، وأنا لا أطرح هنا مرافعة دفاع مسبقة عن شخصي بقدر استحضار حالة فلسطينية قد تكون عامة، يختلط فيها الدم بالبطولة بالخيبة بالرجاء بالأمل بالحزن بالفرح بكل ما لدى الإنسان من مشاعر وأهمها الشعور بتآمر وتواطؤ هذا العالم الظالم علينا كي نصبح خارج التاريخ والجغرافيا!
وأنا أستشعر لقاء ربي عاجلا أو آجلا، أو ما قد أحسه بأن ما قد يكون لي من سني العمر أقل مما قد رحل عني منها، أوجه هذه الكلمات للإخوة في قيادة حركة المقاومة الإسلامية-حماس في الوطن والخارج...وأرجو ممن لم يقرأ هذه المقدمة ألا يقرأ فكرتي أبدا، والموعد الله!
ثانيا:إن للشباب عنفوانا ممزوجا أحيانا باندفاع له ما هو نافع وله ما هو ضار،وأنا مررت بهذه المرحلة،وحدث أن انتقدت في فورة الشباب الشهيد الشيخ أحمد ياسين –رضوان الله عليه- لأنه حضر اجتماعات المجلس المركزي، وأقرّ أنني كنت غير مهذب في طريقة نقدي وتناولي للأمر، وأين أنا وكل أهلي من قدمي الشيخ المشلولتين؟وأتذكر أن أحد زملاء الدراسة السابقين والذي كان يدرس دراسات عليا في العلوم السياسية، قد بين لي أن موقف الشيخ في منتهى الحكمة والوطنية والتعقل،فعزيت دفاعه إلى خلفيته الفتحاوية...ومرت الأيام والسنون، وتبين لي أن الشيخ كان محقا، ولا أخاله قد اتخذ هذا الموقف منفردا عن زملائه، وإن خالفه بعضهم كما هي طبيعة الأشياء....وأذكر هذه الحادثة الآن لضرورتها، فالشيخ حين حضر اجتماعات المجلس المركزي لم تكن العلاقة الداخلية سمنا على عسل، ولكنه قدّر أن القضية الفلسطينية تمر بمنعطف يستوجب تكاتف الجميع، والعض على الجراح، والتعالي على خصومة الحركات والأشخاص، والتي له فيها خبرة وتجربة، وقد أدرك أن أبا عمار الآن أمام الحقيقة ومطلوب منه المواقف التي كان يتعامل مع ما دونها بما انتقده بسببها الشيخ الجليل، أو التمس له في قليل منها عذرا، ولكن ساعة الحقيقة كانت قد أزفت، وكان لا مناص من وقوفه داعما مساندا لخصمه السياسي وهو يراه يتمسك بما لا يمكن التنازل عنه من حقوق الشعب الفلسطيني، مع أن فكره السياسي يرى أن حقوقنا أكبر منها، ولكن الموقف التاريخي والوطني يتطلب طيّ ملف الخلاف والخصومة ولو مؤقتا...فعلى شيخنا الجليل أحمد الياسين الرحمة، وأسأل الله أن يغفر لي سوء فهمي الناجم عن طيش الشباب.
ثالثا:إن أبا مازن يتعرض اليوم لضغوط أكبر وأشد وأنكى من التي واجهها سلفه، وهو يدرك الآن أنه أيضا أمام لحظة الحقيقة والتاريخ، وأن هامش المناورة لم يعد موجودا، وهو يعلن رفضه لما يحمله كيري الأشد حرصا على نتنياهو من زوجته (سارة) لا سيما الاعتراف بيهودية الكيان، وهو مطلب بات محل إجماع كل قادة الكيان ولن يتزحزحوا عنه، فما المطلوب من قيادة حماس في هذه اللحظة التاريخية؟هل المطلوب مواصلة الهجوم السياسي والإعلامي؟وما فائدة ذلك؟وهل من الإسلام والأخلاق الوطنية أن يترك الرجل وحيدا في هذه المرحلة، وهذا الاختبار الأصعب في حياته؟جميل أن تقدم حماس بوادر نحو المصالحة، ولكن أقول الآن وليخالفني من يشاء أن المصالحة ليست القضية الأهم الآن وفي هذا الظرف الصعب، بل الأهم منها أن تخرج قيادة حماس في الداخل والخارج بموقف صريح معلن يتضمن ما يلي:-
1) إعلان دعم الرئيس محمود عباس في تمسكه بالثوابت الفلسطينية، وأن تحيي موقفه الرافض للاعتراف بيهودية الكيان، وبأنها ستكون له خير عون وسند ونصير لمواجهة ضغوط الأمريكان ومن يقف موقفهم عربيا كان أم أجنبيا، برغم الخلاف السياسي الذي لا يمكن إنكاره.
2) إعلان وقف الحملات الإعلامية المناوئة للرئيس عباس فورا واستبدالها بحملات تشجيع له على الصمود والتمسك برفض مقترحات كيري.
قد ترى حماس أن الهوة كبيرة، وألا مجال إلا بتمايز في الموقف، ولكن لا أطلب بل لن أرحب بتغيير حماس لفكرها وخروجها من جلدها؛ فالمطلوب دعم لأبي مازن في اختبار سياسي صعب، ستكون له تبعاته على حماس وفتح وعلى كل الشعب الفلسطيني.
إن فتح وهي تقترب من سنوات عمرها الخمسين، وحماس في عامها السادس والعشرين؛ لا تعيشان حالة ذهبية مريحة، وانتصارات باهرة، ولو اتبعتا أساليب المكابرة أو الإنكار، ففتح أمام ضغوط لم تعش مثلها في تاريخها، مع أزمتها التي يتحدث عنها بإسهاب العديد من قادتها ومثقفيها، وحماس محشورة في قطاع غزة، وباتت مهددة ليس فقط من نتنياهو بل من (مصر الجديدة)، ومهما كان ما تمتلكه من سلاح وصواريخ، فإنه سينفذ لأنها لن تستطيع إدخال غيره بعد إغلاق الأنفاق، فيما ستكون مخازن (تساهال) تفيض بما سيصب حمما فوق رأس حماس وأهل غزة، هذا غير عدم التكافؤ في القوة...ولعل حماس تدرك اليوم بأن أبا مازن هذه المرة هو طوق النجاة، فهذه المرة الأمر جد مختلف عن حرب الكوانين أو الفرقان(الرصاص المسكوب) في2008-2009، وعن حرب حجارة السجيل(عامود السحاب) في 2012 نظرا لوضع سورية ومصر وإيران...وإجمالا فإنه لا يجوز التعويل كثيرا على حالة المحيط العربي المتقلبة، لا من فتح ولا من حماس، فربما جربتا ذلك، ورأتا ألا تغير جذري على أرض فلسطين، ولتتركا الحلم والمراهنة على ما ستؤول إليه أوضاع الإقليم، فمعركة التغيير عربيا ليست قصيرة، ولا استقرار لأي طرف يلوح في الأفق!
وأقول بمنتهى الواقعية إن السياسة لا تعرف الحب، وأعلم أنه من رابع المستحيلات أن يكون ثمة محبة بين فتح وحماس،حتى لو تصالحتا،ولكن الوطن والأرض والشعب هو المحبوب بل المعشوق،الذي سالت دون تحرره دماء الحمساوي والفتحاوي والجبهاوي والمواطن المستقل، وغصت السجون الصهيونية بالمعتقلين لذات الهدف، ومن أجله انطلقت فتح وحماس والجهاد والجبهات،فالأساس أن يتجمع الكل حبا لهذا الوطن،وأن يقف الجميع في مواجهة من يريد حتى حرماننا من قليل منه، وأعني جون كيري.
لقد تم إطلاق سراح النائب الشيخ حسن يوسف وهو رجل له مواقفه الوطنية والوحدوية التي يعرفها القاصي والداني، وآمل منه بالتزامن مع زملائه في الضفة وغزة والخارج الخروج بمؤتمر صحافي يعلن دعما ومساندة للرئيس محمود عباس لموقفه الرافض لقبول الخطط والمقترحات التي تمس بالثوابت المتفق عليها فلسطينيا،وليتضمن المؤتمر العتيد ما يشير إلى رفض فكرة التفاوض من الأساس،فهذا شيء معروف.
وليعلموا أنهم بذلك يوجهون صفعة لنتنياهو قد توازي قصف تل أبيب، وتجعله يستشعر أن الفلسطينيين وإن اختلفوا واقتتلوا وقتلوا بعضهم وسره ذلك يوما، فإنهم يتوحدون على أهداف في وقت حسب أن وحدتهم دونها خرط القتاد!
وأخيرا وليس آخرا:إن حضور الشيخ الشهيد أحمد ياسين اجتماعات المجلس المركزي لم يكن علامة تخليه لا عن فكر الإخوان المسلمين، ولا خروجا عن ميثاق حماس،ولا موقف الحركة المعروف المعلن الذي يعلمه الصغير والكبير من المفاوضات وأوسلو، ولكنه كان موقفا يعبر عن حكمة كبيرة، وعن تقديم مصلحة الوطن والقضية على أي أمر آخر، ويعطي لبقية إخوانه درسا في أنه حين يكون هناك موقف تاريخي وضغط صهيو-أمريكي على الخصم المختلف معه أو حتى عليه، فالأولى والأصوب والضروري هو عدم تركه وحيدا، بل إسناده ودعمه، بغض النظر عن التفسير والقراءة السياسية والأيديولوجيا، وبغض النظر عن تجربة معينة في فترة أو فترات سابقة...هذا وإلا فإن قضيتنا ذاهبة إلى ما لن يسر فتح ولا حماس ولا بقية أبناء شعبنا!
وأسأل الله تعالى أن يقرأ الإخوة في قيادة حماس هذه الكلمات،وان يستمعوا لا لنصيحة بل لتحذير من عدوان سياسي كبير يراد تمرير نتائجه في ظل حالة صعبة يعيشها الشعب الفلسطيني،من إنسان يعتز بإسلامه وعروبته وتسكن فلسطين من نهرها إلى بحرها سويداء قلبه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الإثنين 19 ربيع الأول 1435هـ ،20/1/2014م

من قلم:سري عبد الفتاح سمّور(أبو نصر الدين)-جنين-أم الشوف/حيفا-فلسطين