قال لي في حوار مباشر: كيف تقبلون أن يكون الرسول لم يذكر اسم خليفته بالنص عليه؟ ولو كان لديك عقار أو غنمة أو دجاجة وأردت السفر فإنك لا بد أن توصي بها وتعين عليها وكيلاً أو حفيظاً؟؟ فكيف يتصور أن النبي الكريم لم ينص بصراحة على خليفته من بعده؟ قلت له: إن النبي لم يترك وراءه غنما ًولا دجاجاً، وإنما ترك أمة راشدة واعية قيادها العقل والبرهان، ولهذا السبب فقد كانت وصيته لهم هي الشورى وأمرهم شورى بينهم، ومن خلال الشورى يمكنهم أن يصلوا إلى الأصلح والأنفع لشؤونهم وأحوالهم في الحاضر والمستقبل، وهذا بالضبط ما كان.
أما شكل هذه الشورى فهو أيضاً لم يتحدد بنصوص سماوية وإنما تحدد بمصالح المسلمين الكبرى فالملاحظ أن أبا بكر رضي الله عنه تولى الخلافة ببيعة من أهل الحل والعقد، جماعة الشورى في سقيفة بني ساعدةبايعه الناس فيما بعد، أما عمر فقد وليها بالنص الصريخ من أبي بكر، ثم بايعه الناس، وأما عثمان فقد وليها بالشورى بين الستة من العشرة المبشرين الذين عهد إليهم عمر بن الخطاب بذلك، ثم بايعه الناس، أما علي رضي الله عنه فقد وليها في ظروف مختلفة وبايعه الثائرون في ظروف أشبه بحالة الطوارئ ثم بايعه الناس فيما بعد، فهذه أربعة أنماط من البيعة تختلف فيما بينها اختلافاً واضحاً وهي ترسم أفق الاختيار للأمة فيما فيه رشدهم ومصالحهم، وتمنح الأمة هامشاً واسعاً من الاختيار فيما يتناسب مع ظروفهم وأحوالهم.
لا يوجد نمط واحد في الحكم يمكن القول انه اسلامي... وما سواه غير اسلامي... بل كل نمط جاء بالعدل والشورى والمساواة فهو الاسلام الذي يرتضيه الله.
إن الله أرسل النبي الكريم ليخرج الناس من ضباب الخوارق إلى ضياء السنن
إن النبي الكريم قاد كفاحه في الأرض ليحرر الإنسان من التبعية العمياء إلى الإرادة الحرة، كان الإنسان من قبل إذا أراد البيع أو الشراء أو الطبخ أو النفخ يحتاج إلى من يأمره وينهاه، وفي قصة بني إسرائيل لجأ القوم إلى الأنبياء من أجل معرفة لون البقرة ومن أحل معرفة عمر البقرة وصفات البقرة!! وهو يعكس لك صورة شعب اتكالي كسول خامل لا يملك من زمام المبادرة من شيء، ويحتاج دوماً إلى إرشاد من السماء في أمر طعامه وشرابه ومبيته ومنامه ومقامه!! أما جوهر الرسالة في الإسلام فلم يكن كذلك على الإطلاق إنه دعوة للعقل أن يتفتح وللروح أن تنطلق، ألم نجعل له عينين ولساناً وشفتين وهديناه النجدين؟؟ ......