الرئيس مرسي والأمريكيون

بروفيسور عبد الستار قاسم

31/تموز/2012

لا يكاد أمريكي يدير ظهره مغادرا القاهرة حتى يطل عليها أمريكي آخر. من كلينتون إلى بيرنز، إلى كلينتون ثانية ومن ثم بانيتا. هذا مفهوم لأن أمريكا تريد أن تطمئن إلى بقاء مصر ضمن التحالف العربي-الإسرائيلي-الأمريكي، وأن تبقى مصر فلكا يطوف حول "المقدس" الأمريكي، ومحافظة على اتفاقية "كامب ديفيد"، أو مستمرة في القيام بالتزاماتها الأمنية تجاه إسرائيل.



لكن من غير المفهوم أن يفتح الرئيس المصري الجديد أبوابه للزوار الأمريكيين ويجتمع معهم، وهم دون المقام. هو رئيس جمهورية منتخب وهم وزراء غير منتخبين. وقد سبق أن لبى الرئيس استدعاء سعوديا مع علمه أن السعودية تمثل رأس الجوقة العربية الخادمة للولايات المتحدة وإسرائيل.



ليس من الحكمة تعجّل الأمور، والضغط على الرئيس المصري الجديد باتخاذ خطوات تخص السياسة الخارجية حتى لا يصطف أعداء الأمة في وجهه وهو ما يزال في بداية عهده الرئاسي. من الضروري أن يحصل الرئيس على الوقت الكافي لترتيب أوضاع بيته وليمضي بالشؤون الداخلية نحو الاستقرار. ليس مطلوبا من الرئيس مرسي أن يمزق اتفاقية كامب ديفيد الآن، ولا أن يحشد قواته في سيناء دعما لغزة؛ وليس مطلوبا منه أن يطلق التصريحات الرنانة ضد الولايات المتحدة ويصعد العداء معها، لكن في نفس الوقت عليه أن يظهر حنكة سياسية وأن يصنع صورة مهيبة له ولمصر. هذه "الرخاوة" السياسية ليست مطلوبة، وهي تسيء لمصر ولثورتها وقيادتها. مطلوب من الرئيس أن يحترم موقعه، وأن يعزز مكانة مصر، وألا يترك نفسه موضوعا يتناوب عليه المسؤولون الأمريكيون.



نحن لا نعادي شعب الولايات المتحدة الأمريكية، لكن إداراتهم المتعاقبة تصر على معاداة العرب والمصريين واحتقارهم وشراء شواربهم (سنباتهم) بالمال ليبقوا تحت الحذاء. أمريكا تدعم إسرائيل بكل ما أوتيت من قوة، وهي التي قدمت لإسرائيل أحدث أنواع القنابل عام 1973 لضرب منظومة الدفاع الجوي المصري، ولإلحاق الهزيمة بالجيش المصري. وهي التي تمعن في استعباد العرب واسترقاقهم ونهب ثرواتهم، الخ. وأمريكا هي التي تدعم الاستبداديين العرب الذين يذيقون المواطن العربي سوء العذاب، وهي التي تدعم الفتن بين الناس، بين السنة والشيعة، وبين إيران والعرب، وبين الأتراك والعرب، وبين الدول العربية ذاتها. أمريكا شر مستطر، لا ينال العرب منها سوى الدمار والخراب والفساد ونزيف الدماء. هي تقدم أموالا لزباينتها وعملائها في عدد من الدول العربية مثل مصر مبارك والأردن والسلطة الفلسطينية ، لكنها تدمر بسياساتها كل جهود التنمية الحقيقية حتى لا يقف العربي على أقدامه.



ولهذا لا بد أن الرئيس مرسي يدرك تماما أن الحكم على سياسة نظام عربي ينبع أولا من قربه من أمريكا أو ابتعاده عنها، ومن موقفه من الكيان الصهيوني. وإذا كانت أبواب مصر ستبقى مفتوحة أمام الأمريكيين فإن الشارع المصري الذي هب دفاعا عن كرامته قد اكتسب ما يكفي من الخبرة. ولن تخذل النخب العربية مصر في اللاحق كما لم تخذلها في السابق.