المعادلة التي يلعبها النظام الأردني بأداته الإقليمية في الطرفين "الأردني" و"الفلسطيني"، والتي لا يفهمها الكثيرون مع الأسف، هي التالية:
على الأردني من أصل فلسطيني باعتباره بقرة حلوبا أساسية للثروة السائبة التي يرتع فيها الفاسدون من كومبرادور وبيروقراط مُفْقِرين الشعب كلَّه بلا استثناء، أن يبقى متعلقا بوهمٍ لن يتحقَّق، وهو "الدولة الفلسطينية" غرب النهر، كي لا يلتفت إلى "شيخ القبيلة" و"مختار الحارة الكبير" و"جوقة اللصوص" من حوله وهم يسرقون وينهبون ويخربون بلدا يُراد له أن لا ينتمي إليه، كي لا يهتم بتخريبه، مادام الكلُّ يُقنعه بأنه مقيم فيه بشكل مؤقت بات انتهاؤه قريبا وغدت مغادرته له وشيكة، وكي يَضْعُفَ شقيقُه الآخر وهو يحاول إصلاحه وإنقاذه من التخريب والدمار اللذين ينحدر نحوهما (!!)
ولكي تبقى هذه المعادلة الشيطانية قائمة وحاكمة ومحقِّقَة للغرض منها، وهو استمرار نهج التبعية والوظيفية والفساد والاستبداد، وإفشال كلِّ محاولات أيِّ حراك مطالب بالإصلاح والتغيير، يجب أن يتمَّ التعامل مع مشروع "الهوية الفلسطينية الوهم"، و"مشروع الدولة الفلسطينية الفاشل"، بمنطق "شعرة معاوية"، الذي يعني في هذا السياق، أن يتمَّ تفعيلهما "مشروع الهوية" و"مشروع الدولة"، وإحياؤها بالجعجعة والصراخ والعويل، كلما قاربا على الموت، وكلما أصبح النظام مهدَّدا باندفاع الأردنيين من أصل فلسطيني إلى البدء في البحث عن رهانٍ آخر هو رهان الانتماء الكامل للوطن الأردني، بدءا باعتبار الضفة الغربية أرضا أردنية يجب تحريرها، ومرورا بالاندماج المتفاعل على نحوٍ شامل في حراك التغيير والإصلاح في البلاد، ما يُهَدِّد النظام الوظيفي الفاسد بشكلٍ جدي، ويرفد الشقيق الآخر الذي ما يزال يلعب في الساحة وحيدا مع الأسف، بسبب نجاح النظام في تمرير معادلته الشيطانية هذه (!!)
في حين أنه عندما تشرئبُّ أعناق الأردنيين من أصل فلسطيني نحو الغرب حيث الأمل الذي يكون قد بدأ يناغش أوهامَهم بسبب شعرة معاوية تلك، وكي لا يبالغوا في أوهامهم وأحلامهم، تبدأ الشعرة بالارتخاء، لتقلَّ سقوفُ التوقعات من جديد، وتسترخي القضية إلى أجلٍ تحدِّدُه مخاطر انعكاساته على الداخل الأردني، ليُعادَ شدُّ الشعرة من جديد عندما يُرى أن هؤلاء بدأوا يعودون من جديد إلى حقيقة أردنيتهم وما تمليه عليهم من مسؤوليات وطنية (!!)
وخلال اللعب بهذه المعادلة بمنطق شعرة معاوية، يتحرك الإقليميون من الطرفين بمنتهى الرعونة والحماقة والغباء، للتجاوب عن وعي أو عن غير وعي مع ما يُراد للشعرة أن تحقِّقَه في سيرورة الهويتين والقضيتين وهما تتبادلان مواقع الاهتمام في "لعبة اللوغو" التي يمارسها النظامان الوظيفيان الفاسدان في "عمان" و"رام الله" (!!)
وبالتالي ولكي يفشلَ الإصلاح في الأردن يدفعون بالأردنيين من أصل فلسطيني إلى التَّشَبُّث بوهمٍ "الفلسطينية" التي سيشاع أنها اقتربت، على حساب اندماجهم الكامل في مواطنتهم الأردنية وما تقتضيه من حراك فاعل باتجاه التغيير والإصلاح الداخليين (!!)
وعندما يصبحون ملزمين بالتجاوب مع متطلبات التشبُّث الذي دُفِعَ إليه هؤلاء بأوهامهم، يتمُّ الغزلُ على الناعم من جديد لدفعهم بلطفٍ نحو الأردن والإصلاح فيه ليخففوا الضغط عن الجبهة الغربية، ريثما تستدعي اللعب عليها من جديد مستويات العودة نحو الشرق (!!)
وبالتالي فكلما انتشرت في الأفق خرافات تتعلق بحدَّةٍ في المواقف تجاه الحقوق الفلسطينية في الدولة والهوية، كلما رافق ذلك انتشار في الحديث عن الأساطير المتعلقة بالتوطين والوطن البديل في الأردن، ليتكشَّفَ كلُّ ذلك عن مشاريع مشبوهة لإعادة ترتيب الأوضاع في الأردن باتجاه لا إصلاحي ومقاوم للحراك الشعبي الداعي للإصلاح والتغيير (!!)
فيما يغدو من السهل الانتباه إلى عُلُوِّ نغمة النظام المغَرِّدَة باتجاه المواطنة والوطن الواحد والإصلاح الوهم.. إلخ، كلما كان الوضع يتطلب إعادة سحب الأعين التي راحت تتطلع غربا لتتطلع شرقا من جديد (!!)
وهكذا دواليك تستمر اللعبة إلى أن ينتبه الجميع إلى الخدعة التي وقعوا فيها ويرفضون هذه اللعبة ويقررون أن الأردن وطنهم ويجب أن يصلحوه ويغيروا نهجه السياسي، لأن هذا وحده هو الطريق الصحيح إلى تحرير أرضهم المحتلة (!!)
أما قبل أن يفكروا على هذا النحو، فليضيِّعوا وقتهم وعمرهم في الهراء الفارغ كما شاءوا، ولا يلومُنَّ إلا أنفسَهم (!!)