لن أقول "في نعي لغة الضاد"!
لن أقول ذلك لأن هذه اللغة الشريفة محفوظة بحفظ الله سبحانه وتعالى لكتابه الكريم .. لكن اللغة المحفوظة لا تعامل بما تستحق من قبل أهلها .. وذلك في الغالب نتيجة لضعف الأمة .. وانبهارها بلغة (الغالب) أو لغة الحضارة المسيطرة .. وتلك – فيما يبدو – سنة كونية .. عندما كانت الحضارة الإسلامية ممسكة بزمام الأمور .. وجدنا من الغربيين من يشتكي مر الشكوى من انصراف بني جلدته - من المثقفين - لتعلم اللغة العربية .. ربما يكون الفرق في أننا ابتلينا باهتمام العامة أيضا بلغة القوم .. أتذكر قول أحد الأطباء العرب أنه حضر مؤتمرا في إحدى الدول الغربية،وفي حوار جانبي عرف منه أحد الغربيين أننا نعلم الطب بغير اللغة العربية .. فسأل عن اللغة التي نكتب بها الشعر .. وحين جاءه الرد بأنها اللغة العربية قال :كيف تحلمون بلغة .. وتفكرون بلغة أخرى؟يبدو أنني لن أكتفي بهذه المقدمة الطويلة – في زمن تحول فيه "القارئ"إلى"متصفح" – بل سوف أّذكر بمقولة لا أعرف صدقها من عدمه .. أعني قولهم أن مجمع اللغلة العربية عرب (ساندوتش) بـ الشاطر والمشطور وبينهما الكامخ!!! في كل الأحوال هذه الكُليمة ستكون عبارة عن شاطر ومشطور وبينهما كامخ :الشاطر : نص قرأته قبل ما يدنو من عقدين .. للدكتور "سويف"،ومما جاء في مقالته،وهو ينعي لنا الجودة : (في مجال لطباعة والنشر،حدث ولا حرج عن أنواع منوعة من الأخطاء والعيوب،بدءا بالأخطاء المطبعية التي تصل في كثافتها أحيانا إلى أن تطمس معنى النص،ثم تأتي عيوب الإخراج التي قد تتجلى في انعدام التماثل بين مساحات الهوامش في الصفحات المتتالية،أو في اعوجاج جنبات النص المطبوع وعدم موازنتها لحدود الصفحة التي تحتوي على النص. ثم تأتي الأخطاء اللغوية من جانب الكتاب والمؤلفين فيما هو من أوليات قواعد اللغة العربية،ثم ركاكة التركيب التي تشوه المعاني المقصودة أو تخفيها بدلا من أن تساعد في الإيضاح عنها،وقد أصبحت هذه الأخطاء والعيوب في الطباعة و النشر،في الكتب وفي الصحف،أمرا معتادا لدرجة أن الأصوات المعترضة عليها أخذت تخفت وتتراجع وكأنها هي التي يجب عليها أن تتحرج فيما تفعل){ مقالة "أعمالنا بين التجويد والإرداء" بقلم الدكتور مصطفى سويف / مجلة الهلال القاهرية / نوفمبر / 1994م.}. قبل الكامخ : هل لي ان أسال هن (الإرداء) هذه؟أما الكامخ فهو كُليمة كتبتها تحت عنوان (عظم الله أجركم في التاء المربوطة!) وهذا نصها :أتذكر ملاحظة ” غرد” بها الدكتور عبد الله الغذامي مفادها أن معظم من يكتبون في “تويتر”يكتبون باللغة العربية الفصحى .. بدت لي الملاحظة في وقتها دقيقة – وهي كذلك قطعا – ثم تبين لي أن ملاحظة الدكتور بصورة من الصور مرتبطة بالشريحة التي تتابعه ويتابعها .. وفي المقابل تستعمل اللهجات العامية عند كثير من “المغردين”.ليس استعمال العامية هو الذي دفعني للكتابة .. بل قضية أخرى .. فقد رأيت أن أنتصر للمظلومة (التاء المربوطة)!! عبر متابعتي رأيت ظلما بينا لهذه التاء المسكينة .. فقد استبدلها كثيرون بـ(ه) .. لا يقتصر الظلم على (تويتر) بل يمتد إلى (المصحح الآلي ) في الحواسيب .. بل إن ذلك المصحح قد يخطئك و أنت على صواب .. مثلا كتبتُ (تحلية) فوضع تحتها خطا أحمر .. أما الصواب عنده فهو (تحليه)!!!أخطاء المصحح الآلي لا تتوقف عند التاء المربوطة .. بل تتخطاها .. مثلا (ألاعتبار) .. (ألإشارة) .. (ألقمة) .. إلخ.لكي لا نظلم (تويتر) .. قرأت سنة 2009م كتاب الدكتور جلال أمين (ماذا علمتني الحياة : سيرة ذاتية) .. ثم قمتُ بسياحة في الكتاب جاءت تحت عنوان (الحياة ماذا علمت الدكتور جلال أمين؟) .. ومما كتبتُ : ( إن أول ما يلفت نظري في الكتب – الحديثة تحديدا- كثرة الأخطاء المطبعية،وفي هذا الكتاب تحديدا ما إن بدأت تتبع تلك الأخطاء حتى وجدت تكرارا عجيبا لأحد أكثر الأخطاء المطبعية شيوعا – كما ظهر لي من تتبع الأخطاء – منذ أن انتشرت الحاسبات الآلية،أعني وضع (ى) الألف المقصورة بدلا من (ي) – الخطأ الثاني لمن يهمه الأمر هو وضع (ه) بدلا من (ة) – في صفحة واحدة،و هي الصفحة 14 وجدت ذلك الخطأ يتكرر 14 مرة في عشرة أسطر تقريبا!!!)نعود إلى (تويتر) والتاء المربوطة التي تكاد أن تنقرض .. لولا لطف الله .. بحثت بسرعة في الأسماء فوجدت التالي :رقيه – بالهاء – عددت حتى الخمسينفاطمه – بالهاء – عددت حتى الخمسينساره – بالهاء – عددت حتى الخمسينأما استعمال لغة (الإتش) في (تويتر) فحدث عنها أو بها ولا حرج .. وأم المصائب .. وجدتها .. أن الأمر امتد حتى وصل لطلبة العلم أو الشيوخ .. ففي تغريداتهم سوف تقرأ سيلا من (رتويت) و بدرجة أقل : (منشن) و (بلوك) .وحتى ما تم تعريبه مثل (هاش تاق) والذي عرب بـ(وسم) .. قلة يستعملون اللفظة المعربة!!فإلى الله المشتكى : هذه أيضا نبهني المصحح الآلي أنني كتبتها خطأ وأن الصواب “المشتكي”!! تلويحة الوداع : قرأت هذه “التغريدة” وأمثالها كثير .. حيث تتلاقح الحضارات عبر تلاقح اللغات !! (طب اللي عنده اكوت على تويتر يدوس لايك) وهذا هو المشطور : جاء في مقدمة شرح البرقوقي لديوان المتنبي :("أما بعد" فلما أمضيت النية – سنة 1349هـ - سنة 1930م – على أن أضع شرحا على ديوان أبي الطيب المتنبي،وأخذت في معالجة هذا العمل – وكان الناشر إذ ذاك يحفزني حفزا،ولا يكاد يبلعني ريقي،وكان يتناول مني "أصول"هذا الشرح دِراكا"أولا بأول"ويقدمه إلى المطبعة نيئا لم تنضجه نار التثبت والروية،وأخيرا تمثل بالطبع ولم يمض على وضعه وطبعه أكثر من عشرة أشهر – لمّا حدث هذا طفقت أقلب النظر في الشرح بدا لي ما يسوء ويُكمد،ويحز في الكبد،من أخطاء مطبعية ..){ص 17 ( شرح ديوان المتنبي : "مقدمة الطبعة الثانية" ) / عبد الرحمن البرقوقي / بيروت / دار الكتاب العربي / 1400هـ = 1980 }.ماذا سيقول الرجل لو رأى طبعة سنة 1400 وفي صفحة واحدة منها : 7 مواضع كتبت فيها الياء (ي) ألفا مقصورة (ى)تزودك : محيت التاءخلب الكبد : حلب الكبدبجد : يجدوبعد .. بما أنني لا أميل إلى التشاؤم .. فسأذكر ببعض أمجاد هذه اللغة الشريفة .. أقال الله عثرتها :من الباحثين الغربيين الذين تعلموا اللغة العربية : ( رامون مارتي و أرنولد دوفيللانوفا و راموند لول والقس بطرس باسكال من بلنسية (..) والإيطالي ريكولدو دي مونت كروتسي. وروجر بيكون الإنجليزي. فروجر بيكون 1214 – 1294م كان يتقن العربية وله آثار كثيرة معروفة كفيلسوف وداعية لتبني علوم المسلمين ونشرها في أوربا،وهو لم يتردد في القول : "الفلسفة إنما هي أرومة عربية .. لذلك فإن اللاتيني لا يستطيع أن يكون على وقوف {هكذا} بالكتب المقدسة ولا على الفلسفة إلا إذا عرف اللغة العربية التي نقلت عنها" ..) {ص 186(رحلة الكتاب العربي إلى ديار الغرب فكرا ومادة)،للدكتور محمد ماهر حمادة / مؤسسة الرسالة / الطبعة الأولى/ 1412هـ / 1992م}.وفي نفس الكتاب حديث عن تأسيس بعض "كراسي" اللغة العربية في الغرب :(بينما كان مؤسس أول كرسي للعربية في كمبردج سنة 1632م رجلا علمانيا هو السير توماس آدمز،كان مؤسسة الكرسي المنافس له في أكسفورد سنة 1636م هو رئيس الأساقفة لو نفسه (..) ولقد أسست جامعة لندن سنة 1828م كرسيا للغة العربية.(..). وفي فرنسا : (اهتم الملك فرنسوا الأول بالموضوع فأسس معهد فرنسا (الكوليج دوفرانس) سنة 1530م وأعد فيه كرسيين للعبرية واليونانية،وأضاف الملك هنري الثالث كرسيا للعربية سنة 1587م. وكلف الملك لويس الثالث عشر جبرائيل الصهيوني بتنظيم كرسي اللغة العربية فيه وقلده الأستاذية ).أما في روسيا فقد :( أدخل تعليم اللغة العربية في مناهج بعض المدارس الثانوية العامة ابتداء من منتصف القرن الثامن عشر.) وفي هولندا : (اهتمت جامعة ليدن بالاستشراق من عهد مبكر من إنشائها. فقد أنشئت سنة 1575م. وأسس أول كرسي لتدريس العربية فيها سنة 1613م.){ ص 239}.والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي المدني