من الناحية الاقتصادية يعتبر الأردن “شبه دولة”، وحكامه يتعاملون معه باعتباره “لقطة بلا صاحب” (!!) بقلم اسامة عكنان

| 2013/09/
من الناحية الاقتصادية يعتبر الأردن "شبه دولة"، وحكامه يتعاملون معه باعتباره "لقطة بلا صاحب" (!!)
الكذب أداة النظام، والتضليل أسلوبه، والنهب غايته، والانزلاق إلى الهاوية هي النتيجة المحتَّمَة (!!)
أسامة عكنان1 – فوضى الأرقام والمؤشرات الحكومية وحالة التخبط والتضليلإن هناك حالة من الفوضى والتخبط في المؤشرات الإحصائية التي تعرضها المصادر الرسمية الحكومية إلى درجة التناقض الصارخ الذي يصعب معه الاعتماد على منطق التقريب وإهمال الفروقات بين تلك المؤشرات. ومع أن ظاهرة التخبط هذه تطال معظم المؤشرات الإحصائية التي اطلعنا عليها، وقد مر معنا جزء من هذا التخبط في مقال سابق عندما تحدثنا عن الموازنة العامة للدولة بوصفها أحد أهم مرتكزات الفساد في النظام، فإننا سنكتفي في هذا السياق بعرض نموذج واحد منها لإعطاء فكرة عن حجم التضليل في مسألة الإحصائيات والمؤشرات الرقمية الرسمية، وهو النموذج المتعلق بالعمالة والقوة العاملة والبطالة. يُقَدَّر عدد أفراد القوة العاملة في الأردن بناء على أحد المؤشرات الرقمية الرسمية بـ "1,71" مليون فرد، أي بما نسبته "26%" من إجمالي عدد السكان، وهذا المؤشر هو أعلى مؤشر ورد في المصادر الحكومية التي اطلعنا عليها. فإذا علمنا أن فئة العاملين في أيِّ مجتمع – في العادة وفي الأوضاع الطبيعية – تتكون من أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين "22" و"60" سنة، وذلك بعد استثناء جميع من يكونون على مقاعد الدراسة بما فيها الجامعية، وإذا علمنا أن نسبة من تزيد أعمارهم عن "60" سنة من الأردنيين هي "5%"، وهي فئة لا تعمل في العادة بسبب دخولها سن التقاعد، وأن نسبة من تقل أعمارهم عن "22" سنة هي "55%" من إجمالي تعداد الأردنيين بناء على إحصائيات رسمية، فهذا يعني أن نسبة من ينتمون إلى الفئة العمرية للعاملين هي "40%". ولأن المؤشرات الحكومية الرسمية لم تعترف سوى بـ "26%" من إجمالي تعداد الأردنيين كقوة عاملة، فإننا نتساءل عن الـ "14%" المستثنيين من الحساب، على أيِّ أساسٍ وبالاستناد إلى أيِّ معيار تم استثناؤهم (؟!) لا بل إن تساؤلَنا يصبح مُلحا، إذا علمنا أن بعض المؤشرات الرسمية الأردنية تَعتَبر أن كلَّ من تجاوز سنه الـ "15" سنة هو من القوة العاملة، أي أن ما نسبتهم "21%" – يمثلون أولئك الذين تتراوح أعمارهم من "15" إلى "22" سنة كما دلت على ذلك المصادر الرسمية – سيضافون إلى الـ "14%" الذين تساءلنا عن سبب عدم احتسابهم، ليصبح مجموع من لم يُحْتَسبوا في تلك المؤشرات الرقمية المتاحة بين أيدينا، هو "35%" من عدد السكان، يجب أن يضافوا إلى القوة العاملة المشار إليها في الإحصائية الأولى، لتصل تلك القوة إلى "61%" بناء على هذه المؤشرات.ولكن مع الأسف تفاجئنا مؤشرات إحصائية رسمية أخرى لتؤكد لنا على أن عدد العاملين في منشآت القطاعين العام والخاص في الأردن، بلغ "916.404" عاملا في عام 2008، وذلك وفقاً لبياناتِ مسحِ العمالة والبطالة الذي نفذته دائرة الاحصاءات العامة عام 2009. وهذا الرقم يختلف بفارق مهول عن الرقم السابق، حيث أن القوة العاملة فعلا وغير المتعطلة من بين إجمالي قوة العمل التي قدرتها الإحصائية الأولى، يزيد عن نظيرتها الواردة في هذه الإحصائية بـ "560000" فرد، هذا إذا افترضنا صحة المؤشرات الرسمية المتعلقة بالبطالة، أو ما يطلق عليه "القوى العاملة المُعَطَّلَة" والتي قدرتها إحدى الإحصائيات الرسمية بـ "234000" شخص. كما أنه وفقا لتقديرات المركز الوطني لتنمية الموارد البشرية, بلغ عدد المشتغلين الأردنيين "1.220.521" عاملاً, وعدد المتعطلين "180.284" متعطلاً, أي أن مجموع قوة العمل من السكان الأردنيين ممن أعمارهم 15 سنة فأكثر، قد بلغ حوالي "1.400.805" فردا. وهذه الأرقام بدورها تتعارض بشكل صارخ مع الأرقام الواردة في المؤشرين السابقين، وكلها مع الأسف مؤشرات رسمية. فعدد العاملين فعليا في هذا الرقم الأخير يزيد بـ "310000" عن أحد الرقمين، فيما ينقص عن الآخر بـ "260000"، ليكون إجمالي تعداد القوىة العاملة في الأردن بناء على الإحصائية الأخيرة في حال أضفنا إلى العاملين فعلا أولئك العاطلين، أقل من الرقم الأول بحوالي "300000" فرد.
فأيُّ الأرقام هو الصحيح (؟!) وعلى أيِّ الأرقام بوسعنا أن نعتمد في إجراء أيِّ دراسة (؟!)

2 – مؤشرات رقمية أردنية مستقاة من مصادر حكومية رسمية "إحصاءات عامة، وزارة مالية، بنك مركزي".. إلخ.
إن هذا التخبط الذي يرقى إلى مستوى التضليل يجعل كافة المُخرجات الحكومية بهذا الشأن محلَّ شك. ومع ذلك فإننا سنعتمد في وضعنا للحلول المقترحة لاحقا على المؤشرات الرقمية الأسوأ، أي على تلك التي تدل على أقسى الحالات، جاعلة الحل المُفترض محاطا بالصعوبات والمشكلات، كي لا يُقال أننا نهمل المُكَوِّنات الصعبة للوضع الأردني. وسوف يكون انتهاجنا للأصعب شاملا كافة المؤشرات التي سنعتمد عليها في وضع الحلول لمعضلات الأردن الاقتصادية. وبناء عليه فإننا سنعتمد على المؤشرات الإحصائية التالية..* تعداد الشعب الأردني "6,55" مليون نسمة. * معدل عدد أفراد الأسرة الأردنية 5,7 فرد/أسرة.* عدد الأُسَر الأردنية 1,15 مليون أسرة.* الناتج المحلي الإجمالي لعام 2011 هو 28.84 مليار دولار، أي 20,5 مليار دينار.* إجمالي تحويلات الأردنيين العاملين في الخارج لعام 2011 هو"5.15" مليار دولار، أي "3,66" مليار دينار.* إجمالي إيرادات شركات ومؤسسات القطاع العام التي تمت خصخصتها هو "1,6" مليار دينار، لعام 2011.* إجمالي إيرادات خصخصة شركات ومؤسسات القطاع العام هو "1,5" مليار دينار.* إجمالي إيرادات المنشآت والشركات الأجنبية في الأردن غير تلك التي انطبق عليها نظام الخصخصة وبعد خصم كافة الرسوم والضرائب المستحقة هو "0,27" مليار دينار في عام 2011. * إجمالي تحويلات العاملين الأجانب في الأردن إلى خارج الأردن هو "0,7" مليار دينار في عام 2011.* إجمالي الديون الداخلية المستحقة على الأردن حتى نهاية عام 2012 هو "8,5" مليار دينار.* متوسط الاقتراض السنوي الداخلي على مدى الفترة "2005 – 2012" هو "1,1" مليار دينار في السنة.* متوسط السداد والإطفاء السنوي للديون الداخلية هو "0.5" مليار دينار.* إجمالي الديون الخارجية المستحقة على الأردن حتى نهاية عام 2011 هو "6,5" مليار دينار.* متوسط الاقتراض الخارجي على مدى الفترة "2005 – 2012"، هو "0,6" مليار دينار.* متوسط خدمة الدين الخارجي السنوية هو "0,3" مليار دينار. * الناتج القومي الإجمالي لعام 2011 هو "30" مليار دولار، أي 21,3 مليار دينار.* عدد أفراد القوة العاملة في الأردن 1,71 مليون. * نسبة البطالة في الأردن تبلغ 13,4% وهي نسبة عالية، أي 230000 فرد، من بينهم 35000 معيل لأسرة، و195000 غير متزوجين أصلا.* عدد العاملين من بين إجمالي قوة العمل هو 1,480,000 فرد. * 77% منهم يعملون في قطاع الخدمات الذي يشمل التعليم والصحة والتجارة والوزارات وغيرها، أي "1140000". أما عدد العاملين في القطاع الإنتاجي فهو 23%، أي ما مجموعه "340000" فقط. * العاملون في القطاع الخاص يشكلون ثلثي قوة العمل الأردنية, أو بنسبة مقدارها 68.6%, و31.4% يعملون في القطاع الحكومي.* أي أن عدد العاملين في القطاع الخاص يبلغ "1015000" فرد، وعدد العاملين في القطاع العام يبلغ "465000" فرد.* يبلغ الإنفاق العسكري في الأردن 8,6 % من الناتج القومي الإجمالي، أي ما قيمته 1,98 مليار دينار.
* حجم العجز في الموازنة العامة كنسبة من الناتج القومي الاجمالي هو 6.1% في عام 2012، أي ما قيمته، 1,4 مليار دينار. * خط الفقر لدى الأسرة الأردنية هو "10000" دينار سنويا، بحسب توصيفات الحكومة الرسمية.3 – مؤشرات مشتقة ومستنبطة من المؤشرات السابقة، بالإضافة إلى استنباطها من مصادر حكومية رسمية "إحصاءات عامة، وزارة مالية، بنك مركزي، دائرة جمارك، دائرة ضريبة الدخل، وزارة الصناعة والتجارة.. إلخ"، بنسبة خطإ في الاشتقاق والاستنباط لا تزيد عن "1%" زيادة أو نقصانا.الـ “1,15″ مليون أسرة أردنية، موزعة من حيث مستوى دخلها على النحو التالي.. * “45%” من الأسر – أي "520" ألف أسرة – دخلها السنوي أقل من "5000" دينار.. أي هي أبعد ما تكون عن ملامسة خط الفقر حتى بمعايير الحكومات الأردنية. فهي تعاني من “فقر مدقع يصل إلى درجة الإعدام أحيانا”. وبالتالي تحصل هذه الأسر من "الناتج القومي الإجمالي"، على ما يقل عن "2,6" مليار دينار، تمثل ما نسبته "12,2%" من الناتج القومي الإجمالي. * “25%” من الأسر – أي "288" ألف أسرة – دخلها يتراوح من "5000" إلى "10000" دينار سنويا، وبالتالي فما تزال هذه الفئة دون خط الفقر والعوز الذي حددته الحكومات الأردنية نفسها.. “فقر ما دون الكفاف”.. وبالتالي تحصل هذه الأسر من "الناتج القومي الإجمالي"، على ما يقل عن "2,88" مليار دينار، تمثل ما نسبته "13,5%" من الناتج القومي الإجمالي. * “15%” من الأسر – أي "172" ألف أسرة – دخلها يتراوح من "10000" إلى "15000" دينار سنويا، وهي الأسر التي تدور حول خط الاكتفاء وتقاربه، دون أن تتحرر من سطوته الحقيقية، إلا في الحدود الدنيا.. “الكفاية والكفاية المريحة”.. وبالتالي تحصل هذه الأسر من "الناتج القومي الإجمالي"، على ما يقل عن "2,58" مليار دينار، تمثل ما نسبته "12,1" من الناتج القومي الإجمالي. * “10%” من الأسر – أي "115" ألف أسرة – يتراوح دخلها من "15000" إلى "25000" دينار سنويا، وهي الأسر التي تخطت حدود الفقر والحاجة، واستمتعت بنوع بدائي من الرفاهية التي تتيح لها أن تُعتبرَ من الفئات التي تعيش في بدايات الرفاه.. “الرفاه البسيط”.. وبالتالي تحصل هذه الأسر من "الناتج القومي الإجمالي"، على ما يقل عن "2,87" مليار دينار، تمثل ما نسبته "13,5%" من الناتج القومي الإجمالي. * “3%” من الأسر – أي "35" ألف أسرة – يتراوح دخلها من "25000" إلى "100000" دينار سنويا، وهي أسر تتمتع بـ “الرفاه المعقول”.. وبالتالي تحصل هذه الأسر من "الناتج القومي الإجمالي"، على ما يقل عن "3,5" مليار دينار، وتمثل ما نسبته "17%" من الناتج القومي الإجمالي. * “2%” من الأسر – أي "23000" أسرة – يزيد دخلها عن "100000" دينار، ويصل لدى بعضها إلى عشرات الملايين من الدولارات.. وهذا هو “الثراء الفاحش”.. وبالتالي تحصل هذه الأسر على ما تبقى من "الناتج القومي الإجمالي"، والبالغ "5,87" مليار دينار. أي ما نسبته "32%" من ذلك الناتج. * والخلاصة أن "85%" من الأسر الأردنية تعيش تحت مستوى خط الفقر وقلة قليلة منها تلامس خط الكفاف، وتملك سنويا فقط "8" مليار دينار من الناتج القومي الإجمالي، أي ما نسبته "37,7%". * وأن “10%” من الأسر الأردنية تعيش ضمن خط الكفاية وبداية الرفاه البسيط، وهي ما تبقى من الطبقة المتوسطة في البلاد، وتملك سنويا "2,87" مليارا دينار من الناتج القومي الإجمالي، أي ما نسبته "13,5%". * أما باقي الأسر الأردنية والبالغة نسبتها “5%” فقط، فهي التي تعيش حالة الرفاه الواسع "3%"، والثراء الفاحش "2%"، بامتلاكها سنويا ما مقداره "9,37" مليار دينار من الناتج القومي الإجمالي، أي ما نسبته "48,8%". * متوسط احتياجات الأسرة الأردنية من السلع الاستهلاكية الأساسية "الغاز، الكهرباء، الماء، رغيف الخبز، الأرز، السكر، زيت المائدة، زيت الزيتون، بيض المائدة، لحم الدجاج"..- إن معدل الحاجة الحقيقية من "الغاز الطبيعي" لاستهلاك الأسرة الأردنية من شريحة "الأسر المتحررة من حد الفقر" بما يفي بحاجتها وفق نمط استهلاكٍ عادل وصحي ومريح يلبي الاحتياجات الإنسانية، هو "50" أسطوانة غاز سنويا، بما فيها تلك المستخدمة لغايات التدفئة، باحتساب متوسط الاستهلاك المتذبذب بين أشهر البرودة وأشهر الحرارة والدفء، وذلك في ضوء الاستغناء الكامل عن استخام مادة "الكيروسين" لغايات التدفئة. - إن معدل الحاجة الحقيقية من "الكهرباء" لاستهلاك الأسرة الأردنية من شريحة "الأسر المتحررة من حد الفقر" بما يفي بحاجتها وفق نمط استهلاكٍ عادل وصحي ومريح يلبي الاحتياجات الإنسانية، هو "7500" كيلوواط سنويا، بما في ذلك استخدام الكهرباء لغايات تسخين مياه الاستحمام ولتشغيل كافة الأدوات الكهربائية المنزلية المعروفة والضرورية وهي "الثلاجة، الغسالة، الفريزر، التلفزيونات، المراوح، الكمبيوترات، الكيزر، المايكروويف، الإضاءة.. إلخ"، وبمعدل مُكَيِّف تبريد واحد لكل أسرة، يتم تشغيله خلال أشهر الصيف الحارة لعدد مناسب من الساعات يوميا. - إن معدل الحاجة الحقيقية من مياه الشرب لمختلف أوجه الاستخدام المنزلي لاستهلاك أسرة أردنية من شريحة "الأسر المتحررة من حد الفقر" بما يفي بحاجتها وفق نمط استهلاك عادل وصحي ومريح يلبي الاحتياجات الإنسانية، هو "225" متر مكعب سنويا، مع الأخذ في الاعتبار فروق الاستهلاك بين فصلي الشتاء والصيف، وباعتماد استهلاك مياه لري نباتات منزلية. - إن معدل الحاجة الحقيقية من "رغيف الخبز" من النوع الأساسي للاستهلاك اليومي لأسرة أردنية من شريحة "الأسر المتحررة من حدِّ الفقر" بما يفي بحاجتها وفق نمط استهلاك عادل وصحي ومريح يلبي الاحتياجات الإنسانية، هو "500" كيلوغرام سنويا. - إن معدل الحاجة الحقيقية من مادة "الأرز" من النوع الأساسي للاستهلاك المنزلي لأسرة أردنية من شريحة "الأسر المتحررة من حدِّ الفقر" بما يفي بحاجتها وفق نمط استهلاك عادل وصحي ومريح يلبي الاحتياجات الإنسانية، هو "150" كيلوغرام سنويا. - إن معدل الحاجة الحقيقية من مادة "السكر" من النوع الأساسي للاستهلاك المنزلي لأسرة أردنية من شريحة "الأسر المتحررة من حدِّ الفقر" بما يفي بحاجتها وفق نمط استهلاك عادل وصحي ومريح يلبي الاحتياجات الإنسانية، هو "150" كيلوغرام سنويا.- إن معدل الحاجة الحقيقية من مادة "زيت المائدة" من النوع الأساسي للاستهلاك المنزلي لأسرة أردنية من شريحة "الأسر المتحررة من حدِّ الفقر" بما يفي بحاجتها وفق نمط استهلاك عادل وصحي ومريح يلبي الاحتياجات الإنسانية، هو "100" كيلوغرام سنويا.- إن معدل الحاجة الحقيقية من مادة "زيت الزيتون" من النوع الأساسي للاستهلاك المنزلي لأسرة أردنية من شريحة "الأسر المتحررة من حدِّ الفقر" بما يفي بحاجتها وفق نمط استهلاك عادل وصحي ومريح يلبي الاحتياجات الإنسانية، هو "30" كيلوغرام سنويا.- إن معدل الحاجة الحقيقية من مادة "بيض المائدة" من النوع الأساسي للاستهلاك المنزلي لأسرة أردنية من شريحة "الأسر المتحررة من حدِّ الفقر" بما يفي بحاجتها وفق نمط استهلاك عادل وصحي ومريح يلبي الاحتياجات الإنسانية، هو "600" بيضة مائدة سنويا.- إن معدل الحاجة الحقيقية من مادة "لحم الدجاج" من النوع الأساسي للاستهلاك المنزلي لأسرة أردنية من شريحة "الأسر المتحررة من حدِّ الفقر" بما يفي بحاجتها وفق نمط استهلاك عادل وصحي ومريح يلبي الاحتياجات الإنسانية، هو "150" كيلوغرام سنويا.- إن معدل الحاجة الحقيقية من "اللحوم الحمراء" لاستهلاك الأسرة الأردنية من شريحة "الأسر المتحررة من حد الفقر" بما يفي بحاجتها وفق نمط استهلاكٍ عادل وصحي ومريح يلبي الاحتياجات الإنسانية، هو "50" كيلوغراما سنويا. - إن معدل الحاجة الحقيقية من "حليب الأطفال" لاستهلاك الأسرة الأردنية من شريحة "الأسر المتحررة من حد الفقر" بما يفي بحاجتها وفق نمط استهلاكٍ عادل وصحي ومريح يلبي الاحتياجات الإنسانية، هو "25" كيلوغراما سنويا.

4 – تحليل الأرقام والمؤشرات السابقة * تُظهرُ الأرقام السابقة وجود ثلاث طبقات اقتصادية في الأردن، هي الطبقة "الفقيرة"، بكل مستويات الفقر، بما في ذلك "الفقر المدقع"، وتمثل "85%" من أفراد الشعب، والطبقة "الوسطى"، وتمثل "10%" من أفراد الشعب، وهي في تراجع وتآكلٍ مستمرين من حيث نسبتها التمثيلية في البُنية الاقتصادية للمجتمع الأردني، وذلك بانضمام أفراد هذه الطبقة تدريجيا إلى الطبقة "الفقيرة"، بسب السياسات الحكومية المتعاقبة والنظام الاقتصادي المتبع في الدولة، والطبقة "الثرية"، بكل مستويات الثراء، بما في ذلك "الثراء الفاحش"، وتمثل "5%" من أفراد الشعب، وهي الطبقة التي تخدمها كافة السياسات الاقتصادية، وكافة التشريعات، وتوسِّع تلك السياسات والتشريعات في فضاءات ثرائها، وتمعن في توسيع الهُّوَّة بينها وبين باقي أفراد الشعب يوما بعد يوم، تكريسا لحالةٍ بشعة من الفرز الطبقي الفريد من نوعه على مستوى العالم، يجعل "5%" من أفراد المجتمع يستحوذون على "48,8%" من الثروة الإجمالية، ممثلة في الناتج القومي الإجمالي، فيما لا يحظى الـ "85%" من أبناء الطبقة الفقيرة سوى على ما نسبته "37,7%" من ذلك الناتج. إن هذا القدر من الاستحواذ المجحف على ثروة البلاد، جعل متوسط دخل الفرد الواحد من الفئة العليا من أبناء الطبقة فاحشة الثراء يصل إلى "51000" دينار سنويا، فيما لا يتجاوز متوسط دخل الفرد الواحد من الفئة الدنيا من أبناء الطبقة الفقيرة الـ "830" دينارا سنويا – هذا إذا استثنينا فئة العاطلين عن العمل التي يعتبر دخل الفرد منها "صفرا" – بفارقٍ مهول بين متوسطي الدخلين، يجعل الأول يستحوذ على دخل يكافئْ في المتوسط "62" ضعف دخل الثاني.* إن العاطلين عن العمل هم في الغالب الأعم من الطبقة الفقيرة، أي من الـ "85%" من أفراد الشعب، أي أنهم يُصنفون من هذه الطبقة ويحتسبون من بين أفرادها. وإذا كان العاطل عن العمل يمثل ظاهرة مؤلمة في المجتمع، بسبب عجزه عن الإنفاق على نفسه، وعلى من يعيلهم إذا كان معيلا، أو عجزه عن أن يبدأ بالتأسيس لفتح بيت وإضافة أسرة جديدة إلى المجتمع، إذا لم يكن معيلا، فإن العاطل عن العمل الممثل لهذه الحالة المؤلمة والمربكة للمجتمع والمُفَرِّخَة لكافة أنواع الأمراض المجتمعية، يجسِّد هذه الظاهرة عندما يكون من هذه الطبقة تحديدا، وذلك بسبب أن العاطل عن العمل إن وجد في الطبقة المتوسطة، فإنه يمثل حالة لا تولِّد الفقرَ أو تعيد إنتاجه على النحو السابق، لأن الأسرة من الطبقة المتوسطة تستطيع في العادة أن تخفف من معاناة حالة البطالة الموجودة في أحد أبنائها بتأمين حد أدنى من الدخل الإنفاقي الذي يخفِّف عنه مشكلات الحياة، مع بقائه يمثل حالة عاجزة عن الاندماج الإنتاجي في المجتمع بشكل سليم وفاعل في حسابات التنمية الحقيقية. أما المنتمين إلى طبقة الثراء الفاحش، فمن غير المتوقع أن يكون فيهم عاطلون عن العمل بالمعنى المُشَكِّل لظاهرة مَرَضِيَّة خطيرة كتلك الموجودة في عاطلي الطبقة الفقيرة والمترتبة عليها، أو حتى كتلك الموجودة في عاطلي الطبقة المتوسطة، بسبب أن أبناء هذه الطبقة في العادة يعملون في شركاتهم ومؤسساتهم، أو يولِّدون مؤسسات إنتاجية جديدة من ثروات أهلهم وذويهم.. إلخ. ومن هنا فإن الحديث عن ظاهرة البطالة كظاهرة تثير القلق، وتدعم الفقر وتولِّدُه وتجدِّدُه في المجتمع، إنما هو حديث عنها في صفوف الطبقة الفقيرة وعلى نطاقٍ واسع من جهة أولى، وفي صفوف الطبقة الوسطى وعلى نطاق ضيِّق نسبيا من جهة ثانية. ومن هنا فإننا نستطيع أن نعتبر كافة العاطلين عن العمل ممن ذُكِروا في مؤشرات الحكومة والبالغين "230000" مواطن مؤهل للعمل وباحث عنه، يمثلون جميعهم معضلةً حقيقية تعرقل الاندماج الإنتاجي في المجتمع، وتتطلب الحل. * إن القطاعات التي تتوزع عليها القوة العاملة الأردنية تؤشِّر على اختلالات وتشوُّهات خطيرة في بُنْيَة التشغيل التي تُعتبر الوعاء الذي فيه وبه تَحدث التنمية، سواء كانت هذه الاختلالات لجهة جحم التشغيل في القطاع الخدمي بالقياس للقطاعين الزراعي والصناعي، أو لجهة حجم التشغيل في القطاع الحكومي بالقياس للقطاع الخاص. فأن يكون 77% من أفراد القوة العاملة مشتغلين في قطاع الخدمات الذي يشمل التعليم والصحة والوزارات والتجارة والنقل وغيرها، أي أن يكون "1140000" من هؤلاء يعملون في قطاعٍ لا يُنتِج السلع التي هي أساس الحياة، معتمدا في تأمين كافة السلع التي يحتاجها قطاع الخدمات ليؤديَ دوره في عجلة الاقتصاد، على عدد من العاملين في القطاعين الصناعي والزراعي لا تزيد نسبتهم عن 23%، أي ما مجموعه "340000" من إجمالي قوة العمل المُشَغَّلَة فقط، هو كارثة اقتصادية تهدِّد بالانهيار الكامل، بعد أن تحوَّلت الدولة بموجب هذا النهج إلى كيان لا يستطيع الاعتماد على نفسه حتى في تأمين مستلزمات الخدمات التي يشغِّل فيها قوته العاملة الأساس.فالاقتصادات المتوازنة المتمتعة بالاستقرار والقدرة على التحرُّر من التبعيّة بكافة أوجهها، تسودها حالةُ توزيعٍ لقوة العمل على قطاعات الإنتاج، لا تتجاوز فيها حصة قطاع الخدمات الـ "45%" على أقصى تقدير، فيما تتوزع النسبة المتبقية بين قطاعي الزراعة والصناعة، بنسبٍ متفاوتة يحددها العنصر الأكثر هيمنة في تشكيل الناتج القومي الإجمالي زراعةً أو صناعةً. ففي الدول الصناعية الكبرى نجد أن قطاع الخدمات يشغِّل نسبةً تتراوح بين "30%" و"35%" من قوة العمل الإجمالية في الدولة، فيما تشغِّل الصناعة نسبة تتراوح ما بين "45%" و"50%" من تلك القوة، لتستحوذَ الزراعة على ما تبقى من قوة عمل متراوحة بين "15%" و"25%". أما في الدول النامية الناجحة مثل "الهند" و"البرازيل" و"جنوب إفريقيا" و"تركيا" و"ماليزيا".. إلخ، فإن قوة العمل المستخدَمة في قطاع الخدمات تتراوح بين نسبتي "40%" و"45%"، فيما تستحوذ الصناعة على ما يتراوح بين نسبتي "25%"، و"35%" من قوة العمل، والزراعة على ما يتراوح بين نسبتي "20%" و"35%" منها. وبمقارنة الوضع الأردني بهذه النسب العالمية، فإننا سنصاب بالغثيان. من جهة أخرى فإن الاختلال والتشَوُّهَ الكارثيين في بُنْيَة الاقتصاد الأردني يطال توزيع قوة العمل على القطاعين العام والخاص، وليس على مختلف قطاعات الإنتاج فقط. فالعاملون في القطاع الخاص يشكلون ثلثي قوة العمل الأردنية, أو بنسبة مقدارها 68.6%, فيما تمثل نسبة الـ 31.4% المتبقية، قوةَ العمل التي يشغِّلُها القطاع الحكومي. أي أن عدد العاملين في القطاع الخاص يبلغ "1015000" فرد، وعدد العاملين في القطاع العام يبلغ "465000" فرد. وبمقارنة هذه الوقائع التشغيلية بالمؤشرات العالمية التي تُحَدِّثُنا عن اقتصادات مستقرة ومتوازنة، نجد أننا أبعد ما نكون عن وصف "دولة"، فلا توجد دولة في العالم – باستثناء الأردن وقلة من أشباه الدول – يزيد فيها عدد المشتغلين في مختلف منشآت ومؤسسات القطاع العام عن "25%" من إجمالي القوة العاملة فعليا في البلاد. وحتى في مثل هذه الدول نجد أن الحكومات والبرلمانات تنتهج سياسات وتسن تشريعات، تنطوي على حلول جذرية بهدف إعادة هيكلة القطاع العام للتخفيف من حجم العمالة المشتغلة فيه، لتقلَّ عن تلك النسبة التي تعتبر نسبة خطيرة ومنبئة بمجتمع يعتمد الكثيرون منه على القطاع الخاص دون أن يكونوا جزءا منه، وهي حالة تعتبر تشوها واختلالا في البُنية الاقتصادية لدولةٍ معاصرة، إذ تعتبر النسبة العالمية النموذجية لإسهام القطاع العام في تشغيل القوة العاملة، متراوحة ما بين "15%" و"20%" فقط. * إذا تجاوزنا دولة الكيان الصهيوني التي تتجاوز نسبة إنفاقها العسكري من ناتجها القومي الـ "10%" لاعتبارات نفهمها جيدا، باعتبارها أعلى نسبة إنفاق عسكري من الناتج القومي في العالم، فإننا نقف مدهوشين أمام الحالة الأردنية التي تصل فيها نسبة الإنفاق العسكري من إجمالي الناتج القومي الـ "8,6 %" أي ما قيمته 1,98 مليار دينار، ولا يدخل ضمن هذا الرقم ما تنفقه مختلف الأجهزة الأمنية أو شبه الأمنية الأخرى، "أمن عام"، "مخابرات عامة"، "درك"، "دفاع مدني".. إلخ. ووجه الدهشة هو أن هذه النسبة تتجاوز نسبة النفقات العسكرية من إجمالي الناتج القومي في أقوى وأكبر وأعظم دول العالم، مثل "روسيا" و"الصين" و"الولايات المتحدة"، و"فرنسا" و"بريطانيا" و"الهند" و"جنوب إفريقيا" و"البرازيل".. إلخ.. أما عن تفوق هذه النسبة عن نموذجي ألمانيا واليابان فحدث ولا حرج. مع العلم بأن كل الدول التي تفوقَ عليها الأردن في هذه النسبة هي دول غنية وبإمكانها أن ترفع من نسبة إنفاقها العسكري، بل هي كلها دول صناعية تصنع كلَّ أنواع الأسلحة، من الرصاصة إلى القنبلة الذرية، ولها أجنداتها العالمية التي يُحسب لها ألف حساب.. إلخ.إن الأردن يتربع بهذه النسبة على عرش واحدة من الدول الخمس الأكثر إنفاقا على مؤسساتها العسكرية من ناتجها القومي بلا أيِّ سبب مفهوم أو وجيه، فلا هو يستعد لحرب، ولا هو يتسلح تسلحا متطورا يتطلب كلَّ هذا الإنفاق، ولا هو يبني صناعة عسكرية تحقق له اكتفاء ذاتيا يجعله آمنا في صراعاته التي يُعِدُّ لها العدَّة، ولا هو يُجري مناورات وتدريبات دورية ثابتة ومُكْلِفَة استعدادا لحرب مصيرية.. إلخ. لا بل إن أغرب ما في هذه الظاهرة، أن الأردن زادت نسبه إنفاقه العسكري من ناتجه القومي الإجمالي بعد الصلح مع إسرائيل، في حين أن هذه النسبة كانت أقل من ذلك بكثير قبل عقد ذلك الصلح المهزلة. فإذا علمنا بأن إجمالي تعداد القوات المسلحة الأردنية لا يتجاوز الـ "110000" فرد من مختلف الرتب، تنتمي غالبيتهم العظمى التي يتجاوز تعدادها الـ "90000" فرد، إلى الطبقة الفقيرة بمرتبات ودخول تقل عن مستوى الفقر المشار إليه سابقا، فإننا نتساءل عن الوجهة التي تتجهها تلك النفقات العالية مقتطعة من الناتج القومي الإجمالي تلك الحصة على حساب الإسهام الفعلي في إفقار الشعب الأردني (؟!) وكيف يتسنى لدولة ليست في حالة حرب مع أيِّ جهة أجنبية أن يكون إنفاقها العسكري على هذا النحو المتضخم غير المفهوم، إن لم يكن ذلك تجسيدا لواحد من أبشع أنواع الفساد المالي والإداري في الدولة، ناهيك عن حالة من التَّشَوُّه البُنيوي غير المسبوق في وظيفة هذه الدولة من حيث المبدأ (؟!) * بعد كلِّ تلك التشوُّهات التي أتينا على ذكرها حتى الآن، تأتي ثالثةُ أثافي التشوُّهات لتستكمل البناء الكارثي لاقتصاد هذه الدولة الممسوخة اقتصاديا، عبر أكبر ظاهرة اختلال في الموازنة العامة للدولة. فأن يصل حجم العجز في الموازنة العامة إلى ما نسبته "6.1%" من "الناتح القومي الإجمالي" في عام 2012، أي إلى ما قيمته، "1,3" مليار دينار، وهي بالمناسبة واحدة من أعلى نسب عجز الموازنات العامة بالقياس للناتج القومي الإجمالي لدولة ما في العالم. فالخط الأحمر لدى الدول المتقدمة فيما يتعلق بالعلاقة بين الناتج القومي الإجمالي وعجز موازنات الحكومات هو هامش الـ "3%"، وعندما تزيد هذه النسبة بواحد في الألف فإن كلَّ صفارات الإنذار الاقتصادية تنطلق لتحذر من الخطر القادم. فإذا أضفنا إلى ذلك أنه لا توجد دولة في العالم تنتهج الاقتصاد الليبرالي الحر نهجا لها وتزيد موازناتها العامة السنوية عن ربع الناتج القومي الإجمالي، فإننا نقف مطولا عند حجم الهدر والاختلال في الاقتصاد الأردني الذي تقتطع الحكومة من ناتجه القومي الإجمالي موازنة عامة لها تراوح حول نسبة ثلث الناتج القومي الإجمالي، لتتجاوز سقف الـ "7" مليارات دينار، لأن هذا يعني أن نسبة العجز في الموازنة العامة إذا كانت تمثل نسبة "6.1%" من الناتج القومي الإجمالي، فإنها تمثل ما نسبته حوالي "20%" من الموازنة العامة ذاتها، وهي نسبة عالية جدا وبكل المقاييس العالمية. وبالتالي فإنها وبتلك المقاييس موازنة يجب أن تخفِّضَ نسبة عجزها بالقياس للناتج الإجمالي العام لتقل عن الـ "3%"، ونسبتها هي ذاتها من هذا الناتج لتقل عن الـ "25%"، ما يعني أن عليها أن تبحث عن طرقٍ أخرى غير الضرائب وغير رفع الأسعار لتحقيق ذلك. ولا طرق غير ذلك إلا اتباع سياسة قاسية جدا في ترشيد الإنفاق الحكومي من جهة أولى، وتخفيف الاعتماد على الناتج الإجمالي الحالي بوضعه الراهن في تطوير مستويات الإنفاق الحكومي ثانية، وهو ما يقضي فتح آفاق واسعة للاستثمار الإلزامي الذي لا مفر منه لتحقيق هذه الأهداف الضرورية، وإلا فإنها سوف تُبْقي على تلك النسب عالية وفي تزايد مستمر، مقتربة أكثر فأكثر وعاما بعد عام، من نقطة الكارثة والانهيار والدمار. * خلاصة القول أننا ونحن نحلِّل الحالة الاقتصادية الأردنية ونشخِّص اختلالاتِها وتشوُّهاتِها، نكتشف أنها جميعها اختلالات وتشوُهات بُنيوية قائمة على "وظيفةٍ مرسومة" لهذا النظام عليه أداؤها على أكمل وجه بأن يفرِّغَ الأردن من كلِّ مواصفات الدولة القادرة على الاستقلال، إمعانا في ربطها بنهج التبعية، ومن كلِّ مواصفات الوطن بجعل الأردنيين مجرد سكان يقيمون فوق أرضٍ صُوِّرت لهم على أنها جرداء قاحلة لا مُقَوِّمَ من مقومات الحياة فيها، ليرفدَها الفساد المستفحل بكل أنواعه المرتكزة إلى مأسَسَة ثقافة العصبية المولِّدة لأسِّ الفساد كلِّه، فأصبح الاختلالُ كارثة، وأصبحت التَّشَوُّهات مأساة منذرة بالخطر المحدق. إننا في واقع الحال أمام اقتصاد ينطوي على نسبة فقر عالية، وعلى نسبة بطالة عالية، وعلى نسبة تخبط إحصائي عالية، وعلى نسبة تشغيل في القطاع الحكومي عالية، وعلى نسبة تشغيلٍ في قطاع الخدمات عالية، وعلى نسبة نفقات عسكرية عالية. أي أننا أمام اقتصاد ينطوي على كلِّ التَّشَوُّهات التي يمكن لاقتصاد دولة أن ينطوي عليها، وبأقصى حدودها المتصورة. وبالتالي فنحن أمام اقتصاد مترَهِّل، تجب إعادة إنتاج كافة أساساته على قواعد أيديولوجية صارمة، وإلا فإن الدولة سائرة إلى الهلاك. الحلُّ متاح، هو ما سنعرضه في التالي..5 – من هنا يبدأ الحل الحقيقي أيا كان المردود الأيديولوجي لهذا الحلسنبدأ تحليلنا بهذه القصَّة الواقعية المعبرة..في مدرسة ابتدائية يوجد 200 طالب، و10 مدرسين، و5 إداريين، بالإضافة إلى ناظر المدرسة. مُدَرِّسَة الاجتماعيات في المدرسة عرضت على طلاب أحد صفوفها، الواقعة التالية: "تمكنت إدارة المدرسة من شراء 1000 قلم حبر، لتوزعها على طلاب المدرسة والمدرسين والإداريين والناظر، لاستخدامها على مدار فصلي السنة الدراسية. وقام الناظر بتوزيع الأقلام على الـ "216" شخصا الذين تضمهم المدرسة على النحو التالي: كلُّ طالبٍ أخذ قلمين، وكل مُدرِّس أخذ "10" أقلام، وكل إداري أخذ "20" قلما، واستأثر الناظر لنفسه ببقية الأقلام والبالغ عددها "400" قلم. بينما كانت حاجة "الطالب" هي "3" أقلام سنويا وليس قلمين فقط، وحاجة المُدَرِّس هي "5" أقلام سنويا وليس "10" أقلام، وحاجة "الإداري" هي "10" أقلام سنويا وليس "20" قلما، فيما كانت الحاجة الحقيقية لـ "المدير" هي فقط "50" قلما سنويا. أي أن الحاجة الإجمالية لـ "216" شخصا يتشاركون الحياة والمرافق والخدمات في المدرسة هي "750" قلما. قبل حلول الفصل الدراسي الثاني بشهرين، انضم للمدرسة "100" طالب جديد، فما كان من الناظر إلا أن أجبر كلَّ طالب من المائتي طالب الأصليين على التنازل عن قلم من القلمين المقرَّرَين له في القسمة السابقة، ما جعل المدير يسحب من أقلام الطلاب ما مجموعه "200" قلم، أعطى منها "100" قلم للطلبة الجدد، بواقع قلم لكل طالب، وعاد ليوزع الـ "100" المتبقية بعد أخذها من الطلاب على المدرسين والإداريين، وبواقع قلمين لكل مدرس، و"4" أقلام لكل إداري، مستأثرا لنفسه ببقية الأقلام المائة وهي "60" قلما. تاركا لكلِّ طالب من الطلبة الـ "200" الأصليين، قلما واحدا لا يكفيه إلا لفصل دراسي واحد، ومانحا كلَّ طالب من الـ "100" طالب الجدد قلما واحدا، لن يكفيَه هو بدوره إلا لمنتصف الفصل الثاني، وألزم الجميع بتدبُّر أمورهم من خارج المدرسة ومستودعاتها"، بالسرقة أو الرشوة أو بيع الأخلاق أو الاستلاف.. إلخ (!!)
وبعد أن عرضت المُدَرِّسَة هذه الواقعة على طلابها "الأطفال" وجَّهَت إليهم الأسئلة التالية: * هل قسمة الناظر عادلة أم ظالمة (؟!)* هل أخذُ الناظر أقلاما من الطلاب الأصليين لتوزيعها على الطلاب الجدد، رغم عدم كفاية ما أعطاهم إياه أصلا، جائزٌ أم غير جائز (؟!)* هل اقتصار الناظر على الأخذ من الطلاب، وعدم الأخذ من المدرسين والإداريين، رغم أنه أعطاهم أقلاما أكثر من حاجتهم، عدل أم ظلم (؟!)* فإذا كنت تعتبر أن الناظر ظالم، وأنه مخطئ لأنه لم يتبع الطريقة المثلى في توزيع الأقلام وفي إعادة توزيعها بعد حضور طلاب جدد، فما هي الطريقة العادلة لتوزيع الأقلام في نظرك (؟!)وتركت الطلاب يفكرون مليا ثم بدأت تستمع لإجاباتهم..لم يلفت انتباهها من بين كلِّ الإجابات إلا تلك التي أدلى بها الطالب "ابن صاحب مصنع الملابس"، والطالب "ابن الموظف الحكومي"، والطالب "ابن الفلاح". فبماذا أجاب هؤلاء الأطفال الثلاثة مُدَرِّسَتهم المبدعة (؟!)إجابة ابن صاحب مصنع الملابس..كلُّ ما فعله الناظر صحيح وهو من حقه. هكذا يفعل أبي في مصنعه، وهكذا يتصرف مع العمال.
إجابة ابن الموظف الحكومي..الناظر إداري فاشل، فقد كان عليه أن يعطي كلَّ طالب من الأساس "3" أقلام تمثل حاجته طول السنة. وعندما حضر مائة طالب جديد، كان عليه أن يسحب من كلِّ مُدَرِّس قلمين، بمجموع "20" قلما، ومن كل إداري "4" أقلام، بمجموع "20" قلما، وأن يتنازل هو عن "160" قلما، ليكون مجموع الأقلام المتاح بهذه الحركة، هو "200" قلم يقوم بتوزيعها على الطلاب الجدد، بواقع قلمين لكل طالب. هذا أقصى ما يمكن للناظر أن يفعله.إجابة ابن الفلاح.. الناظر ظالم وإداري فاشل وهو يحرص على حماية المدرسين والإداريين من المساس بممتلكاتهم من الأقلام على حساب الطلاب، ليسكتوا عنه وعن سرقته لأقلام المدرسة التي ليست أقلامه أصلا. وكان عليه أن يفكر على النحو التالي..
* إعطاء كلِّ طالب من الـ "200" الموجودين في المدرسة أصلا، "3" أقلام تمثل حاجته الحقيقية طول السنة، بمجموع "600" قلم.* إعطاء كلِّ مدرس من الـ "10" الموجودين في المدرسة، "5" أقلام تمثل حاجته الحقيقية طول السنة، بمجموع "50" قلما.* إعطاء كل إداري من الـ "5" الموجودين في المدرسة، "10" أقلام تمثل حاجته الحقيقية طول السنة، بمجموع "50" قلما.* أن يأخذ هو فقط "50" قلما، تمثل حاجته طول السنة.* أن يقوم بالحفاظ على "200" قلم في مستودع المدرسة للاحتياجات الطارئة أو للطلبة الجدد، كي لا يضطر للمساس بحاجات الطلاب والمدرسين والإداريين الفعلية، فيتأثر أداؤهم الدراسي أو التدريسي أو الإداري.* أما الـ "50" قلما المتبقية، فليوزعها كيف يشاء، فمادام كل واحد من الـ "216" شخصا الموجودين في المدرسة أخذ حاجته السنوية، وضمن عدم المساس بها في حالة الطوارئ وحضور طلبة جدد، فلم يعد يهمني كيف ستوزَّع الأقلام الفائضة عن الحاجة في المدرسة.الناظر يمثل النظام الحاكم، المدرسون والإداريون يمثلون التحالف الطبقي الحاكم، الطلاب يمثلون الشعب، المدرسة تمثل الدولة، والألف قلم تمثل ثروة الشعب في سنة، توزيع الناظر للأقلام الألف يمثل النموذج الاقتصادي الظالم والمجحف السائد، الطلبة الجدد يمثلون الزيادة الطبيعية أو غير الطبيعية في السكان والتي تتطلب إدارة عادلة وحكيمة للثروة لتأمين نمو فيها يتناسب مع احتياجاتهم المرتقبة، ما فعله الناظر لتغطية جزء من احتياجات الطلبة الجدد يمثل سياسة الإرهاق الضريبي والإفقاري الذي يتبعه النظام لحل أزماته بما لا يؤثر على مصالح وامتيازات التحالف الطبقي الذي يمثله، أما ما قاله ابن صاحب مصنع الملابس فيمثل موقف أبناء التحالف الطبقي المستفيد من النموذج الاقتصادي السائد عادة، وما قاله ابن الموظف الحكومي فيمثل نمط تفكير الفئات الاتكالية والتواكلية التي تحاول الإمساك بالعصا من المنتصف والموافقة على انصاف الحلول وترحيل أنصاف الأزمات إلى أوقات لاحقة، أما ما قاله ابن الفلاح، فيمثل حتميةَ حلِّ الأزمات المترتبة على نموذج اقتصادي قائم، باتباع نموذج اقتصادي جديد ومختلف، بعد أن يكون النموذج القائم قد أوصل البلاد إلى حافة الهاوية.… يُتْبَع في المقال القادم