التمرد ممارسة وطنية وليس امتهان
د. فايز أبو شمالة
سيضحك السجين الفلسطيني في السجون الصهيونية لو قلت له: عليك أن تتمرد. سيقول: إن وجودي في السجن بحد ذاته هو تمرد، وسيسخر المقاوم الذي يحمل السلاح لو قلت له: عليك أن تتمرد. سيقول: عندما تكون بندقيتي وسادتي فأنا زعيم المتمردين. وسيهزأ منك سكان قطاع غزة لو قلت لهم: تمردوا. سيقولون: وجودنا في قطاع غزة بحد ذاته تمرد، تحملنا الحصار والمؤامرات هو تمرد، مواجهتنا الصهاينة في الحروب هو تمرد، منعنا من السفر إلى الخارج، ومنعنا من دخول إسرائيل، ومنعنا من الوصول للضفة الغربية يؤكد أننا شعب متمرد، ولولا أننا متمردون على السياق العام الذي انهزم للصهاينة، لما تآمر علينا القاصي والداني. فكيف تطلب من أصحاب مصانع التمرد أن يشتروا بضاعة إسرائيلية فاسدة؟
غزة تقول: نحن هنا من صنع التمرد، ونحن من يخزنه في فوهات البنادق، ونحن من يحفر الانفاق السرية، ونخبئ بداخلها التمرد، وسكان غزة جاهزة لتصدير التمرد إلى كل الصامتين على عذاباتنا، وإلى كل المشاركين في حصارنا، وغزة جاهزة لتوزيع التمرد على كل أولئك الذين يكيدون لشعبنا، ويتآمرون على القضية الفلسطينية.
فمن هم أولئك الذين يستحقرون شعبنا، ويستخفون بطاقتنا، ويكيدون للمقاومة؟
أولاً: إسرائيل، وهي صاحبة المصلحة العليا في كسر المقاومة على أرض غزة، ولاسيما أنها قد جربت ذلك من خلال القوة العسكرية، فشنت حربين مسلحتين عدوانيتين على قطاع غزة، ولم تجن إلا الفشل، وكانت إسرائيل قبل ذلك قد استخدمت الحصار بأبشع صوره، فاكتشفت أن الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية قبل غزة مع المقاومة، وكانت إسرائيل قبل اندحارها من قطاع غزة، كانت تقطع طريق الناس، وتحجز السيارات عند مفرق أبي هولي لساعات وأيام طويلة، ولكن ردة فعل الجماهير كانت مزيداً من التمسك بالمقاومة، لذلك فإن حلم الإسرائيليين أن تغرق غزة في البحر، وهدفهم من ذلك تصفية المقاومة الفلسطينية المسلحة.
ثانياً: السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس، فهذا الرجل الذي غرق في مستنقع المفاوضات رغم مواصلة الاعتداء على الأرض، والتوسع الاستيطاني، هذا الرجل الذي يحقد على المقاومة، وتآمر عليها من وراء ظهر الزعيم الراحل "أبو عمار"، يفتش عن أي ذريعة يتلهى فيها الناس، وتبعدهم عن متابعة مأساة المفاوضات، لذلك فهو يقف خلف الدعوة للتمرد، ولا هدف له إلا تصفية المقاومة الفلسطينية المسلحة.
ثالثاً: ما يسمي معسكر الاعتدال العربي بما ضم من دول نفضت يدها من تحرير فلسطين، وتكره المقاومة المسلحة ضد الصهاينة؛ لأنها تفضح عجزهم، لذلك فهم يدعمون سلطة رام الله سياسياً ومادياً وإعلامياً، والهدف الأسمى هو تصفية المقاومة الفلسطينية المسلحة.
رابعاً: أمريكا وكل طامع بخيرات الشرق، وهؤلاء يدركون أن المقاومة الفلسطينية هي ميزان القبان الوطني والسياسي والقومي والديني في المنطقة، ويدركون أن الجهة التي تقف معها المقاومة في قطاع غزة هي الجهة التي ستقف معها كل الشعوب العربية والإسلامية، لذلك يهم أمريكا وحلفاؤها أن تنشغل غزة بنفسها، وتحرص بكل قوة على دعم وإسناد وتمويل كل من يدعو للتمرد، والهدف هو تصفية المقاومة الفلسطينية المسلحة.
في نهاية مقالي أتحدى أولئك الذين يدعون للتمرد، أتحداهم أن يقولوا: العدو الإسرائيلي، وأن يقولوا: لن نعترف بإسرائيل، وأتحداهم أن يقولوا: نعم للمقاومة المسلحة ضد الصهاينة، وأتحداهم أن يقولوا: لا للمفاوضات العبثية.
أليست تلك مقومات الوطنية الفلسطينية؟ فهل تتسع صفحات جماعة تمرد لمثل تلك الثوابت الوطنية الفلسطينية؟.