مصالح ومكتسبات “المجلس العسكري”، بين “المعونة الأميركية” و”بيع الغاز لإسرائيل” (!!) بقلم أسامة عكنان

ArabNyheter | 2013/08/31لا يوجد تعليقات
مصالح ومكتسبات "المجلس العسكري"، بين "المعونة الأميركية" و"بيع الغاز لإسرائيل" (!!)ومشروعه السياسي بين "الدولة البوليسية"، و"العلمانية العسكرية"، و"العلمانية القضائية"، و"العسكرية الإسلامية" (!!)إذا كان هناك فرق بين الدولة المدنية والدولة العسكرية، من حيث أن هذه الأخيرة دولة متراجعة جدا لجهة الحقوق والحريات وشكل انتقال السلطة إذا ما قورنت بالأولى، فإن ما يجري في مصر على وجه الحقيقة ليس حكما للعسكر فقط بما في ذلك من كوارث على الحياة المدنية بكل مفاعيلها أصلا ومن حيث المبدأ، بل هو حكم لـ "سماسرة العسكر" تحديدا، وبكل ما لهذه الكلمة من معاني ودلالات وفضاءات طبقية ومصلحية (!!) فالمجلس العسكري هو اختراع مصري خالص لا وجود له في أيِّ مكان في العالم، وهو تجسيد لأسوأ ما يمكن تجسيده في الحياة العسكرية من انشغالٍ بالسمسرة والصفقات التجارية والعمولات.. إلخ، على حساب الشعب ومصالحه وحقوقه (!!) ما نقوله ليس بدعة، وإنما هو عينُه ما تكشفه حقيقة المجلس العسكري نشأة وتأسيسا، وغايات وأهدافا، وبُنيَة وتشكيلا (!!)وهو عينُه ما تبرِّرُه الحركة الانقلابية الحاصلة حاليا، سعيا نحو تجسيد ضربٍ من ضروب العسكرة الممكنة على الدولة المصرية (!!)فما هو المجلس العسكري، وكيف نشأ، ولماذا نشأ، وما دوره في الحياة المصرية عسكريا واقتصاديا وسياسيا، وأين تصبُّ مشاريعه السياسية في ضوء أخطر انقلاب شهده الوطن العربي على مدى عصر الانقلابات العسكرية كلِّه (؟!)المجلس العسكري مولودٌ مسخٌ لاتفاقيات كامب ديفيد (!!)منذ محادثات السلام التي أسفرت عن اتفاقيات "كامب ديفيد" بين مصر وإسرائيل تبدأ القصة (!!)كلنا نعلم بأمرين هامين يجسِّدان التبعية الفريدة في العلاقة المصرية الإسرائيلية من جهة، وفي العلاقة المصرية الأميركية من جهة أخرى، الأول هو "حصول إسرائيل على الغاز المصري بأقلِّ من سعر التكلفة"، أي بخسارةٍ حقيقية يتولى تمويلها الشعب المصري من دمه وعرقه وقوت أبنائه. أما الثاني فهو المعونة العسكرية الأميركية لمصر، والتي تبلغ قرابة "1,55" مليار دولار، تنقسم إلى جزءين: الأول وقيمته "1,3" مليار دولار معونة عسكرية عينية، والثاني وقيمته "0,25" مليار دولار معونة عسكرية نقدية (!!)ما يعرفه الجميع من خلال التعاطي الشكلاني غير المسنود والمدعَّم بالمعلومات، مع هذه الثنائية العجيبة في العلاقات المصرية الإسرائيلية الأميركية، هو أن "بيع الغاز المصري بأقل من تكلفته" هو شكل من أشكال الخيانة غير مفهومة الأسباب والمُبَرِّرات، وأن "المعونة العسكرية الأميركية" هي استحقاق، لأنها تُسَوَّق على أنها بندٌ يقابل المعونة العسكرية الأميركية لإسرائيل بموجب معاهدة السلام، والتي تتجاوز الـ "3" مليارات دولار سنويا (!!) ولكن لا أحد يعرف، بل ربما سيندهش الجميع عندما يكتشفون أن الـ "1,55" مليار دولار التي تقدمها الولايات المتحدة لمصر، هي في حقيقتها معونة مقدَّمة لإسرائيل وليس لمصر (!!)كلام خطير وغريب ومثير ويبعث على الريبة والخلط ويصيب بالدوار فعلا (!!)فما معناه، وكيف ذلك (؟!)سنثبت لكم ذلك، ومن شاء فليراجع الاتفاقيات وملاحقها السرية، وغير ذلك من الأمور المتعلقة بالعلاقات المصرية الإسرائيلية وبالعلاقات المصرية الأميركية، منذ اتفاقيات السلام المصرية الإسرائيلية وحتى الآن (!!)فلنتابع بتركيز وتمعن (!!)إسرائيل كانت تستغل ثروات وموارد ونفط وغاز سيناء بالمجان طول مدة احتلالها لها، والتي تجاوزت الـ "12" سنة عندما حلَّ تاريخ بدء الانسحاب منها بموجب اتفاقيات "كامب ديفيد" عام 1979. وبدل أن يَعتبرَ قادةُ مصر أن استنزاف ثروات سيناء من قِبَلِ إسرائيل خلال فترة احتلالها لها، أمرٌ يتطلب التعويض، كما تتيحه المواثيق والأعراف الدولية الإنسانية التي أعطت الحق للشعوب الخاضعة للاستعمار في أن تطالب بالتعويض عن مراحل الاستعمار.. إلخ، فإنهم – خلافا لكل منطق وعرف وقانون وحق، بل وخلافا لكل خلق يدل على الشرف والكرامة والكبرياء الوطني – قبلوا بأن تنقلب المطالبات بالتعويض إلى الجانب الإسرائيلي، غير مطالبين بأيِّ تعويض عن مرحلة الاحتلال، حينما أخذ الحوار عن التعويضات منطقا مقلوبا تماما وغير معهود في الأعراف العالمية، حيث بدأت إسرائيل تطالب هي (!) بالتعويض عن مرحلة ما بعد الانسحاب من سيناء (!) مادامت ستخسر الغاز والنفط المصري الذي كانت تحصل عليه، وهو ما يسبب لها مشكلات اقتصادية وتنموية.. إلخ (!!) لن نناقش المطلب الإسرائيلي الذي يجسِّد أبشع أنواع الصَّلَف والغطرسة والعجرفة غير المسبوقة في التاريخ (!!) ولكننا سنتوقف مُطَوَّلا عند الموقف المصري الذي راح بالفعل يتعاطى مع الطرح الإسرائيلي لا من منطلق السخرية والاستهزاء به، بل من منطلق مشروعيته. فانحصرت اعتراضات المصريين على كون ذلك سيكبِّد مصر خسائر لا قبل لها بها.. إلخ (!!) أي أن الجانب المصري وافق من حيث الجوهر على أن ما كانت تحصل عليه إسرائيل خلال احتلالها لسيناء عبارة عن حق يجب أن تُعَوَّضَ على خسارته، ولكن بشكل لا يُرَتِّب ضررا وتكلفة على المصريين (!!) وكانت النتيجة الغريبة التي لم يسبق أن عُرِفَت في موروثات السياسة والدبلوماسية العالمية، أن طلبت إسرائيل بأن يباعَ لها الغاز المصري بأقل من تكلفته، معتبرة أن الفارق بين سعر شرائه وسعر تكلفته هو التعويض الذي ستكتفي به وتقبله (!!) وعندما اعترض المصريون على شكل التعويض الغريب وليس على مبدئه (!) تدخلت الولايات المتحدة – الأب الحاني لإسرائيل – وطرحت العرض التالي:تبيع مصر الغاز المصري لإسرائيل بأقل من سعر التكلفة بكثير، وقد تم الاتفاق على تحديد ذلك السعر، وتتولى الولايات المتحدة دفع الفارق بين سعر تكلفة إنتاج الغاز وسعر بيعه لإسرائيل، للمصريين على شكل مساعدات عسكرية، هي ما غدا يعرف بـ "المعونة العسكرية" التي قلنا أنها تبلغ "1,55" مليار دولار بقسميها العيني والنقدي المشار إليهما سابقا (!!)أي أن هذه المعونة هي في الأساس والجوهر وبحسب دلالة سياق اعتمادها، معونة مقدمة لإسرائيل، كي تتمكن من شراء الغاز المصري ليس بأسعار تداوله العالمية، بل بسعر تكلفته المصرية فقط، مادامت هذه المعونة هي الفارق بين سعر تكلفة الإنتاج في مصر، وسعر البيع لإسرائيل (!!)أي أن المعونة العسكرية التي تتلقاها مصر هي فقط لكي يصبح سعر الغاز المباع لإسرائيل معادلا لتكلفة إنتاجه في مصر بدون أيِّ مكسب أو ربح يجسِّد أيَّ قيمة مضافة (!!)ويتحدثون عن معونة، ويخدعون الشعب المصري (!!!!!!)المسألة لم تتوقف عند هذا الحد في منظومة الاختراعات المصرية العجيبة، بل هي تجاوزتها إلا ما أصبح يعرف بـ "المجلس العسكري"، فكيف ذلك وما الذي نعنيه به (؟!)خلافا لـ "هيئة الأركان" التي تُعتبر هيئة عسكرية فنية متخصصة تضم قادة الوحدات والتشكيلات والقطعات العسكرية، لوضع الخطط والسياسات وقواعد الاشتباك.. إلخ، خلال المعارك على الأرض، ما يجعلها مؤسسة عسكرية تمثل ذروة سنام أيِّ جيش في العالم.. نقول.. خلافا لهيئة الأركان، جاء "المجلس العسكري" كتشكيل – وإن كان يضم القائد العام ووزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان والعديد من الضباط المختارين بعناية من هيئة الأركان ومن المسؤولين عن بعض المؤسسات العسكرية الأخرى داخل الجيش المصري – ليمثل مؤسسة غير عسكرية وغير فنية داخل الجيش، ولا صلاحيات عسكرية فنية لها، مُشَكِّلا أعلى سلطة في المؤسسة العسكرية المصرية كلها. وقد تركزت صلاحياتها في إدارة موضوع "المعونة العسكرية الأميركية" لمصر، لجهة التفاوض مع الأميركيين فيما يتعلق بكيفية توزيعها وبالمشتريات التي يحتاجون إليها، وبالخدمات اللوجيستية التي يفترض تزويد الجيش المصري بها خلال السنة المعينة بعد أن تكون قد حددتها "هيئة الأركان". وهو ما يعني أن الضباط المنضوين تحت عباءة هذا "المجلس العسكري"، تنحصر مهمتهم في عقد الصفقات وترتيبها وتنظيمها.. إلخ، مع الجانب الأميركي، ومع مؤسسات الصناعة العسكرية الأميركية، ومع المجمع الحربي الأميركي، ومع البنتاغون.. إلخ، بكل ما سيترتب على هذا الأمر من وساطات وعمولات هنا أو هناك.. إلخ (!!) أي أن هذه المؤسسة العجيبة "المجلس العسكري"، ليست سوى مجموعة من السماسرة الذين يتولون إدارة المعونة الأميركية (!!) أما القضايا الفنية المتعلقة بالمناورات والدورات العسكرية والاحتياجات العسكرية المصرية من الناحية الفنية، فهي من اختصاص هيئة الأركان التي تمثل وعاء عسكريا فنيا تخصصيا حقيقيا، دون أن يتجاوز دورها إلى أكثر من ذلك، ليكون "المجلس العسكري" الذي يتولى هذه المهمات، معقلَ الفساد المالي في الجيش المصري (!!)ولقد أُعْطِيَ المجلس العسكري صلاحياتٍ كبرى في إدارة المؤسسة العسكرية، وفي إدارة الاقتصادات التي يشرف عليها الجيش المصري من ثروة الشعب المصري، بل وقد تم تحديد دوره في الحياة الدستورية على نحو منحه السلطة لأن يكون بديلا للرئاسة وللبرلمان في حالات محدَّدَة.. إلخ (!!)وذلك لكي تبقى البُنية المصلحية الاقتصادية التي امتلكها الجيش المصري وقادته الكبار على مدى عقود من الزمن، مكفولة بضمان هيمنة تُجارِه وسماسِرَتِه عليه وعلى إرادته وعلى الشعب المصري وعلى إرادة هذا الشعب (!!)ولمن لم ينتبه إلى دلالات ما قلناه بشأن العلاقة بين تسعير الغاز المصري لإسرائيل والمعونة الأميركية، فإن مصر لا تستطيع تغيير سياستها الغازية تجاه إسرائيل، لأن ذلك سيترتب عليه توقف المعونة الأميركية العسكرية لمصر التي ليس لها أيُّ مبرر سوى تعويض الفارق بين التكلفة وسعر البيع (!!)صحيح أن المصريين يستطيعون تحمُّلَ ذلك إن هم قرروا إلغاء صفقات الغاز المصري إلى إسرائيل، والتنازل عن المعونة الأميركية إلى مصر، بأن يعيدوا رفع سعر الغاز المصري المباع لإسرائيل ليعوضوا خسارة تلك المعونة، بل ربما ليضيفوا إلى ذلك أرباحا حقيقية لخزينة الدولة تقتضيها القيَم المضافة في مثل هذه الحالة، إلا أن المجلس العسكري سيخسرُ كثيرا لو حصل ذلك، لأنه يعني ألا يمتلك سلطةً على ثروة سائبة مقدارها "1,55" مليار دولار يرتع فيها كبار ضباطه عبثا وفسادا كيفما يشاء، لأن مداخيل الغاز ستتحول إلى خزانة الدولة، وليس إلى خزانة الجيش التي تقع خارج أيِّ مساءلة يخضع لها دخل الدولة وإيراداتها التي تدخل إلى خزينتها، وهو ما يعني أن تحويلَها له من جديد يتطلب تشريعات وقوانين لا يضمن الحصول عليها وتمريرها بدون رقابة البرلمانات ومؤسسات الرقابة على المال العام في الدولة المصرية (!!)أي أن المجلس العسكري يُفَضِّل الاستفادة مما هو قائم من آلياتٍ تتيح له العبثَ بأموال الشعب المصري، فهذا أضمن وأدعى لعدم مساس حقوقه ومكتسباته وامتيازاته الاقتصادية، بدل أن يجدَ نفسَه مُضطرا لأن يدفعَ باتجاه استصدارِ تشريعات قد لا يحصل عليها، للإبقاء على هذه الثروة متاحة له بدون رقابة، عبر إيرادات غازِ الشعب المصري إذا أصبحت أسعارُه متناسبة مع الأسعار العالمية للغاز (!!)نضيف كلمة أخيرة في هذا السياق، وهي أن أيَّ ضابط طموح في أيِّ مؤسسة عسكرية في العالم، يجد تجسيدَ طموحه في الارتقاء في رتبته العسكرية، عبر إنجازاته وإبداعاته العسكرية، أو عبر التراتبية العسكرية التقليدية، لينهيَ حياته العسكرية بعضوية "هيئة الأركان"، ليسجِّله شعبه في قوائم كباره وأصحاب المجد فيه، فضلا عن حصوله على تكريمٍ لائق عبر دخلٍ مشروعٍ وعالٍ يضمن له حياة كريمة ومشرِّفَة بعد إحالته إلى التقاعد.. نقول.. هذا هو الوضع الطبيعي لأيِّ ضابط عسكري محترف وطموح يقدِّس الحية العسكرية ويحلم بالأمجاد العسكرية في أيِّ جيشٍ في العالم (!!) إلا أن هذا الطموح تحوَّلَ في الجيش المصري مع ظهور "المجلس العسكري" بتلك التوليفة المشار إليها، نشأة وغاية وتشكيلا، إلى طموح ثانوي يتقلص الحماس باتجاهه، من قبلِ عدد كبير من الضباط الطموحين من الذين سيشكلون القادة الحقيقيين لمختلف مفاصل الجيش وتشكيلاته وقطعاته ووحداته.. إلخ، بعد أن أصبحت أمام أعينهم مؤسسة أخرى، لا تتطلب الكفاءة والخبرة والحرفية العسكرية العالية والروح القتالية التي تقدس المجد العسكري الوطني لذاته للحظوة بعضويتها والاستفادة من المال السائب الذي يُضَخُّ إليها بمئات الملايين من الدولارات سنويا، بقدرِ ما تتطلب نوعا من الولاءات غير العسكرية في جوهرها، تتيح لهم الفرصة كي يحقِّقوا منافعَ مالية ومنافعَ مادية كبيرة، ألا وهي مؤسسة "المجلس العسكري" (!!)وعندما يغدو الطموح الأهم أمام كلِّ أو معظم الضباط الأذكياء الطموحين، هو أن يتمكنوا من الانضمام بعضوية فاعلة ومنتفعة إلى هذا المجلس بكل صلاحيات "التجارة وعقد الصفقات"، و"السمسرة والوساطات"، و"الاغتناء غير المشروع وغير الخاضع لأيِّ رقابة" المتاحة أمام أعضائه، فمن الطبيعي أن تتغيرَ الروح المسيطرة على ذلك الجيش وعلى كبار ضباطه (!!) هذا هو المجلس العسكري في مصر.وهؤلاء هم من يحكمون مصر حاليا.ولهذا السبب ولأسباب شبيهة به جاءوا إلى الحكم وليس لأيِّ سبب آخر، والشعب المصري غافل عن ذلك مع الأسف.
وهذا هو العنوان العسكري العظيم الذي يُراد للمصريين أن يفهموا أنه متفرغٌ تفرغا كاملا للحياة وللمهمات العسكرية الحقيقية والخالصة، وأنه ليس فيه مجموعة من التجار والسماسرة والوسطاء وعشاق الصفقات، الذين يحملون أعلى الرتب العسكرية ويستغلون قداسةَ المجد العسكري لتحقيق مصالحهم ومكتسباتهم الخاصة، والدفاع عنها حتى الرمق الأخير (!!)
المشروع السياسي للمجلس العسكري في ضوء البدائل المتاحة أمام الانقلابيين (!!)إن كل ما حدث وما يحدث في مصر منذ الإعلان عن تنحي الرئيس "مبارك" عقب أحداث ثورة 25 يناير 2011 وحتى الآن يصب – من خلال ممارسات المجلس العسكري – في خانة إعادة إنتاج الدولة المصرية لتحافظَ على البُنْيَة المصلحية والطبقية التي تجسِّد واقع الجيش وواقع مكتسباته وامتيازاته دون أن تُمَسَّ، هذا إن لم تفعَّلَ وتنمو وتتطورَ، مع أخذ بعض مستجدات ما بعد ثورة يناير في الاعتبار إذا كان ذلك ضرورة لا مفر منها، رغم أن محوَ هذه الثورة من الذاكرة الجمعية للمصريين كان هدفا إستراتيجيا اشتغلَ الجيش على تحقيقه تأسيسا لثقافةٍ جديدة قادرة على احتضان المشروع السياسي للمجلس العسكري (!!)ولأجل تحقيق ذلك والحفاظ على شكل الدولة القادر على تمريره، فإن الانقلابيين اتبعوا ويتبعون إستراتيجية تشكيل الدولة المصرية حسب الممكن والمتاح والمقدور عليه، وفق تسلسل في البدائل والأولويات الأربعة التالية..البديل الأول.. إستعادة الدولة البوليسية بشكل كامل (!!)وذلك عبر استعادة الدولة التي تسيطر أجهزة المخابرات والأمن والجيش على مختلف مفاصل الحياة والإدارة فيها، وعبر منع ممارسة الحريات والتحكم في مدياتها المتاحة بشكل استبدادي كامل.وسوف تعتمد هذه الدولة البوليسية على تغذية الشعور القطري الشوفيني بالهوية المصرية العنصرية الاستعلائية المسحوبة إلى الأصول الفرعونية، فيما بدأنا نستشفُّ ملامح الثقافة الغاذية له في الخطاب الإعلامي البائس لمرحلة ما بعد الانقلاب، في شيءٍ شبيهٍ بما راج في مرحلة معينة من الحِقْبَة الساداتية. وذلك بغرض نشر حالةٍ من التعصب الهوياتي "المصراوي" الذي يُفَكِّكُ الروابط بين مصر وبين العالمين العربي والإسلامي. وذلك تحت شعار حماية الهوية القطرية المصرية من الأخطار التي تتعرض لها تلك الهوية. إن كل الانقلابات العسكرية التي تهدف إلى استعادة مُكَوِّنات دولة بوليسية سابقة، تبدأ مسيرتَها في السلطة وإدارة الدولة بالتخلص من الخصوم السياسيين الحقيقيين والأصليين الذين هم في الحالة المصرية "الإسلام السياسي" عموما، و"الإخوان المسلمين" بالدرجة الأولى. ثم تبدأ بعد ذلك بالتخلص من القوى السياسية التي أيدت الإنقلاب كي لا تتصور هذه الأخيرة أن بإمكانها أن تكون شريكة في الحكم وفي إدارة الدولة على وجه الحقيقة. وهكذا وفي نهاية الأمر، لا يبقى على رأس السلطة سوى الفئة التي نفذت الانقلاب، من بقايا النظام السابق ودولته العميقة. ولقد وجد هذا المخطط تأييدا واسع النطاق من الأنظمة العربية العربية التي يقوم فيها الحكم على تزاوجٍ بين "الثروة" و"السلطة"، عبر تحالف طبقي مصلحي يضم "الكومبرادور" و"البيروقراط"، وهي الأنظمة التي تُجسِّد جميعها هذه الفلسفة التي تعمل على ترسيخ القُطرية، عبر خلق الهويات المحلية المفصولة بشكل حقيقي عن الارتباط بالهوية القومية والإسلامية.
كما أننا رأينا كيف حصل الانقلاب على تأييدٍ خجول من الدول الغربية عامة، ومن الولايات المتحدة خاصة. ولقد كان التأييد خجولا ومتذبذبا بسبب خشية هؤلاء من فشل الانقلاب الذي يرغبون في نجاحه، كي لا يتحملوا مسؤولية فشله إذا فشل. أما إسرائيل فلا أحد يستطيع إنكار أنها كانت مؤيدة تأييدا علنيا وواسع النطاق للانقلاب، بعد أن عجزت عن السيطرة على انفعالاتها السياسية، فلم تستطع إخفاء فرحتها به، رغم أن قادتَه وأبواقَه الإعلاميين حرصوا وما يزالون على تنظيف صفحتهم وشيطنة صفحة النظام السابق "نظام مرسي"، عبر وصمهم بالتحالف بهذا الشكل أو بذاك مع إسرائيل والولايات المتحدة، لنزع غطاء الشرعية الشعبية عنهم.
البديل الثاني.. إقامة دولة علمانية عسكرية (!!)وهو البديل الذي سيتم اللجوء إليه في حال فَشِلَ الانقلابيون في استعادة الدولة البوليسية كاملةً بسبب الرفض الشعبي. والدولة العلمانية العسكرية التي يسعى إليها انقلابيو مصر كبديل من البدائل المتاحة أمامهم، هي دولة شبيهة تماما بالدولة العلمانية العسكرية التي أقامها "مصطفى كمال أتاتورك" في تركيا، والتي لم يتم كَنْسُها من الحياة التركية إلا على أيدي حزب "العدالة والتنمية". وهو ما يفسِّرُ لنا سرَّ عداء ذلك الحزب وقادته للانقلابيين الذين يعتقِدُ قادة تركيا أنهم يؤشرون على مقدماتِ نموذجِ مصري علماني عسكري طغياني فاشيستي متطرف في علمانيته، كذلك النموذج التركي الذي عَزَلَ تركيا عزلا كاملا عن محيطها الإسلامي، وأغرقها في هويتها القطرية الطورانية العنصرية. وهو أيضا ما يفسرُ لنا سرَّ هذا العداء الذي يُكِنُّه قادة الانقلاب لأيِّ تصريحٍ تركي رسمي يعادي الانقلاب ويطالب بإعادة الشرعية، خلافا للموقف من المعارضين الآخرين الذين لا تنطوي معارضتهم للانقلاب على هذه الدلالات الخطيرة المنطواة في المعارضة التركية له. والدولة العلمانية العسكرية هي دولة تُفْرَضُ فيها العلمانية شديدة التطرف في عدائها لأيِّ مظهر من مظاهار الهوية الدينية للدولة، عبر نصوص دستورية قاطعة غير قابلة للتعديل، وتَمْنَحُ القوات المسلحة صلاحيات مطلقة وواسعة لحماية هذه العلمانية من قبل أعدائها أيا كانوا. وبالتالي يصبح من حق القوات المسلحة الانقلاب على أيِّ سلطة تنفيذية أو تشريعية مُنْتَخَبَة من قبلِ الشعب بحجة خطرها على العلمانية وتهديدها لها، فتتفرغ العملية الديمقراطية من مضمونها، لتغدوَ عسكرية المذاق، مثلما حدث في تركيا على مدى عقود سبقت وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة هناك. وفي سياق بديل كهذا ستنحصر كافة القوى التي أيدت الانقلاب نفسها في واحدة من فئتين: الأولى التي تكون قد أيدت الانقلاب اعتقادا منها بأنه سيستعيد لها الديمقراطية التي أُفْهِمَت أنها مفقودة. وستجد هذه الفئة نفسَها وقد خُدِعَت واستُغِلَّت وأنه قد غُرِّرَ بها.والثانية التي تكون قدد أيَّدته تأييدا راجعا إلى فئويتها وطبقيتها التي رأت في عسكرة الدولة حماية لها أساسا. وهذه ستشاركة الحكم كأدوات تمرِّرُ إرادةَ الجيش ليس إلا. وفي نموذج الانقلاب المصري الذي نحن بصدده، نجد ثوار 25 يناير وبعض النخب السياسية والثقافية ضمن الفئة الأولى، فيما نجد بقايا النظام السابق، وبلطجيته، ودولته العميقة، وأبواقه الإعلامية، وطبقة الكومبرادور والبيروقراط التي كانت منتفعة من وجوده وشكل إدارته للدولة، في الفئة الثانية. أما من ناحية ثقافة الهوية التي ستسود في حال تمَّ اللجوء إلى هذا البديل، فهي شبيهة بتلك التي تطلبتها الدولة البوليسية، وهو الاستغراق في مُكونات الهوية القطرية العنصرية المتعصبة القائمة على تفكيك ارتباطاتها بالهويتين العربية والإسلامية. وفي "الدولة العلمانية العسكرية" يتم الحفاظ على شكلانية الانتخابات والاستفتاءات وتشكيل الأحزاب، ولكن في وعاء نصوص دستورية تمنحُ سلطاتٍ سياسية واسعة للجيش، بغرض حماية الدولة والهوية والعلمانية من المعتدين عليها، فضلا عن منح قوة غير عادية للسلطة القضائية على نحوٍ يجعل الجيشَ والقضاء قوى فوق السُّلُطات المُنتَخبة شعبيا، سواء كانت سلطة تشريعية أو سلطة تنفيذية. أما بالنسبة للمواقف الغربية عامة والأميركية خاصة من هذا النموذح البديل للدولة البوليسية، فهو موقف مساند له تماما، ويعتبر هو السيناريو الأفضل بالنسبة للدول الغربية. ولا يفوتنا أن نذكِّر في هذا السياق بأن استعادة تركيا لنموذج علمانية أتاتورك العسكرية، يُعتبر حلما يراود الغربيين عموما. وأما بخصوص الموقف العربي الوظيفي من هذا البديل، فهو مساندٌ له أيضا لأنه سوف يُحَقِّق للوظيفية العربية القائمة على تحالفِ البيروقراط والكومبرادور نتيجتين هامتين هما: التخلص من تأثيرات الربيع العربي والتحول الدديمقراطي.التحرر من تأثيرات نموذج إسلامي مدني ديمقراطي، سينجح في التوفيق بين العلمانية المعتدلة والهوية الإسلامية، مهددا النماذج الإسلامية القائمة إما على الإيغال في لا مدنية الدولة، وإما على تفريغ الهوية الإسلامية من أيِّ مضمون ترابطي مع باقي مكونات الهوية الإسلامية على صعيد التحالفات وحضارية المشروع. وهو ما يجعلنا نتفهم السِّرَّ في موقف السعودية التي لا ترغب في رؤية نموذج إسلامي مغاير لنموذجها الظلامي، في أكبر دولة عربية، يُذَكِّرُها بأنها جعلت من الإسلام الذي تُسَوِّقُه للعالم نموذجا للظلام والتخلف. وهو ما يجعلنا نتفهم أيضا السِّرَّ في موقف الدول الوظيفية التي تُسَوِّقُ الإسلام المهادن والمُفَرِّق والانعزالي داخل دولها.البديل الثالث.. إقامة دولة علمانية قضائية (!!)في حال فَشِلَ الانقلابُ في تحقيق البديل السابق وهو "الدولة العلمانية العسكرية"، بسبب ضغط شعبي أشعره بعدم قدرته على منح صلاحيات سياسية واسعة للمؤسسة العسكرية في النصوص الدستورية، فإنه سيلجأ إلى القيام بحركةٍ التفافية توحي بشيء من البعد النسبي عما يُخْشَى أن يكون عسكرة للدولة، وذلك عبر منحِ السلطات الدستورية التي كان يريدها الجيش لنفسه، إلى السلطة القضائية، جاعلا من أعلى مؤسساتها وهي "المحكمة الدستورية" حاميا للعلمانية، بمنحها سلطاتِ عزلِ الرؤساء، وحل البرلمانات، في حال حصول ما يهدد الهوية العلمانية للدولة، ليكون هو مختبئا بسلطته الواقعية خلف هذه السلطة الممنوحة للقضاء الذي سيصبح سلطة فوق الدولة ككل، ولتكون إرادةُ رهطٍ من القضاة متحكمة في الإرادة الانتخابية لكامل الشعب بسلطتيه التشريعية والتنفيذية. وهو ما يعني أن يقوم الجيش وبسلطة الدستور بتنفيذ أيِّ حكمٍ تصدره السلطة القضائية ممثلة في "المحكمة الدستورية" بشأن حل البرلمانات، أو عزل الرؤساء والحكومات، بحجة الخطر الذي يتهدد علمانية الدولة. وبهذا يحقِّقُ الانقلابيون لأنفسهم عسكرةً كاملة للدولة بغطاء السلطة القضائية نفسها.البديل الرابع.. إقامة دولة عسكرية بغطاء إسلامي (!!)إن هذا البديل الذي يُعْتَبُر استنساخا للنموذج "الباكستاني"، سيتم اللجوء إليه في حال فشل الخيارات الثلاثة السابقة بسبب الضغوطات الشعبية وعجز المؤسسة العسكرية وقادة الانقلاب عن تمرير أيِّ ترتيبات دستورية تحقِّقُ لهم دولةً بواحد من الأشكال الثلاثة السابقة.
وفي هذا البديل سوف يُنْجِزُ الانقلابيون دستورا لا ينصُّ على علمانية الدولة، ولا يسحب منها هويتها الإسلامية، ولكنه سيمنحُ للجيشَ سلطاتٍ واسعةً لحماية "الشرعية الدستورية"، جاعلا من هذه الشرعية مجالا رخوا يجسِّد "قميصَ عثمانٍ" يبرِّرُ التدخل العسكري لفض الاشتباكات المحتملة بين السلطات المنتخبة من جهة، وبين تلك الشرعية الدستورية من جهة أخرى. ولأن المتوقع أن تكثرَ حالات المساس بهذه الشرعية المتعارضة أصلا مع طبيعة المُخرجات الانتخابية المتوقعة من وقتٍ لآخر، فإن صلاحيات التدخل الممنوحة للجيش دستوريا ستجعل تدخله سهلا وغير معرقل بنصوص دستورية.
ولعل مبادرة واضعي الصيغة الأولى للتعديلات الدستورية، بسحب الولاء لرئيس الجمهورية من قبل الجيش في "القَسَم" هو بداية الطريق لتحرير الجيش المصري من الخضوع للسلطة التنفيذية، كي يكونَ انقلابه عليها عند اللزوم أمرا مفهوما وليس فيه خروج على الشرعية التي ستكون ممنوحه له هو دستوريا وليس للسلطات المنتخبة سواء كانت تشريعية أو تنفيذية. إن هذا البديل يكشف إذا تمَّ اللجوء إليه عن أن الانقلابيين لم يتمكنوا بسبب الضغط الشعبي من تمرير العسكرة المباشرة للدولة تحت غطاء البوليسية، أو العلمانية العسكرية، أو العلمانية القضائية، فآثروا استرضاءَ الفئات الشعبية الواسعة، عبر الحفاظ على الهوية الإسلامية للدولة، ومنح صلاحيات واسعة للجيش، لتكون العسكرة قد تمت بغطاء إسلامي مُفَرَّغٍ من مضمونه الترابطي والوحدوي والتقدمي والتغييري، جاعلةً منه شعارا بلا قيمة، لمجرد الخداع والتضليل وتمرير العسكرة المبتغاة من تحت إبطه، تماما كما هو الحال في "النموذج الباكستاني". ولعل تمرير مثل هذا البديل يغدو أمرا ممكنا وقادرا على الحفاظ على خطة الانقلابيين بعسكرة الدولة عبر السيطرة العسكرية الكاملة على المؤسستين الهامتين لهذا الغرض، وهما "القضاء" و"الأزهر". فبالأولى يتمُّ ضمان "قوننة العسكرة"، وبالثاني تتمُّ "أسلمة العسكرة"، وينتهي الموضوع بتجسيد العسكرة قانونيا وإسلاميا.
في هذا البديل يجد الاتقلابيون أنفسهم وهم يعتمدون على مؤسسة رسمية مثل الأزهر لأسلمة مشروعهم الانقلابي، معنيين باعتماد "الهوية الإسلامية" الرسمية المُفَرَّغَة من أيِّ مضمون حضاري، لتصبحَ جزءا من مُكونات الهوية المصرية القطرية الشوفينية، دون أن يتمدد مفهوم الهوية الإسلامية للمصريين إلى أيِّ فضاءات حضارية خارج الإطار القطري المصري.
وإذا حاولنا أن نستقرئَ المواقف الخارجية من هذا البديل، فإننا نستطيع الجزمَ بأنه بديل قد يحظى بقبول عربي وظيفي رسمي لأنه لا يختلف كثيرا عن بُنْيَة تلك الأنظمة الوظيفية أصلا. بينما سيضطر الغرب للقبول به عند الضرورة وعندما يكون هو الخيار الوحيد المتاح في ظل فشل الخيارات والبدائل الأخرى. فأمام واقعٍ يؤكد على أن الانقلابيين ومن ورائهم كافة الوظيفيات العربية، وعلى رأسها بالأخص السعودية، يفضلون نجاح الانقلابيين في تمرير النموذج البوليسي للدولة، ويؤكد على أن الغربيين يفضلون النموذج العلماني للدولة، سواء كان نموذجا لعلمانية عسكرية مباشرة، أو لعلمانية عسكرية غير مباشرة بغطاء قضائي، فهذا يعني ألا أحد يقبل بنموذج الدولة العسكرية بغطاء إسلامي رغم شكلانية هذا النموذج، إلا عند الضرورة، مادامت هي الضرورة التي ستكون قد نجحت في إخراج الانقلابيين من مأزق المقاومة الشعبية لمشروعهم المتمثل في العمل على عسكرة الدولة، بهذه الخدعة التي تُقَدَّمُ كطعم للمصريين يظهرهم وقد حافظوا على هويتهم الإسلامية، دون أن ينتبهوا إلى أنهم حافظوا عليها مُفَرَّغَة من أيِّ مضمون حضاري عالمي.إن تحرك مشروع الانقلاب على مدى المسافة الممتدة من نموذج "الدولة البوليسية"، وحتى نموذج "الدولة العسكرية بغطاء إسلامي"، مرورا بنموذجي العلمانية "العسكرية" و"القضائية"، مرتبط بزخم المعارضة الشعبية لمشروع الانقلاب ذاك.
فعندما تكون الحركة الشعبية المعارِضَة في أدنى مستويات زخمها وفي أضعف طاقتها، فإن الانقلابيين يجدون أنفسهم قادرين على تجسيد الخيار الأنسب بالنسبة لهم، ألا وهو خيار "الدولة البوليسية" الذي يمثل استعادةً لنظام "مبارك" بأسوإ ما فيه من بوليسية ومخابراتية.
وإذا تفعَّل زخم المعارضة الشعبية للمشروع الانقلابي، فإنه سيدفع بالانقلابيين وذلك بحسب مستوى ذلك الزخم، إلى الانتقال إلى الخيارات والبدائل الأخرى الممكنة والمتاحة ضمن جعبة مشروع الانقلاب، بدءا بالنموذج "العلماني العسكري"، مرورا بالنموذج "العلماني القضائي"، وانتهاء بالنموذج "العسكري الإسلامي". إلا أن زخم المعارضة الشعبية كي يستعيد ثورة 25 يناير وينقذها من الرِّدَّة من جهة، ومن الأخطاء من جهة ثانية، فإن على القيادات الثورية الجديدة أن تنميَ ذلك الزخم الشعبي المعارض على نحوٍ يجعله قادرا على إفشال الانقلاب ككل، لإسقاط كلِّ منجزات 30 حزيران 2013، والعودة من جديد إلى متطلبات الثورة الحقيقية التي لم تُسْتَكْمَل في 11 فبراير 2011، بأن تفرضَ تلك القيادات على المؤسسة العسكرية وعلى النظام الحالي ككل "مجلسا لقيادة الثورة"، و"محكمة ثورية"، يخضع الجميع لهما، مُسقطين المشروعية الدستورية لمؤسستي "القضاء" و"المجلس العسكري"، لتبدأ مسيرة الشعب المصري الجديدة في تجسيد الثورة على أرض الواقع من جديد.وما لا شك فيه أن الشعب المصري وهو يستعيد ثورته على نحو ينقذها من كافة مثالبها، سواء تلك التي جعلت الإخوان المسلمين يقفزون عليها منذ "موقعة الجمل"، أو التي جعلت الجيش يلتف حولها لاستعادة النظام السابق منذ تنحية الرئيس مبارك، لن يقع في الخديعة مرة أخرى، ولن يثق في الجيش ليسلمه رقبة ثورته الراهنة بعد ما خبر لعبتَه التي أصبح واضحا أنها تريد إعادة إنتاج الدولة المصرية على أسس غير مدنية، تحافظ على مكتسبات المجلس العسكري الاقتصادية والسياسية باعتبارها مقدسات وثوابت تعلو على كل حقوق الشعب المصري بأكمله.لم تعد المسألة إذن مسألة ما يقال أنه استعادة للشرعية أو عودة للرئيس مرسي، وإنما هي مسألة إعادة إنتاج وعي الشعب المصري بأن مصر إن لم يتمَّ إنقاذها من هذا المشروع الانقلابي، ليتمَّ إنتاج ثورتها من جديد على قواعد سليمة تحميها من قفز القافزين ومن التفاف الملتفين، فإنها ستدخل في نفقٍ مظلم لعقود قادمة من الاستلاب العسكري المستبد، وسيتم شطبُ الربيع العربي من الذاكرة الجمعية للشعوب العربية، وسوف تخلد الأنظمة الوظيفية ومن ورائها العلاقات الإمبريالية الصهيونية في الإقليم، إلى الراحة والهدوء والأمان لثلاثين عاما مقبلة سيتم اقتطاعها من عمر مستقبلنا ومستقبل أبنائنا.