خلاصة وزبدة التجاذبات في المشهد المصري..

الجيش المصري سيفشِل "المعارضة المدنية" كما أفشَلَ "الإخوان المسلمين"، لأنه يريد أن يستلم السلطة ويعيد تشكيل الدولة وفق خطته التي تحفظ مكتسباته وتضمن استمرار الروح "العسكرية" للدولة في حاضنةِ "مدنيةٍ ناعمةٍ ورخوة، استعددا لتهيئة مصر لأن تكون بالوعة قاذورات مستقبل الإقليم على أساس فلسفة "العجز عن الهجوم" بسبب "العجز عن الدفاع"..

وخطته هذه تتعارض مع بُنيَة "الدولة الدينية" التي يقال أن الإخوان كانوا يسعون إلى تجسيدها في مصر..

وهي تتعارض أيضا مع "الدولة المدنية" التي تتبناها المعارضة..

والتعارض في الحالتين غير قائم لا على "دينية" الدولة في ذاتها، ولا على "مدينية" الدولة في ذاتها أيضا..

وإنما يقوم ذلك التعارض على واقعة أن الطرفين "المدني" و"الديني"، أيا كان المهيمن منهما على الدولة وعلى فلسفستها وسياستها العامة، سوف يشكلان الدولة على نحوٍ يحجِّم الدور السياسي والاقتصادي للجيش..

فالمؤسسة العسكرية بالذات لن تتأثر لا سلبا ولا إيجابا، لا بمدنية الدولة ولا بدينيتها، إذا تم تشكيلها في الحالتيتن على أساس الامتناع فقط عن التدخل في مكتسبات الجيش وسيطرته على المفاصل التي تعوَّد على السيطرة عليها والتحكم فيها، سياسيا واقتصاديا..

فإن لم تتزايد مظاهرات أنصار مرسي والإخوان المسلمين في الشارع، وإذا لم يلجأوا إلى استخدام العنف، على نحوٍ يُظْهِرُ ارتباكَ وعجزَ النظام الجديد، بما يبرر تدخل الجيش لحماية أمن واستقرار الدولة، فإن الجيش سوف يعمل على إظهار عجز هذا النظام الجديد بمحاصرته على نفس النحو الذي كان يمارسه مع نظام الرئيس مرسي..

لذلك على المؤيدين لمرسي ألا يفرحوا كثيرا بارتفاع وتيرة المظاهرات المؤيدة لعودته عندما ترتفع تلك الوتيرة، وعلى معارضيه ألا يفرحوا أكثر إذا تقلصت وتراجعت..

لأن الحالة الأولى تعني في حسابات الجيش أن الخطة تسير بالشكل المطلوب، وأن ذروة التوتر في البلاد أصبحت قاب قوسين أو أدنى، وأن لحظة قفز الجيش إلى السلطة تقترب، مادام العنف يطل برأسه، ومادامت نذر الفتنة التي تقتضي تدخله الحاسم للأمور تعصف بالبلاد..

كما أن الحالة الثانية تعني أن الجيش سوف يلجأ إلى قواه العميقة لخلخلة قواعد السلطة الجديدة، كي يمتلك المبررات نفسها لفعل ما فعله مع الإخوان ومرسي..

ولأن البديل السياسي "الثالث" غير موجود في مصر عندما يتجلي فشل "المدنيين" وعجزهم كما سبق وأن تجلى فشل "الإسلاميين" وعجزهم، فلا بديل محتمل سيتمناه الشعب وسيدعو إليه وسيقبل به، إلا "البديل العسكري"..

وهو المطلوب بناء على مُكونات خطة "الجيش المصري"، لتشكيل الدولة على الهوى العسكري المعشَّق بالمدنية الرخوة..

فإن لم يشتعل الشارع المصري لكي يتدخل الجيش..

فإن المدنيين المهووسين بالكذبة المخادعة التي أوصلتهم إلى السلطة سيفشلون كما فشل الإخوان من قبلهم، لكي يتدخل الجيش..

يتضح إذن أن الحالة الوحيدة التي ستمنع الجيش من التدخل، وتعيده إلى ثكناته صاغرا دون أطماع سياسية واقتصادية، والتي ستحافظ على أفق المدنية الحقيقية للدولة بعيدا عن عبث قادة الجيش، هي أن يلتقي الطرفان "المدنيون" و"الإسلاميون" في منتصف الطريق بعيدا عن وصاية الجيش، وأن يقبل كل واحد منهم بنصف الحل، فذلك خيرا من أن يخسر الطرفان الحل كلَّه (!!)