القصص الواهية :قصة توبة ثعلبة رضي الله عنه .

--------------------------------------------------------------------------------

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين صلى الله عليه وسلم .
أيها الأخوة في الله : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

أحببت أن أبين لكم قصة موضوعة تناولتها المنتديات وهي قصة ثعلبة بن عبد الرحمن رضي الله عنه :

وعند البحث عنها وجدت من أورد القصة وخرجها بما فيه الكفاية - جزاه الله خيرا - وسأنقله لكم كاملا من مجلة التوحيد وهي مجلة إسلامية ثقافية تصدر عن جماعة السنة المحمدية بمصر .

ونقلتها لكم من الموقع الإلكتروني :



قصة توبة ثعلبة بن عبدالرحمن رضي الله عنه
إعداد : علي حشيش
نواصل في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم حتى يقف على حقيقة هذه القصة التي اشتهرت على ألسنة الوعاظ والخطباء والقصاص، ولقد اشتهرت هذه القصة على لسان واعظ اشتهر اسمه ووعظ ببغداد والشام ومصر كما سنبين للقارئ الكريم مما أدى إلى ذيوع قصة توبة ثعلبة بن عبد الرحمن واشتهارها، كذيوع واشتهار قصة ثعلبة بن حاطب التي حذرنا منها في سلسلة تحذير الداعية من القصص الواهية في الحلقة (15)، وإلى القارئ الكريم تخريج هذه القصة وتحقيقها:

أولاً: متن القصة: رُوِي عن جابر بن عبد الله: أن فتى من الأنصار يقال له: ثعلبة بن عبد الرحمن أسلم فكان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم ، بعثه في حاجة فمر بباب رجل من الأنصار، فرأى امرأة الأنصاري تغتسل، فكرر النظر إليها، وخاف أن ينزل الوحي على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فخرج هاربًا على وجهه، فأتى جبالاً بين مكة والمدينة فولجها، ففقده رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أربعين يومًا، وهي الأيام التي قالوا ودعه ربه وقلى. ثم إن جبريل عليه السلام نزل على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فقال: يا محمد إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول: إن الهارب من بين هذه الجبال يتعوذ بي من ناري. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : يا عمر ويا سلمان انطلقا فأتياني بثعلبة بن عبد الرحمن، فخرجا في أنقاب المدينة فلقيهما راع من رعاء المدينة يقال له "ذفافة"، فقال له عمر: يا ذفافة: هل لك علم بشاب بين هذه الجبال؟ فقال له "ذفافة": لعلك تريد الهارب من جهنم. فقال له عمر: وما علمك أنه هارب من جهنم؟ قال: لأنه إذا كان جوف الليل خرج علينا من هذه الجبال واضعًا يده على رأسه وهو يقول: يا ليتك قبضت روحي في الأرواح وجسدي في الأجساد، ولم تجردني في فصل القضاء. قال عمر: إياه نريد، قال: فانطلق بهما ذفافة فلما كان في جوف الليل، خرج عليهم من بين تلك الجبال واضعًا يده على أم رأسه وهو يقول: يا ليتك قبضت روحي في الأرواح وجسدي في الأجساد ولم تجردني لفصل القضاء. قال فعدا عليه عمر فاحتضنه فقال: الأمان الخلاص من النار. فقال له عمر: أنا عمر بن الخطاب، فقال: يا عمر: هل علم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بذنبي؟ قال: لا علم لي إلا أنه ذكرك بالأمس، فبكى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فأرسلني أنا وسلمان في طلبك. فقال: يا عمر لا تدخلني عليه إلا وهو يصلي وبلال يقول: قد قامت الصلاة قال: أفعل. فأقبلا به إلى المدينة، فوافقوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو في صلاة الغداة، فبدر عمر وسلمان الصف فلما سمع قراءة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خر مغشيًا عليه، فلما سلم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: يا عمر، ويا سلمان، ما فعل ثعلبة بن عبد الرحمن؟ قالا: هو ذا يا رسول الله. فقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: ثعلبة؟ قال: لبيك يا رسول الله، فنظر إليه فقال: ما غيبك عني؟ قال: ذنبي يا رسول الله، قال: أفلا أدلك على آية تكفر الذنوب والخطايا؟ قال: بلى يا رسول الله. قال: قل اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. قال: ذنبي أعظم يا رسول الله، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "بل كلام الله أعظم" ثم أمره رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالانصراف إلى منزله، فمرض ثمانية أيام، فجاء سلمان إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فقال: يا رسول الله، هل لك في ثعلبة نأته لما به، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : قوموا بنا إليه، فلما دخل عليه أخذ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رأسه فوضعه في حجره فأزال رأسه من حجر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : لِمَ أَزَلْتَ رأسك عن حجري؟ قال: إنه من الذنوب ملآن، قال: ما تجد؟ قال: أجد مثل دبيب النمل بين جلدي وعظمي. قال: فما تشتهي؟ قال: مغفرة ربي. قال: فنزل جبريل عليه السلام على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فقال: إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول: لو أن عبدي هذا لقيني بقراب الأرض خطيئة لقيته بقرابها مغفرة، فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "أفلا أعلمه ذلك؟" قال: بلى، فأعلمه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بذلك فصاح صيحة فمات، فأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بغسله وكفنه، وصلى عليه، فجعل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يمشي على أطراف أنامله، فقالوا: يا رسول الله، رأيناك تمشي على أطراف أناملك؟ قال: والذي بعثني بالحق نبيًا ما قدرت أن أضع رجلي على الأرض من كثرة أجنحة من نزل لتشييعه من الملائكة.
ثانيًا: التخريج: هذه القصة أخرجها أبو نعيم في "الحلية" (9-329)، وابن قدامة في كتاب "التوابين" (ص72) من طريق سليم بن منصور بن عمار قال: حدثني أبي عن المنكدر بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جابر بن عبد الله الأنصاري به.
ثالثًا: التحقيق: لقد أورد هذه القصة الإمام ابن حجر في "الإصابة" (1-405-925) ثم قال: قال ابن منده بعد أن رواه مختصرًا: "تفرد به منصور".
ثم قال الحافظ ابن حجر: قلت: وفيه ضعف وشيخه أضعف منه، وفي السياق ما يدل على وهن الخبر لأن نزول "ما ودعك ربك وما قلى" كان قبل الهجرة بلا خلاف. اه.
قلت: يتبين من قول ابن منده أن هذه القصة غريبة لتفرد منصور بها.
ويتبين كذلك من قول الحافظ ابن حجر أن في القصة ثلاث علل: اثنتين منها في السند والثالثة في المتن.
فالأولى: منصور بن عمار:
1- قال الإمام الذهبي في "الميزان" (4-187-8790): "منصور بن عمار الواعظ أبو السري، خرساني ويقال بصري، زاهد شهير، وإليه كان المنتهى في بلاغة الوعظ وترقيق القلوب، وتحريك الهمم وعظ ببغداد والشام ومصر، وبَعُد صيته واشتهر اسمه".
ثم نقل عن الدارقطني قوله: "يروي عن ضعفاء أحاديث لا يتابع عليها". اه.
2- قال الإمام الحافظ ابن عدي في "الكامل" (6-393) (260-1881): منصور بن عمار أبو السرِّي منكر الحديث.
3- قال ابن أبي حاتم في كتابه "الجرح والتعديل" (8-176-777): منصور بن عمار صاحب المواعظ، سُئل أبي عن منصور بن عمار فقال ليس بالقوي صاحب مواعظ.
4- قال الحافظ العقيلي في كتابه "الضعفاء الكبير" (4-193-1771): منصور بن عمار القاصّ لا يقيم الحديث وكان فيه تجهم من مذهب جهم. اه.
ثم قال: حدثنا عبد الله بن أحمد، ومحمد بن زكريا قالا: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، وحدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثنا أبو بكر أيضًا قالا: كنا عند ابن عيينة فجاءه منصور بن عمار فسأله عن القرآن فزبره(1) وأشار عليه بالعكاز وانتهره، فقيل له: يا أبا محمد إنه رجل عابد ناسك، فقال: ما أراه إلا شيطانًا. اه.
العلة الثانية: المنكدر بن محمد بن المنكدر:
1- قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (8-406-1865): قرئ على العباس بن محمد الدوري قال: سألت يحيى بن معين عن المنكدر بن محمد بن المنكدر فقال: ليس بشيء.
ثم قال: سألت أبي عن المنكدر بن محمد بن المنكدر فقال: كان رجلاً صالحًا لا يقيم الحديث كان كثير الخطأ، لم يكن بالحافظ لحديث أبيه.
ثم قال: سئل أبو زرعة عن المنكدر بن محمد فقال: ليس بالقوي.
2- قال النسائي في كتابه الضعفاء والمتروكين رقم (579): منكدر بن محمد بن المنكدر ليسس بالقوي.
ونقل عنه الذهبي في "الميزان" (4-191-8803) أن النسائي قال: ضعيف.
3- قال ابن حبان في "المجروحين" (3-24): المنكدر بن محمد بن المنكدر قطعته العبادة عن مراعاة الحفظ والتعاهد في الإتقان فكان يأتي بالشيء الذي لا أصل له عن أبيه توهمًا فلما ظهر ذلك في روايته بطل الاحتجاج بأخباره. اه.
العلة الثالثة: قال الإمام ابن القيم في المنار المنيف فصل (6): "ونحن ننبه على أمور كلية يعرف بها كون الحديث موضوعًا فقال في فصل (22): ومنها ما يقترن بالحديث من القرائن التي يعلم بها أنه باطل".
قلت: وهكذا يتبين من قول الحافظ ابن حجر في الإصابة (1-405-945): "وفي السياق ما يدل على وهن الخبر لأن نزول "ما ودعك ربك وما قلى" كان قبل الهجرة بلا خلاف". اه.
قلت: بهذه العلل يتبين أن القصة واهية.
وهذا ما وفقني الله إليه وهو وحده من وراء القصد.


(1) زبره يزبره- بالضم- عن الأمر نهاه وانتهره. لسان العرب (4-315).



http://www.altawhed.com/Detail.asp?I...sItemID=151963