السلام عليكم

--------------------------------------------------------------------------------



مكسويل والقوى الفيزيائية للوجود

خالص جلبي
شغلت بال العلماء منذ قديم الزمان أمور وتساؤلات جوهرية؛ كطبيعة الكون؟ وطبيعة القوانين التي تسود الوجود؟ ومقدار الصدفة أو العشوائية فيها؟ والطاقة الأساسية؟ أو القوة الجوهرية التي تسود العالم؟••• وشيئاً فشيئاً تقدم العلم، وتحول قسم من عالم الغيب إلى عالم الشهادة والتجربة• فنحن لم نكن نعلم أن الدم يدور داخل أبداننا في أنابيب بطول مئة ألف كيلومتر في دورة لا تعرف التوقف إلا بالموت• أو أن المليمتر المكعب الواحد من الدم فيه خمسة ملايين كرية حمراء تعيش أربعة أشهر قبل أن تدفن في مقبرة الطحال، وأنه داخل هذه الأنابيب تسبح مادة حمراء تضم خليطاً من الخلايا يبلغ تعداد الحمراء منها في قطرة الدم الواحدة ما يزيد على خمسة ملايين كرية، ولو جمعنا كريات الدم الحمراء التي يبلغ قطر الواحدة منها سبعة ميكرونات فوق بعضها بعضا لوصلنا إلى القمر ويزيد•
ونحن لم نكن نعلم أن جسمنا يأخذ خمسمائة مليار نسخة من ''الكود الوراثي'' لبناء الجسم بدون خط واحد، ونحن لم نكن نعلم طبيعة القوى الأساسية في هذا الوجود حتى تم الاهتداء تدريجياً إلى أنها خمس قوى: الكهرباء والمغناطيس والجاذبية وقوى النواة الموجبة والسالبة• وبذل العالم آينشتاين جهداً خرافياً في سنوات عمره الأخيرة ضمن عمل زاد عن ربع قرن للوصول إلى قانون أساسي واحد يضم كل طاقات الكون الخمس، ولكنه عجز، واعترف بذلك• لكن الفيزيائي البريطاني مكسويل نجح فيما عجز عنه الآخرون، ومن ثم يعتبر أحد أعظم الفيزيائيين الذين جاءوا منذ نيوتن ثم آينشتاين• فالأول أسس الفيزياء التقليدية والثاني جاء بالنسبية محطما القوانين التقليدية، أما الاختراق المعرفي الذي حققه مكسويل فهو ملاحظاته عن الأثر المتبادل بين المغناطيس والكهربــاء، وكـــان حلمـــه مثل كــل العلمـــاء النوابـــغ، أن يفهــم العديــد من الظواهــر فــي إطار قانــون واحد يضمها جميعا• واليوم يقول العلماء بشــيء غريب هــو أن هــذه القــوى الخمــس كانـت بعــد فترة الانفجار العظيم قـوة واحــدة موحــدة ثم انشطرت إلى خمس قــوى معروفــة•
ونظرية الانفجار العظيم تقول إن الكون كان بعد أن لم يكن موجودا• وحدث هذا قبل 15 مليار سنة، وكل الوجود مضغوطاً في حيز أقل من بروتون واحد، وفي أقل من سكستليون من الثانية انفجر، والسكستليون هو رقم عشرة مرفوعا إلى ،36 وبعد ذلك بدأ الكون في الولادة والتشكل، فظهرت نويات الذرات ثم تشكلت الذرات المختلفة ثم تشكلت كل المجرات• وهذا الكلام لا يمكن أن يفهم إلا في ضوء المفهوم الديني القائل إن العالم خلق من العدم• لأن النظرية تقول إنه لم يكن من قبل طاقة أو مادة أو زمان أو مكان أو أية قوانين ثم بدأ كل شيء يتشكل لاحقاً• فانبثقت الطاقة، وتحركت القوانين، وتشكلت المادة، وقرع الزمن، واحتلت المادة الحيز، مثل فيلم سينمائي كان واقفا فتحرك• وقد اهتدى مكسويل إلى دمج قوانين الكهرباء بالمغناطيس تحت أربعة معادلات• وبذلك انضغطت قوى الوجود إلى أربع منها القوة الكهروطيسية• والأهم أنه ترتبت على ذلك القانون نتائج عملية فأمكن، وفي كلا الاتجاهين، توليد موجات كهروطيسية، وفهم ظواهر كونية على أساس هذه الموجات• ومما عرف أن الموجات الكهروطيسية تسري بسرعة الضوء، أي 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة• وهذا يجعلنا نفهم أثر هذا الاكتشاف في التطبيقات اليومية مثل الاتصالات التلفونية وبث القنوات الفضائية التي تحمل على موجات كهروطيسية بسرعة الضوء وهي السرعة الخارقة في الكون ولا سرعة فوقها حتى الآن، على الأقل حتى الآن• وبذلك نتكلم مع الناس في أقصى المعمورة• والمحزن في قصة مكسويل أنه ولد في عصر لم يكن متقدما طبياً فمات في ســن الـ48 مصابا بالسرطان ولم يعمر طويلاً، وسبحان الحــي الذي لا يمــوت فلنتوكــل عليــه