بالاذن منكم ارجو قراءة الدراسة قبل التعليق.......

أكتب لكم من تونس ، حيث أجري الآن سلسلة لقاءات وحوارات حقوقية وإعلامية ضمن عملي الجديد كخبير في المنظمة الدولية للاصلاح الجنائي التابعة للأمم المتحدة، يؤلمني أن أكون بعيداً عن وطني في هذه المرحلة ولكن أرجو أن يكون عملي في إطار توضيح الصورة الحقيقية للإسلام رسالة حب ورحمة، وأن أعزز رسالتي وجهدي من أجل إسلام بلا عنف......، ...
والبحث الذي سالقيه غداً في البرلمان التونسي يتركز حول وجوب تطوير قانون العقوبات الجنائية بما يتناسب مع قيم الإسلام والتطور الحضاري، لقد قدمت في البحث عشرات الأدلة عن إمكانية تطوير قانون العقوبات الشرعي وخاصة في جوانب العقاب الجسدي، حيث يمضي العالم المتحضر اليوم إلى اقرار عقوبات علاجية وليس عقوبات انتقامية.
وبشكل خاص يتجه العالم لإلغاء عقوبة الاعدام، وأنا أعتقد أن هذا الأمر له مؤيد في الشريعة، حيث هناك اختلاف كبير بين القصاص الذي تقره الشريعة وبين الاعدام الذي تفرضه النظم الاستبدادية.\
لقد كنت أشعر بأهمية هذا البحث من قبل ولكنني كنت متردداً في المواجهة، ولكن بعد ان رايت بعيني ظاهرة الاعدامات الميدانية التي يمارسها الاستبداد ضد الشعب الاعزل أيقنت أن أي جهد نبذله لمناهضة عقوبة الاعدام هو جهاد مبرور.
بالطبع الامر دقيق وفيه آراء متعددة في الفقه الاسلامي، ولكنني على يقين ان الحاجة لإصلاح حقيقي في قانون العقوبات تصب في النهاية في خدمة المجتمع وخدمة الفقه الاسلامي المستنير.
سأضع على الموقع طرفاً من هذه الدراسة التي اعددتها للأمم المتحدة وأرجو أن نتحاور فيها وفق شروط الحوار الموضوعي الذي يحترم حق الناس في الاختلاف،

المنظمة الدولية للإصلاح الجنائي


العقوبات الجزائية في الإسلام
والكرامة الإنسانية



دراسة علمية

د.محمد حبش
مدير مركز الدراسات الإسلامية







خطة البحث
تمهيد

الباب الأول موقف الشريعة من الدماء
• كرامة الإنسان في الإسلام
• الحياة هبة الله وحق الإنسان
• الإعدام والإيجاد شأن الله وحده
• عدالة القصاص وهمجية الإعدام

الباب الثاني: العقوبات البدنية في الشريعة (الحدود)
الفصل الأول: عقوبات وردت في القرآن الكريم
• عقوبة الزنا
• عقوبة القذف
• عقوبة الحرابة
• عقوبة السرقة
الفصل الثاني: عقوبات لم ترد في القرآن الكريم
• عقوبة السكر
• عقوبة المرتد
• عقوبة تارك الصلاة
• عقوبة الشذوذ الجنسي
• عقوبة الرجم للزاني المحصن
• عقوبة الساحر
الفصل الثالث: إمكانية التحول إلى عقوبات غير بدنية
• دراسة تأصيلية من الكتاب والسنة وعمل الفقهاء

الباب الثالث: القصاص في الشريعة
الفصل الأول: تجريم القتل
الفصل الثاني: القصاص عقوبة القاتل
الفصل الثالث: ما ألحق بعقوبة القصاص
الفصل الرابع: وسائل الشريعة لمناهضة
عقوبة الإعدام
• استخدام مصطلح القصاص بدل الإعدام
• الإعدام والإيجاد شأن الله وحده
• دعوة أولياء الدم إلى العفو عن القاتل
• اعتبار حد القصاص أمراً لا يتجزأ
• وجوب إسقاط القصاص حال عفو أي فرد من أولياء حق الدم
• منع الدولة من القصاص بدون خصومة صحيحة
• مبدأ ادرؤوا الحدود بالشبهات
• سد الذرائع في واقع الفساد القضائي.
• تشريع الدية واعتباره حقاً شرعياً.
• دعوة العاقلة للإسهام في دفع الديات
• مصرف الغارمين
• تجوز الشفاعة في القصاص دون الحدود
• تحريم الثأر وتجريمه
• حق الدولة في وقف الإعدام
الفصل الخامس: إمكانية إلغاء عقوبة الإعدام
الفصل السادس: مواقف مختارة في إلغاء عقوبة الإعدام
• الرسول الكريم صلى الله علي وسلم
• السيد المسيح عليه السلام

الباب الرابع: جريمة الشرف
• الشرف لغة واصطلاحا
• تاريخ جرائم الشرف
• تناقض جرائم الشرف مع روح الشريعة
• فتاوى العلماء المعاصرين في تجريم جرائم الشرف

بحث ملحق: موجبات التقارب بين الشريعة والقانون الدولي
الخاتمة والتوصيات








تمهيد
جاءت الشريعة الإسلامية لتحقق مصالح العباد، وقد عبر الفقهاء عن مقاصد الشريعة فيما جاءت به من أحكام تحت عنوان حفظ الضروريات الخمس، وهي الدين والنفس والعرض والعقل والمال، ولا يكاد يخرج عن هذه الأهداف أي حكم شرعي من الأحكام التي وردت بها الشريعة الغراء.
وقد شرح القرآن الكريم هدف إرسال الأنبياء وإنزال الشرائع بأنه إقامة العدل في الأرض قال تعالى: لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ، ولكنه ارتقى في خطابه الإرشادي والتوجيهي إلى ما هو أسمى من العدل والمساواة، وهو مرتبة الرحمة التي شرحت غاية الرسالة الخاتمة بأوضح بيان: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين .
وقد كتب الفقهاء الكرام أحكام هذه الشريعة الغراء لتحقيق هذه المصالح استنباطاً من القرآن الكريم والسنة النبوية الكريمة ثم أسسوا لمصادر أخرى لاستنباط الأحكام ومنها الإجماع والقياس والاستحسان والمصلحة المرسلة والاستصحاب والعرف وشرع من قبلنا وسد الذرائع وغير ذلك من الأحكام التي بسطها الفقهاء في كتب الفقه، على اختلاف في قبول بعض هذه المصادر أو ردها.
وخلال التاريخ الإسلامي تم تطبيق هذه الأحكام الشرعية في البلدان الإسلامية التي تعتمد الشريعة مصدراً لأحكامها وشعائرها وشرائعها.
واليوم ومع تطور القانون الجنائي، وما رافقه من تطور فقهي وتشريعي في عدد من البلدان الإسلامية، فإن الحاجة تتأكد لمراجعة الأحكام الفقهية الكريمة، والتخير مما حرره الفقهاء الكرام ما يحقق هدف الشريعة في قمع الجريمة، وإقامة العدالة، ومناقشة ما وصل إليه المجتمع الإنساني من إقرار سلسلة من المواثيق والحقوق والبيانات التي وقعت عليها معظم الدول الإسلامية، وذلك عبر مجموعات من العلماء والفقهاء في كل دولة إسلامية، وكذلك ضرورة التحفظ على بعض الاجتهادات التي ثبت بالعقل والواقع أنها لا تحقق أهداف الشريعة الغراء.
ومع أن معظم الدول الإسلامية قد اعتمدت قوانين حضارية مرنة تستجيب للروح المدنية في التعامل مع الجنح والجنايات، وذلك عبر التعاون مع الفقهاء المحليين وجهات الفتوى، ولكن ظل الاتهام قائماً بأن التشريع الإسلامي ينطوي على أحكام قاسية في حقل مكافحة الجريمة، وأنه لا زال بعيداً عن المنطق الدولي الذي ينظر إلى المجرم على انه شخص غير سوي يحتاج إلى علاج وإعادة تأهيل وليس عدواً يجب التخلص منه.
وساعد في الترويج لهذه الفكرة قيام ما سمي الأمارات الإسلامية وبشكل خاص في الصومال وأفغانستان، وكذلك ما وقع في الجزائر في العقد الماضي، وما رافقها من تطبيقات دموية وانتقامية بحق الخاطئين دون منحهم فرص المحاكمة العادلة، وكذلك التطبيق المتهور لكثير من أحكام الشريعة خاصة دون قيام قضاء نزيه ومحاكم عادلة وقانون واقعي، وقد أسهم هذا كله في رسم صورة قاتمة عن التشريع الإسلامي في حقل الجريمة والعقاب.
فهل التشريع الإسلامي عاجز عن مواكبة العصر مع المحافظة على ثوابته وأصوله؟
وهل العقوبات في الشريعة تعتمد الجانب الجسدي دون أن تعير اهتماماً لمنطق التأهيل والتكوين والإصلاح الجنائي؟
وهل يمكن اعتبار الشريعة مسؤولة عن التطبيقات الثورية التي تقوم بها الميليشيات المسلحة في العالم الإسلامي تحت عنوان: حاكمية الله؟
لقد كانت هذه الأسئلة وراء ظهور هذا المشروع العلمي الذي تم إعداده بالتعاون مع المنظمة الدولية للإصلاح الجنائي.








الباب الأول
موقف الشريعة من الدماء









كرامة الإنسان في الإسلام
جاءت الشريعة واضحة في تكريم الإنسان وتحقيق الرعاية الحماية له، ونص القرآن الكريم صراحة على مكانة ابن آدم ومنزلته، حيث قال الله تعالى: ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً
وواضح أن تكريم الله تعالى للإنسان إنما ورد عليه لمحض كونه إنساناً، وذلك قبل أن يتنزل عليه أي شيء من الوحي والكتاب، وقبل النبوات والرسالات، وهو ما تؤكده الآيات الكثيرة التي أشارت إلى منزلة آدم ومكانته في العقيدة الإسلامية، وفيه دلالة واضحة أن المكانة العالية التي نالها الإنسان إنما هي تكريم من الله تعالى للإنسان قبل أن يتصف بالانتماء إلى شيء من الأديان.
ويقف الإسلام في احترام الإنسان موقفاً يختلف اختلافاً كلياً عن الموقف الذي تتبناه الفلسفة المادية فبينما يبدو الإنسان في الفلسفة المادية عنصراً مصنفاً في هذه الطبيعة ضمن الفقاريات، أو بتعبير فلسلفي مجرد تركيب هيدروكربوني صدفي عاثر قذفت به رحى الديالكتيك السائبة في لحظة طفرة فانبعثت فيه الروح فصار حيواناً عاقلاً وناطقاً وضاحكاً، فإن الإنسان وفق العقيدة الإسلامية هو جوهر الوجود كله وغاية الخلق، وفي القرآن الكريم كما في الكتب السماوية جميعاً ترد قصة بدء الخلق نحو عشر مرات وكلها تشير إلى حقيقة واحدة وهي أن الإنسان خليفة الله في الأرض: إني جاعل في الأرض خليفة ، وأنه خلق بإرادة مباشرة من الله الذي عجن طينته بيده ونفخ فيه من روحه، ثم أكمل المشهد بان أسجد له ملائكته في موقف مهيب، تكرر في القرآن والسنة عشرات المرات، حين قال سبحانه للملائكة في الملأ الأعلى: إني خالق بشراً من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين .
ولا يمكن المرور على مسألة سجود الملائكة للإنسان بدون النظر إلى العمق الفلسفي الذي أراده القرآن الكريم من بيان مكانة الإنسان في سلم الكون الكبير، وأن ما في الأرض من ملائكة كرام: الذارايات ذرواً والحاملات وقراً والمقسمات أمراً والمرسلات عرفاً وغير ذلك من أصناف الملائكة المكرمين الذين يؤمن المؤمن بهم جميعاً، إنما خلقوا لخدمة ابن آدم ، وسجدوا له حين استوى خلقاً كريماً على الأرض، في إشارة واضحة لمنح الإنسان مكان الملك والسيد والخليفة في العالم وحقه في تسخير كل ما في الكون من كائنات لخدمة الإنسان.
ومع أن هذه الدراسة ليست جدلاً فلسفياً في مكانة الإنسان في سلم الموجودات في العالم، ولكن لا بد من الإشارة إلى أن هذه الشريعة قد عنيت بالإنسان من حيث هو إنسان بغض النظر عن دينه ولونه وعرقه وجنسه.
ومقتضى ذلك من الناحية الاعتقادية أن احترام الإنسان بما هو إنسان وتوفير حقه في الحياة بغض النظر عن إيمانه وكفره، وعن تقواه أو شقائه، وعن عرقه ولونه، هو في الواقع طاعة لله تعالى، وامتثال لأمره وعمل بوصيته، التي أكدت عليها الآيات الكريمة في نصوص كثيرة: من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً.
ولا بد هنا أن نشير إلى معنى إحياء النفس، فالإحياء والإعدام شأن الله، ولكنه سبحانه نسب الإحياء إلى الإنسان بمعنى تمكينه من الحياة الكريمة، فمن مكن الناس وساعدهم في بناء الحياة الكريمة فقد أحياهم، ومن رفع عن الناس الظلم وساعدهم على تحقيق العدالة والرحمة فقد أحياهم، وهذا المعنى غاية في الوضوح، ولكنه أشد ما يكون وضوحاً فيما نحن بصدده وهو مساعدة الخاطئ المستوجب للعقاب، وربما للقتل، على إصلاح ذاته ودرء شره عن الناس ومنحه فرصة الحياة من جديد، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً.

الحياة هبة الله وحق الإنسان
ينهض الاعتقاد الإسلامي على أساس بيان نعم الله تعالى على الإنسان في هذه الحياة وهي نعم سابغة لا يستطيع الإنسان عدها أو إحصاءها، قال تعالى: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار.
ومع أن نعم الله كثيرة وجليلة ولكن أعظمها وأجلها نعمة الحياة التي نفحها الله في روح ابن آدم، فقد أكرم الله الموجودات جميعاً بفضله وإحسانه، ولكنه خص الإنسان بنعمة الحياة ونعمة العقل، وحين تحدث القرآن الكريم عن نعمة الحياة فإنه ألقى عليها ثوباً من الجلال ندرك به أنها أسمى ما وهب الله للإنسان، فقد خلقه بيديه ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته، وقال: فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين .
وحين ذكر مجد السيد المسيح وعظمته في القرآن الكريم فإن أعلى وصف ناله هو أنه من روح الله: إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه
وليس هذا الوصف خاصاً بآدم أو بالسيد المسيح عليهما سلام الله، بل هو عام في كل إنسان، كما تدل له آية السجدة: وبدأ خلق الإنسان من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون.
ومع أن هذه الشريعة دقيقة جداً في وصف توحيد الله سبحانه، وتنزيه الله تعالى أن يشبهه أحد من خلق، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، ولكن القرآن جاء صريحاً في أن الحياة هي روح من الله تعالى نفسه، وهو تقرير لمنزلة الحياة وكرامتها وقدسيتها، ولا يتصور أعلى من ذلك في بيان قدسية الحياة الإنسانية.
ولا شك أن وصف الإنسان بأنه روح الله يجعل الاعتداء على الإنسان عدواناً على الله، ويجعل حماية الروح الإنسانية دفاعاً عن الله، ويقتضي هذا الاعتقاد الذي أمر به القرآن الكريم أن نفعل كل شيء للحفاظ على هذه الروح الإلهية المقدسة التي حلت في الإنسان بأمر من الله وإذنه وإكرامه.
والإنسان بنيان الله في الأرض، وفي الحديث: لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن ، وعن سهل بن حنيف أن النبي صلى الله عليه وسلم مرت به جنازة، فقام لها فقالوا يا رسول الله إنها ليهودي، فقال: أليست نفساً


الإعدام والإيجاد شأن الله تعالى
مع أننا أفردنا باباً خاصاً للحديث عن عقوبة الإعدام، ولكن من الضروري أن نذكر بداية أن مصطلح الإعدام ومصطلح الإيجاد كلاهما من شأن الله تعالى، ولا يجوز أن يدعي أحد من خلق الله تعالى أنه يحيي ويميت، أو يخلق ويعدم، وفي القرآن الكريم:
ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت، وقال أهل التفسير إن الملك نمرود زعم أنه يحيي ويميت، واستدل على ذلك بأن قدم بريئاً فقتله وقدم محكوماً بالإعدام وأطلقه وقال لإبراهيم أنا أحيي وأميت !!
وقد اعتبر إبراهيم سلوك الملك نمرود هذا ودعواه أفحش الأقوال وأكثرها كذباً على الله وافتراء عليه.
وقد استخدم القرآن الكريم مصطلح القصاص، ولم يستخدم مصطلح القصاص، وليس لمصطلح الإعدام ذكر على الإطلاق لا في القرآن الكريم ولا في تفاسيره ولا في كتب السنة المشرفة جميعها، ذلك أن كلمة الإعدام ككلمة الإيجاد كلاهما فيه معنى تصرف الخالق فيما لا يستطيعه المخلوق.




عدالة القصاص وهمجية الإعدام
يتأسس القصاص على فكرة واضحة وهي اقتصاص العدالة أي البحث عنها، وهدف القصاص الوصول إلى العدالة، وتحقيق المماثلة في الجزاء بين الناس، ويتحقق القصاص بشروط بالغة التعقيد حرصاً على كرامة الحياة، وقد يتحقق القصاص بدون إراقة دم، كما في العفو والدية والتعزير برضا ولي الدم والجراحة، فإن الفرصة متاحة لمن حكم عليه بالقصاص ونجا منه ليتوب إلى الله تعالى من جرمه ويستأنف حياته بين الصالحين.
أما في حالة الإعدام فإن من وقع عليه الإعدام فقد زال وجوده من الحياة، وبقيت روح الثأر يتشربها بنوه وأهله، فإن لم تصب القوم جائحة القتل فقد أصابتهم جائحة الكراهية والأحقاد.
وهو معنى ظاهر في قوله تعالى: ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تعقلون ، ومعنى الآية أن القصاص يقيم الحياة على شكل أكثر عدالة، والآية تشجيع لأولياء القصاص على العفو، لأن من مراد الله تعالى تحقيق الحياة بالقصاص، والحياة تتم بالعفو لا بالقتل.
وبذلك فإن القصاص لا يمكن أن يتم تطبيقه حتى يقنع الجميع من أهل الجاني وأهل المجني عليه أن الأمر قد وصل إلى مرفأ العدالة، وأن استيفاء الدم بدون قصاص وعدالة مطلقة هو عدوان على النفس الإنسانية وولوغ في معصية مروعة، وهو سبب للحساب والمساءلة، مما يدفع الناس كثيراً إلى تجاوز خصوماتهم والقبول بمبدأ الدية أو العفو والمسامحة، والقصاص قد ينهي الخصومات القائمة بنور المصالحة، أما الإعدام فهو يخلق الكراهية والبغضاء، ويستمر في تغذيتها وإذكاء نارها.


الباب الثاني:
العقوبات البدنية في الشريعة (الحدود)













الفصل الأول:
عقوبات وردت في القرآن الكريم

لم يذكر القرآن الكريم من الحدود التي قدرت لها عقوبة محددة إلا أربعة وهي الزنا والقذف والسرقة والحرابة
كما ذكر الفقهاء بعض الحدود الأخرى مستدلين لها بآثار من السنة النبوية، وهي عقوبات السكر والردة وترك الصلاة والشذوذ الجنسي والسحر.
أما الجنايات وهي القتل والجراحة فقد تمت دراستها يشكل مستقل في باب القصاص.
وهكذا فإن من المؤكد أن حجم الاجتهاد في القانون الجزائي في الإسلام كبير، ومن المستحيل الاكتفاء بالعقوبات المقررة في النص، خاصة مع تطور أشكال الجرائم التي لا بد من مواجهتها اليوم وهي جرائم غير منصوص عليها كجرائم المخدرات وتزوير العملات والتهرب الضريبي والقرصنة الالكترونية وغيرها من الجرائم التي لا يمكن بيقين أن تجد لها أي نص معصوم أو حتى أي اجتهاد سابق.







حد الزنا
لا شك أن الإسلام حرم الزنا تحريماً قاطعاً، وهو الموقف نفسه الذي تبنته سائر الأديان، ولم يحل الزنا في دين غابر ولا شرع ظاهر، وظل الناس يعلمون أن الزنا من أكبر الفواحش التي يجب مقاومتها، قال تعالى: ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً.
وفي سورة الأعراف: قل إنما حرم ربي الفواحش مما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق .
وفي الكتاب المقدس تنص الآيات واضحة على أن الزنا فاحشة ومقت، وقد نهت عنه الشريعة وفي سفر اللاويين: وإذا زنى رجل مع امرأة، فإذا زنى مع امرأة قريبه، فإنه يقتل الزاني والزانية. وإذا اضطجع رجل مع امرأة أبيه، فقد كشف عورة أبيه، إنهما يقتلان كلاهما، دمهما عليهما، وإذا اضطجع رجل مع كنته، فإنهما يقتلان كلاهما، قد فعلا فاحشةً، دمهما عليهما، وإذا اضطجع رجل مع ذكر اضطجاع امرأة، فقد فعلا كلاهما رجساً، إنهما يقتلان، دمهما عليهما.
وتحددت عقوبة الزناة في القرآن الكريم بمائة جلدة لكل من الرجل والمرأة، وهذا هو ما نصت عليه الآيات البينات في القرآن الكريم.
قال تعالى" الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابها طائفة من المؤمنين
ولكن الإعلان عن هذه الحدود القاسية ترافق دوماً بدعوة القضاء إلى مبدأ ادرؤوا الحدود بالشبهات، وصار القاضي مكلفاً بالبحث عن ذريعة ما يمكن أن يكون قد تورط بها الجاني لدرء الحد عنه، وهكذا فقد ظل الحد في الإسلام نظرياً ونادر التطبيق، ويمكن فهمه فلسفياً بأنه (الحد) أي الغاية القصوى التي لا يملك القضاء تجاوزها ولكنه بالتأكيد يملك أن يدرأها أو يخففها بما يكون لدى الجاني من أعذار أو شبهات، وهكذا فإن الحد الشرعي يقوم بدور مهم في ردع الناس وصدهم عن الانحراف في درب الخطيئة، وتم التحول دوماً إلى عقوبات تعزيرية مختلفة من السجن والغرامة، وهو ما قررت الشريعة تفويضه للقضاة.
وقد ذكر الفقهاء الشروط القاسية المتعددة لقبول الاتهام بالزنا، ومن اللافت أن سائر الحقوق في الإسلام كالزواج والبيع والمعاملة ونقل الملكية وغيرها تثبت بشاهدين اثنين إلا جريمة الزنا فإنها لا تثبت إلا بأربعة شهود عدول، وقد نصت السنة المشرفة على شروط إثبات الحد وهي شروط صارمة ضامنة يستحيل أن تتوفر إلا في حالات معقدة وصعبة، وقد كتب الفقهاء في تحقيق هذه الشروط البحوث المطولة، وتم تلخيص هذه الشروط والجمع بينها بثلاثة عشر شرطاً، وها نحن ننقلها من موسوعة الفقه الإسلامي:
بعد بيان الشروط العامة في الشهادة من التثبت والصدق وصحة الخصومة وغيرها نصت الموسوعة على أن الشهادة في أمر الزنا تتطلب شروطاً خاصة محددة زيادة على تلك الشروط العامة، ولا شك أن ذلك أيضاً يوضح إرادة الشريعة في حماية أعراض الناس وعدم السماح بالتهاون في اتهام الناس بأمر الفحشاء، وحددت الموسوعة هنا هذه الشروط بثلاثة عشر شرطاً وهي:
1- عدد الأربع في الشهود في حد الزنا ....
2 - التكليف: أي البلوغ والعقل، فلا تقبل شهادة الصبيان والمجانين.
3 - الذكورة: فلا تقبل شهادة النساء بحال، تكريماً لهن؛ لأن الزنا فاحشة.
4 - العدالة: فلا تقبل شهادة الفاسق ولا مستور الحال الذي لا تعلم عدالته ........
5 - الحرية: فلا تقبل شهادة العبيد.
6 - الإسلام: وسبب ذلك أنه قد لا يكون الزنا محرماً عند غير المسلم، فلا يصح دعوته للشهادة.
7 - الأصالة: أي أن يشهد الشاهد بما رأت عينه، فلا تقبل الشهادة على الشهادة، ولا كتاب القاضي إلى القاضي، لتمكن الشبهة في وقوع الجريمة، والحدود لا تثبت مع الشبهات.
8 - اتحاد المشهود به: وهو أن يجمع الشهود الأربعة على فعل واحد، في مكان واحد وزمان واحد.
9- اتحاد المجلس: أي أن يكون الشهود مجتمعين في مجلس واحد وقت أداء الشهادة. فإن جاؤوا متفرقين واحداً بعد واحد لا تقبل شهادتهم، ويحدون حد القذف، لقول عمر رضي الله عنه: لو جاؤوا مثل ربيعة ومضر فرادى لجلدتهم أي أن المراد اتحاد المجلس عند أداء الشهادة. وهذا عند الحنفية، وأما بقية الفقهاء فلم يقولوا بهذا الشرط.
10 - أن يكون المشهود عليه الزنا ممن يتصور منه الوطء، فلو كان مجبوباً لا تقبل شهادتهم، ويحدون حد القذف.
11 - أن يكون المشهود عليه الزنا ممن يقدر على دعوى الشبهة، فإن كان أخرس، لم تقبل شهادتهم، إذ قد يدعي الشبهة لو كان قادراً.
12 - عدم التقادم من غير عذر ظاهر: وهو شرط في حد الزنا والسرقة وشرب الخمر كما تقدم. ومعناه ألا تمضي مدة بعد مشاهدة الجريمة وأداء الشهادة، منعاً من التهمة وإثارة الفتنة....
13 - بقاء الشهود على أهليتهم حتى يقام الحد: فلو ماتوا، أو غابوا، أو عموا، أو ارتدوا، أو خرسوا، أو ضربوا حد القذف قبل إقامة الحد، أو قبل أن يقضى بشهادتهم، سقط الحد ....
ونص الفقهاء على أن أي اتهام لامرأة أو رجل بالزنا ينقص شرطاً من هذه الشروط فإنه يوجب على القاضي ليس فقط إسقاط الدعوى بل معاقبة المدعين بحد القذف، يعني لو شهد ثلاثة وتردد الرابع في الشهادة فإن الثلاثة يجلدون حد القذف، ويعزر الرابع، وذلك في سعي واضح لتشوف الشريعة لستر الناس وعدم إشاعة الفحشاء بين الناس.
إن إيراد هذا النص بطوله ضروري لنفهم إلى أي مدى احتاط الإسلام في منع الناس من الاتهام بالزنا، ومن نافلة القول أن ثبوت الزنا بالبينة على هذا الوجه لم يتم على الإطلاق في التاريخ الإسلامي أو على الأقل لم تدون في التاريخ الإسلامي حادثة واحدة لإيقاع الحد بالبينة.
وبناء عليه فإن من المؤكد أن ضياع شرط واحد من هذه الشروط يلزم القاضي بالعدول شرعاً إلى عقوبة التعزير، واختيار ما يراه مجلس القضاء من عقوبة رادعة للقاذفين غير الجلد، وهو ما يجري تطبيقه باستمرار في العالم الإسلامي حيث تتحول العقوبة إلى السجن والغرامة.
إضافة إلى أن الزنا يعتبر فقهياً من حقوق الله، ومثله أيضاً شرب الخمر، وقد أكدت السنة النبوية أن حقوق الله قائمة على الستر، فلا يندب الإبلاغ عنها، ولا أجر فيمن يسعى في إقامة الحد فيها ، بخلاف حقوق الناس كالسرقة أو القتل التي يتوجب أداء الشهادة فيها حماية لحقوق الناس عملاً بقوله تعالى: لا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه والله بما تعملون عليم .
لقد جاء الإسلام شديداً في تحريم الزنا واعتباره جريمة أخلاقية واجتماعية، خاصة عندما يتضمن خيانة زوجية، وذلك حرصاً من الشريعة الغراء على استقرار الأسرة، ورعاية لحقوق الأبناء الذين يفترض أن ينشؤوا في بيئة سليمة آمنة مستقرة لا تشوبها طبيعة العلاقات المضطربة التي تجري في الظلام وتؤثر غاية التأثير على الحياة الزوجية.
قال تعالى: ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً
ومن البدهي أن تقوم الشريعة بتقرير عقوبة رادعة على طرفي الزنا عندما يثبت ذلك بالأدلة القضائية المحكمة، ولأجل ذلك فقد قررت الشريعة عقوبات مختلفة لمواجهة العلاقات الجنسية غير المشروعة التي تخالف النظام العام في الإسلام في بناء الحياة الأسرية على أساس من الاستقرار والحب والرحمة، وكانت هذه العقوبات في صدر الإسلام الأول تتم بجلد الزناة وهو نمط كان متعارفاً عليه في العقوبة ولكن خلال تاريخ الفقه الإٍسلامي طرأت عليه تعديلات كثيرة تناسب تطور الحياة والأعراف التشريعية في كل بلد من البلدان.
ولكن ما ينبغي تقريره هنا هو أن هذه العقوبات الشرعية المقررة على جريمة الزنا ليست شأناً فردياً يطبقه من شاء كيف شاء ومتى شاء، بل إن هذا شأن الحكومة الشرعية التي تسهر على حراسة القانون، ولا يتم ذلك إلا بعد أن تكون الأمة قد اختارت تطبيق هذا الحكم ووافقت عليه عبر مؤسساتها الديمقراطية، وقد قدمنا قبل قليل أن إقامة الحد لها شروط كثيرة ودقيقة لا بد منها حتى يتحقق الحكم الشرعي، وهذه الشروط من الشدة والصرامة بحيث يستحيل تحققها كما أشرنا، وكأن مراد الشارع هو زجر الناس عن الوقوع في مأثم الزنا، وترهيبهم بأشد العقاب، على قاعدة: رحم الله امرأ علق سوطه وأدب أهله، مع إرشاد القضاة إلى درء الحدود بالشبهات والعدول عن العقوبة الصارمة المعلنة إلى عقوبات تعزيرية أخرى يمكن للمؤسسة التشريعية والقضائية أن تلجأ إليها في كل عصر بما يتناسب مع حاجات الناس وظروف المجتمع.
أما موضوع رجم الزاني المحصن فقد أفردنا له فصلاً خاصاً في الباب الآتي الخاص بالحدود التي لم ترد في القرآن الكريم.
وبالعودة إلى تحريم الزنا في الإسلام فقد تقرر دون شك أن الجانب الأهم في تحريم الزنا هو تربية الناس على القيم والفضائل، ونشر الوعي بقيم الأسرة وقدسية العلاقة الزوجية، وبؤس الخيانة الزوجية، وما يترتب على ذلك من مظالم ومآثم، وهذا القدر من المقاصد النبيلة لحماية الأسرة هو مما اتفقت فيه الشرائع والحكمة والقيم المدنية والحضارية.
وليست الأديان وحدها تحرم الزنا وتجرمه، بل إن التشريعات المختلفة في العالم تجرم فاحشة الزنا، وتتفاوت القوانين في مواقفها من تحريم ذلك وتجريمه، وحتى في المجتمعات الغربية، فإن من الواجب القول أن التشريعات هناك تضيق ذرعاً بالسلوك الإباحي الذي تتبناه شركات تجارية عديمة الضمير، مستفيدة من جو الحريات والحساسية المفرطة لأمر حقوق الإنسان لدى المجتمعات الغربية.
ويلاحظ في كل مكان في العالم مشاهد الصراع التشريعي والحقوقي بين منظمات الحرية السائبة مدعومة من تجار الهوى والمؤسسات الإباحية، وبين منظمات الأسرة، فبينما تحاول الشركات التي تروج للإباحية الاعتصام بقوانين الحريات والتذكير بالماضي الاستبدادي الذي حكم هذه الدول، وتحذر من العودة للاستبداد وتطالب بتحجيم دور الدولة ومنعها من التدخل في حياة الناس، فإن منظمات الأسرة تطلق الصيحة تلو الصيحة والنذير تلو النذير لتحذر المجتمعات الغربية من مغبة الإفراط في الحريات، وضرورة وضع حد للحرية الإباحية، ووجوب تدخل الدولة لوضع حد للسلوك الإباحي المدمر على مستوى الأسرة وعلى مستوى المجتمع.
ولا يوجد دولة في العالم توافق على تسييب العلاقات الجنسية بدون رقيب، بل تتدخل الدولة تدخلاً كبيراً في كل مكان في العالم، حتى في الدول التي ترخص لهذه المهن فإن القانون يفرض شروطاً قاسية على من يمتهن ذلك، فتشترط في الأعمار سن الرشد وتمنع من دون سن ال21 ، وتشترط شروطاً كثيرة في الأماكن فيمنع ذلك في الأحياء السكنية، وتمنع الملاهي الليلية في مباني مشتركة، وتفرض شروطاً صارمة على بائعات الهوى، وهذا اللون من القيود مستمر في كل دول العالم، وهو في اطراد وازدياد.
ومع أن تطور التكنولوجيا والأنترنت والاتصال المتعدد الوسائط، جعل من التواصل الجنسي قدراً واقعاً يصعب التكهن بانحساره، ولكن مراقبة دقيقة يقوم بها مركز دراسات متخصص لا بد أن تكشف انحسار هذه الظواهر في العالم المتحضر، وتطور فقه التمييز بين الحرية الشخصية وبين تدمير الأسرة، وهو ما نلاحظه في هذه الظواهر المتصلة بالأمر، وبمراقبة بسيطة فإن بالإمكان أن نلاحظ أن المجتمعات الغربية عائدة من ساحات الحرية المفرطة إلى ساحة الاعتدال، وأن أسواق الهوى تنحسر يوماً بعد يوم في الغرب، وتنقل الأخبار بين الحين والآخر صورة الغضب العارم الذي تواجه به الشعوب الغربية أي ظاهرة استهتار بالفضيلة يمارسها مسؤول سياسي، وتشتد المطالبات بعزله ومعاقبته حين يعبث بنظام الأسرة وينجرف في رغائب الهوى.
كل ما سبق يؤكد أن العالم في الشرق والغرب معني بحماية الفضيلة وأن الرذيلة إلى انحسار، وحين يصل العالم إلى موازنة واعية بين نظام الحريات ونظم الأسرة وحماية المجتمع فتكون النتائج أكثر إيجابية في الأحكام المتصلة بمقاومة الفحشاء والرذائل، ونعتقد أن خطاب الشرع وخطاب العقل سيزدادان تقارباً وتواصلاً.
ويجب التأكيد أن حماية المجتمع من الرذائل والانحراف هو شأن الدولة التي وليت أمر الناس وشأن الحاكم الذي أقامه الله في مقام المسؤولية والأمانة، وليس شأن الأفراد، وهذه الحقوق تتطلب نظاماً قضائياً متكاملاً يعتمد منطق العدالة السائد في الأرض، فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته، ولا عقوبة إلا بنص قانوني، وادرؤوا الحدود بالشبهات، والمرء مؤاخذ بإقراره، والشهادة حجة قاصرة، وغير ذلك من الأصول التي اتفق عليها العقلاء في العالم كله في شأن العدالة وإقامة الحقوق.







حد القذف
وبقدر ما جاءت الشريعة شديدة في تجريم الزنا فإنها جاءت شديدة أيضاً في تجريم القذف (أي اتهام الناس بالزنا) واعتبرت مجرد الاتهام بدون دليل جريمة يعاقب عليها القانون، قال تعالى: والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون .
واشترط الفقهاء في إيقاع عقوبة القذف حصول القذف الصريح المباشر، وحصول الخصومة الصحيحة من المتضرر، ومن ثم أمر القضاة بالاحتياط في إيقاع الحدود، وللقاضي أن يأمر بما يكفي من التعزير والعقوبة إذا لم تكتمل شروط القذف.
وتعكس هذه الآية إرادة واضحة للشريعة في كف الناس عن الولوغ في الأعراض والاتهام بغير حق، وتأكيد الأصل في براءة الناس واحترام خصوصياتهم.
وقد جاء التحذير القرآني الواضح ليكف الناس عن الاشتغال بخصوصيات الآخرين، وأن الأصل في معالجة هذا اللون من الخطأ هو الستر والغفران، وليس التشفي والافتضاح، وأن المطلوب هو المعالجة بالحكمة والموعظة الحسنة دون الوصول إلى أبواب المحاكم.
قال تعالى: إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب شديد في الدنيا والآخرة .
وقد ذكر الفقهاء الشروط القاسية المتعددة لقبول الاتهام بالزنا، ومن اللافت أن سائر الحقوق في الإسلام كالزواج والبيع والمعاملة ونقل الملكية وغيرها تثبت بشاهدين اثنين إلا جريمة الزنا فإنها لا تثبت إلا بأربعة شهود عدول، وقد نصت السنة المشرفة على شروط إثبات الحد وهي شروط صارمة ضامنة يستحيل أن تتوفر إلا في حالات معقدة وصعبة، وقد كتب الفقهاء في تحقيق هذه الشروط البحوث المطولة، وتم تلخيص هذه الشروط والجمع بينها بثلاثة عشر شرطاً، وها نحن ننقلها من موسوعة الفقه الإسلامي:
أما البينة: فهي شهادة أربعة رجال، ذكور، عدول، أحرار، مسلمين، على الزنا (يشهدون باللفظ الصريح الذي لا يحتمل أي تأويل)
وبعد أن ذكرت الموسوعة الشروط العامة في الشهادة من التثبت والصدق وصحة الخصومة وغيرها نصت على أن الشهادة في أمر الزنا تتطلب شروطاً خاصة محددة زيادة على تلك الشروط العامة، ولا شك أن ذلك أيضاً يوضح إرادة الشريعة في حماية أعراض الناس وعدم السماح بالتهاون في اتهام الناس بأمر الفحشاء، وحددت الموسوعة هنا هذه الشروط بثلاثة عشر شرطاً وهي:
عدد الأربع في الشهود في حد الزنا لقوله تعالى: واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم وقوله عز اسمه: لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء وقوله سبحانه في حد القذف: والذين يرمون المحصنات، ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فإذا شهد ثلاثة، وقال الرابع: رأيتهما في لحاف واحد، ولم يزد عليه: يحد الثلاثة عند الحنفية حد القذف، ولا حد على الرابع؛ لأنه لم يقذف، وإن شهد شهود دون أربعة في مجلس الحكم بزنا حدوا بالاتفاق حد القذف؛ لأن عمر حد الثلاثة الذين شهدوا على المغيرة بالزنا .
2 - التكليف: أي البلوغ والعقل، فلا تقبل شهادة الصبيان والمجانين.
3 - الذكورة: فلا تقبل شهادة النساء بحال، تكريماً لهن؛ لأن الزنا فاحشة.
4 - العدالة: فلا تقبل شهادة الفاسق ولا مستور الحال الذي لا تعلم عدالته لجواز أن يكون فاسقاً. فإن شهد أربعة بالزنا وهم فساق، أو ظهر أنهم فساق لم يحدوا حد القذف؛ لأن الفاسق من أهل الأداء والتحمل، وإن كان في أدائه نوع قصور لتهمة الفسق.
5 - الحرية: فلا تقبل شهادة العبيد.
6 - الإسلام: (فلا تقبل شهادة غير المسلم في إثبات الزنا).
7 - الأصالة: فلا تقبل الشهادة على الشهادة، ولا كتاب القاضي إلى القاضي، لتمكن الشبهة في وقوع الجريمة، والحدود لا تثبت مع الشبهات.
8 - اتحاد المشهود به: وهو أن يجمع الشهود الأربعة على فعل واحد في مكان واحد وزمان واحد
9- اتحاد المجلس: أي أن يكون الشهود مجتمعين في مجلس واحد وقت أداء الشهادة. فإن جاؤوا متفرقين واحداً بعد واحد لا تقبل شهادتهم، ويحدون حد القذف.......
10 - أن يكون المشهود عليه الزنا ممن يتصور منه الوطء، فلو كان مجبوباً لاتقبل شهادتهم، ويحدون حد القذف.
11 - أن يكون المشهود عليه الزنا ممن يقدر على دعوى الشبهة، فإن كان أخرس، لم تقبل شهادتهم، إذ قد يدعي الشبهة لو كان قادراً.
12 - عدم التقادم من غير عذر ظاهر: وهو شرط في حد الزنا والسرقة وشرب الخمر كما تقدم. ومعناه ألا تمضي مدة بعد مشاهدة الجريمة وأداء الشهادة، منعاً من التهمة وإثارة الفتنة.......
13 - بقاء الشهود على أهليتهم حتى يقام الحد: فلو ماتوا، أو غابوا، أو عموا، أو ارتدوا، أو خرسوا، أو ضربوا حد القذف قبل إقامة الحد، أو قبل أن يقضى بشهادتهم....
ونص الفقهاء على أن أي اتهام لامرأة أو رجل بالزنا ينقص شرطاً من هذه الشروط فإنه يوجب على القاضي معاقبة صاحب الدعوى بحد القذف، يعني لو شهد ثلاثة وتردد الرابع في الشهادة فإن الثلاثة يجلدون حد القذف، ويعزر الرابع، وذلك في سعي واضح لتشوف الشريعة لستر الناس وعدم إشاعة الفحشاء بين الناس.
إن إيراد هذا النص بطوله ضروري لنفهم إلى أي مدى احتاط الإسلام في منع الناس من الاتهام بالزنا، ومن نافلة القول أن ثبوت الزنا بالبينة على هذا الوجه لم يتم على الإطلاق في التاريخ الإسلامي أو على الأقل لم تدون في التاريخ الإسلامي حادثة واحدة لإيقاع الحد بالبينة.
ولا بأس من القول بأن حد الزنا بالذات يستحيل تطبيقه أو وضعه موضع التنفيذ بعد هذه الشروط الدقيقة التي قررها الفقهاء للحكم باتهام إنسان ما بالفحشاء، وما روي من إقامة بعض الحدود خلال التاريخ الإسلامي فقد كان ذلك في الواقع من خلال إقرار الجناة على أنفسهم وليس من خلال الثبوت بالبينات.
وغاية الأمر أن الأعراض مصانة في الإسلام، وأنه ليس من حق أحد أن يطعن في أعراض الناس لمجرد الاشتباه أو التشفي، وان الشريعة مبنية في هذه المسائل على الستر، وأن من مارس الزنا في استتار وخفية فقد أتى حراماً وفاحشة يحاسبه عليها الله تعالى، ولكن ليس للقانون عليه سبيل، وإنما يكون اللجوء إلى العقوبة فقط في حق من هتك ستر الله عن نفسه وجاهر بالفحشاء بحيث يراه جمع من الناس العدول الثقات في حالة الفحشاء، وهذا غاية في الاستفزاز والاستهانة بالناس ولا بد والحال هذا من عقابه بما يردعه.










حد الحرابة
حد الحرابة هو أحد الحدود المنصوص عليها في القرآن الكريم، وهو عقاب شديد قررته الآيات الكريمة في حق الجماعات أو الأفراد الإرهابيين الذين يمارسون العنف لتحقيق أغراض دنيئة، فيقتلون ابتغاء السرقة أو السلب أو النهب، ولا بد من ردع هؤلاء الآثمين لتأمين حياة اجتماعية مستقرة ولقطع دابر الجريمة.
وتعريف قطع الطريق:
هو الخروج على المارة لأخذ المال على سبيل المغالبة على وجه يمتنع المارة عن المرور وينقطع الطريق، سواء أكان القطع من جماعة أم من واحد، بعد أن يكون له قوة القطع، وسواء أكان القطع بسلاح أم غيره من العصا والحجر والخشب ونحوها، وسواء أكان بمباشرة الكل، أم التسبب من البعض بالإعانة والأخذ؛ لأن القطع يحصل بكل ما ذكر كما في السرقة، ولأن هذا من عادة قطاع الطرق وبه يظهر أن قطاع الطرق قوم لهم منعة وشوكة، بحيث لا تمكن للمارة مقاومتهم، يقصدون قطع الطريق، بالسلاح أو بغيره .
وتعتبر جريمة الحرابة من الجرائم التي تهدد أمن المجتمع وكيانه، ويتعين أن يواجهها المجتمع بحزم صارم.
ومستند هذا الحد قوله تعالى: إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم .
وواضح أن الحد هنا قاس وصارم، وهو من الحدود التي لا ينفع فيها عفو المجني عليه لأنها من النظام العام ولا بد من عقاب صارم لتحقيق أمن المجتمع واستقراره.
وبتعبير معاصر فإن جريمة الحرابة تشمل أيضاً جرائم الإرهاب وقطع الطريق التي يمارسها أفراد أو منظمات بالاعتداء على المدنيين وترويعهم لتحقيق مكاسب شخصية أو سياسية، ولا بد من مواجهة صارمة مع هذا اللون من الجرائم، خاصة بعد أن انتشرت وسائل جديدة لم تكن معروفة في عصر النبوة من التفجير والتفخيخ والبارود والقنابل وغيرها مما يستخدمه الإرهاب اليوم عبر منظمات متخصصة تتبنى العنف ولا تقيم شأناً للروح الإنسانية.
واختلف العلماء في عقوبة قطع الطريق، فقد ذكرت الآية في معرض معاقبة قطاع الطرق أربع عقوبات وهي: القتل والصلب وقطع الأيدي والأرجل من خلاف والصلب، والسؤال هنا: هل العقوبات المذكورة في آية المحاربة على التخيير، أو مرتبة على قدر جناية المحارب؟.
فقال الحنفية والشافعية والحنابلة: إن حد قطاع الطريق على الترتيب المذكور في الآية الكريمة السابق ذكرها؛ لأن الجزاء يجب أن يكون على قدر الجناية .......
وقال الإمام مالك: الأمر في عقوبة قطاع الطرق راجع إلى اجتهاد الإمام ونظره ومشورة الفقهاء بما يراه أتم للمصلحة وأدفع للفساد، وليس ذلك على هوى الإمام.

وبمقتضى مذهب الإمام مالك فإن من حق الدولة أن تختار من هذه العقوبات ما يتناسب وواقعها القانوني والتشريعي، وبالإمكان تخير عقوبة النفي التي هي في قول أكثر أهل العلم: الحبس في السجن، وهي عقوبة يمكن التشدد فيها بقدر ما يندفع شر قطاع الطرق وتتم محاسبتهم وفق القانون.
والنفي عند الحنفية: معناه الحبس؛ لأن فيه نفياً عن وجه الأرض، وخروجاً عن الدنيا مع قيام الحياة، إلا عن الموضع الذي حبس فيه، ومثل هذا في عرف الناس يسمى نفياً عن وجه الأرض، وخروجاً عن الدنيا.
وهكذا فإنه يمكن القول إن النص القرآني جاء حازماً وقاسياً ومباشراً، وهو يتلى في القرآن الكريم إلى زماننا هذا، ويكفي لردع كثير من المجرمين حيث ذكر القتل والصلب وتقطيع الأيدي والأرجل من خلاف، ولكن اختيار السادة المالكية يسمح للدولة باختيار واحدة من هذه العقوبات، وهو ما أخذت به سائر البلاد الإسلامية حيث اعتبرت العقوبة المناسبة في هذه الحالة هي النفي من الأرض المذكورة في الآية، وهي الحبس لمدد طويلة رادعة، كما أن كثيراً من الدول الإسلامية تطبق القصاص في حق هؤلاء إن هم تسببوا في قتل الأبرياء.



حد السرقة
يبدو حد السرقة من أشد الحدود قسوة في الفقه الإسلامي، حيث يتم قطع يمين السارق، وهي عقوبة بدنية محضة لا تحظى اليوم بأي تأييد في النظم الحقوقية والجزائية في العالم.
والسرقة: هي أخذ مال الغير من حرز المثل على الخفية والاستتار.
ومنه استراق السمع ومسارقة النظر إذا كان يستخفي بذلك.
وقد تشدد الفقهاء في إثبات حد السرقة ونصوا على خمسة عشر شرطاً لثبوت الحد وهي:
شروط السرقة الموجبة للحد :
يشترط لإقامة حد السرقة شروط كثيرة بعضها في السارق، وبعضها في المسروق، وبعضها في المسروق منه، وبعضها في المسروق فيه، كما اشترطوا شروطاً مشددة للإثبات
شروط السارق:
يشترط في السارق توافر أهلية وجوب القطع: وهي العقل والبلوغ والاختيار والعلم بالتحريم
شروط المسروق: يشترط في المسروق عدة شروط:
1 - أن يكون المسروق مالاً متقوماً
2 - أن يكون المال المسروق مقدراً
3- أن يكون المسروق محرزاً مطلقاً، مقصوداً بالحرز
4- أن يكون المسروق أعياناً، قابلة للادخار والإمساك، ولا يتسارع إليها الفساد
5- أن يكون المسروق شيئاً ليس أصله مباحاً
6- أن يكون المال المسروق معصوماً، ليس للسارق فيه حق الأخذ ولا تأويل الأخذ، ولا شبهة التناول
7- ألا يكون للسارق في المسروق ملك ولا تأويل الملك، أو شبهته (انتفاء شبهة الملك )
8 - ألا يكون السارق مأذوناً له بالدخول في الحرز، أو فيه شبهة الإذن.
9- أن يكون المسروق مقصوداً بالسرقة لا تبعاً لمقصود
واشترطوا في المسروق منه أن يكون له يد صحيحة وفي المسروق فيه أن يكون في دار عدل لا دار حرب.

ولا خلاف أن تحقيق هذه الشروط الاحد عشر جميعاً دون استثناء هو شرط صحة إقامة الحد فحيث انتفى منها شرط واحد وجب على القاضي أن يعدل عن العقوبة البدنية المقررة إلى العقوبة التعزيرية التي يقدرها بمشاورة خبراء الأمة في القضاء والحقوق.
ويمكننا القول دون أدنى تردد أن هذه الشروط تكاد تكون مستحيلة أو أقرب إلى المستحيل، وأن تطبيق حد السرقة بالشروط إياها كتطبيق حد الزنا بشروط الشهادة المستحيلة، ولا شك أن تعسر تحقيق أي شرط من شروطه يجعل القضاء ملزماً بالعدول عن عقوبة القطع المقررة بالنص إلى عقوبة التعزير من السجن والغرامة والشغل.
أما الجرائم المشتبهة بالسرقة كالنباش والطرار والغاصب والمحتال والمختلس والمدلس والغالّ وغيرها فلا يمكن إقامة حد القطع فيها مع أنها في دائرة الكبائر والحرام، ولكن لا عقوبة إلا بنص، وما ورد في نص السرقة لا ينطبق على هذه الأشكال من السرقات التي تقع على مال غير محرز أو يكون للسارق فيها شبهة، أو غير ذلك من التعليل الفقهي، وهذا يتطلب من الفقه الإسلامي الاجتهاد في كل عصر بما يتناسب مع ردع هذه الأنواع من الجرائم، من السجن والغرامة، ولا يجوز أن تبلغ العقوبة هنا بأي حال حد قطع اليد، عملاً بالقاعدة: من بلغ حداً في غير حد فهو من المعتدين.

وغني عن القول أن جرائم السرقة في زماننا كثيرة جداً ومنها تزوير العملات والتهرب الضريبي والقرصنة الالكترونية وتزوير الشيكات وإصدار الشيكات بلا رصيد وغير ذلك من الجرائم المالية المختلفة، وهذه الجرائم لا يصح معها تطبيق حد القطع المقرر، وإنما يجب أن تلجأ الأمة إلى اجتهاد جديد لردع هذا النوع من المجرمين بقانون يتناسب مع حاجة المجتمع والتزاماته.
ويجب القول هنا أن منع إقامة الحد على السارقين لفقد شرط من هذه الشروط لا يعني تبرير ما يفعله السارق، أو إقراره، بل يجب القول إن السرقة حرام في كل الأحوال، والغاصب والمختلس والنباش والغال مجرمون مسيئون يجب معاقبتهم ومحاسبتهم بما يردعهم، ولكن لا يقام عليهم حد القطع للشبهات المعروفة، ويجب على الدولة معاقبة السارقين بما يردعهم من الحبس والشغل والتجريد من الحقوق المدنية، ولو لم تنطبق عليهم شروط السرقة المذكورة.
الفصل الثاني:
عقوبات لم ترد في القرآن الكريم:

أشار الفقهاء إلى عدد من العقوبات في الفقه الإسلامي لم ترد في نص القرآن الكريم ومنها: عقوبة السكر وعقوبة تارك الصلاة وعقوبة المرتد وعقوبة الشذوذ الجنسي وعقوبة الساحر.
وسوف نشير إلى هذه الحدود مع التأكيد بأن كل ما ورد فيها من آثار فهو في أحاديث الآحاد وأقوال الخلفاء وليس في القرآن الكريم منها شيء.

عقوبة السكر:
لا خلاف أن الشريعة جاءت بتحريم الخمر، وقد نزل التحريم متدرجاً وكان آخر ما نزل فيه قول الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون، إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون .
وفي بيان الحد المحرم من شرب الخمر جاء بيان النبي الكريم صريحاً: ما أسكر كثيره فقليله حرام .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الخمر أم الخبائث .
ومع هذا التحريم الشديد فإنه لم يرد في القرآن الكريم أي بيان لعقوبة شارب الخمر، واقتصر البيان القرآني على الموعظة والنصيحة والإرشاد في هذا السبيل.
ولكن الفقهاء نصوا على وجوب معاقبة شارب الخمر، واستدلوا بحديث مشهور عن أبي هريرة قال: أتي النبي صلى الله عليه و سلم برجل قد شرب قال ( اضربوه )، قال أبو هريرة فمنا الضارب بيده والضارب بنعله والضارب بثوبه فلما ان
محمد حبش