منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 3 من 3
  1. #1

    من يفك أسر الدعوة؟!

    بقلم - علاء النادي




    الدعوة تحتاج إلى كل الألوان
    ليس هناك أجل ولا أشرف من مهمة الدعوة؛ فهي مهمة الأنبياء والرسل، ولئن كانت سلسلة النبوة قد ختمت بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإن مهمة الدعوة تبقى خالدة، وتظل مسئولياتنا مستمرة، وقد صارت هذه المهمة منوطة بالأمة المسلمة.. أمة الشهادة.


    إن الدعوة الإسلامية أكثر شمولا واتساعا مما قد يظنه البعض؛ فدورها ومجالها يمتد من القيام بواجباتها للإسلام، والنهوض داخل الأمة الإسلامية، إلى إيصال رسالة الإسلام إلى أصحاب العقائد والملل الأخرى.



    الدعوة واجبة على كل المسلمين



    ورغم أن هناك جدلا واختلافا حول عينية التكليف الدعوي وكفايته، فإن الواقع المعيشي للأمة يثبت -بما لا يدع مجالا لشك- أن الواجب الدعوي يقع في صلب الواجبات العينية للمسلم. وقد احتلت الدعوة موقع الصدارة في الفكرة الإسلامية، وفي سبيل ذلك قطع الإسلام الطريق على كل المعاذير التي قد تنهض كشبهات تحد أو تقيد القيام بالواجب الدعوي؛ فلم يجعل الإسلام -على سبيل المثال- سعة العلم والتبحر فيه من مستلزمات القيام بهذا الواجب، بل فتح الباب على مصراعيه، ودعا جميع المسلمين إلى ضرورة أداء هذا الواجب عبر التوجيه النبوي "بلِّغوا عني ولو آية".



    ومما لا شك فيه أن واقع الأمة يستدعي تفعيل الحس الدعوي، ولفت الأنظار إلى هذا الواجب الذي تناساه الكثيرون، وأصبح موكلا إلى مؤسسات بعينها وجماعات بذاتها، وضمُر الفعل الفردي، وتلاشى إلى حد الغياب.



    هل الدعوة تستلزم الانتماء لتنظيم؟



    من الإشكاليات التي تستوجب الطرح في هذا المجال وضعية الخطاب الحركي الإسلامي ورؤيته لهذه المسألة. فرغم أن الخطاب الحركي يؤكد في اللافتة العامة فرضية ووجوب الدعوة.. فإن خريطة وتفاصيل هذا الخطاب فتحت من حيث لم تقصد الباب أمام أصحاب الأعذار، وأثارت لدى البعض الآخر شبهات وتساؤلات.



    والشاهد أن الخطاب الحركي يستدعي من القائمين عليه إعادة فحصه، ومعاودة تقييمه وتقديمه حتى لا تتحول الدعوة والعمل الدعوي إلى فكرة سجينة وأسيرة لدى الأطر الحركية، وفقًا لما يتمخَّض عن قراءة هذا الخطاب.



    ليس ثمة فواصل ولا تمايزات في خطاب كثير من الحركات الإسلامية بين واجب الدعوة ومسئوليات العمل الدعوي، والانتماء إلى التنظيمات الإسلامية؛ فالقضية تطرح ككتلة متماسكة وترابط عضوي؛ بحيث إن سقوط أحد شطري المعادلة يستدعي سقوط الشطر الآخر تلقائيا!!

    أكثر من ذلك فإن الخطاب الحركي لا يكتفي بالتأكيد على إلزامية ووجوب العمل الجماعي والانتماء الحركي؛ بل يتم تعدية ذلك إلى سحب التأثيم والتجهيل على كل من يتوانى عن الارتباط الحركي ابتداءً، أو يفصم عُرى الارتباط؛ باعتبار أن ذلك نكوص عن فرضية وواجب يؤدي الإخلال به إلى نقض عُرَى الإسلام!!



    نموذج معبر من خطاب التنظيمات



    إن هذه الفكرة ليست من قبيل المبالغة، ولا هي من قبيل المزايدة على ذلك الخطاب؛ فهي مبثوثة وبكثافة في ثنايا الخطاب الحركي الإسلامي، وبالإمكان معاينة ذلك بعيدا عن التمثيل التجريدي؛ ففي واحد من الأدبيات الحركية التي اتخذت قضية العمل الجماعي والفردي عنوانا لها تقرأ هذا النص للكاتب -رحمه الله-: "إن التزام الجماعة أمر واجب، وإذا لم يلتزم المسلم بها فإنه يبوء بالإثم، ويتخبط في ظلامات الجاهلية. إن الذي ينقض البيعة ويفارق الجماعة، ويتخلى عن الدعوة الجماعية، ويعتزل التنظيم الحركي؛ فإنه حين يموت على الجاهلية.. إن الانخراط في سلك الدعوة الجماعية والبيعة لأميرها هو من الواجبات، وإن الذي يتخلى عنها يبوء بالإثم، وينقض عرى الإسلام" !! [عبد الله ناصح علوان، بين العمل الفردي والجماعي].



    ويمتلئ الخطاب الحركي الإسلامي بالأسانيد الشرعية التي تحتم إلزامية الجماعية، وتحذر من مغبة مفارقتها، إلى جوار تلك الأسانيد فإن الخطاب الحركي يلوذ إلى الحجج المنطقية المغلفة بقواعد أصولية. من ذلك أن العمل الجماعي لا يأتي وجوبه من النصوص الشرعية الصريحة فقط، وإنما يمكن استقراء ذلك من خلال مطالعة الواقع وأحوال الأمة، واستنادا إلى أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فإن تحقيق الدولة الإسلامية لا يمكن أن يتم إلا عبر الجهود الجماعية، ومن خلال الانتماء إلى الأطر الحركية، وعلى ذلك فإن أي جهود فردية تحوم الشكوك حول مشروعيتها من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن جهودها ستؤول إلى الهَدَر والضياع، ولن يكون ثمة طائل من ورائها.



    ملاحظات على هذا الخطاب



    وصياغة الخطاب على هذا النحو تثير الكثير من الملاحظات، يأتي في المقدمة منها الأثر العملي الذي تخلفه تلك الرؤية، من حيث كونها مدعاة لفتح الباب أمام أصحاب الأعذار، والذين ستبدو أعذارهم استنادا إلى هذه الرؤية منطقية، فما مدى مشروعية العمل الدعوي إذا كانت شرعيته مرتبطة بالانتماء الحركي؟ وما فائدة هذا الجهد إذا كان سيؤول إلى الضياع ولن يخلف أثرا؟!



    ولا يمكن المصادرة على ذلك بأن الخطاب الحركي ليس مسئولاً عن هذا، وإلا وقع القائمون على هذا الخطاب في وَهدة التناقض؛ ذلك أن الخطاب الحركي ذاته استند إلى هذا الأمر، وهو يتعاطى مع ظاهرة التشرذم التنظيمي والتفتت الحركي؛ باعتبار أن ذلك يمنح المبررات للهروب لمن يريد التسيب والانفلات؛ بدعوى عدم القدرة على الحسم في ظل كثرة الاتجاهات الإسلامية التي تعمل على الساحة.



    لا يمكن لأحد أن يماري في أهمية ومشروعية العمل الجماعي، غير أن الإشكال الأساسي يكمن في أن الخطاب الحركي تعمد دمج الواجب الدعوي في الانتماء الحركي، حتى بدا كأن الجهود الدعوية ينبغي أن تكون محتكَرة لصالح التجمعات الحركية على قاعدة فرضية الانتماء للعمل الجماعي، ورمي كل الجهود التي تتم بمعزل عنه بمحدودية المردود وقلة الجدوى، ورمي أصحابها بالتلبس بالإثم والغرق في ظلامات الجاهلية!!



    وبالأخير كان الخطاب -وفق هذا المضمون- لا مرد له سوى محاولة تثبيت فكرة أن القيام بالواجب والسعي للنهوض بالفكرة الإسلامية أمر ملتصق ومدمج بشكل عضوي مع الانتماء الحركي؛ حتى إنه لا فكاك بين النهوض بهذه المسؤوليات والاندماج الحركي.



    محاولة لصياغة جديدة



    يحتاج الخطاب الحركي إلى إعادة صياغة وترتيب للأولويات وإعادة توزين للنسب حتى تستقيم الأمور، بما يجعل أهمية ومشروعية الواجب الدعوي تتصدر الخطاب وتحل ما تستأهله من مساحة.



    يرتبط بذلك الأمر -على الصعيد العملي- ضرورة أن تصبح الأطر الحركية أكثر انفتاحًا، واستفادة من المجهودات الأخرى؛ حيث أدت هذه الرؤية -التي تحدثت عنها- إلى ما يشبه الانغلاق، وصار كل إطار حركي يسير من خلال ما يمتلكه من عناصر، دون أن ينفتح بشكل كاف على الآخرين، وقد أخَّر ذلك بالحركات الإسلامية ذاتها، وحرمها من الإفادة من مجهودات الآخرين.



    التنظيم وسيلة وليس هدفا



    إن الأمر يصل من شدة الالتباس إلى حد تلاشي الفروق بين الوسائل والغايات، والوسائل والأهداف؛ فالتنظيم لا يعدو كونه وسيلة وآلية للعمل، إلا أنه في أحيان كثيرة يتحول إلى هدف وغاية، ورغم أن الوسائل تتعدد ولا يمكن حصرها في شكل بعينه، وخاصة في ظل واقع الاجتماع السياسي المعاصر وما يتيحه من مجالات وفرص للعمل المؤسسي والفردي على السواء؛ فالأحزاب والجمعيات الأهلية وسائل يمكن من خلالها القيام بمهمات الواجب الدعوي؛ فهل يمكن المصادرة على هذه الأشكال وتلك الوسائل والطعن في مشروعيتها؟.



    إن صياغة الخطاب الحركي على النحو السالف فوق ما ينطوي عليه من مآخذ خاصة في الاستدلال بالأسانيد الشرعية، وطرق تأويلها من قبيل الذهاب إلى أن لفظة "الجماعة" الواردة في الأحاديث تعني المجتمع وليس الجماعة، والفارق بين الأمرين كبير، ثم إن قضية المفارقة للجماعة -على سبيل المثال- تحتاج إلى توقف في مدلولها بما تعنيه من الانسلاخ، وربما التآلب على المجتمع، فوق كل هذا فإن هذه الصياغة تجعل المسلم في حالة من العنت وتدفعه إلى كثير من الحرج؛ إذ تظل تلك الفرضية قائمة وواقعية: ماذا إذا لم يجد مسلم ما في كافة التلوينات الحركية ما يتوافق مع قناعاته؟ هل يلزمه مع ذلك الانخراط في العمل الحركي؟



    وماذا إذا طرأت تحولات موضوعية، وتبدلت قناعات من انتمى إلى هذه الجماعة أو تلك؟ ثم ماذا إذا أقدمت الجماعة ذاتها على فصم العرى؟



    إن الخطاب الحركي وصياغته على هذا النحو الحاد ترك ترسيبات في وعي الكثيرين، حتى إن هناك البعض ممن انضوى تحت العمل الحركي لطول الإلف، والتأثر الشديد بهذه الصياغة سرعان ما يخلد إلى الراحة، ويتجنب المساس بالواجب الدعوي إذا انقطعت الوشائج بينه وبين الإطار الحركي.



    إن الخطاب الحركي بحاجة إلى إعادة النظر بشأنه في هذه المسألة؛ فالأمة في حاجة إلى كل جهد، والعمل الدعوي واجب في عنق كل مسلم، وتلك الجهود على اختلاف الوسائل التي تنبعث من خلالها لا يمكن -بحول الله- أن تضيع بددًا أو تذهب هدرًا؛ فهي لبنات تشكل القاعدة التي ينهض على أساساتها المشروع الإسلامي.



    وإذا كانت الخاتمة تستوجب إعادة التأكيد على أن ذلك لا يعني المساس بأهمية ومشروعية العمل الجماعي؛ فإنها تؤكد على ضرورة إعادة النظر في الخطاب الحركي وصياغته؛ حتى لا يتحول القيام بالواجب الدعوي إلى رهينة لدى الأطر الحركية.



    --------------------------------------------------------------------------------

    كاتب ومحلل سياسي مصري.

  2. #2
    موضوع يستحق الوقفة االمتانية
    واظن اننا فرديا مسؤولون ايضا مهما كانت بساجة المهمة
    تقديري

  3. #3

المواضيع المتشابهه

  1. الانترنت في خدمة الدعوة
    بواسطة ثامر سباعنه في المنتدى الشبكات والشهادات
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 11-16-2016, 02:15 AM
  2. تلبية الدعوة
    بواسطة حسن العجوز في المنتدى فرسان السيرة النبوية
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 07-24-2016, 12:28 AM
  3. الدعوة عامة
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان الأدبي العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-24-2012, 10:48 AM
  4. الدعوة فى القرآن
    بواسطة رضا البطاوى في المنتدى فرسان الإسلام العام
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 07-22-2011, 10:40 PM
  5. شاعر الدعوة ...
    بواسطة أبو فراس في المنتدى فرسان التجارب الدعوية
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 05-02-2007, 09:09 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •