جريمة كرمأبوسالم..واستعداء غزة

أحمد أبورتيمة

abu-rtema@hotmail.com

لا أجد كلمات أعبر بها عن غضبي وصدمتي من الجريمة المروعة ضد الجنود المصريين في سيناء مساء الأحد، والتي أدت إلى استشهاد 17 جندياً وإصابة خمسة آخرين. وبغض النظر عما يمكن أن تتوصل إليه التحقيقات الأمنية، إلا أن المؤكد أن من ارتكب هذه الجريمة هو عدو لمصر وللأمة الإسلامية والعربية جمعاء.

يقال إذا أردت أن تتعرف على الجاني فابحث عن المستفيد، والمستفيد الأوحد من توتير الأوضاع في سيناء في هذه المرحلة الدقيقة التي ترتب فيها مصر أوراقها الداخلية لن يكون بالتأكيد سوى (إسرائيل).

(إسرائيل) تدرك أن مصر قويةً ديمقراطيةً ناهضةً تعني تكبيل أياديها عن التوغل في الفساد والجريمة ووضع حد لممارساتها العدوانية، فـ(إسرائيل) تاريخياً لا تستطيع أن تعيش إلا في ظل أجواء الفوضى والدكتاتوريات، لذا فهي تقاتل من أجل إبقاء الوسط المحيط غارقاً في مشكلاته الداخلية حتى لا يتسنى له القيام والقدرة على أداء دوره التاريخي.

(إسرائيل) تمتلك ذراعاً استخباريةً طويلةً ثبت تورطها بالعبث في أمن بلاد تقع في أقاصي الدنيا، ومن باب أولى أن تستغل هذه القدرات الاستخبارية في اختراق سيناء خط الدفاع الأول عن مصر في أي معركة محتملة، وقد جندت (إسرائيل) فعلاً خلال الأعوام الأخيرة خلايا في سيناء ليناط بها القيام بمهمات محددة حال تكليفهم بها..

لكن لما كان بين النظام السابق وبين الوطنية بُعْد المشرقين، فلم يكن التصدي للاختراق الإسرائيلي على سلم أولوياته، بل سعى بدلاً من ذلك إلى صناعة عدو جديد متمثلاً في قطاع غزة، فسعى من خلال إعلامه المأجور إلى تعبئة الشارع المصري بأن غزة هي من تمثل خطراً على الأمن القومي، وأخذ يحملها مسئولية كل الجرائم المرتكبة في سيناء، ورغم سقوط هذا النظام إلا أن الثقافة التي أنشأها لا تزال قائمةً مع الأسف في نفوس فريق من الإعلاميين، وقد وجد هؤلاء في جريمة كرم أبو سالم فرصةً لاتهام الفلسطينيين فوراً بالتورط في الجريمة قبل أن تستكمل التحقيقات وتتضح الصورة، وشارك التلفزيون المصري الرسمي في الترويج بأن مرتكبي الجريمة هم أشخاص قادمون من غزة عبر الأنفاق، وأنهم حاولوا الفرار إلى غزة بعد ارتكاب الجريمة.

لست بصدد إثبات أو نفي تورط أشخاص قادمين من الأنفاق في الجريمة، فهذا من اختصاص الجهات الأمنية، لكن من حيث المبدأ حتى لو ثبت تورط أشخاص فلسطينيين -لا قدر الله- فهذا لا ينفي حقيقة أن (إسرائيل) هي المستفيد الأول من الجريمة، وغزة مثلها مثل سيناء مثل أي مكان في العالم لن تخلو من أشخاص ساقطين أمنياً مرتبطين بالعدو ويعملون لتنفيذ أجندته، لكن هؤلاء الساقطين فيما لو ثبت تورطهم في الجريمة فهم معزولون عن الشعب الفلسطيني، وهم يعملون ضد مصلحته تماماً كما يعملون ضد مصلحة مصر، والضرر اللاحق بغزة من هذه الجريمة لا يقل عن الضرر اللاحق بمصر..

أقول هذا الكلام افتراضاً للأسوأ قبل أن تنجلي الصورة وتتضح هوية منفذي الجريمة، لكن قرائن أوليةً ينبغي أخذها بعين الاعتبار تشير بأصابع الاتهام الجنائي نحو (إسرائيل) بعد ثبوت الاتهام السياسي، من هذه القرائن ما أعلنته ما تسمى هيئة مكافحة الإرهاب الإسرائيلية قبل أيام قليلة من حث جميع الإسرائيليين المتواجدين في سيناء على مغادرة المنطقة فوراً والعودة إلى (إسرائيل)، كذلك ما ذكرته مصادر فلسطينية من أن (إسرائيل) أخلت معبر كرم أبو سالم من الموظفين قبل ساعات من الهجوم على الجيش المصري!!

إن هؤلاء المنفذين بغض النظر إن كانوا مصريين أو فلسطينيين فهم أشخاص مشبوهون منسلخون عن الهوية العربية والإسلامية، وهم لن يخرجوا عن إحدى اثنتين إما أنهم يرتبطون ارتباطاً مباشراً بالمخابرات الإسرائيلية وينفذون أجندتها، أو أنهم جاهلون من أصحاب الفكر التكفيري المتطرف، وفي هذه الحالة أيضاً فهم يخدمون الأهداف الإسرائيلية، ونحن إذ ندين هذه الجريمة البشعة فإننا في الوقت ذاته نحذر من استغلالها في الوقيعة بين الشعبين الشقيقين المصري والفلسطيني، واختلاق معارك وهمية كما كان يفعل المخلوع مبارك، واتخاذها ذريعةً لتشديد الحصار على قطاع غزة وهو المطلوب صهيونياً، وإذا كانت الأنفاق قد تحولت لمصدر إزعاج وتوترات أمنية فنحن نتفق مع السلطات المصرية بإغلاقها وفتح معبر رفح وتوفير كافة احتياجات قطاع غزة من فوق الأرض حتى نقضي على الظروف الشاذة التي أنتجت هذا الواقع غير المرغوب به لا مصرياً ولا فلسطينياً..

صحيفة فلسطين