النشر الالكتروني



هدى فايق




شكَّل المحور الثقافي الجانب الرئيسي للمناقشات التي دارت خلال جلسات مؤتمر "النشر الإلكتروني في مصر"، والذي عقد في المجلس الأعلى للثقافة المصري مؤخرا؛ على اعتبار أن النشر هو آلية مهمة تعتمد عليها الثقافة.
وفي ظل عصر تزداد فيه أهمية النشر الإلكتروني الذي يمتاز بالسرعة والقدرة على إلغاء حاجز المكان وكسر احتكار المعلومة وتخطي حاجز الرقابة كشفت الأبحاث المقدمة في مؤتمر النشر الالكتروني أن هناك فرقًا بين الواقع والحلم في واقعنا العربي؛ وتحديدا في ميدان النشر الإلكتروني وعلاقة مثقفينا وكتابنا به، والذي ما زال منحصرًا في ثنائية خطيرة طرفها الأول "التكنوفوبيا" (الخوف من التكنولوجيا) و"التكنوفهلوة" (ادعاء المعرفة بالتكنولوجيا)؛ وهو الأمر الذي حذر من استمراره.

الورقي يحتضر

في مقدمة المحاور التي أثارت نقاشًا واسعًا بين الحاضرين احتل موضوع النشر الإلكتروني وتأثيره على النشر الورقي الصدارة؛ فهل سيتمكن الكتاب الورقي من الصمود في وجه الكتاب الإلكتروني؟.


الباحث "عبد التواب يوسف" تنبأ في بحثه الذي حمل عنوان: "بين الكتاب المطبوع والكتاب الإلكتروني" أن الكتب ستختفي لتحل محلها الشاشة الصغيرة، وبذلك تنتهي المكتبات العملاقة، وإن بقيت فسوف تصبح مجرد أسطوانات مسجلة عليها آلاف الكتب، ويستطيع القارئ أن يتعامل معها ببراعة ودقة مستغنيًا عن الأوراق مكتفيًا بما يمنحه إياه الكمبيوتر.

غير أن الرأي الغالب اتفق على أن النشر الورقي لن يتأثر بالنشر الإلكتروني، كون التاريخ أثبت أن ظهور وسيلة اتصال جديدة لا يعني إلغاء الوسيلة التي قبلها؛ فظهور المذياع لم يلغِ الصحيفة الورقية وظهور التلفزيون لم يلغِ المذياع.

وكان واضحًا أن الرأي الذي يحمل فكرة أن وسائل الاتصال المختلفة تعمل على تطوير بعضها البعض وتستفيد من التقنيات الجديدة يطغى على الباحثين، وهو ما أثبته "أحمد فضل شبلول" في بحثه "النشر الإلكتروني بين الحاضر والمستقبل"، حيث أشار إلى أن النشر استفاد من الأجهزة الإلكترونية في مختلف مجالات الإنتاج والإدارة والتوزيع للبيانات والمعلومات وتسخيرها للمستفيدين.

"تكنوفهلوة"

حضرت كذلك من خلال الأبحاث محاور تبحث في تأثير النشر الإلكتروني أو الثقافة الرقمية على فروع الحياة الأدبية، منها النقد الذي أسس "مصطفى الضبع" في بحثه "تجليات النقد الإلكتروني.. المفهوم والآليات" لشكل جديد للنقد بمفهوم يتجاوز التقليدية.

فيرى "الضبع" أن النقد لم يتخلص شيئًا فشيئًا من صفته الرابطة بالنص الأدبي، بل يتجاوزه إلى النص بمعناه الثقافي الواسع.

كما يرى الضبع أنه وفي الوقت ذاته تحقق المواقع الثقافية المتزايدة على الإنترنت نوعًا من الحراك الثقافي الحقيقي، كما تأخذ دورها في الاشتباك مع العديد من القضايا الثقافية، بالإضافة إلى التعريف بجيل جديد من الكتاب الشبان، كما تساهم في الوقت ذاته في تطوير النص ذاته عن طريق النقد التفاعلي.

وتناول "الضبع" خلال عرضه لورقته مصطلح "تكنوفهلوة" والذي صكه للتدليل على ظاهرة ادعاء المعرفة بالتكنولوجيا، ليس فقط من خلال اقتناء أدواتها، بل والفتوى في أساليب استخدامها بما يوحي بمعرفته بها.

وتحدث "سمير الفيل" في بحثه الذي جاء كدراسة لأحد المواقع الثقافية بعنوان "شبكة الإنترنت والواقع الثقافي.. موقع (أسمار) نموذجا" عن النص اللانهائي قائلاً: "النص الذي يقدم من خلال الموقع يكون في حالة لانهائية من التشكل، قابل للحذف والإضافة والتعديل والتحوير". وهو الأمر الذي عده "سمير الفيل" بداية لتأسيس علاقات بنيوية يمكنها أن تعطي أطرًا للكتابة المتجاوزة.

"تكنوفوبيا"

حظي هذا المؤتمر بورقتين كانتا بمثابة الشهادات الحية على تأثير الإنترنت على الواقع الثقافي العربي، الأول للباحث "موريس أبو السعد ميخائيل" وحمل عنوان: "النشر الإلكتروني: ثقافة وتثقيف"، حيث عرض من خلاله لشريحة الصفوة التي تنتشر بينهم أمية تكنولوجية بفعل شعورهم بالعجز تجاهها، وهذا عمل على تكون ظاهرة "التكنوفوبيا".

كما أشار "أبو السعد" إلى أن الكثير من أعضاء الصفوة والمثقفين يلجئون إلى اتباع بعض الأساليب لإخفاء عجزهم عن التعامل مع الأدوات العصرية عن طريق اقتناء أجهزة حاسوب تقبع على مكاتبهم دون استخدامها كنوع من الوجاهة الاجتماعية.

وجاءت شهادة "منير عتيبة" حول مواقع شارك في تأسيسها والعمل بها في بحث حمل عنوان "النشر الإلكتروني في الدول النامية: من إثبات الوجود إلى الإبداع والمؤسساتية"، حيث تحدث عن تجربة مجلة "أمواج سكندرية" الموقع الثقافي للإسكندرية على الإنترنت والتي بدأت منذ 7 سنوات، وتجربة موقع "إسلام أون لاين.نت"، وتجربة "اتحاد كتاب الإنترنت العرب" الذي يُعَدّ أول مؤسسة نقابية عربية تعنى بهذا المجال.

المدونات.. مراكز قوى

ولم يغفل المؤتمر المدونات مع تزايدها في العالم العربي وفي مصر على وجه الخصوص بشكل لافت للنظر، فرغم تغيب الباحثة "عزة سلطان" والتي قدمت بحثًا حمل عنوان "المدونات: منافذ للنشر.. ومنافع أخرى"، حيث أشار البحث إلى أن المدونات تحولت إلى قوة إعلامية تؤثر بشكل مباشر على الرأي العام في كل مكان، كما تعبر عن جزء من التفاعل القوي بين البنى الاجتماعية والظاهرة الرقمية في المجتمعات المتقدمة.

كما تطرق الحوار إلى جانب آخر من آليات النشر الإلكتروني الفردي على الإنترنت وهو المنتديات والتي أطلق عليها البعض اسم "أحزاب إلكترونية جديدة"؛ ففي الوقت الذي غابت فيه الأحزاب السياسية من الشارع الفعلي نجحت المنتديات بما تقدمه من مساحة للتعبير وإبداء الرأي فيما فشلت فيه الأحزاب السياسية من تقدم الشباب إلى الانضمام إليها وإثارة القضايا، بما يزيد من وعي الأعضاء ويسهم في تشكيل ثقافتهم.

الطفل.. وحق المؤلف

كما جاء الطفل محورًا بارزًا من بين المحاور التي ناقشها المؤتمر باعتبار أن تربيته ترتكز على الثقافة التي تتكامل بشكل أساسي مع التكنولوجيا الحديثة.

فقد لاحظ "السيد نجم" في دراسته "النشر الإلكتروني والطفل" أن الطفل في تقنية النشر مبعثر بين مواقع ذات اهتمامات متعددة ومختلفة.. مبرزًا أهم سلبيات تلك المواقع التي لا تلتزم بتحديد الفئة العمرية للأطفال المخاطبين، كما تقدم خطابًا واحدًا للطفل الأنثى والطفل الذكر، وتحصر ما تقدمه على المفاهيم الغربية من خلال الشخصيات الكرتونية المشهورة.

وحملت العديد من الأبحاث عناوين متعلقة بالملكية الفكرية وحق المؤلف الإلكتروني؛ وهو الأمر الذي انعكس في توصيات المؤتمر الذي طالب بإصدار تشريعات قانونية لحماية الملكية الفكرية، في ظل عدم وجود إطار قانوني محكم وملزم لحماية الملكية الفكرية في الدول العربية.

من بين الأوراق المهمة التي قدمت في هذا الشأن ورقة تحت عنوان: "دور المجتمع المدني في الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية على شبكة الإنترنت" للإعلامي حسام عبد القادر والتي عرض من خلالها لآليات تمكن المؤلف أو المبدع من الحفاظ على حقوقه، وهي ما يطلق عليه "الرخصة البديلة"، كما أشارت إلى هيمنة شركة ميكروسوفت على إنتاج البرامج، وإمكانية كسر احتكارها عن طريق "البرامج مفتوحة المصدر".



--------------------------------------------------------------------------------

صحفية مصرية.

رابط الموضوع
http://www.islamonline.net/servlet/S...re%2FACALayout



http://www.islamonline.net/servlet/S...&ssbinary=true