هل نجح الاعلام بالوفاء بوعوده؟

الكلامالسياسي أو الحديث السياسي, هو قراءة الحدث أو المشكل السياسي بعلم وموضوعية ومنطق سليم. ومثل هذه القراءة تسهم في تحديد مكامنالداء ونوع الدواء. والتي قد لا يرضي في كثير من الأحوال طموح, أو أمل أو مبتغى المحلل السياسي. ولكنهيسرد أو يكتب الحقيقة ,كي تستفيد منهاالجماهير.

والفرق كبير,والبون شاسع, بين محلل يقرأ الحدث أوالمشكل السياسي على حقيقته دون تعديل وتحوير, أو تزوير , أو إضافة بعض الديكورات والملونات والرتوش . وبين محلل يقرأ الحدث أوالمشكل بما يرضيه, ويتناغم مع طموح وهدف وأمل ومبتغى واسطة الاعلام التي تستضيفه ,كي يحقق كل واحد منهما مبتغاه.

نشهد في هذه الايام تحليلات سياسية من قبل بعض وسائط الاعلام المرئية والمكتوبة والمسموعة, تتعارض وأخلاق مهنة الاعلام. فهذه الوسائط الاعلامية باتت تستقطب محللين سياسيين أو عسكريين أو اقتصاديين,يمارسون الخداع والتضليل, وإيقاد نيران الفتن. خدمة لبعض أسيادها من الحكام. أو خدمة لشركات الاعلان التي باتت صاحبةالتأثير في معظم وسائط الاعلام, بما تضخه من أموال بذريعة أنها أجور اعلانات.

إذا كان الاعلامالرسمي العربي بنظر البعض هو الأبن الشرعي لواقعنا العربي ,لأنه يعكس الوضع العربيبدقة, بما يعتريه من إحباط وقمع وتشويه لعقل الانسان العربي. فإنه حال الاعلامالخاص بنظر الكثيرون ليس بأفضل. فحاله أسوأ بكثير من الاعلام الرسمي, رغم أنهيتمتع بهامش حرية اعلامية أوسع ,او بحرية مطلقة كما يدعي. إلا أننا بتنا نلاحظ, أنه محكوم بأمور عدة. من أبرزها: خدمة ملاكه من خلال الترويج لنهجهم السياسي والاقتصاديوالاستهلاكي. وغياب حس الشعور الوطني والقومي. و ممارسته التضليل الاعلامي الممنهج والمتعمد. وخاصة حين يلجأ لتجاهل أحداث رئيسية وإبراز أحداث ثانوية. وإيقاد نار الفتنالطائفية والمذهبية. وتحويل بعض البرامج إلى أساليب قدح وسباب وشتائم لا تليق بمن يديرها ولا تنسجم مع قواعد الدين والأدب والتربية والاخلاق.لتحقيق غايات شخصية مقيتة ,أو للتنفيس عن أحقاد مزمنة. أو نشر برامج تدفع بجيلالشباب نحو الانحراف والضياع ,أو تخريب المجتمعات. وبات الاعلام الخاص الذييدعي تحرره من القيود الرسمية مكتنز بالكثير من الاسفاف والهزل والتطاول علىالقيم القومية الوطنية والاخلاقية, وحتى الإجتراء على الديانات, و أمن البلادوالعباد. يدافع عن الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان بأمكنة ,و يتجاهلها في أكنةأخرى .ويحارب الديكتاتوريات والفساد في دول, ويتجاهلها أو يذود عنها في بلاد أخرى.

الفرق كبيربين الإعلام العربي والإعلام الغربي في كثير من الأمور. فالإعلام الغربي بشقيه الرسمي والخاص يخدم مصالح بلاده, ومصالحمجتمعاته. و ينأى بنفسه عن كل ما يهدد أمنبلاده القومي, أو أمن مجتمعاته. رغم أنه يعاني من مثالب وآفات, كالصمت عن إرهابوعدوان وإجرام, وأشبه بمن بكتم شهادة حرمها الله. وحتى ترويج الأكاذيب بهدف خداعوتضليل الجماهير بذرائع الدفاع عن الأمن القومي وعدم إضعاف معنويات جنوده الذي يخوصون الحروب ويمارسون العدوان على بعض الدول.فالإعلام الغربي يعتبر أنه بالدعاية يمكن ترسيخ أفكار ,وتبديل مواقف بعض الاشخاص والجماعات.وحتى التأثير في شرائح كثيرة من المجتمعات .والدعاية لديه أصناف وأشكال. دعايةاستراتيجية. ودعاية داعمة .ودعاية تعبوية .ودعاية مضادة. ودعاية مفرقة للصفوف.ودعاية بيضاء .ودعاية رمادية ودعاية سوداء ,وإشاعات مغرضة. ويقال: إذا أردت اغتيال عدو لا تطلق عليه رصاصة ,أطلق عليه إشاعة. ويعتبر أن الدعايةتعتمد في تأثيرها على شخصية الداعية وأسلوبه في بث الدعاية. وأن أخطر الشخصياتالدعائية عادة هم الأفراد الذين يطلق عليهم تسمية مستقطبي الرأي العام ,أو من أصحابالمواهب المميزة. ولذلك يختار أخصائيين وخبراء وشخصيات دعائية في الاعلاملممارستها على الوجه الأكمل. ويستضيف محللين سياسيين واقتصاديين وعسكرين لإلقاء مزيداً من الضوء علىبعض جوانب الحدث لتحقيق اهداف جمة. منها ما تخدم مصالح بلاده, أو يجد فيها المبررللاستخفاف ببعض المجتمعات والدول. وتوظيفه الحدث لتبرير منطق وموقف حكومات بلاده العدواني أو المزدوج أو الرمادي أو الأسود. و يتخذمنه ذريعة للنيل من مواقف بعض الحكومات والدول تجاه هذا الحدث, للتأثير عليهم تجاهقضايا أكثر الحاحاً من هذا الحدث ,ولتعزيز بعضاً من مصداقيته أمام الناس. فالإعلام الغربي مؤسسات كبيرة لهاوظيفتها ولها دورها الفاعل في السياسة والاقتصاد والحرب والأمن والسلام. و هي منتحرك الإعلاميون في كل أتجاه وفق ما ترغب وتشاء. وحين تستضيف محلل سياسي أواقتصادي تختاره من النخبة في بلد ما, وممن له دور فاعل في صفوف المعارضة أوالموالاة. والمضيف يحشر ضيفه بأسئلته المحرجة ,أو ببعض الوقائع والتعقيبات والحقائق, كي لا تتحملواسطته الاعلامية أية مسؤولية قانونية عنإجابات وتصرفات هذا المحلل حين يلجأ للقدح والشتائم . لكي يكشف للمشاهدينأو القراء, حال النخبة في هذه البلاد. وأن هذه البلاد مصيرها الشقاء, ولنتنعم بالأمن والتمية والاصلاح والاستقرار.

أما الاعلام العربي الرسمي والخاص: فهو مؤسسات عدة تتصارع فيما بينها ,وليس لها من دور فاعل على أي صعيدمن الأصعدة .سوى أما في الدفاع عن الأنظمة والحكومات والحكام. أو في التهجم علىأنظمة وحكومات. أو شرذمة وتفتيت المجتمعات ,ورفع حدة الصراعات والتناقضات, وحتىإيقاد نيران الحروب والفتن داخل المجتمعات العربية. وطمس معالم العدوان الصهيونيوالاستعماري على بعض أجزاء وطننا العربي. فصديق اليوم قد يكون العدو اللدود في الصباح,وحليف اليوم قد يتحول إلى عدو في الظهيرة أو المساء.

وبعضالاعلاميين ممن يتحكمون في واسطة الاعلام, هم رأس مال بعض وسائط الاعلام .وهمنجومها, وربما على كاهلهم تقوم مثل هذه الوسائط .فهم ملوكها المتوجين. وهم منيختارون نوعية البرامج, ونوعية الضيوف. والبعض منهم تتلمذ وأمتهن الاعلام في دولأجنبية, ووسائط اعلام غربية, وأقصي عنها لسبب من الأسباب. أو تطوع للعمل في وسائط اعلام عربية, لخدمةأهداف أمته ووطنه, لينقل إليها بعض ما أكتسبه من خبرات. والغريب حين يستضيفهؤلاء بعض المحللين, ينزلقون بدروب تجهض كل حوار ومفاوضات واتفاق. وحتى السير بمسارات تكون من نتيجتها تمزيق اللحمة الوطنية لكل بلد. ولذلك نجد رايةالخلاف والشقاق والصراع خفاقة دائماً في أكثر من برنامج ولقاء. و البعض منالمشاهدين أو المستمعين أو القراء يخرجونبانطباع أن مصائب الشعوب سببها قوى المقاومة الوطنية ,وثورات الشعوب علىنظم الوصاية أو الانتداب. وأن الأمة العربية لا تعرف شيئاً سوى الفرقة والاختلاف.وأن الشيء الوحيد الذي تتفق عليه هو أن لا تتفق. وأنها منذ الأزل أمة تحكمهاالنزاعات. وأنها ليست أمة واحدة كما تعلمنا في المدارس والجامعات, وإنما شعوبمتناحرة. وأن اتفاقيات سايكس بيكو كانت نوعاَ من العلاج. وأن مشروع الشرق الأوسطالجديد الذي بشرت به كونداليزا رايس سيكونالعلاج, والحل الامثل لكل ماتعاني منه من مشاكل وصراعات ومعضلات.

ولذلك نجد بعضوسائط الاعلام صفر الضمير وكأنها تشترى وتباع .وأن بعض رجال الاعلام لم يعودوا محامون يدافعون عن الناس بلا أجور وتوكيلات, وإنما تجار اعلام,يتاجرون بالمشاكل والمآسي والنكبات.

لذلك يقول البعض أن الاعلام العربي هوأحد مدرستين : مدرسة تتعامل جمهورها بمنطق: لا تَقْل ما تريد فنحننفعل ما نريد. ومدرسة تتعامل مع جمهورها بمنطق: قُل ما تريد ونحن نفعل ما نريد.

كان نابليون يقول: الصحافة ركن من أعظم الأركان التي تشيد عليها دعائم الحضارة والعمران. ويقول أيضاً: إني أوجس خيفة من ثلاث جرائد أكثر مما أوجس خيفة من مائة ألف مقاتل.والمضحك أنه هو من جر جيوشه ليحارب في أوروبا على أكثر من جبهة ومكان ليدمر البلدان. وكأن الصحافة كانت تؤيده في هذه الأفعال. وجفرسون قال: عندي أن أعيش في بلاد بها صحافة وليس فيها قانون ,أفضل من أنأعيش في بلاد بها قانون وليس فيها صحافة. وبلاده الولايات المتحدةالأمريكية فيها اليوم العديد من مؤسسات الاعلام والتي تصدر فيها مئات الصحفوالمجلات والدوريات, إضافة إلى مئات الفضائيات والاذاعات. وتفاخر بأن قانونها ودستورها الأفضل والامثل بين كل الدساتيروالقوانين. ومع ذلك تمارس إدارتها الارهاب والاجرام والعدوان.

يعتبر البعضان الصحافة قد تكون صناعة جيدة في كل اللغات ما عدا لغة الضاد. وجبران توينيقال: الصحافة رسالة واستماع وقناعة ومرض بالدم........ والاعلام المقروءالعين, الفرد فيه يسجل ,والفكر يحلل ويستنتج. والاعلام المرئي ,فالمشاهد يتلقى,فهو سطحي وسريع. وهل صحيفة النهار تلتزم بهذا الكلام؟ وشهيرة الرفاعيقالت: رئاسة التحرير مسؤولية كبيرة ,ورهبة,وتحد كبير, لإثبات الذات. وهل رؤساء التحرير ومدراء وسائط الاعلام مقتنعونبهذا القول؟ وهل لهذا القول من وجود في بعض وسائط الاعلام؟ ويقول المثلالياباني: أبحث سنوات قبل أن تصدق خبراً. والمثل الأمريكييقول: لا تتوقع أن يأتيك الصدى بأي جديد. ومارك توين قال:النساء أهم من وسائل الاعلام لنقل الأخباربسرعة .وتضخيمها بحيث تصبح الحبة قبة.

في عالمالاعلام تسمع الكثير من الوعود, ولكنك لن تجد منها سوى القليل. حيث يقول الاعلاميون:

· علينا أن نجعلالاعلام وسيلة لإيصال الثقافة بمختلف تجلياتها للجماهير.

· وأنه لا مكانللواقفين في مكانهم أبداً.... لابد من التطوير والابتكار والتغيير, ولابد أن نأتيبجديد ومتجدد وأيضاً مدهش .لنكسب ثقةالجماهير. وأن نظهر الحقيقة للناس دونتزييف أو تمويه.

· وأنه لابد منالابحار في بحر التكنولوجيا المتلاطم, وبحر المعلومات المتدفق مهما كلف الأمر.

· ولا بد من التفكير فيما يفكر فيه الجمهور ,وما يقبله,وما يرفضه, وما يحلم به ويتمناه. وما نأمل أن نوصله إلى الجماهير لكي يحدث التلاقيبين المرسل والمستقبل.

· ولابد منمواكبة الاحداث واهتمامات الناس بدونتناقض مع الوقت.

· ولابد منالتنافس لتحقيق السبق الصحفي والاعلامي في كل الأمور والأحداث.

· ولابد مناحترام الرأي والرأي الآخر, ورأي المعارضة والموالاة, وذلك بإفساح المجال للجميع.

· والتعاملبأخلاق ووجدان ومنطق وقانون في التعامل معالأحداث والمشكلات.

· والابتعاد عن ازدواجية وتعددية المواقف ,وأسلوب المحاباة في التعاملمع الأحداث,

ونتوجه بالسؤال إلى بعض وسائطالاعلام: هل نجحت في تنفيذ وعودها .وهل تمارسالدعاية بوجهها الصحيح. ولماذا تستضيف ضيوف ومحللين سياسيين يلجؤون إلى التضليلوتشويه البرامج وتزييف التحليل؟

الثلاثاء:10 /7/2012م العميد المتقاعدبرهان إبراهيم كريم

bkburhan@hotmail.com