حرب الأزواد الأخيرة في شمال مالي وتداعياتها على المنطقة
بقلم : أ . تحسين يحيى أبو عاصي – كاتب فلسطيني مستقل – 27-4-2012م
= = = = = = = = = =
بداية يجب قراءة ظاهرة الأزواد من منطلق حيادي وموضوعي ، بعيداً عن شهوة الانتماء السياسي ، والترف الفكري ؛ لكي نصل إلى نتيجة صحيحة ، لأن كل بداية صحيحة ستؤدي غالباً إلى نتيجة صحيحة ، وأود الإشارة هنا بأنني كاتب مستقل أرفض الإرهاب بشدة بكل أيديولوجياته ، واكره سفك الدماء ، وأتناول الحقيقة من منظار تحليلي بحت ، دون أن يكون لي ناقة ولا جمل هنا أو هناك .
إن موضوع الأزواد له تشابكاته وتفاعلاته ، كما أن له أسبابه ونتائجه وأهدافه ، خاصة عندما نأخذ بعين الموضوعية أن الحركة الوطنية الازوادية هي ذات توجهات علمانية معظم منتسبيها من الطوارق وأنها تعتمد عقيدة سياسية وطنية ، وتعلن عن هدفها وهو استقلال إقليم أزواد ، وتعتبر جيش مالي جيشا محتلا وفق أدبياتها
، ويشارك الحركة الوطنية الازوادية في نضالها جماعات أخرى مثل : جماعة أنصار الدين وهي من الطوارق تهدف إلى تطبيق الشريعة الإسلامية ، ليس في الأزواد فقط بل في كل مالي ، يساعدها في ذلك الميول الإسلامية لشعب مالي ، وإحساسه بالظلم الواقع عليه ، و حياة الفقر والحرمان والتفرقة والتمييز الواقع عليه ، فنحو نصف السكان يعيشون تحت خط الفقر – على سبيل المثال لا الحصر -، وقد تجلى واضحا ذلك الإحساس من خلال مشاركتها في المعارك التي خاضتها الحركة الوطنية لتحرير الأزواد ، وحركة الجهاد والتوحيد في غرب إفريقيا وهي حركة قريبة جدا من توجهات ومنطلقات جماعة أنصار الدين ووجدت تفاعلا كبيرا لها بين مواطني دولة مالي ، ثم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بأجندته التي تتجاوز الجغرافيا ... بمعنى انه يوجد أوجه متعددة للتيار الديني الجهادي العالمي ، الذي يلتقي فيما بينه بمقاطع ومحاور كثيرة في جميع أنحاء العالم ، آخذين بعين الاعتبار أن جميع أوجه التيار الديني لا تتلقى دعما من أحد ، أي أنهه ليست بحضن أحد من حيث التمويل والتدريب والتسليح والإمداد ، فلا توجد حتى اليوم مؤشرات أولية لعلامات منظومة الدعم اللوجستي والتموين لأي مسمى من مسميات أُطر ذلك التيار الديني ، كما لا بد من الجمع بين مختلف خيوط تلك الظاهرة مجتمعة ( ظاهرة الازواد ) ، فلا يمكن عزل خيط عن آخر عند تناولنا لتعقيدات وتشابكات حركة الازواد ، باعتبارها جزءا من الكل الفاعل والمؤثر أمام حالة الإخفاق والفشل والعجز التي شهدتها جميع أحزاب الدول الآسيوية والإفريقية خلال مسيرتها السياسية الطويلة ، خاصة ونحن أمام حدث جديد له تداعياته وانعكاساته ليس فقط على مناطق جوار مالي ، بل ربما على دول الساحل الإفريقي وكثير من دول العالم ...
كما تسعى الحركة الوطنية الازوادية إلى رفع الظلم التاريخي الواقع على شعب مالي خاصة وان حكومة مالي مدعومة من واشنطن ، فماذا ننتظر من حكومة تدعمها واشنطن دعما ماليا وسياسيا وعسكريا واستخباراتيا ، كما تدعم النظام العربي الرسمي في بعض محاوره الآن وقبل ثورات الربيع العربي ، فهل تدفع أمريكا ملايين الدولارات لحلفائها بدون أن تتحقق أهدافها من وراء ذلك؟ ، وهل ترسل أمريكا المدربين الجزائريين إلى شمال مالي لتدريب وتجهيز الجيش المالي من اجل عيون الشعب المالي ؟ ثم ماذا يمكننا أن نفهم من خلال عمليات التدريب السنوية التي تديرها الولايات المتحدة في صحاري مالي ؛ لمكافحة ما تسميه بالإرهاب في الصحراء الإفريقية ؟ ، فقد كانت كل من موريتانيا وفرنسا تدخل إلى التراب المالي ، وتقوم بعمليات عسكرية بحجة محاربة القاعدة ، صحيح أن مالي تعرضت لانقلاب عسكري ، ولكن الحسابات الأيديولوجية والسياسية فرضت واقعا جديدا لا بد منه بعد انقلاب مالي ، بحيث لا يمكن نسيان وتخطي مراحل القمع والتهميش التي استمرت لحوالي خمسين عاما ضد شعب مالي من مختلف أقلياته وأعراقه .
إنني أختلف مع كثير من المحللين القائلين بأن قيام كيان جديد في منطقة الساحل يلتقي مع توجهات وسياسات غربية ... كما لا اتفق مع من يقول بان الإعلان عن ميلاد دولة هناك يُعتبر امتدادا للمشروع الاستعماري الغربي القائم على تفتيت الوطن العربي ومنطقة الساحل ، والتي بدأت بالعراق وامتدت إلى السودان ، فهذا في رأيي خلط بين حقيقة الواقع وبين الشهوة السياسية عند هذا المحلل السياسي أو ذاك ، فالسودان تتعرض لمؤامرة واضحة أدواتها ليسوا من الإسلاميين لكي يحلو للكثير تعليق فشلهم على بُعبُع الإسلاميين ... كما إنني لا أوافقهم عندما يعتبرون أن قيام تلك الدولة سيؤدي إلى تفكيك دولة مالي إلى 23 كيانا جديدا - يعادل عدد العرقيات الموجودة في مالي –ويقولون أن النيجر هي الحلقة القادمة في مسلسل إعادة تشكيل المنطقة ، بعد تفتيتها حسب المخطط الغربي ، وان قوى غربية تدعم بشكل مباشر الجماعات الإرهابية التي سوف تحول الحدود إلى معابر لتجارة الأسلحة والمخدرات واللصوص وقطاع الطرق ، وغيرها من عمليات الإجرام ، وتعرض المسافرين لعمليات سطو وضرب ونهب ، والاعتداء بالسلاح ، وان ذلك هو المشروع الحقيقي الذي تسعى إليه الولايات المتحدة الأمريكية والصين من خلال صراعاتها القائمة ؛ لتفكيك المنطقة إلى دويلات ، والاستحواذ على ثرواتها ومواردها الطبيعية الممتدة على طول 5 ملايين كلم مربع ...
نعم تحرص الدول المعادية على تفكيك المنطقة واستغلال مواردها ، لكن يجب أن ندرك بأنه ليس كل تحرك ثوري بالضرورة أن يصب في مصلحة الصين أوالولايات المتحدة أو هذه الدولة وتلك ، كما أثار بعض المحللين الشكوك ولا زالوا حول ثورات الربيع العربي .
وليس دقيقا ما نسمعه من تصريحات تتعلق حول قادة الضباط الذين قاتلوا لصالح القذافي على أنهم يبحثون عن مصالح جديدة ، وامتيازات كانوا قد خسروها في ليبيا ، ويرغبون في خلق واقع جديد لهم في مالي ، حتى وغن كان قائد حركة الأزواد عسكريا في ليبيا ...
ما سبق هو غُلو في التحليل ، يكاد أن يكون الأقرب إلى المهاترات ، فقد تعود هؤلاء المحللون على تبرير عجزهم وفشلهم في كل شيء ، وحصلوا على الامتياز تلو الامتياز في ذلك ، فأين هؤلاء المتباكين على مالي من انقلاب الجزائر على الديمقراطية ، عندما رفضت نتائج الانتخابات التي فازت فيها الجبهة الإسلامية ، وحلت حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ 1992 ، وأغرقت بسبب ذلك البلاد ببحر من الدماء – ليس دفاعاً عن احد -...
ولقد فشل هؤلاء مَهَرة الفذلكة الكلامية – حلفاء ومعارضة - في مكافحة الفساد ، وقمعوا الحريات ، وامتصوا دماء شعوبهم ، ورهنوا خيرات أوطانهم لصالح أعداء شعوبهم ، ثم يرتدُون اللباس الوطني وفق أهوائهم كلباس الثعالب ؛ لينطبق عليهم قول الشاعر : برز الثعلب يوما في لباس الواعظين ..... ومشى في الأرض يهدي ويسب الماكرين ، واعتبروا أن عدوهم المركزي هو الإرهاب الإسلامي ؛ للتغطية على تحالفاتهم وامتيازاتهم !! .

ومن ناحية أخرى فقد غفل هؤلاء عن مفهوم حركة التاريخ ، فقد كانت مالي – على سبيل المثال لا الحصر- جزءاً من ثلاث إمبراطوريات إفريقية غربية ، هي مملكة غانا ، ومالي ، وصونغاي ، وفي أواخر القرن التاسع عشر سيطرت فرنسا على مالي ، وجعلتها جزءا من السودان الفرنسي ، وضمت فرنسا إليه في ذلك الوقت السنغال ... فلا أحد يتمكن من إيقاف حركة التاريخ ، خاصة من بعد أن ظهر واضحا ذلك الفشل الذريع لجميع تلك الأنظمة الحاكمة في آسيا وإفريقيا ، والتي أجادت بمهارة قمع وذبح شعوبها . أعتقد أن العقيدة القتالية المؤدلجة ليس فقط لحركة تحرير الازواد وحلفائها من الحركات الإسلامية الأخرى ، بل لجميع الأجسام المناضلة خاصة في العصر الحديث ، بحيث لا يمكن تطويعها وفق مزاج مصالح الدول ومنطلقاتها السياسية ، فهي ستقاوم كافة التهديدات التي ستواجهها بعقيدة المقاتل – وما لهذا التعبير من معانٍ عميقة في تقديري – ففي حرب مالي ازداد الانشقاق في صفوف الجيش المالي لصالح مقاتلي الحركة الوطنية لتحرير أزواد ، وفرَّ معظم عناصر جيش مالي أمام قوة أداء وفعل العقائديين الذين سيطروا على غاو في اليوم الأول من انسحاب الجيش المالي!! .
وكما فشل المجتمع الدولي والإقليمي في التعامل مع مشاكل أفغانستان وباكستان والصومال والعراق سيفشل أيضا في تعامله مع هذه المشكلة ، حتى لو تم الإعلان عن إمارة إسلامية في إقليم أزواد ، واستنساخ تجربة طالبان والقاعدة في أفغانستان - مع أنني لا أرغب في ذلك - ، واستخدموا ضد الأزواد جميع أوجه الضغط السياسية والاقتصادية ، وحتى لو تدخلت بعض الدول عسكرياً ، فسوف لن يجدي هذا التدخل شيئا ، خاصة وأن العالم اليوم في حالة حراك كبيرة لا يمكن تجاهلها ، إضافة إلى الأزمات الاقتصادية الخانقة التي تمر بها أمريكا وبعض الدول التي تتحالف معها ، وحتى لو دخلت مالي لا سمح الله في حرب أهلية ، فإن المنتصر غالبا ما يكون هم أولئك المظلومون الذين ينطلقون من عقيدة قتالية ، وأي مواجهة عسكرية ضد الحركة الوطنية لتحرير أزواد ستكون صعبة الوقوع في هده الظروف على الأقل ، خاصة ونحن الآن في مرحلة انتخابات رئاسية فرنسية وأمريكية ، ولا أعتقد أن الدول الغربية قادرة على التدخل العسكري من أجل إعادة الاستقرار في مالي والمنطقة ؛ لأنها ستخوض حرب عصابات طاحنة قد تتسبب في إسقاط حكوماتها ، وأي تدخل عسكري للجزائر سيورطها في مستنقع صعب للغاية ، ولن تجدي من ورائه أيٍ من أهدافها ، وأي حرب هناك ستؤدي إلى تداعيات سيئة على دول الساحل الإفريقي كلها ...
وأما مجموعة ايكواس التي تدخلت عسكرياً من قبل في ليبيريا وسيراليون وساحل العاج ، وإن حققت بعض النجاحات في مهامها الأمنية ، فإن تلك النجاح لم تكتمل بعد حتى تاريخه ، وهذا مؤشر كبير له مدلولاته ، ولا أعتقد بأن تلك المجموعة ستنجز شيئا أمام حالة مالي ، خاصة وان هناك نشاطاً عضويا واضحا لعدد من الحركات الإسلامية في المنطقة مثل نيجيريا والمغرب وتونس والجزائر وليبيا ، الأمر الذي سيجعل من أي مواجهة مع الازواد امراً له تداعياته الخطيرة على كل المنطقة ، إضافة إلى أن إقليم ازواد شاسع جدا تبلغ مساحته مساحة فرنسا وبلجيكا معا ، فلكل مرحلة رجالها ومتغيراتها ، ولا يسير التاريخ بوتيرة واحدة ، فكما أن الربيع العربي هو مرحلة جديدة ، فلا بد من أن يكون لهذه المرحلة إفرازاتها الحتمية بحكم معادلة التكامل والتفاعل بين الشعوب ، شئنا ذلك أم أبينا ، وما اضطرابات اليونان ولندن وحركة ( احتلوا وول سترييت عنا ببعيد " Occupy Wall Street " ، بمعنى انه لا بد من حدوث واقع جديد ربما يعصف بكيانات أخرى جديدة ، أو يؤدي إلى تغيير جديد في الخارطة ، فقد ذهبت وفود الحركات الإسلامية في كل من مصر وليبيا والمغرب وتونس موحدة بوفد واحد للقاء أوباما ، معبرة بذلك عن تغيير جديد ، ومؤشرات إيجابية كبيرة ، وهذا ما يتوقعه الكثيرون ، كما يحتدم الآن تنافس المعارضة السياسية مع النظام الحاكم في كل من موريتانيا والكويت واليونان وبريطانيا وروسيا وغيرهم من دول العالم ... ، كل ذلك مؤشرات قوية تثبت أن حركة التاريخ حتمية لا يمكن أن تقف من ناحية ، وان إرادة المظلومين لن تُقهر من ناحية أخرى ، وان جميع المحاولات التي تهدف إلى كسر إرادة الأمم قد آلت إلى الفشل ، وان معاقبة الشعوب على خياراتها الديمقراطية لا تجدي شيئا وما تجربة غزة والجزائر ومصر عنا ببعيد.
للاتصال بالكاتب من داخل فلسطين 0599421664 من خارج فلسطين 00970599421664إميل tahsen-aboase@hotmail.com