آليات إسناد أسرى الحرية في سجون العدو
بقلم : أ . تحسين يحيى أبو عاصي – كاتب فلسطيني مستقل – 16- 4 – 2012 م
بات العمل الوطني تُرفه من الترف المتعددة التي تعوَّد عليها الفكر السياسي الفلسطيني في معظمه ، يبدو ذلك من خلال تجليات واضحة في الميدان ، ومن خلال شكل وأنماط انعكاس آليات هذا التفاعل الصوري مع قضية الأسرى بشكل خاص ، سواء كان ذلك على صعيد الحراك الفكري أو الأدبي أو الشعبي في الضفة الغربية و قطاع غزة ، على المستويين الرسمي والشعبي ، وذلك رغبة في حب الشهرة والظهور أمام الإعلام وتحت عدسات الكاميرات ، فيستغلون بذلك معاناة أسرانا أسوا الاستغلال عن قصد أو بغير قصد ، فنحن أهل البيت أدرى بشعابه ، فلقد علمتنا الحياة الكثير ، بعيدا عن اتهام أحد بعينه ، مع شديد الاحترام لكل أولئك الكرام الشرفاء الذين يبذلون الكثير من العطاء من اجل الأسرى ، إلا أن هذا الجهد يبقى متواضعا أمام معضلة الأسرى الرئيسية ...
إن مشكلتنا الفلسطينية بما فيها قضية الأسرى لم تعد تحتمل المتاجرة ولا المهاترة ... لذلك يجب حمل أمانة معاناة أسرانا على حقيقتها ، وذلك أسوة بجميع شعوب الأرض التي تحررت وانتزعت كرامتها من بين مخالب جلاديها ، فلن يقدم لها عدوها حريتها على طبق من ذهب ، فالعدو هو العدو والعدو لا يعطي شِهدا ، بل يعطي سما زعافا مبتعدين عن فذلكة الكلام ، والغوص في التبرير والتأويل ، وتعليق الفشل على شماعات كثيرة ؛ لنثبت من جديد عجزا متراكما يزداد مع كل أزمة نمر بها ، وفي النهاية شوفيني يا مرت خال – كما يقول المثل الشعبي الفلسطيني - .
لقد صارت فعالياتنا بشأن الأسرى مجرد تفريغ شحنات مكبوتة فقط ، ثم نعود إلى بيوتنا نأكل ونشرب وننعم في الحياة ثم السلام ختام ، ونوهم أنفسنا بأننا قدمنا لأسرانا شيئاً ، في الوقت الذي يخلو فيه تقريبا كل يوم اثنين من كل أسبوع التفاعل الحقيقي المتعلق في التضامن مع الأسرى أمام مبنى الصليب الأحمر على مدار سنوات طويلة باستثناء عدد أصابع اليد ، بل تخلو تقريبا تفاعلاتنا بحق أسرانا أمام الصليب الأحمر في كل مناسبة أو حدث ، مثل مناسبة يوم الأسير الفلسطيني في كل عام - على سبيل المثال لا الحصر - ، فقد شاركت في احتجاجات كثيرة أمام مبنى الصليب الأحمر ولم أجد إلا العشرات من المتضامنين ، وكأن الأمر لا يعني أحدا إلا من حيث الأشكال الصورية فقط ! هذا يعني أن هناك خلل واضح في التعاطي مع قضية الأسرى من حيث التعبئة والحشد والإدارة والتنظيم والإعلام وغيره ، ينبغي الوقوف عنده ، وتحمل مسئولياتنا بشكل دقيق ينسجم مع نضال أسرانا ، بحيث يفرز بالتالي ذلك التعاطي قوة مؤثرة على الكيان تدفعه إلى التفكير من جديد ، فما ضير الفيل لو مكث على ظهره بعض الأثقال ؟ .
ينبغي أن يرتقي الأداء الشعبي والمؤسساتي الرسمي والمدني من اجل هؤلاء الذين فقدوا حريتهم ، فقد حملوا مشاعل الحرية لا من اجل أن يملكوا عشرات دنمات الأراضي في المجدل واسدود ويافا واللد بعد التحرير بإذن الله ... وما هو شعورنا نحن مجتمعون وبدون استثناء وأسرانا يخوضون حرب الأمعاء من اجل انتزاع بعض الحقوق المطلبية لهم ، وقد جربنا من قبل خوض الإضراب عن الطعام عندما كنا داخل الأسر في سجون العدو ، فمن يأكل الضرب ليس كالذي يعده – مثل شعبي – ومن كانت يده في النار ليس كالذي ينظر إليها – مثل آخر -
فهل نشعر فعلا بمعاناة أسرانا ونحن عائدون من مشاركتنا في فعاليات التضامن مع الأسرى ، ثم نحضن ونُقبل أطفالنا ، وننام على الفراش الوثير ، ونأكل الطعام الشهي ، ونخرج النزهات كيفما نريد ، ونعقد الاحتفالات كيفما نشاء ، ونشارك في الأفراح والمناسبات كما يحلو لنا ويروق ... والأسرى محرومين من رؤية أهاليهم ومن ضم أطفالهم إلى أحضانهم ، بل محرومين من أدنى القواعد والمعايير الإنسانية ...
ورب سطحي يقول ساخراً : ماذا تريد أن نفعل ؟ فالإجابة واضحة : إن الانتماء عطاء واكتواء ... فلا يمكن أن أنسى تلك العبارات التي تكررت عدة مرات وقيلت لي شخصيا وربما لغيري من أسرى الحرية ، وعلى لسان قادة ومُنَظِّري النصب والكذب في محطات كثيرة منها قناة فضائية - !! : من قال لك قاوم ؟ من طلب منك دخول السجن ؟ هذا ما جنته عليك نفسك -
وعندما نقول أن قضية الأسرى ستبقى قضية شعبنا المركزية وأنه لن يكون سلاما ولا استقرارا في المنطقة من دون الإفراج الكامل عن جميع الأسرى في سجون الاحتلال ... أليس هذا شكلا من أشكال الاستهلاك والتنفيس والترويح عن النفس فقط إن لم نقدم لأسرانا شيئا ملموسا ينسجم مع معاناتهم ؟ وهل سننجح فعلا في تجسيد أوسع حملة تضامن وطنية ودولية لإسناد الأسرى الفلسطينيين في سجون إسرائيل ؟ وهل ستجدي مناشداتنا للأمم المتحدة ولمؤسسات حقوق الإنسان والمؤسسات القانونية ؟ وهل يجدي القول في الإعلام : يجب أن يتوفر تحركاً سياسياً وقانونياً سريعاً لإنقاذ المعتقلين ، ويجب توفير الحماية لهم ، وانه لا بد من توجيه كافة طاقاتنا لتحرير الأسرى ، و لا بد من استخدام وسائل الضغط الدولية ... هذا جميل أتمنى أن يتم فعلا وإن كنت لا اعتقد حدوثه .... فكيف سننجز ذلك وهناك خلل إداري كبير في الأداء الفلسطيني عند تعاطينا مع قضية الأسرى ، فلا تنفع حبات الأكامول ومسكنات الآلام التي نقدمها لأسرانا الأبطال في سياق معركة الأمعاء الخاوية ، وهم يجسدون الوحدة الوطنية بأسمى معانيها ...
لا بد من تشكيل غرفة أو لجنة عمليات موسعة من جميع الفصائل والقوى والشخصيات الاجتماعية ، بحيث نُجيد انتقاء أعضائها على أسس ومعاير وطنية ، ليسوا من هؤلاء المرضى الذين يحبون الظهور فقط من أجل الظهور، وهم في المَحَكَّات الجسام صفر اليدين ، ففي الليلة الظلماء يُفتقد البدر ، وعند الشدائد تُعرف معادن الرجال ، لجنة تخطط من اجل هؤلاء الذين ضحوا بأعمارهم من اجل كرامتنا ، لجنة تقود كل العمليات من اجل تحريرهم ، لجنة تأخذ على عاتقها أعمالا نوعية إبداعية تغير المعادلة ، فالعمل الثوري لا يعرف مبدأ الربح والخسارة ، ولكنه يعرف إرادة الشعوب التي تقهر الجلادين في النهاية ، فحياة الدعة والخمسة نجوم لا تورث إلا الهزيمة ...وللنفاق رفاق.
أتمنى أن يتجلى واضحا دور أولئك الذين لُقبوا بالشخصيات الاعتبارية ، والشخصيات المستقلة ، والشخصيات الوطنية ، والشخصيات الإسلامية ، فيُبدوا جميعاً موقفا يحسبه لهم التاريخ ، بعيدا عن التسلية والاستمتاع بقتل الوقت عند تعاطيهم مع هذا الحدث الكبير ، وان يجسدوا الانتماء بأعظم معانيه بعيدا عن الترف السياسي والحراك الزائف الذي لا يُسمن ولا يغني من جوع ، فمن أجل إطفاء الحريق لا بد من لسعات النيران وإلا كان الخداع بعينه ، ففاقد الشيء لا يعطيه ، ولا تحرير للأسرى بغير ثمن ...
للاتصال بالكاتب من داخل فلسطين 0599421664 من خارج فلسطين 00970599421664إميل
tahsen-aboase@hotmail.com