هل "ثلث"القضاة فقط في الجنة؟!!
لم تزل بعض الأفكار،المتعلقة بالاستشهاد ببعض الأحاديث الشريفة،تراودني عن نفسي ... وكنت أفضل أن أترك الأمر لأهله من أهل الاختصاص .. ومع ذلك فلم أر باسا من عرض تلك الأفكار،لا بصفتها (أحكاما) بل مجرد أفكار هي للتساؤل أقرب منها إلى أي شيء آخر ..
أول هذه التساؤلات حول (تمني الموت) .. وقد سمعت مرات .. ومرات .. – وفي أكثر من قناة تلفزيونية – من يدعو بعد انتهاء الأذان بـ( اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي) ..
رغم أن أهل العلم تكلموا في تمني الموت،ونهوا عنه – تماشيا مع الحديث الشريف – إذا كان الدافع إليه المرض أو المعاناة،ورخص فيه بعضهم،خصوصا إذا خشي المسلم الفتنة في دينه .. وأتوا بأمثلة من كلام بعض السلف الصالح .. إلا أن اقتطاف هذا الدعاء من حديث أوله ( لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه فإن كان لابد فاعلا فليقل اللهم أحيني ..إلخ) هذا الاقتطاف أو البتر،والدعاء بهذا الدعاء،دعاء عاما يفترض أن يؤمن خلفه المشاهدون أو المصلون أمر يحتاج إلى إعادة نظر.
الأمر الثاني متعلق بحديث قاضيان في النار وقاض في الجنة .. وهذا الحديث يستشهد به في سياق يوحي بأن الحديث يقرر أن القضاة ثلثهم فقط هو الذي سيدخل الجنة .. بمعنى أن أغلبهم في النار .. ألا يشبه هذا الحديث حديثا معناه .. تنكح المرأة لمالها و لجمالها ولحسبها .. فاظفر بذات الدين تربت يداك ... أو كما قال صلّ الله عليه وسلم .. فالحبيب – صلّ الله عليه وسلم – هنا لا يوصي وإنما يقرر – حسب ما يقول بعض أهل العلم – الأسباب التي من أجلها يتزوج رجل ما بامرأة ما .. ثم يوصي – صلّ الله عليه وسلم – بذات الدين .. وهنا لا بد أن نتذكر أن الإسلام لا يبيح للرجل أن يأخذ شيئا من مال زوجته – بدون إذنها – ولا يُسقط – الإسلام - نفقتها وإن كانت غنية و زوجها فقير .. فما فائدة غناها للزوج إذا؟! أما الوصية بذات الدين .. فقد تكون الغنية ذات دين .. والجميلة ذات دين .. إلخ.
في حديث القضاة أيضا يبدو .. أو لنقل .. ألا يبدو أن الحبيب صلّ الله عليه وسلم .. يبين لنا أنواع الخيارات المتاحة أمام كل قاض .. أن يعرف ويقضي بالحق وذلك طريق الجنة .. أو يعرف ويقضي بالظلم .. أو يجهل فيقضي بالجهل .. وهذان طريقان إلى النار .. وعليه يكون ذلك الاستشهاد الذي نسمعه كثيرا والذي يوحي بأن ثلثي القضاة في النار،ليس في محله.
أما التساؤل الثالث .. فمتعلق بقضية شهادة أعضاء الإنسان عليه يوم القيامة .. وقد سمعت دعاية لنشيد إسلامي .. يطلب فيه المنشد من الله – سبحانه وتعالى – أن يلطف به : إذا شهدت عليه جوارحه!!!!!!!!!!
الجوارح لا تشهد على كل إنسان .. بل على المكابر المنكر .. الذي لم يرض بشهادة الله – سبحانه وتعالى – ولا بشهادة الملائكة ..
قال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا محمد بن عبد الرحيم حدثنا علي بن قادم حدثنا شريك بن عبيد المكتب عن الشعبي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا يوم وتبسم فقال صلى الله عليه وسلم ألا تسألوني عن أي شيء ضحكت قالوا يا رسول الله من أي شيء ضحكت قال صلى الله عليه وسلم عجبت من مجادلة العبد ربه يوم القيامة يقول أي ربي أليس وعدتني أن لا تظلمني قال بلى فيقول فاني لا أقبل علي شاهدا إلا من نفسي فيقول تبارك وتعالى أوليس كفى بي شهيدا وبالملائكة الكرام الكاتبين قال فيردد هذا الكلام مرارا قال فيختم على فيه وتتكلم أركانه بما كان يعمل فيقول بعدا لكن وسحقا عنكن كنت أجادل ... أخرجه مسلم « 2969 »ألا يشي هذا بأن الأمر (خاص) بعبد ميعن؟ رغم أن قوله صلّ الله عليه وسلم (مجادلة العبد ربه) لافتة للنظر,
ثبتنا الله – سبحانه وتعالى – وإياكم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
وصلّ الله على سيدنا محمد وعلى آله الأبرار .. وصاحبته الأخيار .. وزوجاته الأطهار
أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي – المدينة المنورة في 21/4/1433هـ