نحو فهم للآخر ..
سمات الفكر الغربي وخصائصه ..

بهجت الرشيد

في كتابه ( الإسلام حضارة الغد ) ، تطرق الدكتور يوسف القرضاوي إلى أبرز السمات والخصائص التي يتسم بها الفكر الغربي ، هذا الفكر الذي يتباين بشكل ملحوظ عن الفكر الشرقي عامة ، والعربي والإسلامي خاصة ، الفكر الذي يمثل امتداداً عميقاً لعهود اليونان والرومان ، وما طرأت عليه وأثرت فيه من عوامل تاريخية متراكمة خلال صراعات القرون الوسطى ..
كما يؤكد على أن هذا الفكر ، سواءً أكان ليبرالياً أم اشتراكياً ، رأسمالياً أم شيوعياً ، فهو فكر غربي واحد في الأساس والأصول والمنبع والمصب ، واحد في السمات والخصائص ، وإن اختلف صوراً وأشكالاً ، وإن تلون بألوان زاهية برّاقة ..
مع التأكيد أن هذا الحكم هو على الغالب والسائد ، فقد توجد بذور خير ، ومصابيح هداية ، هنا وهناك ، وتلك سنة الله في خلقه ، ولكن الحكم يُبنى على الغالب كما هو معروف .
وهذه هي السمات والخصائص التي تطرق إليها الدكتور يوسف القرضاوي ، مع شرح مختصر لكل سمة وخاصية :

أولاً : الغبش في معرفة الألوهية :
فرؤية الفكر الغربي لحقيقة الألوهية ليست صافية نقية ، وإنما هي رؤية غائمة مضطربة ، تحيط بها الأوهام والجهالات ، فالغرب لم يعرف الله تعالى معرفة صحيحة ، ولم يعرف حقيقة الألوهية الكاملة القادرة المريدة البارة الرحيمة ، فهو لم يعرف النبوة الهادية والوحي المعصوم معرفة مباشرة ، ولذلك سار باحثاً عن ( العلة الأولى والمحرك الأول وواجب الوجود ) فتعثر وتخبط ، وغلبت عليه الأوهام والأهواء .
وحتى أولئك الذين أنكروا الإلحاد كـ ( سقراط وأفلاطون وأرسطو ) ، لم يكن تصورهم للألوهية تصوراً صحيحاً ، بل كان قاصراً مشوباً بالكثير من الأوهام .

ثانياً : النزعة المادية :
وهي النزعة التي تؤمن بالمادية وحدها ، وتفسر بها الكون والمعرفة والسلوك ، وتنكر الغيبيات ، وكل ما وراء الحس ، فلا تؤمن بإله ولا نبي ولا روح ، فهو فكر مادي ، يحتقر الروحيات .. حسي ، لا يحفل بالمعنويات .. واقعي لا يؤمن بالمثاليات .
ولكن ـ يسأل البعض ـ أليس الغرب مسيحياً ؟ أليس هناك أحزاب مسيحية تولى بعضها الحكم أكثر من مرة ؟ فلم التشكيك بإيمان الغرب ؟
نعم .. ولكن يجب أن لا تخدعنا الصور ..
فالمسيحية عند هؤلاء ( شعار ) يرتبطون به ، و ( صليب ) يجتمعون حوله ، ونزهة إلى ( الكنيسة ) في أيام الإجازات ، وليس ( قيماً ) يؤمنون به .
يقول ( محمد أسد ) في كتابه ( الإسلام على مفترق الطرق ) :
( إن المدنية الغربية لا تجحد الله البتة ـ أي جحوداً مطلقاً في قوة وصراحة ـ ولكنها لا ترى مجالاً ولا فائدة لله في نظامها الفكري الحالي ) .
ويقول ( جون جنتر ) الصحفي الأمريكي المشهور في كتابه ( في داخل أوربا ) :
( إن الانجليز إنما يعبدون بنك انجلترا ستة أيام في الأسبوع ، ويتوجهون في اليوم السابع إلى الكنيسة ) .

ثالثاً : النزعة العلمانية :
وهي من ثمار الخاصيتين السابقتين ولوازمهما ، وهي تلك النزعة التي تفصل الدين والدولة ، الدين والحياة ..
ولعل ما جاء في العهد الجديد ( دع ما لقيصر لقيصر ، وما لله لله ) ، يلخص هذا الفكر ويسلط عليه الأضواء الكاشفة ..
وقد آمن الغرب بهذه الفكرة بعد صراع مرير مع الكنيسة ورجالها ، الذين زعموا أنهم يمثلون في الأرض إرادة الإله في السماء ، وان رأيهم دين يجب أن يطاع .

رابعاً : الصراع :
ومن خصائص الحضارة الغربية أنها حضارة تقوم على الصراع ، لُحمتها وسَداها الصراع ، لا تعرف السلام ولا الطمأنينة ولا الحب .
وهو صراع متغلغل في كل النواحي والمجالات ، متباين الأسلحة والأساليب .
صراع بين الإنسان ونفسه ، فهو يصارع فطرته التي فطره الله عليها ، فإذا أراد أن يحيا الحياة المثالية التي تريدها النصرانية ، استقذر الجنس ورفض المال ، فالغني لا يدخل ملكوت السماوات ، وحرم على نفسه الطيبات ، وإذا لم يقدر على ذلك ـ كما هو شأن معظم الناس ـ ظل يعاني عقدة الصراع ، وفقد الراحة النفسية والهدوء الروحي .
صراع بين الإنسان والطبيعة ، لأنه ينطلق من أن الطبيعة عدو له ، يجب السيطرة عليها ، ويعبّر الغربيون عن ذلك بكلمة ( قهر الطبيعة ) ، وكذلك يستخدمون عبارات مثل ( غزو الفضاء وحرب النجوم ) مما يؤشر على ذلك الصراع المتغلغل بين الإنسان الغربي والطبيعة والكون .
صراع الإنسان مع أخيه الإنسان ، وبين الأفراد الآخرين ، من أجل منافع فردية ، ومصالح شخصية ، ولذلك شاع عندهم مقولة ( هوبز ) : ( الإنسان ذئب للإنسان ) ، وقولهم : ( أنا وليخرب العالم ) و ( الغاية تبرر الوسيلة ) .
وصراع بين الطبقات والجماعات ، وصراع الأمم والأجناس ، وصراع بين المؤسسات كالصراع بين الكنيسة والعلم ، وصراع بين الإنسان والرب أو الإله .
وما نره اليوم من تدخل سافر من الغرب في مصائر الشعوب ، وتأجيج الصراعات بين الدول ، بل والتدخل العسكري المباشر ، ما هو إلا تلك النزعة الغربية المتعطشة للصراع ، للحصول على منافع مادية وتجارة رابحة !

خامساً : الاستعلاء على الآخرين :
وهذه النزعة التي تسري في عقول الغربيين ، يجعلهم يعتقدون أنهم أفضل من غيرهم عنصراً ، وأنقى دماء ، وأنهم خلقوا ليقودوا ويسودوا ويحكموا ، وأن الآخرين خلقوا ليكونوا مسودين ومحكومين لهم .
ولهذا سادت عندهم نظرية ( تفاضل الأجناس ) ، وأن الناس ليسوا سواسية .
ومع أن هذه النظرية سقطت من الناحية العلمية ، ولكنها لم تسقط نفسياً ، ولا زال لها تأثيرها في أنفس الكثيرين ..
فهذا ( هتلر ) يرفع شعار : ( ألمانيا فوق الجميع ) ، و ( موسوليني ) يرفع شعار : ( إيطاليا فوق الجميع ) ، والبريطانيون رفعوا شعار : ( سودي يا بريطانيا واحكمي ) .
وتعجب من أن تجد عالماً كبيراً ، مثل الدكتور ( ألكسيس كاريل ) الحائز على جائزة نوبل في العلوم ، يؤمن بتفوق الأجناس البيضاء على غيرها ..

تلك هي أبرز السمات والخصائص المميزة للفكر الغربي ، والتي كان لها أثرها على سلوكه وتصرفاته وعلاقاته بنفسه والآخرين ، وعقلاء الغرب أنفسهم باتوا يرون هذه الخصائص السلبية وما لها من آثار سيئة ، فصاروا ينادون بوجوب العودة إلى الدين ، ويبشرون بمستقبل العقيدة ..