الخيال في كتابة المقال
د. فايز أبو شمالة
دفاعاً عن الفكرة التي يقتنع فيها كاتب المقال، كثيراً ما يلجأ إلى المقاربة التمثيلية المستندة إلى الواقع المعاش، وأحياناً يختتم الكاتب مقاله بحكمة، أو مقولة، أو بيت من الشعر، وأحياناً يختتم مقاله بسرد أقصوصة، أو حكاية اجتماعية لها ارتباطات دلالية، تعزز الموقف السياسي الذي يتبناه الكاتب.ودائماً يلعب الخيال دوراً مهماً في تطوير الأقصوصة، وجعلها موائمة لواقع الحال المراد التعبير عنه، كما يحرص الكاتب على تشذيب الحكاية الشعبية في المقال، قد يزيد عليها، أو ينقص منها بحيث تغدو منسجمة مع الغرض الذي ذكرت من أجله، وهنا أجزم أن للخيال أجنحة يحلق معها في فضاء الإبداع، وأن للخيال ومض يضيء عتم الليل. وعندما يرد في مقال الكاتب اسما ًعلى سبيل المثال، فلا يحق للبعض أن يلصقه بشخص معروف، وعندما يرد في المقال إشارة رمزية لحرف "ق" على سبيل المثال، فمن الخطأ أن يلصقه البعض بعائلة معروفة في خان يونس، ولها احترامها في قطاع غزة، وعندما يرد في مقال الكاتب صفة لمدينة أو لقرية فلسطينية على سبيل المجاز، ودون نية الربط المباشر بين الصفة السلبية وبين المدينة الموصوفة، فمن الخطأ أن يحاول البعض ربط الأشياء التي لا رابط بينها غصباً.قبل أيام نشرت مقالاً تحت عنوان " دار الزمن دورته يا مخابرات" ومقالاً تحت عنوان "لماذا أهنتم القيادة يا حماس؟" وفي المقالين أشير إلى الآثار الضارة التي لحقت بالقضية الفلسطينية جراء تخلي البعض عن المقاومة، وأفند أخطار خط المفاوضات، وانعكاسه السلبي على سلوك من آمن فيه، وحاولت أن أسوق أمثلة من واقع حياتنا الفلسطينية، دون نية الربط بين عائلة فلسطينية بعينها، أو مدينة فلسطينية في جنوب فلسطين، عرف عن أهلها حكمتهم، وصلابتهم في المعارك مع إسرائيل، وصمودهم خلف الأسوار، وعرف عن رجالها القدرة القيادية في ميادين المواجهة، وأسهموا في تطوير الحياة الاقتصادية والثقافية للمجتمع الفلسطيني، وبين صفة لشخصية ضعيفة وردت في المقال، كان الهدف من المثال المذكور في المقالين تكبير حجم الخلل النفسي الذي يعصف بالإنسان الذي لا يمتلك قراره، ولا يدافع بالقوة عن دياره. في ساحتنا الفلسطينية خطان، خط يرى بالتفاوض طريقاً وحيداً للتعامل مع الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية، وخط يرى بالمقاومة طريقاً أنسب لمواجهة اغتصاب فلسطين، وهنا تجدر الإشارة إلى أن الهجوم اللاذع في بعض المقالات يكون منصباً على الخط السياسي، وعلى الأفكار التي تدافع عن هذا الخط، ولا كراهية ولا أحقاد على نفس الأشخاص الذين اقتنعوا بالخط السياسي المغاير، وإنما الكراهية والنقد للأفكار ذاتها التي تسيطر على من اقتنع فيها، وحتماً ستذوب كافة أشكال التناقض في اللحظة التي يتخلى فيها الآخر عن خطئه السياسي.