نحن الغرابة والاستغراب
بقلم : صلاح صبحية
ليس غريباً أو مستغرباً أن يدعي مرشح الرئاسة الأمريكي غنغريتش بأن الشعب الفلسطيني شعب مخترع ، فهذا ليس بجديد على الأمريكان أصحاب المشروع الاستعماري الصهيوني الاستيطاني في فلسطيني ، حيث قام هذا المشروع قبل أن يولد غنغريتش بعشرات السنين على قاعدة إنّ فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض ، فلماذا كل هذا الاستغراب من القادة والإعلاميين الفلسطينيين ، هل نسينا تاريخ قضيتنا والمبتدأ فيها أننا لسنا موجودين كشعب منذ بداية التاريخ ، وإنّ الاستعمار بكل أشكاله القديمة والحديثة رأس حربته الحركة الصهيونية عمل وما زال يعمل على نفي وجودنا من التاريخ والجغرافية ، ويؤكد لنا في كل يوم إنّ الصراع على أرض فلسطين هو صراع وجود لا صراع حدود ، ويعمل على إلغاء وجودنا من فوق أرضنا بكل وسائله المتاحة والممكنة والمستحيلة ، ونحن لا نظهر له سوى الذل والهوان ، فلذلك نراه يتحكم حتى بوحدتنا الفلسطينية فيرسم لن أيام استحقاق نجري وراءها فإذا هي سراب خادع ، فنقع في مستنقع هروبنا من حقيقة ذاتنا. وليس غريباً أو مستغرباً أن يجدد الرئيس الأمريكي تعهد الإدارة الأمريكية بحماية المشروع الصهيوني على أرض فلسطين ، وهذا أيضاً ليس بجديد ، وكيف لا يكون ذلك وهو أمرٌ طبيعي بأن يحمي الأب أبنائه ، وهو ليس بتعهد بقدر ما هو التزام بحماية المصالح الأمريكية في المنطقة العربية عبر بوابة الاحتلال الأمريكي الصهيوني لفلسطين ، فلا يحق لأي فلسطيني بشكل خاص أو عربي بشكل عام أن يعتب على أوباما أو يعاتبه ، فهو أمريكي أولاً وأخيراً ، وهو أمريكي قبل كل شيء ، ولأنه أمريكي بكل جوانحه وأفكاره فهو ملتزم بتنفيذ السياسة الأمريكية الخارجية وخاصة ما يخص المنطقة العربية التي تخضع أنظمتها خضوعاً كلياً للسياسة الأمريكية وبأشكال مختلفة تتلاءم مع كل نظام عربي وطبيعة إدارته لبلده . وليس غريباً أو مستغرباً أيضاً أن يقرر الكونغرس الأمريكي منح إدارة المشروع الصهيوني أكثر من ثلاثة مليارات دولار أمريكي من ميزانية وزارة الخارجية الأمريكية ، وهذا الضخ المالي الأمريكي في خزانة المشروع الصهيوني ليس الباب الوحيد لتمويل المشروع الصهيوني ، فتزويد وزارة الدفاع الأمريكية بكل أنواع الأسلحة للمشروع الصهيوني ليس خافياً على أحد ، وكل هذا الدعم المالي والعسكري والاقتصادي والسياسي يعتبر دعماً أمريكياً مشروعاً وقانونياً للمشروع الصهيوني في فلسطين ، وذلك لأنّ المشروع الصهيوني في فلسطين هو واحدة من الولايات المتحدة الأمريكية ، بل هو الولاية الأمريكية الأهم من بين الولايات المتحدة الأمريكية ، وهو الولاية الأمريكية الأولى والمميزة والأوْلى بالرعاية ، فكل الولايات المتحدة الخمسين تساهم في الميزانية الأمريكية المركزية الفيدرالية ما عدا المشروع الصهيوني والذي تعتبره الإدارة الأمريكية دولة مستقلة ذات سيادة تضخ إليه الأموال الأمريكية وبموافقة كل الولايات المتحدة الأمريكية الخمسين ، فكيف يستغرب البعض كل هذا الدعم المالي الأمريكي للمشروع الصهيوني . وليس غريباً أو مستغرباً وبكل تأكيد أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية باستعمال حق النقض داخل مجلس الأمن ضد أي قرار دولي يمس مشروعها الصهيوني الاستعماري في فلسطين ، فقيام قوات الاحتلال الصهيوني بالاعتداء اليومي على أبناء الشعب الفلسطيني في أنحاء فلسطين لا يعتبر في العرف الأمريكي جريمة إرهاب منظم بل هو دفاع مشروع عن النفس ، فالولايات المتحدة الأمريكية التي شددت حصارها على الشعب الفلسطيني وخاصة في قطاع غزة بعد فوز حركة حماس في انتخابات المجلس التشريعي وتشكيلها للحكومة الفلسطينية والذي ازداد بعد أسر الجندي الصهيوني شاليط لم يكن يعنيها معاناة نحو ثمانية آلاف أسير فلسطيني في معتقلات الاحتلال الصهيوني وذلك لأنّ الأسرى الفلسطينيين هم جماعة من الإرهابيين يجب التخلص منهم على حين إنّ شاليط هو أهم من كل الشعب الفلسطيني ، بل إنّ وجوده أهم من وجود الشعب الفلسطيني ، كما إنّ استخدام الولايات المتحدة لحق النقض ضد أي قرار يتعلق ببناء المستوطنات الصهيونية على الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967 يواجه بغرابة واستغراب من قبل العرب والفلسطينيين متناسين إن ّ الولايات المتحدة تعتبر الاستيطان حق طبيعي من أجل استيعاب الطاقة البشرية الصهيونية في الأرض التي يسميها الصهاينة يهودا والسامرة . كل هذه الأعمال والأفعال والمواقف الأمريكية والتي نستغربها ما هي إلا المخطط الاستراتيجي الأمريكي الصهيوني للقضاء على وجود الشعب العربي الفلسطيني فوق أرضه ، ونحن كعرب وكفلسطينيين لا نملك أكثر من عبارات الشجب والإدانة والاستنكار على مواقف الولايات المتحدة الأمريكية وتصرفات العدّو الصهيوني فيما إذا كنا قادرين على استخدامها ضد العدّو الأمريكي الصهيوني ، بل إننا لم نعد نجد في خطابنا السياسي والإعلامي وحتى الثقافي ما يدّل على وجود عدّو لنا يحتل أرضنا ، لذلك نسأل قادتنا فيم الاستغراب من كل مواقف الولايات المتحدة الأمريكية تجاه قضيتنا أرضاً وشعباً وتاريخاً وجغرافية ، ونسأل أيضاً فيم الاستغراب من كل ما يقوم به العدّو الصهيوني يومياً ضد وجودنا على أرضنا ، أليس هو عدّونا الذي يجب أن نتوقع منه كل ما يفعله ضدنا ، وآخر أفعاله حرق مساجدنا في كل فلسطيننا الممتدة من البحر إلى النهر ، من الطبيعي جداً أن يقوم عدّونا بالقضاء علينا ما دمنا نخفض له جناح الذل من الرحمة والمودة ، فنحن لا نريد إلغاء وجوده ولا نسعى إلى عزله ، بل إننا نبارك كل دولة تمد إليه يد العون والمساعدة لأنّ ذلك شأن داخلي من شؤون الدول لا يحق لنا الاعتراض عليه وإن كان هذا الشأن ينعكس سلباً على وجودنا فوق أرضنا ، فلما الغرابة والاستغراب من أفعال عدّونا الأمريكي الصهيوني الذي وجد ظهرنا حانياً أمامه فامتطاه ليقودنا حيث شاء وفيما يخدم مصالحه دون أي مقاومة منا حتى ولو كانت مقاومة شعبية . 19/12/2011
صلاح صبحية salahsubhia@hotmail.com