النقــد الــــدرامــي . .
غابـة الأشــجان!
ليس النقد الدرامي فعالية مستقلة عن فعاليات النقد، لكن خصوصيته ـ فيما يبدو ـ ستتجلى في أشكال أدائه ومقارباته للأعمال الدرامية، سواء ما ذهب منه لتكريس الطابع الأكاديمي ـ المدرسي ـ أو الصحفي المعروف باستجابته السريعة لتلك الأعمال ، مقاربة مقدمات أو نتائج ، وفي مستويات لافتة هي « الاستبيانات» التي ترصد استجابة ـ المتلقي ـ لها، وعلى ذلك ينشغل النقد الدرامي بالبحث عن القيمة والإضافة جمالياً وتقنياً، فإذ يذهب في المقارنات «السوسيولوجية» وغيرها على سبيل المثال، ما يعلل على الأقل نزوع نقاد إلى الولوج في ثقافة النص الدرامي، ليس تفسيره أو شرحه فقط، بل إنتاج معرفة به يمكن لها رؤية النص في الإطار الأشمل، لا تجزئته، واستنهاضاً لما يعني ثقافة درامية وصناعة درامية باستقرار مفرداتها ومآلات صيرورتها.
وكثيراً ما يؤول السجال حول أعمال بعينها، إلى مفارقات، لجهة خطاب نقدي درامي يتجاوز لحظة العمل واكتماله، وفي المقابل خطاب آخر يتعجل بث الأحكام ، وربما يشي بما نسميه « إسقاط رغبات» ومما لا شك فيه أن كلا الخطابين ـ إن جاز التعبيرـ سيؤولان نظرياً إلى طرفي علاقة يتلامح فيها مديح مسرف أو هجاء مجاني ، إذ أن بعض « النقود » الدرامية لا تنطلق من معيارية، تقرأ العمل في سياق كامل من المتابعة والتلقي واستشراف العلامات الدالة في نسيج الأعمال... ويمكن السؤال هنا: هل لدينا دراما وليس لدينا نقاد دراميون ، ومن ثم هل خرجت من معاطف الأعمال الدرامية جلّها، ممارسات نقدية، جعلت من ذواتها خصماً مطمئناً لا يكترث بالنتائج؟!
من العسير القول في هذا السياق «دراما بلا نقاد» لأن ذلك محض تبسيط ولكن لا ينبغي تجاوز خطل الكثير من الممارسات النقدية التي تكتفي بتفسير العمل ، ربما لحاجات دعائية، بل إن تفعيل السجال الواعي واستنهاض الحراك الهادف هو من ينتصر لدرامانا، بما تفرضه من جدل حقيقي يغذي غريزة « المشاهدة» ولا يجعل منها مجرد« طقس» عابر، لا سيما وأن الحديث راهناً يتجه إلى معايير صناعة درامية وطنية تزيح تلك الهجرات المؤقتة لفنانينا إلى مساحات أخرى ، ولأسباب تختص بالنجومية وغيرها، يمارس النقد الدرامي حضوره ومسؤوليته الفكرية والأخلاقية، ليرتقي بدرامانا ، تفاعلاً ومشاركة ، لاانتقاصاً أو حفاوة ناجزة!
فهل أفضى السجال حول « في حضرة الغياب » أو «أسمهان » أو « الولادة من الخاصرة» أو « باب الحارة» ـ مع الإعلان عن جزء سادس ـ إلى آفاق جمالية تأكيداً لعناصر التطور الفني للخطاب الدرامي ، وكيف تقبّل صنّاع الدراما تلك الممارسات النقدية حول النصوص الدرامية المعاصرة؟!
لا شك أن الكثير من الأعمال ، تستحق التأمل الواعي لمرجعياتها وأنساقها، وثمة من ينظر إلى النص الدرامي بوصفه خطاباً ، انطلاقاً من موضوعية تبحث في المكونات البنيوية، بعيداً عن إكراهات « سوق » هنا ، أو هناك، ما يستدعي الحاجة إلى منهج في الخطابات النقدية الدرامية، لطالما كانت أعمالنا للذاكرة الثقافية من أجل المعنى الذي هو الغاية المتوخاة للمتلقي/ المشاهد والذي يقارب وعيه صورة الدراما في تحولاتها المختلفة التي تصعّد أسئلته راهناً ومستقبلاً، ليقف على جدلية التحول إلى مستقبل يرى في الدراما تعبيره الثقافي والحضاري، بالمعنى الفردي والجمعي، أي بين أدبية البناء الدرامي وخصوصياته الاجتماعية، التي تقوده إليها جدلية إضافية هي النص الدرامي المغاير والنقد الدرامي المغاير، في تخطيهما غابة الأشجان ومتوالياتها، وبما لا يستنبت من نص ونقد عابرين لأنه وفي المقابل فإن تأسيس الوعي الدرامي لا يتجاوز على الإطلاق التحليل وثراء التحليل في أبعاده الحوارية مع منتجي الدراما ، لننتج وعياً بما نعرف ورؤية لا تنغلق على ما أنجزت..

أحمد علي هلال
http://www.albaath.news.sy/user/?id=1316&a=117127