منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 29
  1. #1

    صور من سير المجاهدين

    سلسلة المجاهدون
    البراء بن مالك
    التعريف به و مولده هو الصحابي الجليل البراء بن مالك بن النضر الأنصاري أخو أنس بن مالك لأبيه وأمه[1] .ولد البراء بن مالك بالمدينة و بها عاش إلى أن خرج مقاتلاً في سبيل الله في اليمامة وفي أرض الفرس حتى لقي الله شهيدًاوقال عنه ابن عبد البر كان البراء بن مالك هذا أحد الفضلاء ومن الأبطال الأشداء قتل من المشركين مائة رجل مبارزة سوى من شارك فيه [2] .
    أهم المعارك ودوره فيها: مع مجاهد من المجاهدين الذين رباهم النبي صلى الله عليه وسلم ونهلوا من ينابيع حكمته وشاهدوا بطولته صلى الله عليه وسلم ، ليسجل التاريخ بطولة وشجاعة هذا المجاهد الذي كان يطلب الموت في كل مظانه ، وكان قلبه منعقدًا بطلب الشهادة في سبيل الله سائلاً الله بلسانه أن يتقبله الله في قافلة الشهداء وقد كان إنه المقاتل المجاهد الشهيد البراء بن مالك .
    معركة اليمامة لما انتهى أصحاب مسيلمة إلى حائط حفير فتحصنوا به وأغلقوا الباب فقال البراء بن مالك ضعوني على برش واحملوني على رؤوس الرماح ثم ألقوني من أعلاها داخل الباب ففعلوا ذلك وألقوه عليهم فوقع وقام وقاتل المشركين وقتل مسيلمة قلت وقد ذكر ذلك مستقصى في أيام الصديق حين بعث خالد بن الوليد لقتال مسيلمة وبني حنيفة و كانوا في قريب من مائة ألف أو يزيدون وكان المسلمون بضعة عشر ألفا فلما التقوا جعل كثير من الأعراب يفرون فقال المهاجرون والأنصار خلصنا يا خالد فميزهم عنهم وكان المهاجرون والأنصار قريبا من ألفين وخمسمائة فصمموا الحملة وجعلوا يتدابرون ويقولون يا أصحاب سورة البقرة بطل السحر اليوم فهزموهم بأذن الله وألجئوهم إلى حديقة هناك وتسمى حديقة الموت فتحصنوا بها فحصروهم فيها ففعل البراء بن مالك أخو أنس بن مالك وكان الأكبر ما ذكر من رفعه على الأسنة فوق الرماح حتى تمكن من أعلى سورها ثم ألقى نفسه عليهم ونهض سريعا إليهم ولم يزل يقاتلهم وحده ويقاتلونه حتى تمكن من فتح الحديقة ودخل المسلمون يكبرون وانتهوا إلى قصر مسيلمة حتى قتل مسيلمة بحربة وحشي وبسيف أبي دجانة[3].
    معركة تستر عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة قال بينما أنس بن مالك وأخوه عند حصن من حصون العدو يعني بالحريق وكانوا يلقون كلاليب في سلاسل محماة فتعلق بالإنسان فيرفعونه إليهم ففعلوا ذلك بأنس فأقبل البراء حتى تراءى في الجدار ثم قبض بيده على السلسلة فما برح حتى قطع الحبل ثم نظر إلى يده فإذا عظامها تلوح قد ذهب ما عليها من اللحم وأنجى الله أنس بن مالك وبذلك وروى الترمذي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " رب أشعت أغبر لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره منهم البراء بن مالك ". فلما كان يوم تستر من بلاد فارس انكشف الناس فقال المسلمون يا براء أقسم على ربك فقال أقسم عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم وألحقتني بنبيك فحمل وحمل الناس معه فقتله مرزبان الزارة من عظماء الفرس وأخذ سلبه فانهزم الفرس وقتل البراء [4] .


    من أقواله

    عن أنس أن خالد بن الوليد قال للبراء يوم اليمامة : قم يا براء . قال : فركب فرسه فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : يأهل المدينة لا مدينة لكم اليوم ، وإنما هو الله وحده والجنة [5] .
    وفاته لقي البراء زحفا من المشركين وقد أوجع المشركون في المسلمين فقالوا له : يا براء إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لو أقسمت على الله لأبرك فأقسم على ربك " . قال : أقسمت عليك يا رب منحتنا أكتافهم ثم التقوا على قنطرة السوس فأوجعوا في المسلمين فقالوا له يا براء أقسم على ربك فقال أقسمت عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم وألحقني بنبي الله صلى الله عليه وسلم فمنحوا أكتافهم وقتل البراء شهيدًا رضي الله عنه [6] .ولقي البراء بن مالك ربه شهيدًا على يد الهرمزان بعد أن منحى الله المسلمين أكتاف الفرس .وهكذا انتهت حياة الشهيد المجاهد الصحابي البراء بن مالك الذي كان لا يهاب القتل أو الموت الموقن بالشهادة في سبيل الله التي طلبها في كل معاركه ، حتى نالها في تستر .


    قالوا عنه

    قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم ما روى أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لاَ يُؤْبَهُ لَهُ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ مِنْهُمْ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ " [7] .وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى قائد جيش المسلمين ألا تستعملوا البراء بن مالك على جيش من جيوش المسلمين فإنه مهلكة من المهالك يقدم بهم [8] .
    المصادر : [1] الاستيعاب 1/ 47.[2] الاستيعاب 1/47 .[3] البداية و النهاية 6/ 268.[4] الإصابة في تمييز الصحابة 1/281 .[5] الإصابة في تمييز الصحابة 1/ 281.[6] الاستيعاب 1/47 .[7] سنن الترمذي 5/692.[8] الاستيعاب 1/47 .

  2. #2
    حسن آغا الطوشي
    نسبه هو حسن آغا الطوشي .

    أهم المعارك ودوره فيها

    في الوقت الذي كان يعمل فيه خير الدين بربوسا في الأسطول العثماني في البحر المتوسط ، كان حسن آغا نائب البيلر بيك يعمل على قهر القراصنة الأوربية ، حتى طار اسمه في الجزائر، وصار مثالاً بارزاً في التضحية والبطولة الإسلامية ، مما حدا بهؤلاء القراصنة الاستنجاد بشارل الخامس ، الذي كان يريد إقامة معاهدة مع خير الدين بربوسا إلا أنه فشل في ذلك ، فقد كان يريد إقامة تحالف جزائري إسباني في مواجهة التحالف العثماني الفرنسي ، ويقتطع الجزائر وشمال أفريقيا من دولة الخلافة الإسلامية ، إلا أن هذا الأمر كان بعيد المنال .لقد انهمك حسن آغا الطوشي في توحيد الأمن وإرساء أسس للإدارة المستقلة ومحاولة جمع أطراف البلاد تحت السلطة الجزائرية التي تخضع للخلافة العثمانية ، فأخضع مستغانم ، واستولى على عاصمة الزاب وملحقاتها .و من أهم المعارك التي شارك فها حسن آغا الطوشي تلك المعركة التي كانت في شهر جمادي الأول 946هـ/ سبتمبر 1539م وقد ركب الجيش العثماني البحر، وكان قوامه 1300 رجل، على ظهر ثلاث عشرة سفينة واندفعوا عنها من الأسبان ونزل حسن آغا و جيشه إلى البر فاحتل البلدة وتمكن منها ، واستحوذ على ما فيها من خيرات وأرزاق وغنائم للمسلمين وتوغل في جهات الساحل الإسباني الجنوبي ، وغنم ما وقع تحت يده من أموال ومتاع الأسبان واختار من بينهم جماعات من الأسرى والسبايا ساقهم للبيع في المدن المغربية الشمالية خاصة تطوان ثم يعود للميدان وعندما أراد الرجوع إلى الجزائر اعترضت طريقه عمارة إسبانية كبيرة العدد ، وقامت المعركة بين القوتين وكانت عنيفة قاسية ، أسفرت عن غرق عدد من سفن الجانبين ومع ذلك كانت خسائر الأسبان في هذه المعركة عظيمة . بعد الهزيمة التي مني بها الأسبان عزم شارل الخامس على القيام بحملة عسكرية تستهدف القضاء على حركة الجهاد الإسلامي في الحوض الغربي للبحر المتوسط وقبل أن يشرع في تنفيذها كان هدوءاً نسبياً يسود القارة الأوربية إثر عقد هدنة نيس في محرم 945هـ/ يونيو 1538م مع فرنسا والتي كانت مدتها عشر سنوات . قدم شارل الخامس بجيشه إلى الجزائر في يوم الثامن والعشرون من شهر جمادي الأخيرة سنة 948هـ الموافق الخامس عشر من شهر أكتوبر 1541م وعندما شاهده حسن آغا الطوشي ، اجتمع في ديوانه مع أعيان الجزائر وكبار رجال الدولة ، وحثهم على الجهاد والدفاع عن الإسلام والوطن قائلاً لهم "... لقد وصل العدو عليكم ليسبي أبناءكم وبناتكم، فاستشهدوا في سبيل الدين الحنيف ... هذه الأراضي فتحت بقوة السيف ويجب الحفاظ عليها ، وبعون الله النصر حليفنا، نحن أهل الحق... " ، فدعا له المسلمون وأيدوه في جهاد العدو ، ثم بدأ حسن آغا في إعداد جيوشه والاستعداد للمعركة . أخذ الأسبان في تحضير عدتهم وعتدادهم للهجوم على الجزائر، وألقى الله الرعب في قلب شارل عندما رأى استعداد حسن الطوشي ، واستعداد أهل الجزائر للقتال وقد ظن أنهم يسلمون إليه البلدة دون مقاومة ، إلا أن القلوب التي تعمق فيها الإيمان وتوغل ما تعرف معنى الضعف أو الذلة والخذلان فقرروا الجهاد في سبيل الله مدافعين عن دينهم وبلادهم ، وأراد شارل الخامس الاستهزاء بحسن الطوشي فأرسل إليه رسالة يتوعده ويأمره بتسليم البلدة يقول في رسالته : "... أنت تعرفني أنا سلطان .. كل ملة المسيحيين تحت يدي إذا رغبت في مقابلتي سلمني القلعة مباشرة .. أنقد نفسك من يدي وإلا أمرت بإنزال أحجار القلعة في البحار، ثم لا أبقي عليك ولا سيدك ولا الأتراك، وأخرب كل البلاد... " وصل ذلك الخطاب إلى حسن أغا وأجاب عليه "...أنا خادم السلطان سليمان ... تعالى واستلم القلعة ولكن لهذه البلاد عادة، أنه إذا جاءها العدو ، لا يعطي إلا الموت " ، وفي رواية : ( غزت اسبانيا الجزائر في عهد عروج مرة ، وفي عهد خير الدين مرة ، ولم تحصل على طائل ، بل انتهبت أموالها وفنيت جنودها ، وستحصل المرة الثالثة كذلك إن شاء الله " . و استطاع حسن أن يرد على هذا الجواب ، فأرسل إليه رسولاً يطلب منه إذناً للسماح بحرية المرور لمن أراد من أهل الجزائر وخاصة نساءها وأطفالها مغادرة المدينة عبر ( باب الواد ) فعرف ( شارلمان ) أن حامية الجزائر مصممة على الدفاع المستميت ، وأنه من المحال احتلال الجزائر إلا إذا تم تدميرها تدميراً تاما ً. تيقن شارل أنه لن يستطيع دخول الجزائر إلا بعد أن يدمر هذه الحامية إلا أنه لم يكن قد أنزل مدافعه بعد قلم يتمكن من قذف الجزائر، وفي ذات الوقت كان المجاهدون يوجهون ضرباتهم الموجعة إلى القوات الاسبانية، في كل مكان ، حتى قال أحد فرسان مالطة في تقريره عن المعركة : " لقد أذهلتنا هذه الطريقة في الحرب ، لأننا لم نكن نعرفها من قبل " .ولما سمع الناس بالجهاد تحرك الإيمان في قلوبهم ، فكان دافعاً لأن يشترك الناس في هذه المواجهة بين الإسلام والصليبية ، ولقد استفاد المجاهدون من الناس في معرفة طبيعة الأرض ، واستخدامهم لمميزاتها بشكل رائع ، وسخر الله لجنود الإسلام الأمطار والرياح والأمواج ( وهبت ريح عاصف استمرت عدة أيام واقتلعت خيام جنود الحملة وارتطمت السفن بعضها ببعض مما أدى إلى غرق كثير منها وقذفت الأمواج الصاخبة ببعض السفن إلى الشاطئ وهجم عليها المدافعون المسلمون واستولوا على أدواتها وذخائرها، أما الأمطار فقد أفسدت مفعول البارود . وفي وسط هذه الكوارث حاول الإمبراطور مهاجمة مدينة الجزائر، إلا أن كل محاولاته باءت بالفشل .. ) وظهرت بطولات رائعة من القائد (الحاج البشير ) الذي استطاع بجنوده أن يحصد رؤوس النصارى بشجاعة فائقة، وبسالة نادرة ، وبطولة رائعة لقد استطاعت القيادة العسكرية الجزائرية أن تستفيد من الوضع المحيط بالنصارى ، ووجهت جنودها بطريقة متميزة في الكر والفر أفنت جزءاً كبيراً من الأعداء واضطر الإمبراطور إلى الانسحاب مع بقية جنوده على ما تبقى لهم من سفن واتجه بأسطوله إلى إيطاليا بدلاً من اسبانيا وكان من العوامل التي ساعدت على إلحاق هذه الهزيمة بالإمبراطور، القيادة الرشيدة والتفاف الشعب الجزائري حولها وتدفق رجال القبائل إلى ساحة الوغى طلباً للشهادة في سبيل الله ، ودفاعاً عن الإسلام والمسلمين ، وقد شبه أهل الجزائر هذه الهزيمة بهزيمة أصحاب الفيل التي ورد ذكرها في القرآن الكريم فقالوا في رسالة وجهوها إلى السلطان سليمان إن الله عاقب شارل الخامس وجنوده " بعقاب أصحاب الفيل ، وجعل كيدهم في تضليل ، وأرسل عليهم ريحاً عاصفاً وموجاً قاصفاً ، فجعلهم بسواحل البحر مابين أسير وقتيل ، و لانجا منهم من الغرق إلا قليل " . وأنعم السلطان سليمان على حسن آغا الطوشي برتبة الباشوية ، لدوره الفعال في النصر . من أقواله عندما قدم العدو إلى الجزائر قال لأهل الجزائر " لقد وصل العدو عليكم ليسبي أبناءكم وبناتكم ، فاستشهدوا في سبيل الدين الحنيف ... هذه الأراضي فتحت بقوة السيف ويجب الحفاظ عليها ، وبعون الله النصر حليفنا ، نحن أهل الحق " . وفاته استمر حسن آغا في القيام بواجبه المقدس حتى وفاته 951هـ / 1544م .

  3. #3
    دعوة خاصة



    تتشرف جمعية المنتدى الثقافي للشباب بدعوتكم لحضور الندوة الثقافية الهامة حول
    المعاق الفلسطيني / بمناسبة اليوم العالمي للمعاق

    ستتناول الندوة دور مؤسسات المجتمع المدني وخدماتهم للمعاقين وكيفية التعامل معهم.كما ستتناول قانون المعاق الفلسطيني والأبعاد القانونية الخاصة بهم.ضيوف الندوة:أ. هاني أبو زيد
    استشاري التأهيل بالمركز الوطني للتأهيل المجتمعي.أ‌. رامي شقورة
    محامي ومدرب من مركز الميزان لحقوق الإنسان.

    وذلك يوم الأربعاء 14/12/2011م في تمام الساعة 11 صباحاً
    في مقر جمعية المنتدى الكائن بالقرب من الشفا – مقابل مطعم المارنا هاوس – وبجانب مطعم اللاتيرنا.هاتف: 2839158 08/


    حضوركم واجب اجتماعي وإنساني

  4. #4

    الملك أشرف برسباي
    التعريف به السلطان الملك الأشرف سيف الدين أبو النصر برسباي الدقماقي الظاهري سلطان الديار المصرية . والملك الأشرف جراكسي الجنس ، جُلب من هذه البلاد ، فاشتراه الأمير دقماق المحمدي الظاهري نائب ملطية ، وأقام عنده مدة ، ثم قدمه إلى الملك الظاهر برقوق في عدة مماليك أُخر .وجلس على تخت الملك يوم خلع الملك الصالح محمد ابن الملك الظاهر ططر في يوم الأربعاء ثامن شهر ربيع الآخر سنة 825هـ/ 1422م ، و الأشرف هذا هو السلطان الثاني والثلاثون من ملوك الترك وأولادهم بالديار المصرية ، والثامن من الجراكسة وأولادهم [1] .

    أهم المعارك ودوره فيها

    في عام 767هـ/ 1365م استولى الفرنجة ومعهم ملك قبرص على الإسكندرية ، وذلك أن الحروب الصليبية لم تنتهِ بطرد الصليبيين من عكا عام 690هـ/ 1291م ، والانتهاء منهم من كل بلاد الشام كان في عهد الأشرف صلاح الدين خليل بن المنصور .لقد تم طردهم من " جزيرة أرواد " عام 702هـ/ 1302م أيام السلطان الناصر محمد بن قلاوون ، واستمرت الحروب الصليبية بعد ذلك؛ لأن كثيرًا من الصليبيين قد لجئوا إلى جزيرة قبرص بعد طردهم من بلاد الشام ، واتخذوا هذه الجزيرة مستقرًّا لهم ، وأخذوا يقومون بالإغارة على بلاد المسلمين كلما وجدوا الفرصة سانحة لهم .وكانت أسرة " لوزجنان " التي حكمت الجزيرة في تلك الآونة تقوم بهذه المهمة ، وقد تولى أمرَ هذه الأسرة وحكم الجزيرة عام 760هـ/ 1358م بطرسُ الأول ، وقد زار غربي أوربا ، ودعا البابا لمساعدته للقيام بحرب ضد المسلمين ، فحصل على بعض التأييد ، وسار مع من جاءه من الصليبيين ووصل إلى شواطئ الإسكندرية عام 767هـ/ 1365م في يوم جمعةٍ والمسلمون في المساجد ، فاستطاع أن يعيث في الإسكندرية فسادًا ولكنه فر لما تحرك المماليك إليه ، وقد أخذ معه قُرابة خمسة آلاف أسير ، وفرحت بذلك أوربا ، وهنّأ ملوكها بعضهم بعضًا، كما هنأهم البابا .
    فتح قبرص وفي عام 827هـ/ 1423م أرسل الأشرف برسباي حملة استطلاعية إلى جزيرة قبرص ، وقد اتجهت إلى ميناء " ليماسول " كرد فعلٍ على تلك الحملات التي قام بها ملوك تلك الجزيرة على الإسكندرية ودمياط في أثناء اشتداد حملات " تيمورلنك " على بلاد الشام، فلما تصدعت دولة تيمورلنك بعد وفاته، قام السلطان الأشرف برسباي بهذا الرد . وفي العام التالي 828هـ/ 1424م أرسل حملة ثانية وكانت جهتها في هذه المرة مدينة " فاما غوستا " ، وقد أحرزت النصر، ومكثت أربعة أيام ، ثم اتجهت إلى مدينة " ليماسول "، وتمكنت من فتحها بعد جهد، ثم رجعت الحملة إلى مصر .وبعد عام خرجت حملة جديدة سارت نحو " ليماسول " ففتحها ، ثم اتجهت نحو الداخل فالتقت بجيش كبير يقوده ملك قبرص " جانوس " بنفسه ، فجرت معركة طاحنة بين الفريقين ، انتصر فيها المسلمون انتصارًا كبيرًا ، وأسروا الملك ، وحملوه معهم ، وساروا نحو " نيقوسيا " ، فصلوا الجمعة في كنيستها ، ثم رجعوا إلى مصر والملك معهم أسير . وفي القاهرة فدى الملك نفسه ، ووافق على أن تكون قبرص تابعة لدولة المماليك ، وبقيت بعدها كذلك مدة بقاء الدولة المملوكية ، وبذا انتهى الأثر الصليبي نهائيًّا ، إذ بقي في قبرص بعد طرده من بلاد الشام [2] .
    وفاته

    توفي سنة 841هـ/ 1437م ، ومدة ولايته ست عشرة سنة و ثمانية أشهر وأيام [3] .
    قالوا عنه

    كان - رحمه الله - ملكًا جليلاً ، مهابًا ، عارفًا ، سيوسًا ، حازمًا ، شهمًا ، فطنًا ، له خبرة بالأمور، ومعرفة ، وتدبير، محبًّا لجمع المال . و كان يحب الاستكثار من المماليك ، حتى بلغت عدة من اشتراه من المماليك زيادة على ألفي نفر . وكان يقدِّم الجراكسة على غيرهم من الأجناس ، ويشره في جمع الخيول والجمال ، وما أشبه ذلك .وكان يتصدى للأحكام ، ويباشر أحوال المملكة ، غالبها بنفسه ، وكان متواضعًا ، حسن الخلق ، غير سبّاب ، لين الجانب ، طوالاً ، دقيقًا ، ذا شيبة نيرة ، وهيبة حسنة ، متجملاً في حركاته ، حريصًا على ناموس الملك .وكان يميل إلى فعل الخير ، و يكثر من الصوم ، و لا يتعاطى شيئًا من المسكرات . و كانت أيامه في غاية الحسن من الأمين ، و الخير، ورخاء الأسعار ، وعدم الفتن مع طول مكثه في السنة . وفي فتح قبرس (قبرص) يقول الأديب البليغ زين الدين عبد الرحمن بن الخراط ، أحد كُتَّاب الإنشاء بالديار المصرية ، قصيدةً أنشدها بين يدي السلطان بحضور أركان الدولة ، وفرغ عليه بعد فراغها بالحضرة الشريفة ، أوَّلها : بشراك يا ملك المليك الأشرف ... بفتوح قبرص بالحسام المشرفي فتح بشهر الصوم تم له فيا ... لك أشرف في أشرفٍ في أشرف فتح تفتحت السموات العلى ... من أجله بالنصر واللطف الخفي واللهُ حفَّ جنودَه بملائـكٍ ... عاداتها التأييد وهو بها حفـي الأشرف السلطان أشرف مالكٍ ... لولاه أنفس ملكه لم تشرف هو مكتفٍ بالله أحـلم قـادرٍ ... راضٍ لآثار النبوة مقتفـي حامي حمى الحرمين بيت الله وال ... قبر الشريف لزائر ومطوف[4]

    المصادر : [1] ابن تغري بردي : النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة 4/ 102.[2] انظر: محمود شاكر: التاريخ الإسلامي 7/66، 77-80 ، وعلي عبد الحليم : الغزو الصليبي والعالم الإسلامي ص 214.[3] العصامي : سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي 2/301 .[4] ابن تغري بردي : المنهل الصافي و المستوفى بعد الوافي 1/254 ، 255 .
    --

  5. #5
    محمود بن سُبُكْتِكِين

    نسبه محمود بن سُبُكْتِكِين أبو القاسم الملقب يمين الدولة وأمين الملة ، وصاحب بلاد غزنة [1] .

    جهاده وأهم المعارك ودوره فيها غزا يمين الدولة محمود بن سبكتكين بلاد الهند ، فقصده ملكها جيبال في جيش عظيم ، فاقتتلوا قتالاً شديدًا ، ففتح الله على المسلمين وانهزمت الهنود وأسر ملكهم جيبال وأخذوا من عنقه قلادة قيمتها ثمانون ألف دينار وغنم المسلمون منهم أموالاً عظيمة وفتحوا بلادا كثيرة ثم إن محمودا سلطان المسلمين أطلق ملك الهند احتقارًا له واستهانة به ليراه أهل مملكته والناس في المذلة فحين وصل جيبال إلى بلاده ، ألقى نفسه في النار التي يعبدونها من دون الله ، فاحترق لعنه الله [2] . وافتتح غزنة ثم بلاد ما وراء النهر، ثم استولى على سائر خراسان وعظم ملكه ودانت له الأمم، وفرض على نفسه غزو الهند كل عام ، فافتتح منه بلادًا واسعة [3] .
    أهم المعارك فتح سومنات كان للهند صنم يسمونه سومنات ، وهو أعظم أصنامهم في حصن حصين على ساحل البحر بحيث تلتقفه أمواجه ، والصنم مبنى في بيته على ستة وخمسين سارية من الساج المصفح بالرصاص ، وهو من حجر طوله خمسة أذرع ، منها ذراعان غائصان في البناء وليس له صورة مشخصة ، والبيت مظلم يضيء بقناديل الجوهر الفائق ، وعنده سلسلة ذهب بجرس وزنها مائة من تحرك بأدوار معلومة من الليل ، فيقوم عباد البرهميين لعبادتهم بصوت الجرس ، وعنده خزانة فيها عدد كثير من الأصنام ذهبًا وفضة ، عليها ستور معلقة بالجوهر منسوجة بالذهب تزيد قيمتها على عشرين ألف ألف دينار . وكانوا يحجون إلى هذا الصنم ليلة خسوف القمر فتجتمع إليه عوالم لا تحصى ، وتزعم الهنود أن الأرواح بعد المفارقة تجتمع إليه فيبثها فيمن شاء بناء على التناسخ والمد والجزر عندهم هو عبادة البحر، وكانوا يقربون إليه كل نفيس وذخائرهم كلها عنده ويعطون سدنته الأموال الجليلة ، وكان له أوقاف تزيد على عشرة آلاف ضيعة ، وكان نهرهم المسمى كنك الذي يزعمون أن مصبه في الجنة ويلقون فيه عظام الموتى من كبرائهم ، وبينه وبين سومنات مائتا فرسخ ، وكان يحمل من مائه كل يوم لغسل هذا الصنم، وكان يقوم عند الصنم من عباد البرهميين ألف رجل في كل يوم للعبادة وثلاثمائة لحلق رءوس الزوار ولحاهم، وثلاثمائة رجل وخمسمائة امرأة يغنون ويرقصون ، ولهم على ذلك الجرايات الوافرة . وكان كلما فتح محمود بن سبكتكين من الهند فتحًا أو كسر صنمًا ، يقول أهل الهند : إن سومنات ساخط عليهم ولو كان راضيًا عنهم لأهلك محمودًا دونه ، فاعتزم محمود بن سبكتكين إلى غزوه وتكذيب دعاويهم في شأنه فسار من غزنة في شعبان سنة ست عشرة وأربعمائة في ثلاثين ألف فارس سوى المتطوعة ، وقطع القفر إلى الملتان وتزود له من القوت والماء قدر الكفاية وزيادة عشرين ألف حمل ، وخرج من المفازة إلى حصون مشحونة بالرجال قد غوروا آبارهم مخافة الحصار ، فقذف الله الرعب في قلوبهم وفتحها وقتل سكانها كسر أصنامها ، واستقى منها الماء وسار إلى أنهلوارن وأجفل عنها صاحبها بهيم ، وسار إلى بعض حصونه ، وملك السلطان المدينة ومر إلى سومنات ووجد في طريقه حصونًا كثيرة فيها أصنام وضعوها كالنقباء والخدمة لسومنات ، ففتحها وخربها وكسر الأصنام ، ثم سار في قفر معطش واجتمع من سكانه عشرون ألفًا لدفاعه ، فقاتلهم سراياه وغنموا أموالهم وانتهوا إلى دبلواه على مرحلتين من سومنات ، فاستولى عليها وقتل رجالها. ووصل إلى سومنات منتصف ذي القعدة فوجد أهلها مختفين في أسوارهم وأعلنوا بكلمة الإسلام فوقها ، فاشتد القتال حتى حجز بينهم الليل ثم أصبحوا إلى القتال وأثخنوا في الهنود وكانوا يدخلون إلى الصنم فيعنفونه ويبكون ويتضرعون إليه ويرجعون إلى القتال ، ثم انهزموا بعد أن أفناهم القتل وركب فلهم السفن فأدركوا وانقسموا بين النهب والقتل والغرق وقتل منهم نحو من خمسين ألفًا واستولى السلطان على جميع ما في البيت ثم بلغه أن بهيم صاحب أنهلوارن اعتصم بقلعة له تسمى كندهة في جزيرة على أربعين فرسخًا من البر فرام خوض البحر إليها ثم رجع عنها، وقصد المنصورة وكان صاحبها ارتد عن الإسلام ففارقها وتسرب في غياض هناك ، فأحاطت عساكر السلطان بها وتتبعوهم بالقتل فأنهوهم ثم سار إلى بهاطية فدان أهلها بالطاعة ، ورجع إلى غزنة في صفر سنة سبع عشرة وأربعمائة [4] .
    وفاته مات في يوم الخميس لسبع بقين من ربيع الآخر إحدى وعشرين وأربعمائة على ثلاثة وستين سنة ، ملكه منها ثلاث وثلاثون [5] .
    قالوا عنه كان على عزم وصدق في الجهاد. قال عبد الغافر الفارسي : كان صادق النية في إعلاء كلمة الله تعالى ، مظفرًا في غزواته ، ما خلت سنة من سني ملكه عن غزوة أو سفرة ، وكان ذكيًّا بعيد الغور، موفق الرأي ، وكان مجلسه مورد العلماء [6] .مدحه بديع الزمان الهمذاني قائلاً :أطلت شمس محمود *** على أنجم ساحـانوأمسـى آل بهـرام *** عبيدًا لابن خاقانإذا ما ركـب الفيـل *** لحرب أو لميدانرأت عيناك سلطانًا *** على منكب شيطان[7].
    المصادر : [1] ابن كثير: البداية والنهاية 12/29.[2] المصدر السابق 11/330.[3] الذهبي : العبر 1/191.[4] تاريخ ابن خلدون 4/ 491. [5] ابن كثير: البداية والنهاية 12/31 .[6] الذهبي : العبر 1/191 .[7] موقع إسلام أون لاين، مقال بعنوان (الغزنوي .. فاتح الهند ) .
    --

  6. #6
    أبو يوسف يعقوب المنصور الموحدي



    النسب والقبيلة أبو يوسف يعقوب بن عبد المؤمن بن علي القيسي الكومي ، الملقب بالمنصور الموحدي .




    المولد والنشأة ولد سنة 554هـ ، ولاه أبوه الوزارة فاستفاد من ذلك معرفة بأحوال الناس وسياسة الحكم ، ولما مات أبوه اجتمع الموحدون وبنو عبد المؤمن على توليته ، فبايعوه وعقدوا له الولاية ولقبوه بالمنصور [1] .








    أهم المعارك ودوره فيها ( موقعة الرق ) غزا أبو يوسف يعقوب بن عبد المؤمن ، صاحب بلاد المغرب والأندلس، بلاد الفرنج بالأندلس ؛ وسبب ذلك أن ألفنش ملك الفرنج بها ، ومقر ملكه مدينة طليطلة، كتب إلى يعقوب كتابًا نسخته : باسمك اللهم فاطر السموات والأرض ؛ أما بعد أيها الأمير ، فإنه لا يخفى على كل ذي عقل لازب ، ولا ذي لب وذكاء ثاقب ، أنك أمير الملة الحنيفية ، كما أنا أمير الملة النصرانية، وأنك من لا يخفى عليه ما هم عليه رؤساء الأندلس من التخاذل والتواكل ، وإهمال الرعية ، واشتمالهم على الراحات ، وأنا أسومهم الخسف وأخلي الديار، وأسبي الذاراري ، وأمثل بالكهول ، وأقتل الشباب ، ولا عذر لك في التخلف عن نصرتهم ، وقد أمكنتك يد القدرة ، وأنتم تعتقدون أن الله فرض عليكم قتال عشرة منا بواحد منكم ، والآن خفف الله عنكم ، وعلم أن فيكم ضعفًا ، فقد فرض عليكم قتال اثنين منا بواحد منكم ، ونحن الآن نقاتل عددًا منكم بواحد منا ، ولا تقدرون دفاعًا ، ولا تستطيعون امتناعًا .ثم حكي لي عنك أنك أخذت في الاحتفال ، وأشرفت على ربوة القتال ، و تمطل نفسك عامًا بعد عام، تقدم رجلاً وتؤخر أخرى ، ولا أدري الجبن أبطأ بك أم التكذيب بما أنزل عليك .ثم حكي لي عنك أنك لا تجد سبيلاً للحرب لعلك ما يسوغ لك التقحم فيها، فها أنا أقول لك ما فيه الراحة ، وأعتذر عنك، ولك أن توافيني بالعهود والمواثيق والأيمان أن تتوجه بجملة من عندك في المراكب و الشواني ، وأجوز إليك بجملتي وأبارزك في أعز الأماكن عندك ، فإن كانت لك فغنيمة عظيمة جاءت إليك ، وهدية مثلت بين يديك ، وإن كانت لي كانت يدي العليا عليك ، واستحققت إمارة الملتين ، والتقدم على الفئتين ، والله يسهل الإرادة ، ويوفق السعادة بمنه لا رب غيره ، ولا خير إلا خيره .فلما وصل كتابه وقرأه يعقوب كتب في أعلاه هذه الآية : { ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لاَ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَ لَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ } [النمل: 37] ، وأعاده إليه ، وجمع العساكر العظيمة من المسلمين وعبر المجاز إلى الأندلس .وقيل : كان سبب عبوره إلى الأندلس أن يعقوب لما قاتل الفرنج سنة ست وثمانين وصالحهم، بقي طائفة من الفرنج لم ترض الصلح، كما ذكرناه، فلما كان الآن جمعت تلك الطائفة جمعًا من الفرنج ، وخرجوا إلى بلاد الإسلام ، فقتلوا وسبوا وغنموا وأسروا، وعاثوا فيها عيثًا شديدًا ، فانتهي ذلك إلى يعقوب ، فجمع العساكر، وعبر المجاز إلى الأندلس في جيش يضيق عنهن الفضاء ، فسمعت الفرنج بذلك ، فجمعت قاصيهم ودانيهم ، وأقبلوا إليه مجدين على قتاله ، واثقين بالظفر لكثرتهم، فالتقوا، تاسع شعبان ، شمالي قرطبة عند قلعة رياح ، بمكان يعرف بمرج الحديد ، فاقتتلوا قتالاً شديدًا، فكانت الدائرة أولاً على المسلمين ، ثم عادت على الفرنج ، فانهزموا أقبح هزيمة وانتصر المسلمون عليهم ، { وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [التوبة: 40] .وكان عدد من قتل من الفرنج مائة ألف وستة وأربعين ألفًا ، وأسر ثلاثة عشر ألفًا ، وغنم المسلمون منهم شيئًا عظيمًا ، فمن الخيام مائة ألف وثلاثة وأربعون ألفًا، ومن الخيل ستة وأربعون ألفًا ، ومن البغال مائة ألف ، ومن الحمير مائة ألف . و كان يعقوب قد نادى في عسكره : من غنم شيئًا فهو له سوى السلاح ؛ وأحصى ما حمل إليه منه ، فكان زيادة على سبعين ألف لبس ، وقتل من المسلمين نحو عشرين ألفًا .ولما انهزم الفرنج اتبعهم أو يوسف ، فرآهم قد أخذوا قلعة رياح ، وساروا عنها من الرعب والخوف ، فملكها ، وجعل فيها واليًا ، وجندًا يحفظونها ، وعاد إلى مدينة اشبيلية .وأما ألفنش ، فإنه لما انهزم حلق رأسه، ونكس صليبه ، وركب حمارًا، وأقسم أن لا يركب فرسًا ولا بغلاً حتى تنصر النصرانية ، فجمع جموعًا عظيمة ، وبلغ الخبر بذلك إلى يعقوب، فأرسل إلى بلاد الغرب مراكش وغيرها يستنفر الناس من غير إكراه ، فأتاه من المتطوعة والمرتزقين جمع عظيم، فالتقوا في ربيع الأول سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة ، فانهزم الفرنج هزيمة قبيحة ، وغنم المسلمون ما معهم من الأموال والسلاح والدواب وغيرها ، وتوجه إلى مدينة طليلطة فحصرها ، وقاتلها قتالاً شديدًا ، وقطع أشجارها ، وشن الغارة على ما حولها من البلاد، وفتح فيها عدة حصون ، فقتل رجالها ، وسبى حريمها، وخرب دورها ، وهدم أسوارها ، فضعفت النصرانية حينئذ ، وعظم أمر الإسلام بالأندلس ، وعاد يعقوب إلى اشبيلية فأقام بها .فلما دخلت سنة ثلاث وتسعين سار عنها إلى بلاد الفرنج ، وذلوا ، واجتمع ملوكها ، وأرسلوا يطلبون الصلح، فأجابهم إليه بعد أن كان عازمًا على الامتناع مريدًا لملازمة الجهاد إلى أن يفرغ منهم ، فأتاه خبر علي بن إسحق الملثم الميورقي أنه فعل بإفريقية ما نذكره من الأفاعيل الشنيعة، فترك عزمه، و صالحهم مدة خمس سنين ، وعاد إلى مراكش آخر سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة[2]. ووصفها صاحب كتاب نفح الطيب فقال : و معركة الأرك تضاهي وقعة الزلاقة أو تزيد ، و الأرك موضع نواحي بطليوس وكانت سنة إحدى وتسعين وخمسمائة، وغنم فيها المسلمون ما عظم قدره وكان عدة من قتل من الفرنج فيما قيل مائة ألف وستة وأربعين ألفًا، وعدة الأساري ثلاثين ألفًا ، وعدة الخيام مائة ألف وخمسين ألف خيمة ، والخيل ثمانين ألفًا ، والبغال مائة ألف ، والحمير أربعمائة ألف، جاء بها الكفار لحمل أثقالهم ؛ لأنهم لا إبل لهم ، وأما الجواهر والأموال فلا تحصى وبيع الأسير بدرهم والسيف بنصف درهم والفرس بخمسة دراهم والحمار بدرهم ، وقسم يعقوب الغنائم بين المسلمين بمقتضى الشرع [3] . وقال الشاعر أبو العباس الجراوي شاعر البلاط الموحدي في قصيدته واصفًا موقعة الأرك : هو الفتح أعيى وصفه النظم والنثر *** وعمَّت جميع المسلمين به البشرى وأنجـد في الدنيا وغار حديثــه *** فراقت به حسنًا وطابت به نشـرا لقد أورد الأذفونش[4] شيعته الردى *** وساقهمُ جهلاً إلى البطشة الكبرى حكى فعل إبليس بأصحابـه الإلى *** تبرَّأ منهـم حيـن أوردهم بـدرا رأى الموت للأبطال حوليه ينتقـي *** فطار إلى أقصـى مصارعـه ذعرا ألوفٌ غدتْ مأهـولة بهم الفـلا *** وأمسـت خلاء منهمُ دورهم قفرا ودارت رحى الهيجا عليهمْ فأصبحوا *** هشيمًا طحينًا في مهبِّ الصبا مذرى [5]





    أخلاقه لما نجا الفنش ملك النصارى إلى طليطلة في أسوأ حال، فحلق رأسه ولحيته ونكس طليبه و إلَى أن لا ينام على فراش ولا يقرب النساء ولا يركب فرسًا ولا دابة حتى يأخذ بالثأر، وصار يجمع من الجزائر والبلاد البعيدة ويستعد ثم لقيه يعقوب وهزمه وساقه خلف بلاده ولم يبق إلا فتحها، فخرجت إليه والدة الأذفونش وبناته ونساؤه وبكين بين يديه وسألنه إبقاء البلد عليهن ، فرقَّ لهن ومنَّ عليهن بها ، ووهب لهن من الأموال والجواهر ما جل ، وردهن مكرمات، وعفا بعد القدرة ، وعاد إلى قرطبة فأقام شهرًا يقسم الغنائم وجاءته رسل الفنش بطلب الصلح فصالحه، وأمن الناس مدته ، وفيه يقول بعض شعراء عصره : أهل بأن يُسْعى إليه ويرتجى *** ويزار من أقصى البلاد على الرجامَنْ قد غدا بالمكرمات مُقَلَّدًا *** وموشَّحًا ومختَّمـًا ومتوَّجــاعمرتْ مقاماتِ الملوكِ بذِكْرِهِ *** وتعطَّرت منه الريـاح تأرّجـا [6]











    وفاته توفي المنصور الموحدي في 22 ربيع الأول سنة 595هـ ، وأوصى أن يُدفن على قارعة الطريق ليترحم عليه من يمر به ، فرحمه الله وأحسن مثواه [7] .





    قالوا عنه قال عنه علي بن حزمون: حيتك معـطـرة الـنـفـس *** نفحات الفتـح بـأنـدلـسفذر الكفـار ومـأتـمـهـم *** إن الإسـلام لـفـي عـرسأإمـام الـحـقِّ ونـاصـره *** وطهرت الأرض مـن الدنـسوملأت قلوب النـاس هـدى *** فدنا التوفيـق لمـلـتـمـسورفعت منار الـدين عـلـى *** عمد شـمٍّ وعـلـى أسـسوصدعت رداء الكفر كـمـا *** صدع الديجور سنا قـبـس [8] .




    المصادر : [1] موقع الشبكة الإسلامية ، الرابط : http://www.islamweb.net/. [2] ابن الأثير: الكامل في التاريخ .[3] نفح الطيب 1/443، 444 .[4] (ألفونسو الثامن) .[5] الأبيات من الطويل ، منتدى موقع التاريخ ، الرابط: http://www.altareekh.com/vb/archive/index.php/t- 40161.html .[6] الأبيات من الكامل ، انظر: نفح الطيب 1/443، 444 .[7] موقع الشبكة الإسلامية ، الرابط : http://www.islamweb.net/ . [8] عبد الواحد المراكشي : المعجب في تلخيص أخبار المغرب .

  7. #7
    المنصور محمد بن أبي عامر
    النسب والقبيلة هو المنصور أبو عامر محمد بن أبي حفص عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عامر بن أبي عامر محمد بن الوليد بن يزيد بن عبد الملك ، الداخل إلى الأندلس مع طارق ، وكان له في فتحها أثر جميل ؛ وكان في قومه وسيطا، ونزل الجزيرة الخضراء لأول الفتح ، فساد أهلها ، وكثر عقبه فيها ؛ وتكررت فيهم النباهة والوجاهة.وكان أبوه من أهل الزهد في الدنيا والقعود عن السلطان؛ سمع الحديث ، وأدى الفريضة ، ومات منصرفا من حجه بمدينة طرابلس المغرب، وكانت أمه تميمية ، وأبوه معافرياً .





    النشأة و التربية


    نشأ "محمد بن أبي عامر"، بين جد دخل الأندلس فاتحاً فساق إليه ذكريات الجهاد وحلاوة الفتح ، وبين والد تاركاً للدنيا زاهداً فيها ، فكان حسن النشأة ، ظاهر النجابة ، تتفرس فيه السيادة ؛ وابن أبي عامر من المدينة المعروفة بـ (الجزيرة الخضراء) من قرية من أعمالها تسمى طرش على نهر يسمى وادي آروا .رحل " محمد بن أبي عامر" إلى (قرطبة) ، وتأدب بها ، فطلب العلم والأدب وسمع الحديث وتميز في ذلك وكانت له همة يحدث بها نفسه بإدراك معالي الأمور، وكان بداية أمره أن اقتعد في دكان عند باب القصر يكتب فيه لمن أراد أن يكتب شيئاً يرفعه إلى السلطان، وظل في هذا الأمر إلى أن طلبت " السيدة صبح " أم " هشام المؤيد " من يكتب عنها، فعرّفها به من كان يأنس إليه بالجلوس من فتيان القصر، فترقّى إلى أن كتب عنها ، فاستحسنته ونبّهت عليه الحكم المستنصر ورغبت في تشريفه بالخدمة ، فولاّه قضاء بعض المواضع ، فظهرت منه نجابة، فترقّى إلى الزكاة والمواريث باشبيلية وتمكّن في قلب السيدة بما استمالها به من التّحف والخدمة ما لم يتمكن لغيره ولم يقصر - مع ذلك - في خدمة " المصحفيّ الحاجب ، إلى أن توفّي " الحكم " وولي ابنه "هشام المؤيد" ، وهو ابن اثنتي عشرة سنة ، فجاشت الروم ، فجهز " المصحفيّ " " ابن أبي عامر" لدفاعهم ، فنصره الله عليهم ، وتمكّن حبّه من قلوب الناس ، وكان شهماً ، شجاعاً ، قوي النفس ، حسن التدبير، استمال العساكر وأحسن إليهم، فقوي أمره ، وتلقب بـ"المنصور" ، وتابع الغزوات إلى الفرنج وغيرهم ، وسكنت البلاد معه ، فلم يضطرب منها شيء.







    جهاده وأهم المعارك ودوره فيها لقد خلد التاريخ ذكر رجال طلبوا معالي الأمور، وكانت لهم همم لا منتهى لكبارها بلغوا بها العلا، من هؤلاء " المنصور بن أبي عامر" الذي اعتبره المؤرخون أعظم من حكم الأندلس ، بدأ حياته طالباً للعلم ثم تدرج حتى أصبح قاضياً ثم آل إليه الحكم بعد ذلك ، وكان يمني نفسه به ومن القصص الطريفة التي رويت عنه ، ما ذكره " المراكشي " في كتابه المعجب عن الفقيه " أبو محمد علي بن أحمد " : أن " ابن أبي عامر" كان يوماً جالساً مع ثلاثة من أصحابه من طلبة العلم فقال: لهم ليختر كل واحد منكم خطة أولية إياها إذا أفضى إلي الأمر! فقال : أحدهم توليني قضاء كورة رية وهي مالقة وأعمالها فإنه يعجبني هذا التين الذي يجيء منها !. وقال : الآخر توليني حسبة السوق فإني أحب هذا الإسفنج !.وقال : الثالث إذا أفضي إليك الأمر فأمر أن يطاف بي قرطبة كلها على حمار ووجهي إلى الذنب وأنا مطلي بالعسل ليجتمع علي الذباب والنحل !.وافترقوا على هذا فلما أفضى الأمر إليه كما تمنى بلغ كل واحد منهم أمنيته على نحو ما طلب !. وكان كثير الغزو لا يمل منه ، وحسبت عزواته فكانت أكثر من خمسين غزوة، لم يهزم في واحدة منها . لقد ملك الجهاد قلب " المنصور بن أبي عامر" ، حتى فقد الاستطاعة على تركه ، وذكر " المراكشي " في كتابه المعجب عن مدى حب " ابن أبي عامر" للغزو والجهاد ، فيقول : " وبلغ من إفراط حبه للغزو أنه ربما خرج للمصلى يوم العيد فحدثت له نية في ذلك فلا يرجع إلى قصره بل يخرج بعد انصرافه من المصلى كما هو من فوره إلى الجهاد فتتبعه عساكره وتلحق به أولاً فأولاً فلا يصل إلى أوائل بلاد الروم إلا وقد لحقه كل من أراده من العساكر" ، ولم يتكاسل عن الجهاد حتى في مرضه، وقد مرض وهو في طريق للغزو فلم يرجع بل رفع يديه طابلاً من الله أن تأتيه منيته وهو في الغزو فكان كما أراد ، لقد خلصت نيته لله فأعطاه الله ما تمنى . استطاع " ابن أبي عامر" أن يصل إلى معاقل في أرض " أسبانياً ما وصل إليها أحد من قبله منذ أن دخل " طارق بن زياد " فاتحاً وحتى عهده فقد وصل إلى أكبر معاقل النصرانية في " أسبانيا "، وملأت بلاده من سبايا الروم وغنائمهم ، حتى نودي على ابنة عظيم من عظماء الروم بقرطبة - و كانت ذات جمال رائع - فلم تساو أكثر من عشرين ديناراً عامرية .و كان يغزو غزوتين في السنة مرة في الشتاء ومرة في الصيف، وبلغت غزواته أكثر من خمسين غزوة لم يهزم فيها ، ولم ينل منه عدوه قط .ومن آثار غزواته أنه افتتح حصن (مولة)، وظهرا فيه على سبي كثير، وغنم المسلمون أوسع غنيمة، وكان ذلك في عام 366 .ودخل على (طليطلة) غرة صفر من سنة 367؛ فاجتمع مع صهره " غالب " ، فنهضا معا ، فافتتحا حصن (المال) وحصن (زنبق) ، ودوخا مدينة (شلمنقة) وأخذا أرباضها . وعاد "ابن أبي عامر" إلى قرطبة بالسبي والغنائم ، وبعدد عظيم من رؤوس المشركين ، وتمت هذه الغزوة في أربع وثلاثين يوماً من خروجه إليها .ومن أهم معارك التي قضى فيها على معقل من معاقل النصرانية في (أسبانيا) معركة (شنت ياقوب) .وقبل أن نخوض غمار المعركة نلقي نظرة على موقع هذه المدينة في قلوب النصارى وأهميتها عندهم ، كانت هذه المدينة أعظم مشاهد النصارى في بلاد " الأندلس " ، وكان النصارى يعظمون كنيستها ، كتعظيمنا للكعبة المشرفة، وإلى هذه الكنيسة كان يحجون قادمين إليها من أقصى البلاد الرومية ، وزعموا أنها بها قبر " يعقوب " من حواري سيدنا "عيسى" ، ولم يتمكن أحد من المسلمين الفاتحين للأندلس" دخولها أو فتحها حتم تم ذلك على يد المجاهد " محمد بن أبي عامر" . وقد خرج "المنصور" إليها من قرطبة غازيا بالصائفة يوم السبت لست بقين من جمادى الآخرة سنة 387، متوجهاً إلى (شنت ياقوب)، ودخل على مدينة (قورية) ، ولما وصل "المنصور" إلى مدينة (غليسية) ، وافاه عدد عظيم من القوامس المتكسطين بالطاعة، في رجالهم ، فصاروا في عسكر المسلمين، وكان "المنصور" قد أمر ببناء أسطولاً بحرياً فبعد أن تم بناءه جهزه برجاله البحريين ، وحمّل فيه المؤن و الذخائر والأطعمة والأسلحة، وخرج " المنصور" إلى موضع على نهر (دويره)؛ فدخل في النهر إلى المكان الذي عمل " المنصور" على العبور منه ؛ فعقد هناك من هذا الأسطول جسرا بقرب الحصن الذي هناك . ووزع المنصور ما كان فيه من الميرة على الجند ؛ فتوسعوا في التزود منه إلى أرض العدو ، ونهض يريد (شنت ياقوب) ، فقطع أرضين متباعدة الأقطار ، وقطع بالعبور عدة أنهار كبار وخلجان، وبعد أن خاض المسلمون غمار المعركة تارة في البحر وأخر في البر، سالكين الجبال والأودية، إلى أن أتم الله عليه فتح (شنت ياقوب) ، ولما وصل إليها المسلمون وجدوها خالية من السكان ، فحاز المسلمون غنائمها ، وهدموا مصانعها وأسوارها وكنيستها ، وعفوا آثارها ، وانكفأ المنصور عن باب شنت ياقوب ، وقد بلغ غاية لم يبلغها مسلم قبله .





    قالوا عنه كان " المنصور بن أبي عامر" سياسياً بارعاً وصاحب همة عالية متمنياً أمراً عظيماً ، وبعلو همته وحسن سياسته استطاع أن يصل إلى ما تمنى، فقال عنه "الذهبي" كان من رجال الدهر رأياً وحزماً، ودهاء وشجاعة وإقداماً استطاع استمالة الأمراء والجيش بالأموال ، ودانت لهيبته الرجال ، وكان حازماً ، قوي العزم ، كثير العدل والإحسان، حسن السياسة .وما يذكر عنه من حسن سياسته وتدبيره : أنه دخل بلاد الفرنج غازياً ، فجاز الدرب إليها ، " الدرب : مضيق بين جبلين "، وأوغل في بلاد الفرنج يسبي ، ويغنم ، فلما أراد الخروج رآهم قد سدوا الدرب ، وهم عليه يحفظونه من المسلمين ، فأظهر أنه يريد المقام في بلادهم ، وشرع هو وعسكره في عمارة المساكن وزرع الغلات ، وأحضروا الحطب ، والتبن ، و الميرة ، وما يحتاجون إليه ، فلما رأوا عزمه على المقام مالوا إلى السلم، فراسلوه في ترك الغنائم والجواز إلى بلاده ، فقال : أنا عازم على المقام؛ فتركوا له الغنائم، فلم يجبهم إلى الصلح ، فبذلوا له مالاً ، ودواب تحمل له ما غنمه من بلادهم ، فأجابهم إلى الصلح ، وفتحوا له الدرب ، فجاز إلى بلاده .ويقول " ابن الاثير" : كان" المنصور بن أبي عامر" عالماً ، محباً للعلماء ، يكثر مجالستهم ويناظرهم ، وقد أكثر العلماء ذكر مناقبه ، وصنفوا لها تصانيف كثيرة ، وكان حسن الاعتقاد والسيرة ، عادلاً ، وكانت أيامه أعياداً لنضارتها ، وأمن الناس فيها .وقد مدحه الشاعر قائلاً :آثارُهُ تُنْبِيكَ عَنْ أخْبَارِهِ ... حَتَّى كأنَّكَ بالعُيُونِ ترَاهُتَاللهِ ما مَلَكَ الجَزيرَةَ مِثْلُهُ ... حَقًّا وَلاَ قَادَ الجُيُوشَ سِوَاهُ





    أخلاقه دخل " المنصور" (شنت ياقب) أكبر معاقل لنصارى الروم في ذلك الوقت ، إلا أنه لم يجد فيه إلا شيخا من الرَّهبان جالسا على القبر؛ فسأله عن مقامه ؛ فقال : أوانس " يعقوب " . فأمر " المنصور " بالكف عنه .ولا عجب فهذه هي أخلاق الإسلام، فقد كانت وصايا رسول الله للجيش ألا يقتل طفلاً ولا وليداً ولا شيخاً كبيراً ولا امرأة ولا يجهزوا على جريح ولا يقطعوا شجرة ولا نخلاً ولا يقتل راهباً في صومعته، وكذلك كانت وصايا الخلفاء من بعده .كانت نشأة المنصور بن أبي عامر لها أثر كبير في تغيير مسار حياته فقد نشأ متعلماً لأحاديث النبي فتربى على هذه الأحاديث حتى استقى أخلاقه من أخلاق النبي .





    من أقواله كان " المنصور بن أبي عامراً " شاعراً ومن شعره : رميت بنفسي هول كلّ عظيمة *** وخاطرت والحرّ الكريم يخاطروما صاحبي إلا جنانٌ مشيّعٌ *** وأسمر خطّيٌّ وأبيض باترفسدت بنفسي أهل كلّ سيادة *** وفاخرت حتى لم أجد من أفاخرو ما شدت بنياناً ولكن زيادة *** على ما بنى عبد المليك وعامررفعنا المعالي بالعوالي حديثة *** وأورثناها في القديم معافر











    وفاته دامت دولته ستّاً وعشرين سنة ، غزا فيها اثنتين وخمسين غزوة واحدة في الشتاء وأخرى في الصيف ، وكانت وفاته في غزاته للإفرنج بصفر سنة ثلاثمائة واثنتين وتسعين ، وحمل في سريره على أعناق الرجال ، وعسكره يحفّ به وبين يديه ، إلى أن وصل إلى مدينة (سالم) ، وكان في كل غزوة من غزواته ينفض عنه تراب الغزوة ويضعه في كيس وكان يصطحبه معه في غزواته وعند وفاته أوصى أن يذر هذا التراب على كفنه ليكون شاهداً جهاده يوم القيامة ، فرحم الله " أبا منصور" وأسكنه فسيح جناته وغفر له ما أصاب من زلل .

  8. #8


    أسامة بن منقذ


    النسب و القبيلة

    أبو المظفر أسامة بن مرشد بن علي مقلد بن نصر بن منقذ الكناني . [1]




    المولد و النشأة ولد بقلعة شيزر في 27 جمادى الثانية سنة 488هـ .[2]ولد بشيزر ونشأ بها وأخرجه عمه أبو العساكر سلطان بن علي خوفاً منه على نفسه ، لما رأى من شجاعته وإقدامه ، وقدم حلب مراراً متعددة ، وكان من الأمراء الفضلاء الأدباء الشعراء الشجعان الفرسان ، له مصنفات عديدة ومجاميع مفيدة ، ومواقف مشهورة ، ووقائع مذكورة ، وفضائل مستورة .[3]




    البلد التي عاش فيها قال العماد الكاتب في الخريدة بعد الثناء عليه : سكن دمشق ثم نبت به كما تنبو الدار بالكريم ، فانتقل إلى مصر فبقي بها مؤمراً مشاراً إليه بالتعظيم إلى أيام الصالح بن رزيك . ثم عاد إلى الشام وسكن دمشق ، ثم رماه الزمان إلى حصن كيفا ، فأقام به حتى ملك السلطان صلاح الدين - رحمه الله تعالى - دمشق ، فاستدعاه وهو شيخ قد جاوز الثمانين .[4]

    جهاده :
    حصار قلعة حارم

    جمع نور الدين بن محمود بن آقسنقر، صاحب الشام ، العساكر بحلب ، وسار إلى قلعة حارم ، وهي للفرنج غربي حلب ،، فحصرها وجد في قتالها ، فامتنعت عليه بحصانتها ، وكثرة من بها من فرسان الفرنج ورجالتهم وشجعانهم ، فلما علم الفرنج ذلك جمعوا فارسهم وراجلهم من سائر البلاد ، وحشدوا ، واستعدوا ، وساروا نحوها ليرحلوه عنها ، فلما قاربوه طلب منهم المصاف ، فلم يجيبوه إليه ، وراسلوه ، وتلطفوا الحال معه ، فلما رأى أنه لا يمكنه أخذ الحصن ، ولا يجيبونه إلى المصاف ، عاد إلى بلاده وممن كان معه في هذه الغزوة مؤيد الدولة أسامة بن مرشد بن منقذ الكناني ، وكان من الشجاعة في الغاية، فلما عاد إلى حلب دخل إلى مسجد شيزر، وكان قد دخله في العام الماضي سائراً إلى الحج ، فلما دخله الآن كتب على حائطه : لك الحمد يا مولاي كم لك منة *** علي وفضلاً لا يحيط به شكرينزلت بهذا المسجد العام قافلاً *** من الغزو موفور النصيب من الأجرو منه رحلت العيس في عامي الذي *** مضى نحو بيت الله والركن والحجرفأديت مفروضي وأسقطت ثقل ما *** تحملت من وزر الشبيبة عن ظهري[5]



    من كلماته يقول الأمير مؤيد الدولة أسامة بن منقذ ، لمّا لقى الفرنج في أرض بصرى و صرخد مع نور الدين ، وقد تقدم ذلك كتب إليه قصيدة يقول فيها :كل يوم فتح مبين ونصر *** واعتلاء على الأعادي وقهرصدق النعت فيك أنت معين *** الدين، إن النعوت قال وزجرأنت سيف الإسلام حقا، فلا كَل *** غراريك أيها السّيفُ دهرلم تَزل تُضمر الجهاد مُسِرَّا *** ثم أعلنت حين أمكن جهر [6]




    قالوا عنه قال الذهبي في سير أعلام النبلاء " كان بطلا شجاعا ، جوادا ، فاضلا . [7]قال أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني الإمام : أسامة بن مرشد أمير فاضل غزير الفضل ، وافر العقل ، حسن التدبير، مليح التصانيف ، عارف باللغة والأدب ، مجود في صنعة الشعر، من بيت الإمارة والفروسية واللغة ، سكن دمشق ، لقيته بالفوار بظاهر دمشق بحوران ، واجتمعت معه بدمشق عدة نوب ، وكان مليح المجالسة حسن المحاورة .[8]قال الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن ، قال : أسامة بن مرشد الملقب بمؤيد الدولة ، له يد بيضاء في الأدب والكتابة والشعر، ذكر لي أنه ولد سنة ثمان وثمانين وأربعمائة ، وقدم دمشق سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة ، وخدم بها السلطان ، وقرب منه وكان شجاعاً فارساً ، ثم خرج إلى مصر، فأقام بها مدة ، ثم رجع إلى الشام ، وسكن حماة ، واجتمعت به بدمشق ، وأنشدني قصائد من شعره سنة ثمان وخمسين وخمسمائة .[9]وقال عنه الأصبهاني في كتاب خريدة القصر وجريدة العصر: أسامة كإسمه في قوة نثره ونظمه ، يلوح من كلامه أمارة الإمارة ، ويؤسس بيت قريضة عمارة العبارة ، نشر له علم العلم ، ورقي سلم السلم ، ولزم طريق السلامة وتنكب سبل الملالة والملامة ، واشتغل بنفسه ، ومجاورة أبناء جنسه، حلو المجالسة حالي المساجلة ، ندي الندى بماء الفكاهة ، عالي النجم في سماء النباهة ، معتدل التصاريف ، مطبوع التصانيف .[10]كان في شبيبته شهما شجاعا ، قتل الأسد وحده مواجهة .[11]




    وفاته عمر إلى أن توفي ليلة الثلاثاء الثالث والعشرين من رمضان ، ودفن شرقي جبل قاسيون . [12]

    المصادر : [1] ابن خلكان : وفيات الأعيان 1/195.[2] معجم المؤلفين 2/225.[3] بغية الطلب في تاريخ حلب 1/478.[4] ابن خلكان : وفيات الأعيان 1/196.[5] الكامل في التاريخ 5/58: 56.[6] الروضتين في أخبار الدولتين النورية و الصلاحية 1/73 .[7] الذهبي : سير أعلام النبلاء 18/ 553.[8] بغية الطلب في تاريخ حلب 1/479.[9] السابق .[10] السابق 1/478.[11] البداية و النهاية 12/405.[12] السابق .
    --

  9. #9


    عبد الله بن رواحة





    التعريف به و قبيلته


    عبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس بن الخزرج الأنصاري الخزرجي [1] [2] . ، عظيم القدر في قومه ، سيد في الجاهلية ، ليس في طبقته أسود منه، وكان في حروبهم في الجاهلية يناقض قيس بن الخطيم ، وكان في الإسلام عظيم القدر والمكانة عند رسول اللهولد سيدنا عبد الله بن رواحة بالمدينة ، وعاش بها إلى أن وافته المنية في غزوة مؤتة بأرض بلقاء بالشام .






    المصادر :
    [1] ابن الأثير: أسد الغابة 1/ 606 .[2] ابن سلام الجمحي: طبقات فحول الشعراء 1/ 223.







    فكره العسكري :

    حذره وحيطته
    كان سيدنا عبد الله بن رواحة ممن يأخذون بالحذر في حياتهم ويدل على ذلك لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية إلى يسير بن رزام اليهودي وأراد أن يأخذ سيف سيدنا عبد الله بن رواحه ليقتله به ففطن له سيدنا عبد الله بن رواحه فعاجله بقطع قدمه .





    رفع معنويات الجند
    و ذلك لما رأى المسلمون كثرة الروم أرادوا أن يبعثوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوقف فيهم سيدنا عبد الله بن رواحه يبث فيهم الأمل ويرفع معنوياتهم فقال كما ذكر ابن كثير في كتابه البداية والنهاية :"يا قوم ، والله إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون الشهادة ، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به ، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين ، إما ظهور وإما شهادة ".





    أهم المعارك ودوره فيها
    كان ممن شهد العقبة وكان نقيب بن الحارث بن الخزرج . وشهد بدرًا وأحدًا والخندق والحديبية وخيبر وعمرة القضاء والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الفتح وما بعده ، فإنه كان قد قتل قبله . وهو أحد الأمراء في غزوة مؤتة [1].




    سريته إلى يسير بن رزام اليهودي
    بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة في ثلاثين راكبا فيهم عبد الله بن رواحة إلى يسير بن رزام اليهودي حتى أتوه بخيبر وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يجمع غطفان ليغزوه بهم فأتوه فقالوا : أرسلنا إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستعملك عل خيبر فلم يزالوا به حتى تبعهم في ثلاثين رجلا مع كل رجل منهم رديف من المسلمين فلما بلغوا قرقرة نيار وهي من خيبر على ستة أميال ندم يسير ابن رزام فأهوى بيده إلى سيف عبد الله بن رواحة ففطن له عبد الله بن رواحة فزجر بعيره ثم اقتحم يسوق بالقوم حتى استمكن من يسير ضرب رجله فقطعها واقتحم يسير وفي يده مخراش من شوحط فضرب به وجه عبد الله بن رواحة فشجه شجة مأمومة وانكفأ كل رجل من المسلمين على رديفه فقتله غير رجل واحد من اليهود أعجزهم شدا ولم يصب من المسلمين أحد وبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في شجة عبد الله بن رواحة فلم تقيح ولم تؤذه حتى مات [2].




    غزوة مؤتة
    عن عروة بن الزبير قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى مؤتة في جمادى الأولى من سنة ثمان واستعمل عليهم زيد بن حارثة وقال إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة على الناس فتجهز الناس ثم تهيئوا للخروج وهم ثلاثة آلاف ، فأتى عبد الله بن رواحة رسول الله صلى الله عليه وسلم فودعه ، ثم قال :فثبت الله ما آتاك من حسن... تثبيت موسى و نصرًا كالذي نصرواإني تفرست فيك الخير نافلـة ... الله يعلـم أنـي ثابت البصـرأنت الرسول فمن يحرم نوافله ... والوجه منه فقد أزرى به القـدرقال ابن إسحاق : ثم خرج القوم وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يشيعهم حتى إذا ودعهم وانصرف ، قال عبد الله بن رواحة :خلف السلام على امرئ ودعته ... في النخل خير مشيع وخليلوتخلف ابن رواحة فجمع مع النبي صلى الله عليه وسلم فرآه فقال ما خلفك فقال اجمع معك قال لغدوة أو روحة خير من الدنيا وما فيها ، ثم مضوا حتى نزلوا معانا من ارض الشام فبلغ الناس أن هرقل قد نزل مآب من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم وانضم إليه من لخم وجذام و بلقين وبهراء وبلي مائة ألف منهم عليهم رجل من بلي ثم أحد اراشة يقال له مالك بن رافلة وفي رواية يونس عن ابن إسحاق فبلغهم أن هرقل نزل بمآب في مائة ألف من الروم ومائة ألف من المستعربة فلما بلغ ذلك المسلمين أقاموا على معان ليلتين ينظرون في أمرهم وقالوا نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نخبره بعدد عدونا فإما أن يمدنا بالرجال وإما أن يأمرنا بأمره فنمضي له قال فشجع الناس عبد الله بن رواحة وقال يا قوم والله إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون الشهادة وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين إما ظهور وإما شهادة قال فقال الناس قد والله صدق ابن رواحة فمضى الناس ، ثم مضى الناس حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم جموع هرقل من الروم والعرب بقرية من قرى البلقاء يقال لها مشارف ثم دنا العدو وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها مؤتة فالتقى الناس عندها فتعبى لهم المسلمون فجعلوا على ميمنتهم رجلا من بني عذرة يقال له قطبة بن قتادة وعلى ميسرتهم رجلا من الأنصار يقال له عباية بن مالك ، ثم التقى الناس فاقتتلوا فقاتل زيد بن حارثة براية رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شاط في رماح القوم ثم أخذها جعفر فقاتل القوم حتى قتل فكان جعفر أول المسلمين عقر في الإسلام ، فلما قتل جعفر أخذ عبد الله بن رواحة الراية ثم تقدم بها وهو على فرسه فجعل يستنزل نفسه ويتردد بعض التردد ويقول ...أقسمت يا نفس لتنزلنـه ... لتنزلـن أو لتكـرهنـهإن جلب الناس وشدوا الرنة ... ما لي أراك تكرهين الجنةقد طال ما قد كنت مطمئنة ... ها أنت إلا نطفة في شنةوقال أيضًا :يا نفس إن لا تقتلي تموتي ... هذا حمام الموت قد صليتوما تمنيت فقد أعطيت ... إن تفعلي فعلهما هديـتيريد صاحبيه زيدًا و جعفرًا ، ثم نزل ، فلما نزل أتاه ابن عم له بعرق من لحم ، فقال : شد بهذا صلبك ، فإنك قد لقيت في أيامك هذه ما لقيت . فأخذه من يده فانتهس منه نهسة ، ثم سمه الحطمة في ناحية الناس ، فقال : وأنت في الدنيا . ثم ألقاه من يده ، ثم أخذ سيفه ثم تقدم فقاتل حتى قتل رضي الله عنه [3].





    المصادر :

    [1] ابن الأثير: أسد الغابة 1/ 607.[2] ابن كثير: البداية والنهاية 4/221 .[3] ابن كثير: البداية والنهاية 4/242- 245.




    من كلماته
    قام عبد الله بن رواحة ليشجع الناس على القتال لما رأوا كثرة الروم ، فقال : " يا قوم ، والله إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون الشهادة ، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة ، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به ؛ فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين ، إما ظهور وإما شهادة ".




    وفاته
    لقي سيدنا عبد الله بن رواحة ربه شهيدًا في غزوة مؤتة بأرض بلقاء بالشام في السنة الثامنة من الهجرة ، رضي الله عنه وأرضاه .



    قالوا عنه
    قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم : " يَرْحَمُ اللَّهُ ابْنَ رَوَاحَةَ ، إِنَّهُ يُحِبُّ الْمَجَالِسَ الَّتِي تُبَاهَى بِهَا الْمَلاَئِكَةُ ".وذلك لما قال لرجل : هيا بنا نؤمن ساعة . فذهب الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال له : إن ابن رواحة يرغب عن إيمانك بإيمان ساعة [1] .



    المصادر :

    [1] ابن كثير: البداية والنهاية 4/243.





  10. #10
    شيخ الإسلام ابن تيمية
    حمل قلمه وسيفه للجهاد في سبيل الله فالقلم جاهد به الفلاسفة الملحدين ، أما السيف فقد جاهد به التتار، ولم يكتف الإمام ابن تيمية على ذلك بل جاهد بلسانه أيضاً ضد الحكام الجائرين ووقف ليقول كلمة حق عند سلطان جائر .



    ابن تيمية نسبه وقبيلته تقي الدين أبو العباس أحمد بن شيخنا الإمام العلامة المفتي شهاب الدين أبي المحاسن عبد الحليم بن الشيخ الإمام شيخ الإسلام أبي البركات عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم محمد بن الخضر بن محمد ابن الخضر بن علي بن عبد الله بن تيمية الحراني ثم الدمشقي .




    مولد ابن تيمية والبلد التي عاش فيها كان مولده يوم الاثنين عاشر ربيع الأول بحران سنة إحدى و ستين و ستمائة وقدم مع والده وأهله إلى دمشق وهو صغير .[1]


    جهاد ابن تيمية وأهم المعارك ودوره فيها أخبر غير واحد أن الشيخ كان إذا حضر مع عسكر المسلمين في جهاد يكون بينهم واقيتهم وقطب ثباتهم إن رأى من بعضهم هلعا أو رقة أو جبانة شجعه وثبته وبشره ووعده بالنصر والظفر والغنيمة وبين له فضل الجهاد والمجاهدين وإنزال الله عليهم السكينة .وكان إذا ركب الخيل يتحنك ويجول في العدو كأعظم الشجعان ويقوم كأثبت الفرسان ويكبر تكبيرا أنكى في العدو .وحدثوا أنهم رأوا منه في فتح عكة أمورا من الشجاعة يعجز الواصف عن وصفهاقالوا ولقد كان السبب في تملك المسلمين إياها بفعله ومشورته وحسن نظره .[2] وعن شجاعة الشيخ وبأسه عند قتال الكفار يقول أمير من أمراء الشام ذو دين متين وصدق لهجة معروف في الدولة قال قال لي الشيخ يوم اللقاء ونحن بمرج الصفر وقد تراءى الجمعان يا فلان أوقفني موقف الموت ، قال فسقته إلى مقابلة العدو وهم منحدرون كالسيل تلوح أسلحتهم من تحت الغبار المنعقد عليهم .ثم قلت له يا سيدي هذا موقف الموت وهذا العدو قد أقبل تحت هذه الغبرة المنعقدة فدونك وما تريد قال فرفع طرفه إلى السماء وأشخص بصره وحرك شفتيه طويلا ثم انبعث وأقدم على القتال وأما أنا فخيل إلي أنه دعا عليهم وأن دعاءه استجيب منه في تلك الساعة قال ثم حال القتال بيننا والالتحام وما عدت رأيته حتى فتح الله ونصر وانحاز التتار إلى جبل صغير عصموا نفوسهم به من سيوف المسلمين تلك الساعة وكان آخر النهار قال وإذا أنا بالشيخ وأخيه يصيحان بأعلى صوتيهما تحريضا على القتال وتخويفا للناس من الفرار .فقلت يا سيدي لك البشارة بالنصر فإنه قد فتح الله ونصر وها هم التتار محصورون بهذا السفح وفي غد إن شاء الله تعالى يؤخذون عن آخرهم .قال فحمد الله تعالى وأثنى عليه بما هو أهله ودعا لي في ذلك الموطن دعاء وجدت بركته في ذلك الوقت وبعده .[3] معركة شقحب لقد أبلى الإمام ابن تيمية في الجهاد بلاءً حسناً ومن أهم المعارك التي أبل فيها تلك المعركة التي ندبه العسكر الشامي أن يسير إلى السلطان يستحثه على السير إلى دمشق فسار إليه فحثه على المجيء إلى دمشق بعد أن كاد يرجع إلى مصر فجاء هو وإياه جميعا فسأله السلطان أن يقف معه في معركة القتال فقال له الشيخ السنة أن يقف الرجل تحت راية قومه ونحن من جيش الشام لا نقف إلا معهم وحرض السلطان على القتال وبشره بالنصر وجعل يحلف بالله الله لا إله إلا هو إنكم منصورون عليهم في هذه المرة فيقول له الأمراء قل إن شاء الله فيقول إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا وأفتى الناس بالفطر مدة قتالهم وأفطر هو أيضا وكان يدور على الأجناد والأمراء فيأكل من شيء معه في يده ليعلمهم أن إفطارهم ليتقوا وعلى القتال أفضل فيأكل الناس وكان يتأول في الشاميين قوله إنكم ملاقوا العدو غدا والفطر أقوى لكم فعزم عليهم في الفطر عام الفتح كما في حديث أبي سعيد الخدري .[4] قالوا عن ابن تيمية قال صاحب العلام العلية كان من أشجع الناس وأقواهم قلبا ما رأيت أحدا أثبت جأشا منه ولا أعظم عناء في جهاد العدو منه كان يجاهد في سبيل الله بقلبه ولسانه ويده ولا يخاف في الله لؤمة لائم .[5]كان من بحور العلم ومن الأذكياء المعدودين والزهاد الأفراد والشجعان الكبار والكرماء الأجواد [6]

    وفاة ابن تيمية توفي ابن تيمية في شهر ذي القعدة سنة ثمان وعشرين وسبعمائة وقد اتفق موته في سحر ليلة الاثنين فذكر ذلك مؤذن القلعة على المنارة بها وتكلم بها الحراس على الأبرجة فما أصبح الناس إلا وقد تسامعوا بهذا الخطب الجسيم فبادر الناس إلى الاجتماع حول القلعة من كل مكان أمكنهم المجيء منه حتى من الغوطة والمرج ولم يطبخ أهل الأسواق شيئا ولا فتحوا كثيرا من الدكاكين التي من شأنها أن تفتح أوائل النهار على العادة وكان نائب السلطة قد ذهب يتصيد في بعض الأمكنة ثم ذكر ابن كثير صفة غسله وحمله والصلاة عليه والناس في بكاء وتهليل في مخافة كل واحد في نفسه وفي ثناء وتأسف والنساء فوق الأسطحة من هناك إلى المقبرة يبكين ويترحمن، وكان يوما مشهودا لم يعهد مثله بدمشق ولا يمكن أحد حصر من حضر الجنازة .[7] وهكذا مضت حياة ابن تيمية بعد أن عاش مجاهدًا بلسانه وبقلمه وبيده ، ليلحق بركب المجاهدين في الجنة ، ويكون مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا .


    المصادر : [1] ابن كثير: البداية والنهاية 14/135.[2] الأعلام العلية 1/67: 68.[3] العقود الدرية 1/193: 194.[4] البداية والنهاية [ جزء 14 - صفحة 26 ][5] الأعلام العلية : السابق .[6] تذكرة الحفاظ 4/1497 .[7] الشهادة الزكية 1/63 .
    -- .

صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. مكانة المجاهدين فى المسلمين
    بواسطة رضا البطاوى في المنتدى فرسان الإسلام العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 03-18-2014, 05:49 PM
  2. شيخ المجاهدين : عمر المختار
    بواسطة سامي العبيدي في المنتدى فرسان الأبحاث التاريخية
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 03-16-2011, 06:29 PM
  3. حصاد المجاهدين 2007
    بواسطة بنان دركل في المنتدى فرسان المآثر والمنجزات.
    مشاركات: 42
    آخر مشاركة: 09-24-2007, 05:38 AM
  4. جهاد الليزر .. متى يصل إلى المجاهدين؟
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان المآثر والمنجزات.
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 04-14-2007, 04:18 AM
  5. ملف خاص بسجل المجاهدين
    بواسطة بنان دركل في المنتدى فرسان العائلات العربية والتراث.
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 02-01-2007, 06:19 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •