رسائل الأدبية بين النشر والإتلاف

بقلم: سعد بن عايض العتيبي
..........................

الرسائل الأدبية فن من فنون الأدب ازدهر في أوائل القرن المنصرم ، وكانت الرسالة قطعة أدبية ؛ لأن الأديب يكتبها وهو في حالة صفاء ذهني ، فتنثال عباراته الأنيقة وهو في غاية التجويد والإتقان .
وللأسف فإن هذا الفن الجميل فقد بريقه وأوشك على الاندثار بسبب التقدم المذهل في وسائل الاتصال الحديثة من حاسوب وإنترنت وجوال وغيرها .
ولعل أبسط تعريف للرسالة الأدبية هي ( نص نثري سهل ، يوجه إلى إنسان مخصوص ويمكن أن يكون الخطاب فيها عاما ، فهي صياغة وجدانية حانية مؤنسة ، وفي عتاب رقيق يظهر النجوى أو الشكوى ، ويبوح بما في الوجدان من أحاسيس وأشجان ، وتتوارد الخواطر فيه بلا ترتيب ولا انتظام ، لتغدو الرسالة إن قصرت أو طالت قطعة فنية مؤثرة دافعة إلى استجابة المشاعر لها ، وقبولها ما باحت به ) . (1)
وأحسب أن من أشهر الرسائل الأدبية في العصر الحديث هي الرسائل المتبادلة بين الأستاذ مصطفى صادق الرافعي وتلميذه محمود أبورية رحمهما الله ، فقد امتدت المراسلة بينهما أكثر من عشرين عاما في الفترة ( 1912- 1934 ) ، وقد عمد الأستاذ أبورية بعد رحيل أستاذه الرافعي إلى نشر تلك الرسائل في كتاب بعنوان " من رسائل الرافعي " صدرت طبعته الأولى عام 1950م ، ثم أعاد طبعه عام 1969م بعد أن أعاد ما حذفه في الطبعة الأولى من عبارات جارحة كان قد كتبها الأستاذ الرافعي في بعض حالات ضيقه وتبرمه من الناس والحياة .
وقد أحسن أبو رية صنعا حينما طبع تلك الرسائل الثمينة في كتاب حفظها من الضياع أو الاندثار ، فبقيت شاهدا على بلاغة وأسلوب الرافعي الذي أفاض في الحديث عن أسرار حياته وأحوال معيشته ، ومؤلفاته المطبوعة والمخطوطة ، عدا حديثه عن خصوماته مع بعض أدباء عصره .
ومن أسف أن ما نشر من رسائل الأدباء يعد ضئيلا إذا ما قيس بما لم يتم نشره ؛ لأن تلك الرسائل تنطوي على أسرار لا يجوز إفشاؤها لما يسببه نشرها من حرج لمرسلها ، علاوة على أن معظم الأدباء يرون أن نشر المؤلفات وتدبيج المقالات أهم من نشر الرسائل التي قد تجلب لهم بعض المشكلات مع أصدقائهم ، ولا تعود بالفائدة على القارئ .
هناك من يرى أن تعدم الرسائل الأدبية باعتبارها " أوراقا خاصة " من هذا الفريق الأستاذ وديع فلسطين ، يقول : ( مذهبي الذي لا أتنكبه أن البريد الأدبي حتى وإن تناول شؤونا و شجونا عامة ، هو في النهاية مكاشفة شخصية بين صديقين لها خصوصيتها الحميمة ، التي لا يسعني تلقاء ها إلا الدعوة إلى طي هذا البريد ودفنه بإكرام ) . (2)
وهناك من يرى غير هذا الرأي وهو الأديب الأستاذ نقولا يوسف ( 1904- 1976 ) يقول : ( لا ، ولست من القائلين بإعدام هذه الرسائل باعتبار أنه لم يقصد بها النشر ، فهي بعض من آثارهم لا يقل قيمة عن ملابسهم المحفوظة في المتاحف مثلا ، ومازلت أرى في نشر ما لدي من رسائل الأدباء فوائد أدبية للدارسين والنقاد والقراء جميعا ) . (3)
في الحقيقة لا يمكن استقصاء كل ما نشر من رسائل الأدباء على الصعيد العربي في العصر الحديث ، لكن سأشير إلى أبرز الرسائل الأدبية التي جمعت في كتب أو نشرت من خلال الصحف والمجلات :
"من رسائل الرافعي" نشرها تلميذه محمود أبو رية ، " رسائل أحمد تيمور باشا إلى العلامة الكرملي " نشرها وحققها كوركيس عواد وميخائيل عواد " ، " رسائل جبران " نشرها جميل جبر , " رسائل أمين الريحاني " نشرها ألبرت الريحاني ، " الريحاني ومعاصروه " نشرها ألبرت الريحاني ، " رسائل مي زيادة وأعلام عصرها " نشرتها سلمى الحفار الكزبري ، " رسائل جبران إلى مي زيادة ( الشعلة الزرقاء ) " نشرتها سلمى الحفار الكزبري والدكتور سهيل بشروئي .
" رسائل محمد كرد علي إلى الأب أنستاس ماري الكرملي " حققها وعلق على حواشيها الأستاذ حسين محمد العجيل ، " رسائل بدوي الجبل " نشرها صديقه الأستاذ أكرم زعيتر " ، " من رسائل العقاد " نشرها الأستاذ محمد محمود حمدان ، " رسائل الخليل " وهي الرسائل التي تلقاها من بعض أدباء عصره ، نشرها نجله الأستاذ عدنان مردم ، " رسائل بدر شاكر السياب " نشرها الأستاذ ماجد السامرائي ، " وثائق من كواليس الأدباء " نشرها الأستاذ توفيق الحكيم ، " رسائل عبد الكريم جرمانوس إلى الناعوري " نشرها الدكتور عيسى الناعوري ، وصدرت ضمن مطبوعات المجمع العلمي الهندي .
" رسائل الأديب عمر فاخوري " صدرت عن دار الآفاق الجديدة ، " رسائل أنورالمعداوي إلى فدوى طوقان " نشرها الأستاذ رجاء النقاش والدكتور علي شلش ، " رسائل غسان كنفاني " نشرتها غادة السمان ، " رسائل نزار قباني " نشرتها سلمى الكزبري ، " رسائل نازك الملائكة إلى عيسى الناعوري " نشرها وحققها تيسيرالنجار ، " رسائل الشابي إلى صديقيه محمد الحليوي والبشروش " نشرها الأستاذ أبو القاسم محمد كرو ، " رسائل طه حسين ومعاصروه " نشرها نبيل فرج ، " الرسائل التي تلقاها إبراهيم العريض من بعض أدباء عصره " نشرها بنفسه قبيل رحيله ، " الرسائل المتبادلة بين إبراهيم اليازجي وقسطاكي الحمصي " نشرها الدكتور كميل حميش ، " الرسائل التي تلقاها الأستاذ محمد عمر توفيق من أصدقائه الأدباء " نشرتها جامعة أم القرى ضمن أعماله الكاملة ، " رسائل الشاعر إبراهيم طوقان إلى شقيقته فدوى " نشرها المتوكل طه ، " رسائل حمزة شحاته " نشرتها كريمته شيرين شحاته ، " رسائل جبرا إبراهيم جبرا " نشرها تلميذه الدكتور عيسى بلاطة مع بعض الصور النادرة لجبرا تمثله في شبابه وكهولته ، " رسائل الدكتور أحمد زكي أبو شادي " نشرها العلامة روكس بن زائد العزيزي ، " رسائل أرملة الشاعر إلياس أبو شبكة " نشرها عبد الخالق فريد .
" رسائل نزار قباني " نشرها الأستاذ عبد الله الجفري ضمن كتابه " نزار قباني .. أخر سيوف الأمويين الذهبية " ، والصادر عن دار النور ببيروت .
رسائل جميل صدقي الزهاوي " نشرها في مجلة " الكاتب المصري " أحمد محمد عيش ، " رسائل عبد الرحمن شكري إلى نقولا يوسف " نشرها في مجلة " الأدب " الأستاذ نقولا يوسف ، " رسائل نظير زيتون " نشرها في مجلة " الأديب " الدكتور فوزي عطوي ، " رسائل نقولا يوسف " نشرها في مجلة " الأديب " الأساتذة : وحيد الدين بهاء الدين ، إيليا حليم حنا ، رياض نصور ، أحمد حسين الطماوي ، " رسائل الشاعر جورج صيدح " نشرها في مجلة " الأديب " عبد السلام العجيلي ، فوزي عطوي ، عيسى فتوح ، عبد الرزاق الهلالي ، " رسائل نزار قباني " نشرها في مجلة " الآداب " صديقه الدكتور سهيل إدريس " ، " رسائل الزيات " نشرها في مجلة " مصر " الدكتور محمد جاد البنا ، " رسائل الأستاذ إبراهيم المصري " نشرها في مجلة " الأديب " الدكتور حسين علي محمد ، " رسائل الناعوري " نشرها في مجلة " الدوحة " الصحافي أسامة فوزي ، " رسائل سعيد كردي " نشرها في مجلة " الفيصل " صديقه الأستاذ يوسف الشاروني ، " الرسائل المتبادلة بين أحمد زكي باشا والكرملي " نشرها في مجلة " المورد " حكمت رحماني ، رسائل الشاعر محمد عبد الغني حسن " نشرها في صحيفة " المسائية " الدكتور حسين علي محمد ، " رسائل الدكتورة سهير القلماوي إلى الدكتور طه حسين " نشرها في مجلة " المصور " إبراهيم عبد العزيز ، " رسائل نزار قباني إلى صافي ناز كاظم " نشرتها في مجلة " نصف الدنيا " سناء البيسي ، " رسائل شفيق معلوف " نشرها في مجلة " الأديب " وحيد الدين بهاء الدين ، " رسائل الأستاذ سيد قطب إلى الأستاذ وديع فلسطين " نشرتها في مجلة " الهلال " صافي ناز كاظم ، " رسائل إلياس قنصل " نشرها في مجلة " الأديب " وحيد الدين بهاء الدين ، " الرسائل المتبادلة بين الشاعر معروف الرصا في وبعض أعلام عصره " نشرها وحققها في مجلة " المورد " عبد الحميد الرشودي ، " رسائل الدكتور علي جواد الطاهر " نشرها في مجلة " عالم المخطوطات والنوادر " جليل إبراهيم العطية ، " رسائل الأستاذ ميخائيل نعيمه " نشرها في مجلة " المنتدى " الدكتور عبد الكريم الأشتر ، " رسائل البدوي الملثم " نشرها في مجلة " الأديب " الأستاذ عيسى فتوح .
والواقع أنني بدوري كنت ومازلت من هواة المراسلة ، وقد راسلت عشرات الأدباء داخليا وخارجيا ، بعضهم انتقل إلى رحمة الله ، أذكر من تلك الأسماء مع حفظ الألقاب : عبد السلام العجيلي ، وديع فلسطين ، محمد رجب البيومي ، يوسف عز الدين ، خليل إبراهيم الفزيع ، عبد الغني العطري ، محمد عبد المنعم خفاجي ، عبد الله أحمد شباط ، حلمي القاعود ، زكي قنصل ، عبده بدوي ، أحمد الطماوي ، عبد اللطيف الأرناؤوط ، نور الدين صمود ، مدحت عكاش ، عبد الكريم الأشتر ، عبد الرحمن شلش وغيرهم .
وقد تلقيت من الأستاذ وديع فلسطين وحده أكثر من مائتي رسالة أدبية تقع في الفترة من ( 1995- 2006 ) ، وهي تعد ثروة فكرية لا تقدر بثمن .
والحقيقة أن هذه الرسائل وهي بخطوط أصحابها أشبه بندوة أدبية ، فهي زاخرة بأخبار الحركة الثقافية في الوطن العربي ، مثل : صدور الكتب الجديدة ، وافتتاح مهرجان الجنادرية ، أو معرض القاهرة الدولي للكتاب ، أو انعقاد دورة مجمع اللغة العربية بالقاهرة ، أو افتتاح مهرجان قرطاج السينمائي ، أو انتقال أحد الأدباء أو الشعراء إلى الرفيق الأعلى ، كما أنها لا تخلو من بعض المعلومات عن أحوال الطقس ، وارتفاع أجور البريد ، أو فقدان الرسائل . عدا الحديث عن الجوائز الأدبية التي تمنح لبعض الأدباء والشعراء ، مثل : جائزة الملك فيصل العالمية ، وجائزة سلطان العويس ، وجائزة الشاعر الأستاذ محمد حسن فقي وغيرها .
ويجد القارئ مع هذه الأسطر بعض النماذج من الرسائل التي تلقيتها من بعض الأدباء والشعراء ، وهي من أصل 1200 رسالة أحتفظ بها في أرشيفي الخاص .
وليت إحدى دور النشر الكبرى تعمد إلى تخصيص إحدى سلاسلها لنشر رسائل الأدباء ؛ لأن بعضهم بحوزتهم الكثير من الرسائل ولا يجدون ناشرا لها ، وقد أخبرني الأستاذ عيسى فتوح أن لديه ( 326 ) رسالة تلقاها من الدكتور عيسى الناعوري ، وهي مرتبة حسب تواريخها كما أن لدى الأستاذ فريد جحا نحو ( 170 ) رسالة من الشاعر جورج صيدح ، والأمثلة كثيرة .
______________
( 1 ) د . محمد العوين ، المقالة في الأدب السعودي الحديث ، ط1 ، الرياض : مطابع الشرق الأوسط ، 1412هـ 1992م ، ص243
( 2 ) مجلة الفيصل ، ع 197 ، ذو القعدة 1413هـ ، ص7
( 3 ) مجلة الثقافة ، ع 95 ، أغسطس 1981م ، 87

سعد بن عايض العتيبي
ص ب 2935 الرياض 11461
جوا ل 0500601712