منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 4 من 4
  1. #1
    Moderator
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    فلسطين - رام الله
    المشاركات
    355

    البشرية بين حَصانتين ...... فكيف يقوى عليها شياطين الثقـلين ؟!

    لم يخلق الباري جلّ شأنه الخلق سدى ، ولم يَدَعهم عُرضة لتتخطفهم شياطين الإنس والجن ، فتنحدر بهم في مهاوي الردى !
    فكان أن عجّل لهم مولاهم بادئ ذي بدء فضرب عليهم حصانة ربانيّة نفسيّة فطرية ، كمنت في نفوسهم ، واستقرت في قلوبهم ، حصانة تشدّهم إلى خالقهم ؛ إنها الفطرة { فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيّم ولكن أكثر الناس لا يعلمون } ( الروم 30 ) وتلك الحصانة أودِعَت فيهم وهم أجنّة في بطون أمهاتهم ، فولدوا عليها وبقيت لهم الهاديَ النفسيّ والباعثَ الداخليّ الذي يشدّهم إلى خالقهم بطريقة تلقائية ميسورة ، كيف لا وقد وُلِدوا متحصنين بها( كلّ مولود يولد على الفطرة ) (متفق عليه) وفي الوقت نفسه أودع فيهم خالقهم تبارك وتعالى باكورة حصانة فكريّة تنمو بنموّهم ، وتنضج بنضج عقولهم ، فتترسّخ فيهم يوماً بعد يوم ، كلّما امتدت بهم الحياة ؛ إنها الملكة العقليّة والقوّة الفكريّة التي حباهم ربّهم إياها ، والتي بمجرّد أن يستخدموها حقّ استخدامها تهديهم سبلهم ، وتوثّق صلتهم بخالقم ، ليصبح بذا كلّ مخلوق من بني آدم يرفل في دوحة حصانتين .
    ومن لطائف صنع الباري فينا أن عجّل لنا بتلكم الحصانة النفسيّة ! وما ذاك إلا لأن قوانا الفكريّة وملكاتنا العقلية تنمو شيئاً فشيئاً ، فكانت تلك الصيغة الشعورية التي تربطنا بخالقنا منذ صغرنا ، حتى إذا تفتّحت ملكاتنا العقلية ونضجت انضمت الحصانة الفكرية إلى الحصانة النفسية الفطرية ، فأضفت علينا صبغة ربّانية كاملة ، وزادتنا من نور الهداية في أنفسنا قبساً على قبس ، فانظر إلى آثار عناية الله بنا ، كيف جعل قلوبنا تتعلّق به منذ صغرنا ، لتتوّج هذه العناية بتعلّق عقولنا بخالقها حين نحسن استعمالها ! وبذا أعذر الله للخلق ، إذ ربطهم بحقيقة الوجود وبالحق من عروته الوثقى !
    غير أن هاتين الحصانتين الربّانيتين تظلان عرضة للاستهداف من شياطين الإنس والجنّ على السواء ؛ فبينما شياطين الجنّ تلاحقنا لرفع الحصانة الفطريّة عنّا منذ صغرنا كما أخبر الصادق المصدوق – عليه الصلاة والسلام – فيما يرويه عن ربّه في الحديث القدسيّ : (خلقت عبادي حنفاء كلّهم فأتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم ) ( مسلم ) وكذا الحصانة الفكرية تظلّ عرضة للاستهداف من شياطين الإنس ؛ الضالّين المضلين ، والشاكّين المشكّكين ، { وكذلك جعلنا لكلّ نبيّ عدواً شياطين الإنس والجن ّ يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا }(الأنعام112)
    أما مَثل شياطين الإنس فحسبنا فيه فرعون ، فقد غدا مثلاً يُضرب لكلّ من غرّه جاهه وأطغاه سلطانه ، فتجده مرة يُلبس نفسه أمام من يسوسهم لَبوس الربوبيّة حين يقول لهم : ( أنا ربّكم الأعلى } (النازعات 24) وتارة أخرى يلقي على نفسه بثوب الألوهيّة فيقول : { يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري } (القصص38) فهو استخفاف مبين مهين بعقول أمّة { فاستخف قومه فأطاعوه } (الزخرف54) والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق : كيف يستخف طاغية بعقول شعب بأكمله ؟! بل وكيف تروج مثل هذه الأباطيل على عقول أمّة ؟ وأين كانت الحصانتان الربانيّتان وقتئذ ؟! الجواب على هذا السؤال المحيّر يأتي في قوله تعالى : { فاستخف قومه فأطاعوه ، إنهم كانوا قوماً فاسقين }(الزخرف54) أجل هذه هي العلّة ( إنهم كانوا قوماً فاسقين) فبفسقهم ابتداءً خسروا ما حباهم ربّهم من حصانة فكريّة ؛ فطمست بمعاصيهم ملكاتهم الذهنية ، وشُوّهت بإسرافهم على أنفسهم قدراتهم العقلية ، فعطّلوا حصانتهم الفكريّة كفراناً بهذه النعمة الربانية الكبرى ، وعلى صعيد آخر ذبلت بفسقهم حصانتهم الفطرية بعد أن كانت خضرة يانعة ! وتلك سنّة ربانيّة جارية ؛ فمن تردّى في غياهب المعاصي والآثام ، وانزلقت به قدماه في دوّامة الظلم والظلاّم فَقَدَ من حصانته الفكريّة التي حباه الله إياها بمقدار انزلاقته ، وذبلت فيه الحصانة الفطرية ما دام منغمساً في خطيئته ! ثمّ الناس في ذلك بعدئذٍ بين مستقلّ ومستكثر ! وقد قرّر لنا القرآن الكريم هذه السنّة بقوله { إن الذين تولّوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا } (آل عمران155) فالباء هنا سببيّة ؛ أي : حصل هذا الاستزلال وأضحى للشيطان - سواء أكان هذا الشيطان من شياطين الجنّ أم الإنس - عليهم سبيلا ، بسبب بعض ما كسبوه ، فكيف بمن أسرف على نفسه متجاوزاً هذا البعض إلى الكلّ؟ أي : أصبحت حياته كلها بحركاتها وسكناتها وعزماتها وصولاتها وجولاتها منغمسة في مساخط الله تعالى ، بانتهاك حرماته ، وإيذاء الخلق الذين هم عيال الله تعالى ، والتنكيل بهم ؟! لا شك أنه ذهب في الاستزلال مذهباً بعيداً !
    وليس من نافلة القول أن أستطرد قليلا بهذا الصدّد فأقول : قد دلّنا خالقنا عزّ وجل على ما يصون هذه الحصانة الفكرية وينمّيها فقال عز مِن قائل : { إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً } (الأنفال 29) أي : يجعل لكم مَلَكة عقليّة متّقدة تميّزون بها الغثّ من السمين ، وتفرقون بها الحق من الباطل ... فامتثل ذلك من امتثل، وعَدَل عن ذلك مَن عَدَل!
    وإلا : فأيّ عقول تلك التي ترتضي أن يكتب عليها التاريخ ، ويسجّل عليها الزمان أن مقولة طائشة مثل هذه ( أنا ربكم الأعلى ) قد خامرت عقولها ، وأن فِرية سخيفة مثل هذه ( ما علمت لكم من إله غيره ) راجت عليها ، بل واجترأ صاحبها ابتداء أن يُلقي بها بين أظهرهم ؟؟!! فهل وصل الاستخفاف بالعقول عقول الشعوب إلى هذا الحدّ ؟!
    ومنخول القول في هذا يُستشفّ ويُستقى من قوله تعالى : { فألهمها فجورها وتقواها } (الشمس8) فالنفس الإنسانيّة - ومن باب الابتلاء - فيها نزعات للخير، ونزغات للشر ، فإلى أيّ وجهة منهما ولّى صاحبها وجهه ، ووظّف جهده هيمنت على سلوكه ماهية الوجهة التي انحاز إليها فاصطبغ بها ؛ إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر ، وقد أعذر خالق النفس وباريها إلى كلّ نفس حين سيّجها بحصانتين : الحصانة الفطرية ، والحصانة الفكريّة ، لا سيما إذا علمنا أن الحصانة الفكرية إن لوّثها صاحبها بالشبهات انتكست واعتراها الخمول ، وكذا الفطرة الإنسانيّة - محضن الحصانة الفطرية – إن لوّثها صاحبها بالشهوات فإنها لا تموت لكن يمسّها الذبول ! حتى إذا ما سُقيت بماء المكرمات والطاعات والعبادات ترعرعت ونمت من جديد باسقة نضرة .
    ومن هنا : فأيّما نفس فعّـل فيها صاحبُها هاتين الحصانتين رست به على برّ الإيمان والأمان ، وإن هيّ عطـلت إحدى هاتين الحصانتين أو كلاهما تهاوت إلى دركات الشقاء ، وانفرط عقد رصانتها وعقلانيتها وحصافتها انفراطاً ما له من فواق !

  2. #2
    حقيقة اثرت موضوعا هاما كنت ابحث عنه وقد لفت نظري مصطلحي الحصانة الفكرية والنفسية..
    اجدت واحسنت وسوف ابحث عن تتمة وداعم للنص فهو حمال شروح..
    الف تحية
    http://www.omferas.com/vb/showthread.php?34620-الحصانة-الذاتية-في-مواجهة-سلبيات-التقنية&p=143072#post143072
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  3. #3
    بسم الله الرحمن الرحيم
    السلام عليكم أخي في الله د.عيد دحادحة , أكبر فيك هذا الفكر المتوقد , وأسأل الله أن يفتح عليك بالمزيد , لقد أعجبني غاية الإعجاب ما طرحته هنا , حصانة فكرية , حصانة فطرية , حصانة نفسية , هذه مصطلحات راقية بحق , إنّها كلمات طيبات , لعلّها تكون مثمرة ونافعة لعباد الله . لك محبتي في الله ما دمنا أحياء وأسأل الله لك الوقاية من سوء .
    وما بكم من نعمة فمن الله

  4. #4
    Junior Member
    تاريخ التسجيل
    Sep 2011
    الدولة
    ادنبرة
    المشاركات
    11
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
    أنا أيضاً ممن أعجبهم هذا الطرح المبدع والمصطلحات المؤثرة المعبرة ،وشدني لقراءته أكثر من مرة،سلم فكرك وسلمت يداك.
    أم أحمد

المواضيع المتشابهه

  1. أعورا يقود أعمشا
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى حكايا وعبر
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 09-25-2018, 08:58 AM
  2. فكيف لو نظر إلينا الخالق !!
    بواسطة د.إيهاب الدالي في المنتدى حكايا وعبر
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 04-29-2017, 06:53 AM
  3. لن نبقَ شياطين خرس
    بواسطة مصطفى إنشاصي في المنتدى فرسان المواضيع الساخنة.
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 07-28-2013, 01:28 PM
  4. ‎كيف أقوي المراقبة في نفسي ؟
    بواسطة عبد الرحمن سليمان في المنتدى فرسان الإسلام العام
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 03-17-2011, 09:38 PM
  5. ما بعد غزة.. من يقود الأمة؟
    بواسطة جريح فلسطين في المنتدى آراء ومواقف
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 01-24-2009, 07:40 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •