:
-الحاجة فالمنكر لوجود الله أو المشرك به لا يعرف ربنا إلا وقت زنقه أى
وقت الشدة كركوبه البحر والتعرض للغرق ومن أمثلة ذلك إيمان فرعون عند
الغرق وكل ملحد يقرأ هذا الكلام عليه أن يسأل نفسه وحده ماذا قلت عندما
مرضت واشتد ألمى أو ممن طلبت المال عندما كان ليس لدى مال وقفلت فى وجهى
كل الأبواب أو من أنقذنى من الغرق فى البحر ..إلخ تلك المصائب التى يمكن
أن تحيق بالإنسان ولا يجد ملجأ سوى أن يطلب من الله أى القوة المسيطرة
على الكون وفى هذا قال تعالى "أمن يجيب المضطر إذا دعاه "
-الأولية فكل شىء فى الكون له أول وعلى كل ملحد أن يذكر لى شىء واحد فى
الكون لم يكن له أول وهم يعترفون بذلك من خلال النظريات التى اخترعوها عن
بداية الكون كالانفجار العظيم حيث كان الكون عبارة عن بيضة بها طاقة
هائلة انفجرت نتيجة الضغط الشديد
- نظرية الاحتمالات فطبقا لتلك النظرية توجد عدة احتمالات متساوية أولها
هو وجود خالق أو عدة خالقين وثانيها عدم وجود خالق وكلا الاحتمالين
متساويين ولا مرجح لهما فى النظرية وطبقا لنظرية الاحتمالات لا يمكن
للكون أن ينشأ بهذه الصورة أبدا دون خالق مبدع فلو أخذنا شىء بسيط مثل
وجه الإنسان وقلنا كم عملية يحتاج للخروج بهذا المنظر عينين تحتهما أنف
تحته فم وحولهم وجنات لوجدنا أن هذا التتابع يحتاج لمليارات المليارات من
العمليات لكى يخرج للوجود أو لا يخرج
-إن علم الرياضيات دال على وجود الله فالواحد أول الأعداد يدل على وجود
أول خالق هو الله والنقطة أول الخط دالة على نفس الأمر فهذا العلم يبين
وجود أول لكل شىء ومن ثم طبقا لهذا العلم فهناك خالق هو الأول هو الذى
خلق الكون
- يقول القوم المادة لا تفنى ولا تستحدث من عدم وطبقا لهذه النظرية فإن
العدم لا ينتج سوى العدم ومن ثم فالكون لابد له لكى ينشأ من وجود سابق
عليه وهذا الوجود هو الخالق هو الذى خلق المادة وسوف نسير مع القوم فى
نظريتهم ونقول أن الله مادة – وهو ليس بمادة – وهو الذى خلق المادة التى
منها الكون.
-إن معنى الإله غير موجود هو أن يكون نظام الكون واحد حتى لا يكون هناك
ظلم لأن المادة لا تحابى ولا تميز ومن ثم كانت ستنشىء الكون بطريقة
واحدة متشابهة ليس فيها هذا التنوع فى الخلق ما بين كبير وصغير وأسود
وأبيض ومريض وصحيح ولكننا لا نجد هذا موجودا وإنما نجد الاختلاف والتنوع
الدال على وجود إله خالق أراد شيئا من وراء عملية الخلق
-لا إله تعنى لا قانون فلماذا يتعامل المنكرون لوجود الله بقانون ؟
هذا جنون لأن عدم وجود إله يعنى عدم وجود قانون يفصل بينهم فصلا عادلا
والدليل أنهم يغيرون القوانين باستمرار والغريب أن من ينكر وجود الخالق
يقول إنه يحيا على مبادىء فكيف يحيا على مبادىء سواء كانت سليمة أو
خاطئة؟ وأصلا لا توجد مبادىء لعدم وجود محدد أى خالق لها ومن ثم فهم
يناقضون أنفسهم عندما يدعى كل واحد منهم انه يسير على مبادىء سواء سماها
أخلاق أو دين أو غير ذلك
-لا يوجد إله إذا لا يوجد حوار بين الناس والمنكرون الطالبين للحوار
مجانين
إن المنكرون لوجود الخالق يطلبون ممن يؤمنون بالخالق أن يحاوروهم فعلاما
نتحاور إذا كان عدم وجود الإله يعنى عدم وجود قانون يحدد شكل الحوار ؟
ولماذا يتم التحاور من الأساس إذا كان أساس الحياة عندهم عدم وجود قانون
لعدم وجود إله
إن المنكرون عندما نقول لهم للكون خالق فهم يتهموننا بأن الخالق المزعوم
لنا ظالم عندما جعل واحد عمره طويل وأخر عمره قصير فمن نتهم عندما يكون
أحدنا مريض والأخر سليم والسؤال لهم من نتهم بهذا الظلم فى حالة عدم
الخالق ؟
إن الخالق خلق الناس على تلك الأحوال ابتلاء لهم حتى يحاسبهم فى الأخرة
فيثيب المطيع له ويعاقب العاصى له
- لكل شىء فاعل وكما قالوا قديما :البعرة تدل على البعير وأثر السير يدل
على المسير فإن الكون بما فيه يدل على وجود خالق له
-إن مصيبة المصائب هى أن المنكر للخالق لن يصدق بوجود الإله إلا عند نزول
العذاب عليه لأنه لا يدع لنفسه فرصة للتفكير فى وجود الخالق ومثال هذا ما
حدث مع فرعون عندما أمن بالله وهو يغرق
- من العجيب أن المنكرون للخالق لم يشهدوا بداية الكون فكيف يحكمون على
شىء لم يشاهدوه وهم كما يقولون لا يؤمنون إلا بما جربوه وشاهدوه بأنفسهم
-إذا بدأنا من البداية سنجد أحد فرضين الأول وجود خالق والثانى عدم وجود
خالق والأول صحيح لأنه من الوجود يأتى وجود أخر بينما العدم وهو عدم
الوجود يظل عدم ونقصد أن اللاشىء لا ينتج شىء لأنه يظل كما هو لا شىء
-لو فرضنا أن الكون وجد دون خالق أى إنه كما يقال قديم وأزلى ستقابلنا
مشاكل أهمها أن القديم مهما بلغ من القدم له بداية كما أن كل شىء فى
الكون له بداية فالإنسان أى إنسان وجد بعد أن لم يكن موجودا والدجاجة
وجدت بعد أن لم تكن موجودة ................ولو ظللنا نضرب أمثلة سنسود
آلاف الصفحات فكل الأشياء الموجودة فى الكون لم يكن لها وجود ثم أصبح لها
وجود ومن هنا نعلم أن الكون لابد له من بداية وهذا يعنى أنه كان بعد أن
لم يكن فماذا كان قبله ؟لابد أنه موجد الكون
-أن افتراض عدم وجود خالق يعنى أن الظلم الموجود فى العالم سابقا وحاليا
ومستقبلا ليس له حل وأن المظلوم مثل المصاب بعاهة أو بمرض أو
فقر......... سيموت مظلوما ولن يجد من ينصفه من تلك الطبيعة التى لم
تساويه بالأخرين إذا مشكلة الظلم لن تحل فى ظل عدم وجود إله بينما وجود
الإله يعنى وجود حل عادل للمشكلة من خلال الحساب الأخروى
-أن الكون لو لم يكن له إله لسار على قوانين أخرى غير ما فى الكون الحالى
حتى لا يكون ظلم وكما قيل المادة غير عاقلة فهى لا تفهم فى مشكلة الظلم
ومن ثم كانت ستوجد الخلق كلهم على شاكلة واحدة ولن يختلفوا
-إن عدم وجود إله يعنى الفوضى الشاملة فلا توجد قوانين لأن القوانين لا
يضعها سوى القوة العليا وما دام ليس للكون أى قوة عليا فمن ثم لن يكون فى
الكون أى نظام تسير عليه الكائنات الموجودة فكل واحد يفعل ما يحلو له
ولكننا لا نجد هذه الفوضى فكل شىء مرتب يسير على قوانين منظمة بحيث أن
أنواع المخلوقات لا تفنى ونجد كل شىء يسير فى مجاله المعتاد
-إننا والكائنات بعامة نخضع لنواميس جبرية لا نستطيع أن نغيرها كالموت
وعمل أجهزة الجسم مما يعنى أننا عبيد لقوة أعلى منا هى صاحبة تنفيذ
النواميس الجبرية وهذه القوة هى الإله سواء سماها الأخرون الطبيعة أو غير
ذلك .
-إذا أنكرنا وجود الإله فرضا يكون الإنسان وغيره غير خاضعين لغيرهم وغير
محتاجين لغيرهم ومعتمدين على ذواتهم فى وجودهم واستمرارية الوجود والبقاء
ولكننا نجد الإنسان وغير فقراء للغير محتاجين له فى بدء وجودهم
واستمراريته ودرء الموت عنهم وهذا يعنى وجود قوة عليا هى التى تمد
الإنسان وغيره بما يكفل لهم الوجود واستمراريته
- ماذا يربطنى بك أيها الإنسان؟هل يربطنى بك المكان ؟أو هل يربطنى بك
البيان ؟أو هل يربطنى بك نوع الإنسان ؟
المكان لا يربط بينى وبينك لأنه لا يعرفنى حقى ولا يعرفك حقك إنه صمت
مطبق بينى وبينك وهو من أهم أسباب النزاع بيننا أليس فيه ما تتوق إليه
أنفسنا أنا وأنت ؟أليس فيه الذهب والفضة ؟أليس فيه الطعام والشراب ؟أليس
فيه ما يمتلك ؟وهذه الأشياء كل واحد منا يريد أن يستأثر بأكبر قدر منها .
البيان –أى اللغة-لا يربط بينى وبينك لأنه مجرد كلمات نستخدمها أنا وأنت
حسب هوانا ولأنه محايد أليس نستخدمه لإحداث الحرب بيننا كما نستخدمه
لإحداث السلام بيننا ؟البيان لا يقول لى ولك حقوقك كذا وواجباتك كذا لأنه
مجرد كلمات لأى متكلم أن يرصها حسبما يريد
نوع الإنسان لا يربط بينى وبينك فلا الشكل يجعلنا نعرف الحقوق والواجبات
ولا الطين الذى خلقنا منه يدلنا على كل منها ألسنا رغم وجود شكل واحد لنا
ورغم وحدة المادة التى تكونا منها نتحارب ألسنا رغم وجود وحدة الشكل
والمادة يرغب كل منا فى السيطرة على أخيه ؟
لا يبقى بيننا من رابط سوى الحق أى الدين الإلهى فهو الذى يعرفنا عن طريق
البيان الحقوق والواجبات التى يجب أن نتعامل بها كنوع إنسانى فى كل
مكان ، يربطنى بك الدين فإذا كنت أنت مسلم كنت أنا مرغم على أن أكون
عادلا معك لكى أظل مسلم وكذلك تفعل أنت معى وحتى لو كنت كافرا فأنا مرغم
على أن أكون عادلا معك لكى أظل مسلما ،إن الدين هو الرباط الوحيد بينى
وبينك أيها الإنسان فكلما أردت بك شرا تذكرت أن الدين يحرم فعل الشر
فأتراجع ممتنعا أن أفعل بك ذلك الشر لماذا يكون الدين هو الرباط الوحيد
بيننا ؟لأنه يحدد لنا كيف نتعامل مع بعضنا البعض بحيث لا يضر الواحد منا
الأخر .
-هل نحتاج لوجود الله؟نعم لماذا نحتاج لله أى لماذا يكون وجود الله ضرورة
لازمة لا يستغنى عنها ؟الجواب أسباب كون وجود الله ضرورة لازمة كثيرة
منها :
أن الناس يحتاجون للغات ليتفاهموا مع بعضهم البعض والناس لا يقدرون على
عمل لغة لأنهم – وتلك الحالة لم تكن موجودة ولكنها فرض خيالى- لن
يستطيعوا أن يتفقوا على الألفاظ ومعانيها لأنهم فى تلك الحالة لا يوجد
بينهم وسيلة إتصال للتفاهم فحتى الإشارة لو تفاهموا بها لن تجدى لأن
إشارة مثل رفع إصبعين تعنى النصر أو تعنى العدد 2 وقد تعنى شىء أخر مما
يجعل إيصال المراد شىء بعيد والله هو خالق اللغات ولذا كان وجوده لازما
لكى يقدر الناس على الاتصال والتفاهم من خلال اللغات التى خلقها .
الناس يحتاجون للشريعة لكى يتعاملوا مع بعضهم البعض فلو أن الله ترك
الناس بدون شريعة أو لو لم يكن موجودا لسار كل واحد على هواه ونتيجة ذلك
ستكون هى فناء النوع الإنسانى وذلك لأن الأهواء كلها متضادة ولذا كان
إنزال الشريعة من عند الله وهذا يدلنا على ضرورة وجود الله
لو لم يكن الله موجودا لكان الكون قد فسد منذ أن بدأ لماذا ؟ لأن كل كائن
سيسير على هواه مما سيجعل الكائنات كلها تتصارع لأن كل منها يرى نفسه
الأقوى والأجمل والأفضل ومما سيجعل كل كائن يصنع ما بدا له فمثلا الشمس
تشرق من الغرب أو الجنوب أو الشمال أو تترك مدارها نهائيا لمكان أخر
ومثلا الأرض بدلا من ترك كائناتها تحيا تقتلهم فتغرقهم بالمياه وتضربهم
بالزلازل والبراكين وبدلا من أن تظل كمركز للكون تترك مكانها وتذهب كما
يحلو لها ،إذا وجود الله ضرورة لازمة لكى يخضع كل كائن للقوانين التى
سنها له وذلك حتى ينتظم عمل الكون ويصبح بديعا متناسقا
إن الناس يحتاجون للنبات من أجل الطعام فماذا لو كان النبات قد قرر – فى
حالة عدم وجود الله-ألا يطلع ثمار أو قرر أن يموت نهائيا ؟وكذلك الناس
يحتاجون للحيوان من أجل الطعام فماذا لو قرر الحيوان بكل أنواعه فى البر
والبحر – فى حالة عدم وجود الله- ألا يتناسل أو أن يهاجم الناس أو أن
يجعل نفسه طعاما ساما للناس ؟
إذا وجود الله لازم حتى يرزق الناس وغيرهم لأن لو ترك الأمر للكائن
النباتى أو الحيوانى فسيجعل الأمور تختل لأن كل كائن منها سيمشى على
هواه ،إن الناس يحتاجون للماء فماذا لو قرر الماء أن يتجمد كله أو أن
يتبخر كله ؟طبعا سيموت الناس والكائنات كلها لأن الماء سر الحياة لذا كان
وجود الله لازما لكى لا يتحكم مخلوق فى بقية الخلق فيميتهم ،إن الموت
يأتى على الصغير والكبير وعلى المعافى وعلى المريض ولذا عندما يقال عن
الموت يحدث بأسباب كالمرض والشيخوخة سيكون القول كاذب لأن الموت يأتى على
المعافى والصغير فلو لم يكن الله موجودا لكان أمر الموت مختلفا
إن الناس يحتاجون للإحساس بالعدل ولو لم يكن الله موجودا لكان الوضع
كالتالى :الظالم يظل سائرا فى ظلمه والمظلوم لا يجد من ينصفه ويظل الأمر
كذلك وبالطبع ليس معقولا أن يظل الظالم متمتعا على حساب المظلوم لذا كان
لابد من وجود الله ليحاسب الكل فيعطى المظلوم حقه ويعاقب الظالم على
ظلمه ،إن الناس يحتاجون للهواء فماذا لو قرر الهواء – فى حالة عدم وجود
الله- أن يترك جو الأرض للفضاء ؟قطعا سيحدث الموت للكل ولهذا كان وجود
الإله ضرورة لكى لا يتحكم مخلوق فى بقية المخلوقات
إن الإنسان مركب من أجهزة بأشكال معينة فماذا لو قرر مثلا الأنف – فى
حالة عدم وجود الإله- أن يكون فى القفا أو قرر سد فتحاته ؟وماذا لو قرر
مثلا الفم – فى نفس الحالة – أن يكون فى البطن وأن اللسان فوق الفكين
وليس بينهما ؟إن الشكل فى هذه الحالة ليس متوقعا لو سار كل عضو على هواه
ولذا كان لابد من وجود الله الذى يأمر كل عضو بعمل وظيفة ما والذى يشكل
كل عضو حسب ما يريد والذى جعل لكل عضو مكان فى الجسم
سنفترض أن حوارا جرى بين مسلم وكافر لا يقر بوجود الله كخالق فماذا سيفعل
المسلم لإقناع الكافر بوجود الله ؟إنه سيجارى الكافر فى باطله ومن خلال
المجاراة سيهدم وينقض هذه الخرافة وهذه أمثلة للحوار :
1- المسلم هل لك معدة الكافر نعم المسلم هل تراها أو
تسمعها أو تشمها أو تتذوقها أو تلمسها ؟ الكافر لا المسلم فالله
كذلك لا تراه ولا تسمعه ولا تشمه ولا تتذوقه ولا تلمسه فإذا اعترفت بوجود
الله لزمك أن تعترف بعدم وجود معدتك
2- المسلم ماذا تنتفس ؟ الكافر الهواء المسلم هل تراه أو تشم
رائحته أو تتذوقه أو تلمسه أو تسمعه ؟ الكافر لا م فالله كذلك لا
تراه ولا تسمعه ولا تشمه ولا تلمسه ولا تتذوقه فإذا كنت معترفا بوجود
الله فلابد أن تعترف بوجود الله وإذا نفيت وجود الله لزمك نفى وجود
الهواء .
3-المسلم هل تعرف عدوى المرض ؟ ك نعم المسلم لو فرضنا أن ديكا لديه
مرض دخل وسط دجاج سليم هل ينقل له العدوى ؟ الكافر ينقلها المسلم إذا
كان هذا الديك هو سبب مرض الدجاج فمن عداه ؟ الكافر لا أدرى المسلم
لابد أن يكون الله هو الذى أمرضه وإلا أصبح وجود المرض معدوما لعدم وجود
سبب له .
4- المسلم لو قلت لك أن الباب انفتح بدون مفتاح دون أن يأتى أحد ويكسره
أو يفتحه هل تصدقنى ؟ الكافر لا المسلم لو قلت لك أن المصباح أضاء دون
أن يفتح أحد زر تشغيله هل تصدقنى ؟ الكافر لا المسلم لو قلت لك أن
الحجر انتقل من مكانه لمكان أخر دون أن يحركه أحد هل تصدقنى ؟ الكافر
لا المسلم إذا كيف أصدقك إذا كنت تقول لى أن الكون ليس له خالق ؟
5- المسلم لو قلت لك أن الساعة فى يدى قد وجدت أجزاؤها على الأرض قد
تجمعت على هذا الشكل دون أن يتدخل أحد فى ذلك هل تصدقنى ؟ الكافر لا
المسلم لو قلت لك أن السيارة قد وجدتها متناثرة الأجزاء على الأرض وفجأة
تداخلت فى بعضها مكونة شكل السيارة التى تعرفها دون أن يتدخل أحد فى ذلك
هل تصدقنى ؟ الكافر لا المسلم لو قلت لك أن الغسالة كانت فى الأصل
أشياء متنوعة موجودة فى أماكن مختلفة وفجأة وجدتها تتجمع بإرادتها وتكون
شكل الغسالة هل تصدقنى ؟ الكافر لا المسلم إذا كيف تريدنى أن أصدقك فى
أن هذا الكون كان قد تجمع فجأة دون أن يخلقه أحد؟
6- المسلم هل لكل حادث سبب ؟ الكافر نعم المسلم هذا يعنى أن كل اختراع
لابد له من مخترع
ك بالتأكيد المسلم فمن اخترع الكون ؟لابد أن له مخترع وإلا أصبح قولك أن
لكل حادث سبب وأن لكل اختراع مخترع لا قيمة له
7- المسلم هل لك جد ؟ الكافر نعم المسلم أحى هو ؟ الكافر لا بل ميت
المسلم هل شاهدته ؟ الكافر لا المسلم هل سمعت منه كلاما ؟ الكافر لا
م هل تحس به بأى شكل ؟ الكافر لا المسلم إذا ليس لك جد الكافر ولكن أبى
شاهده وسمعه وأخبرنى بذلك المسلم إذا فقد أمنت بوجود جدك عن طريق
الخبر الكافر بالقطع المسلم عليك إذا أن تؤمن بوجود الله لأن الخبر
بوجوده وصلنا كما وصل خبر وجود جدك وإلا أصبح عليك أن تنفى وجود جدك لأنك
لم تراه ولم تسمعه ولم تحس به .
8- المسلم هل الأعمى يؤمن بوجود القمر ؟ الكافر :لا المسلم كيف يؤمن
به وهو لا يراه الكافر عن طرق السماع به من الأخرين المسلم إذا
وجب عليك أن تؤمن بوجود الله كما يؤمن الأعمى بوجود القمر الذى لا يراه
ومع ذلك يؤمن بوجوده وذلك لأنك لا ترى الله وهو هنا مثل القمر غائب عن
إحساس الأعمى .
9- المسلم:بينما أنا أتكلم تدور الكلمات فى داخلك الكافر بالتأكيد
المسلم وهذا يعنى اعترافك بوجود نفس لك الكافر:طبعا المسلم إذا كيف
أومن بوجود نفس لك إذا كنت لا أراها ولا أسمعها ولا أحس بها الكافر لابد
أن تؤمن بوجودها من خلال الكلمات التى تدور فى داخلك أنت المسلم إذا كان
لابد أن أومن بها فلابد أن تؤمن بوجود الله لأنه لا يرى ولا يسمع ولا يحس
مثل النفس وإلا وجب نفى الإيمان بوجود نفس عند الأخر .
10- المسلم كيف وجد الكون ؟ الكافر عن طريق الصدفة المسلم إذا
فالصدفة هى الخالق الكافر ماذا تقول ؟ المسلم أقول أن الخالق هو
الصدفة فهو الذى خلق لنا الكون الكافر صحيح أن الصدفة هى الخالقة
المسلم إذا فهناك خالق تعترف به هو الصدفة الكافر قطعا المسلم إذا
فإلهك هو الصدفة كما تسميها وهذا اعتراف منك بوجود إله خالق الكافر
ربما المسلم لا تقل ربما فإذا لم تكن الصدفة هى الإله فهى مخلوقة ومن
ثم لابد لها من خالق وعلى ذلك يلزمك أحد أمرين إما الإعتراف بوجود إله هو
الصدفة وإما الإعتراف بوجود خالق للصدفة هو الله وفى كلا الحالين أنت
تعترف بوجود إله .
11- المسلم ما رأيك فى نظريات نشأة الكون ؟ الكافر ماذا تقصد ؟ المسلم
هل إحداها صحيحة ؟ الكافر نعم المسلم إذا كيف تؤمن بشىء لم تشهده ؟
الكافر وما هو ؟ المسلم نشأة الكون فإنك لم تراها رؤية المعاين ومع هذا
تؤمن بحدوثها فإذا كنت أمنت بها دون أن تعرفها عن طريق حواسك فقد وجب
إيمانك بالله لأنه لا يعرف عن طريق الحواس فإذا نفيت إيمانك بالله وجب
النفى لإيمانك بنشأة الكون
12- المسلم هل توجد نجوم راديوية ؟ الكافر طبعا المسلم إذا فأنت تصدق
بوجودها الكافر نعم المسلم كيف تصدق بوجودها رغم أنك لا تراها ولا
تحس بها الكافر ولكن الأجهزة اكتشفتها المسلم وأيضا الناس اكتشفوا
وجود الله فإذا أمنت بها لزمك أن تؤمن بوجود الله وإن نفيت وجود الله
لزمك نفى وجود تلك النجوم التى لا ترى ولا تحس .
13- المسلم ما رأيك فى ظاهرة المغناطيسية ؟ الكافر ماذا تريد قوله ؟
المسلم هل المغناطيسية موجودة فعلا ؟ الكافر نعم المسلم هل شاهدت
المغناطيسية نفسها ؟الكافر لا ولكنى شاهدت أثرها الممثل فى الجذب المسلم
فكذلك الله لم تشاهده وشاهدت آثاره الممثلة فى الخلق فإذا أمنت بوجود
المغناطيسية وجب أن تؤمن بوجود الله وإذا نفيت وجود الله لزمك نفى وجود
المغناطيسية
14- المسلم ما رأيك فى قارة استراليا ؟ الكافر من أى جهة ؟ المسلم هل
هى موجودة ؟ الكافر قطعا المسلم هل تراها أو تحس بها الآن ؟
الكافر لا المسلم إذا فهى ليست موجودة الكافر كيف ؟ المسلم ما
دمت لم تراها ولم تحس بها فهى معدومة غير موجودة الكافر ولكنها موجودة
رغم ذلك المسلم إذا فهى رغم أنها غائبة عن حواسنا فهى موجودة كذلك
الله غائب عن حواسنا ورغم ذلك هو موجود فإذا اعتبرنا استراليا موجودة وجب
عليك اعتبار الله موجودا وإلا لزمك نفى الإثنين معا لغيابهم عن حواسنا
الآن .
15- المسلم هل الأشعة تحت الحمراء موجودة ؟ الكافر طبعا المسلم هل
الأشعة فوق البنفسجية موجودة ؟ الكافر قطعا المسلم كيف تكون موجودة
ونحن لا نراها ولا نحس بها ؟ الكافر إن الأجهزة قد بينتها لنا
المسلم ولكن حواسنا هى التى نستعملها فى إثبات الأشياء ونفيها وما دامت
حواسنا لا تدركها فهى معدومة المسلم ولكن حواسنا تدركها عن طريق
الأجهزة المسلم ولكن الأجهزة ليست جزء من حواسنا حتى نصدقها فإذا
أمنت بوجود هذه لزمك الإيمان بوجود الله وإذا نفيت وجود الله لزمك أن
تنفى وجود الأشعة .
16-المسلم هل الذرة موجودة ؟ الكافر قطعا ؟ المسلمكيف تكون موجودة
ونحن لم نراها أو نحس بها ؟ الكافر لقد ثبت وجودها عن طريق الأجهزة
المسلم إن الذى تراه فى الجهاز ليس هى وإنما هى صورة مكبرة آلاف أو مئات
الآلآف من المرات ،إذا فأنت لم ترها على حقيقتها وإنما رأيت شيئا أخر
لأنها فى حقيقتها لا يمكن رؤيتها وعلى هذا فهى غير موجودة ما دمنا لا
نراها الكافر ولكنها موجودة المسلم إنها غائبة عن حواسنا فإذا
أمنت بوجودها لزمك الإيمان بوجود الله لأنه غائب عن حواسنا وإلا لزمك نفى
وجودها ما دمت تنفى وجود الله .
17- المسلم هل تؤمن بوجود الكهرباء ؟ الكافر طبعا المسلم كيف تؤمن بها
وأنت لا تراها حقيقة ؟ الكافرعن طريق آثارها كإنارة المصابيح وتشغيل
الآلات وصعق الإنسان المسلمإذا لزمك الإيمان بالله فإذا كانت الكهرباء
غير موجودة عن طريق الحواس وموجودة بسبب وجود آثارها فكذلك الله معدوم عن
طريق حواسنا ولكنه موجود بسبب وجود آثاره ممثلة فينا وفى غيرنا من
المخلوقات .
18- المسلم لو قلت لك زوجتك فى الحجرة المجاورة ليس لها وجود هل
تصدقنى ؟ الكافر لا المسلم لا كيف لا تصدقنى رغم أن حواسك لا تراها
ولا تحسها الآن ؟لما لا تجيب ؟ الكافر إنها موجودة ولكنها غائبة عن حواسى
الآن المسلم كذلك الله موجود ولكنه غائب عن حواسنا فإذا أمنت بوجود
زوجتك رغم عدم إدراك حواسك لها وجب عليك الإيمان بالله كموجود وإلا لزمك
نفى الإثنين .
19-المسلم:لو قلت لك أن القمر الصناعى غير موجود هل تصدقنى ؟ الكافر لا
المسلم كيف لا تصدقنى وحواسك لا تدركه إطلاقا ؟ الكافر ولكنه موجود رغم
بعده عن إدراك الحواس بدليل أثره الممثل فى نقل الإرسال التلفازى
وغيره المسلم كذلك الله بعيد عن إدراك الحواس ولكنه موجود بدليل أثره
الممثل فيك وفى وفى كل شىء حولنا .
20-بناء على قولكم لا يوجد إله فهذا معناه انه لا يوجد حلال ولا حرام ومن
ثم فكل واحد يحق له أن يفعل ما يشاء فمثلا يجامع أمه أو ابنته أو أخته أو
رجل أو أى شىء وقطعا لو فكرتم فى هذا لوجدتم بقية الكائنات لا تفعل هذا
الجماع فالحيوان لا يجامع أمه ولا أخته ولا ابنته والحيوان الذكر لا
يجامع الحيوان الذكر والحيوان الأنثى لا يجامع الحيوان الأنثى ومن ثم
فهناك قانون تلتزمه الكائنات ومن ثم فكل واحد يحق له أن يقتل كل من
يقابله من الناس إذا لم ينفذوا ما يريد ولكننا نجد بقية الكائنات خاصة
أبناء النوع الواحد لا يقتل أفراده بعضهم البعض إلا نادرا وهذا دليل على
وجود حرام وحلال عند كل الكائنات ومثلا يحق لكل إنسان أن يأكل ما يريد
خراء أو خنزير أو أفيون أو أى شىء ولكننا نجد الكائنات كل نوع منها يأكل
أطعمة معينة فهو لا يأكل كل شىء وهذا يعنى وجود حدود وأحكام فى الطعام
ولو صدقناكم فى عدم وجود خالق يحلل ويحرم لكانت الحياة كلها فوضى فلا
عقاب ولا ثواب ومن ثم كل فرد يفعل ما يريد
إن دعوة الملحدين للحوار ودعوتهم لعدم الإيمان بالله هو نقض منهم لمذهبهم
فما دام الله ليس موجودا فلا يوجد حلال ولا حرام ومن ثم فتحريمهم الايمان
بالله يعنى وجود خبل فى نفوسهم لأنهم بذلك جعلوا هناك حراما ومن ثم حلالا
هو الكفر بوجود الله وهذا نقض لما قالوه
ومن العجيب فى دعوتهم أنهم جعلوا شروط للحوار مثل عدم السب وعدم الوعظ
سواء فى منتداهم الالكترونى منتدى الملحدين أو فى كتبهم مع أن عدم وجود
الله يعنى عدم وجود شروط بين أى كائنات لأنه لا يوجد منظم مشرع للكون مما
يعنى أن كل كائن منا يفعل ما يشاء يشتم أو لا يشتم
إن الكائنات لو قعدت منذ بداية وجودها لتتفق على حكم من الأحكام حتى
تستطيع أن تتعامل مع بعضها فلن تتفق أبدا بسبب بسيط هو أن اللغة لابد لها
من موجد خالق والتجربة خير برهان أيها المنكرون ضعوا أطفال مولودين فى
مكان ما واتركوهم دون تعليم أى شىء لمدة طالت أم قصرت فستعرفون أنه لا
يمكن أن يتكلموا مثلنا وسيضربون بعضهم ويتقاتلون ما دام لم يعلمهم أحد
الكلام وهكذا المخلوقات كلها فلابد من معلم أول لها معلم يشرع لها طرق
التعامل

وننقل هنا من بعض الكتب كلام فى الموضوع مفيد :
قال أبو محمد رضي الله عنه لا يخلو العالم من أحد وجهين أما أن يكون لم
يزل أو أن يكون محدثا لم يكن ثم كان فذهبت طائفة إلى أنه لم يزل وهم
الدهرية وذهب سائر الناس إلى أنه محدث فنبتدئ بحول الله تعالى وقوته
بإيراد كل حجة شغب بها القائلون بأن العالم لم يزل وتوفية اعتراضهم بها
ثم نبين بحوله تعالى نقضها وفسادها فإذا بطل القول بأن العالم لم يزل وجب
القول بالحدوث وصح إذ لا سبيل إلى وجه ثالث لكنا لا نقنع بذلك حتى نأتي
بالبراهين الظاهرة والنتائج الموجبة والقضايا الضرورية على إثبات حدوث
العالم ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
فما اعترضوا به أن قالوا لم نر شيئا حدث إلا من شيء أو في شيء فمن ادعى
غير ذلك فقد ادعى ما لا يشاهد ولم يشاهد وقالوا أيضا لا يخلو محدث
الأجسام الجواهر والأعراض وهي كل ما في العالم إن كان العالم محدثا من أن
يكون أحدثه لأنه أو إحداثه لعلة
فإن كان لأنه فالعالم لم يزل لأن محدثه لم يزل وإذ هو علة خلقه فالعلة
لا تفارق المعلول وما لم يفارق من لم يزل فهو أيضا لم يزل هو مثله بلا شك
فالعالم لم يزل وإن كان أحدثه لعلة فتلك العلة لا تخلو من أحد وجهين أما
أن تكون لم تزل وأما أن تكون محدثة فإن كانت لم تزل فمعلولها لم يزل
فالعالم لم يزل
وان كانت تلك العلة محدثة لزم في حدوثها ما لزم في حدوث سائر الأشياء من
أنه أحدثها لأنه أو لعلة فإن كان لعلة لزم ذلك أيضا في علة العلة وهكذا
أبدأ وهذا يوجب وجود محدثات لا أوائل لها قالوا وهذا قولنا قالوا وإن كان
أحدثها لأنه فهذا يوجب أن العلة لم تزل كما بينا آنفا وقالوا أيضا إن كان
للأجسام محدث لم يخل من أحد ثلاثة أوجه إما أن يكون مثلها من جميع الوجوه
لزم وأما أن يكون خلافها من دميع الوجود وأما أن يكون مثلها من بعض
الوجوه وخلافها من بعض الوجوه قالوا فلن كان مثلها من جميع الوجوه لزم أن
يكون محدثا مثلها وهكذا في محدثه أيضا أبدا وإن كان مثلها في بعض الوجوه
لزمه أيضا من مماثلتها في ذلك البعض ما يلزمه من مماثلته لها في جميع
الوجوه من الحدوث إذ الحدوث اللازم للبعض كازومه للكل ولا فرق وإن كان
خلافها من جميع الوجوه فمحال أن يفعلها لأن هذا هو حقيقة الضد والمناقض
إذ لا سبيل إلى أن يفعل الشيء خلافه من جميع الوجوه كما لا تفعل النار
التبريد وقالوا أيضا لا يخلو إن كان للعالم فاعل من أن يكون فعله لإحراز
منفعة أو لدفع مضرة أو طباعا أو لا لشيء من ذلك قالوا فإن كان فعله
لإحراز منفعة أو لدفع مضرة فهو محل للمنافع والمضار وهذه صفة المحدثات
عندكم فهو محدث مثلها قالوا وإن كان فعله طباعا فالطباع موجبة لما حدث
بها ففعله لم يزل معه قالوا وإن كان فعله لا لشيء من ذلك فهذا لا يعقل
وما خرج عن المعقول فمحال وقالوا أيضا لو كانت الأجسام محدثة لكان محدثها
قبل أن يحدثها فاعلا لتركها قالوا وتركها لا يخلو من أن يكو جسما أو عرضا
وهذا يوجب أن الأجسام والأعراض لم تزل موجودة
قال أبو محمد رضي الله عنه فهذه المشاغب الخمس هي كل ما عول عليه
القائلون بالدهر قد تقصيناها لهم ونحن إن شاء الله نبدأ بحول الله وقوته
في مناظرتهم فننقضها واحدا واحدا
إفساد الإعتراض الأول قال أبو محمد رضي الله عنه يقال وبالله التوفيق
والعون لمن قال لم نر شيئا حدث إلا من شيء أو في شيء هل تدرك حقيقة شيء
عندكم من غير طريق الرؤية والمشاهدة أو لا يدرك شيء من الحقائق إلا من
طريق الرؤية فقط فإن قالوا انه قد تدرك الحقائق من غير طريق الرؤية
والمشاهدة تركوا استدلالهم وأفسدوه إذ قد أوجبوا وجود أشياء من غير طريق
الرؤية والمشاهدة وقد نفوا ذلك قبل هذا فإذا صاروا إلى الاستدلال نوظروا
في ذلك إلا أن دليلهم هذا على كل حال قد بطل بحمد الله تعالى فإن قالوا
لا بل لا يدرك شيء إلا من طريق المشاهدة قيل لهم فهل شاهدتم شيئا قط لم
يزل فلا بد من نعم أو لا فإن قالوا لا
وصدقوا وأبطلوا استدلالهم وإن قالوا نعم كابروا وادعوا مالا سبيل إلى
مشاهدته إذ مشاهدة قائل هذا القول للأشياء هي ذات أول بلا شك وذو الأول
هو غير الذي لم يزل لأن الذي لم يزل هو الذي لا أول له ولا سبيل إلى أن
يشاهد ماله أول مالا أول له مشاهدة متصلة فبطل هذا الاستدلال على كل وجه
والحمد لله رب العالمين
إفساد الاعتراض الثاني قال أبو محمد رضي الله عنه ويقال لمن قال لا يخلو
من أن بفعل لأنه أو لعلة هذه قسمة ناقصة وينقص منها القسم الثالث وهو
لأنه فعل لا لأنه ولا لعلة أصلا لكن كما شاء لأن كلا القسمين المذكورين
أولا وهما أنه فعل لأنه أو لعلة قد بطلا بما قدمنا هنالك إذ العلة توجب
إما الفعل أو الترك وهو تعالى يفعل ولا يفعل فصح بذلك أنه لا علة لفعله
أصلا ولا لتركه البتة فبطل هذا الشغب والحمد لله رب العالمين
فإن قالوا إن ترك الباري تعالى في الأزل فعل منه للترك ففعله الذي هو
الترك لم يزل قلنا وبالله تعالى التوفيق إن ترك الباري تعالى الفعل ليس
فعلا أصلا على ما نبين في فساد الاعتراض الخامس إن شاء الله تعالى
إفساد الاعتراض الثالث قال أبو محمد رضي الله عنه يقال لمن قال لو كان
للأجسام محدث لم يخل من أحد ثلاثة أوجه أما أن يكون مثلها من جميع الوجوه
أو من بعض الوجوه لا من كلها أو خلافها من جميع الوجوه إلى انقضاء كلامهم
بل هو تعالى خلافها من جميع الوجوه وإدخالكم على هذا الوجه أنه حقيقة
الضد والنقيض والضد لا يفعل ضده كما لا تفعل النار التبريد إدخال فاسد
لأن الباري تعالى لا يوصف بأنه ضد لخلقه لأن الضد هو ما حمل التضاد
والتضاد هو اقتسام الشيئين طرفي البعد تحت جنس واحد فإذا وقع أحد الضدين
ارتفع الآخر وهذا الوصف بعيد عن الباري تعالى وإنما التضاد كالخضرة
والبياض اللذين يجمعهما اللون أو الفضيلة والرذيلة اللتين يجمعهما
الكيفية والخلق ولا يكون الضدان الأعرضين تحت جنس واحد ولا بد وكل هذا
منفي عن الخالق عز و جل فبطل بالضرورة أن يكون عز و جل ضدا لخلقه وأيضا
فإن قولهم لو كان خلافا لخلقه من جميع الوجوه لكان ضدا لهم قول فاسد إذ
ليس كل خلاف ضدا فالجوهر خلاف العرض من كل وجه حاشا الحدوث فقط وليس ضدا
له ويقال أيضا لمن قال هذا القول هل تثبت فاعلا وفعلا على وجه من الوجوه
أو تنفي أن يوجد فاعل وفعل البتة فإن نفى الفاعل والفعل البتة كابر
العيان لإنكاره الماشي والقائم والقاعد والمتحرك والساكن ومن دفع بهذا
كان في نصاب من لا يكلم وإن أثبت الفعل والفاعل فيما بيننا قيل له هل
بفعل الجسم إلا الحركة والسكون فلا بد من نعم والحركة والسكون خلاف الجسم
وليس ضدا له إذ ليسامعه تحت جنس واحد أصلا وإنما يجمعها وإياه الحدوث فقط
فلو كان كل خلاف ضدا لكان الجسم فاعلا لضده وهو الحركة أو السكون وهذا هو
نفس ما أبطلوا فصح بالضرورة أنه ليس كل خلاف ضدا وصح أن الفاعل يفعل
خلافه ولا بد من ذلك فبطل اعتراضهم والحمد لله رب العالمين
إفساد الاعتراض الرابع قال أبو محمد رضي الله عنه ويقال لمن قال لا يخلو
من أن يكون محدث الأجسام أحدثها لإحراز منفعة أو لدفع مضرة أو طباعا أو
لا لشيء من ذلك إلى انقضاء كلامهم
أما الفعل لإحراز منفعة أو لدفع مضرة فإنما يوصف به المخلوقون
المختارون
وأما فعل الطباع فإنما يوصف به المخلوقون غير المختارين وكل صفات
المخلوقين فهي منفية عن الله تعالى الذي هو الخالق لكل ما دونه
أما القسم الثاني وهو أنه فعل لا لشيء من ذلك فهذا هو قولنا ثم نقول لمن
قال أن الفعل لا لشيء من ذلك أمر غير معقول ماذا تعني بقولك غير معقول
أتريد أنه لا يعقل حسا أو مشاهدة أم تقول أنه لا يعقل استدلالا فإن قلت
إنه لا يعقل حسا ومشاهدة قلنا لك صدقت كما أن أزلية الأشياء لا نعقل حسا
ومشاهدة وإن قلت أنه لا يعقل استدلالا كان ذلك دعوى منك مفتقرة إلى دليل
والدعوى إذا كانت هكذا فهي ساقطة فالاستدلال بها ساقط فكيف والفعل لا
لشيء من ذلك متوهم ممكن غير داخل في الممتنع وما كان هكذا فالمانع منه
مبطل والقول به يعقل فسقط هذا الاعتراض ثم نقول لما كان الباري تعالى
بالبراهين الضرورية خلافا لجميع خلقه من جميع الوجوه كان فعله خلافا
لجميع أفعال خلقه من جميع الوجوه وجميع خلقه لا نفعل إلا طباعا أو
لاجتلاب منفعة أو لدفع مضرة فوجب أن يكون فعله تعالى بخلاف ذلك وبالله
التوفيق
إفساد الاعتراض الخامس قال أبو محمد رضي الله عنه ويقال لمن قال إن ترك
الفاعل أن يفعل الأجسام لا يخلو من أن يكون جسما أو عرضا إلى منتهى
كلامهم إن هذه قسمة فاسدة بينة العوار وذلك أن الجسم هو الطويل العريض
العميق وترك الفعل ليس طويلا ولا عريضا ولا عميقا فترك الفعل من الله
تعالى للجسم والعرض ليس جسما والعرض هو المحمول
في الجسم وترك فعل الله تعالى للجسم والعرض ليس محمولا فليس عرضا فترك
فعل الله تعالى للجسم والعرض ليس هو جسما ولا عرضا وإنما هو عدم والعدم
ليس معنى ولا هو شيئا وترك الله تعالى للفعل ليس فعلا البتة بخلاف صفة
خلقة لأن الترك من المخلوق للفعل فعل برهان ذلك أن ترك المخلوق للفعل لا
يكون إلا بفعل آخر منه ضرورة كتارك الحركة لا يكون إلا بفعل السكون وتارك
الأ كل لا يكون إلا باستعمال آلات الأكل في مقاربة بعضها بعضا أو في
مباعدة بعضها بعضا وبتعويض الهواء وغيره من الشيء المأكول وكتارك القيام
لا يكون إلا باشتغاله بفعل آخر من قعود أو غيره فصح أن فعل الباري تعالى
بخلاف فعل خلقه وأن تركه للفعل ليس فعلا أصلا فبطل استدلالهم وبالله
التوفيق
قال أبو محمد رضى الله عنه فإذ قد بطل جميع ما تعلقوا به ولم يبق لهم شغب
أصلا بعون الله وتأييده فنحن مبتدئون بتأييده عز و جل في إيراد البراهين
الضرورية على إثبات حدوث العالم بعد أن لم يكون وتحقيق أن له محدثا لم
يزل لا إله إلا هو برهان أول قال أبو محمد رضي الله عنه فنقول وبالله
التوفيق إن كل شخص في العالم وكل عرض في شخص وكل زمان فكل ذلك متناه ذو
أول نشاهد ذلك حسا وعيانا لأن تناهي الشخص ظاهر بمساحته بأول جرمه وآخره
وأيضا بزمان وجوده وتناهي العرض المحمول ظاهر بين بتناهي الشخص الحامل له
وتناهي الزمان موجود باستئناف ما يأتي منه بعد الماضي وفناء كل وقت بعد
وجوده واستئناف آخر يأتي بعده إذ كل زمان فنهايته الآن وهو حد الزمانين
فهو نهاية الماضي وما بعده ابتداء للمستقبل وهكذا أبدا يفنى زمان ويبتدئ
آخر وكل جملة من جمل الزمان فهي مركبة من أزمنة متناهية ذات أوائل كما
قدمنا وكل جملة أشخاص فهي مركبة من أجزاء متناهية بعددها وذوات أوائل كما
قدمنا وكل مركب من أجزاء متناهية ذات أوائل فليس هو شيئا غير أجزائه إذ
الكل ليس هو شيئا غير الأجزاء التي ينحل إليها وأجزاؤه متناهية كما بينا
ذات أوائل فالجمل كلها بلا شك متناهية ذات أوائل والعالم كله إنما هو
أشخاصه ومكانه وأزمانها ومحمولانها ليس العالم كله شيئا غير ما ذكرناه
وأشخاصه ومكانه وأزمانها ومحمولانها ذوات أوائل كما ذكرنا فالعالم كله
متناه ذو أول ولا بد فإن كانت أجزاؤه كلها متناهية ذات أول بالمشاهدة
والحس وكان هو غير ذي أول وقد أثبتنا بالضرورة والعقل والحس أنه ليس هو
شيئا غير جزائه فهو ذو أول لا ذو أول وهذا عين المحال ويجب من ذلك أيضا
أن لأجزائه أوائل محسوسة وأجزاؤه ليست غيره وهو غير ذي أول فأجزاؤه إذن
لها أول ليس لها أول وهذا محال وتخليط فصح بالضرورة أن للعالم أولا إذ كل
أجزائه لها أول وليس هو شيئا غير أجزائه وبالله تعالى التوفيق برهان ثان
قال أبو محمد رضي الله عنه فنقول كل موجود بالفعل فقد حصره العدد وأحصته
طبيعته ومعنى الطبيعة وحدها هو أن تقول الطبيعة هي القوة التي في الشيء
فتجري بها كيفيات ذلك الشيء على ما هي عليه وإن أوجزت قلت هي قوة في
الشيء يوجد بها على ما هو عليه وحصر العدد وإحصاء الطبيعة نهاية صحيحة إذ
ما لا نهاية له فلا إحصاء ولا حصر له إذ ليس معنى الحصر والإحصاء الأخم
ما بين طرفي المحصى المحصور والعالم موجود بالفعل وكل محصور بالعدد محصي
بالطبيعة فهو ذو نهاية فالعالم كله ذو نهاية وسواء في ذلك ما وجد في مدة
واحدة أو مدد كثيرة إذ ليست تلك المدد إلا مدة محصاة إلى جنب مدة محصاة
فهي مركبة من مدد محصاة وكل مركب من أشياء فهو تلك الأشياء التي ركب منها
فهي كلها مدد محصاة كما قدمنا في الدليل الأول فصح من كل ذلك أن ما لا
نهاية له فلا سبيل إلى وجوده بالفعل وما لم يوجد إلا بعد ما لا نهاية له
فلا سبيل إلى وجوده أبدا لأن وقوع البعدية فيه هو وجود نهاية له وما لا
نهاية له فلا بعد له فعلى هذا لا يوجد شيء بعد شيء أبد الأبد والأشياء
كلها موجودة بعضها بعد بعض فالأشياء كلها ذات نهاية وهذان الدليلان قد
نبه الله تعالى عليهما وحصرهما بحجته البالغة إذ يقول وكل شيء عنده
بمقدار برهان ثالث قال أبو محمد رضي الله عنه ما لا نهاية له فلا سبيل
إلى الزيادة فيه إذ معنى الزيادة إنما هو أن تضيف إلى ذي النهاية شيئا من
جنسه يزيد ذلك في عدده أو في مساحته فإن كان الزمان لا أول له يكون به
متناهيا في عدده الآن فأذن كل ما زاد فيه ويزيد مما يأبى من الأزمنة منه
فإنه لا يزيد ذلك في عدد الزمان شيئا وفي شهادة الحس أن كل ما وجد من
الأعوام على الأبد إلي زماننا هذا الذي هو وقت ولاية هشام المعتمد بالله
هو أكثر من كل ما وجد من الأعوام على الأبد إلى وقت هجرة رسول الله صلى
الله عليه و سلم فإن لم يكن هذا صحيحا فيجب إذن أنه إذا دار زحل دورة
واحدة في كل ثلاثين سنة وزحل لم يزل يدور دار الفلك الأكبر في تلك
الثلاثين سنة إحدى عشرة الف دورة غيرة خمسين دورة والفلك لم يزل يدور
وإحدى عشرة ألف غير خمسين دورة أكثر من دورة واحدة بلا شك فإذن ما لا
نهاية له أكثر مما لا نهاية له بنحو إحدى عشرة ألف مرة وهذا محال لما
قدمنا ولأن ما لا نهاية له فلا يمكن البتة أن يكون عدد أكثر منه بوجه من
الوجوه فوجبت في الزمان من قبل ابتدائه ضرورة ولا مخلص منها ويجب أيضا
من ذلك أن الحس يوجب ضرورة أن أشخاص الإنس مضافة إلى أشخاص الخيل أكثر من
أشخاص الإنس مفردة عن أشخاص الخيل ولو كانت الأشخاص لا نهاية لها لوجب أن
ما لا نهاية له أكثر مما لا نهاية له وهذا محال ممتنع لا يتشكل في العقل
ولا يمكن وأيضا فلا شك في أن الزمان مذ كان إلى وقت الهجرة جزء للزمان مذ
كان إلى وقتنا هذا وبلا شك أيضا في أن الزمان مذ كان إلى وقتنا هذا كل
للزمان مذ كان إلى وقت الهجرة ولما بعده إلى وقتنا هذا فلا يخلو الحكم في
هذه القضية من أحد ثلاثة أوجه لا رابع لها إما أن يكون الزمان مذ كان
موجودا إلى وقتنا هذا أكثر من الزمان مذ كان إلى عصر الهجرة وأما أن يكون
أقل منه وإما أن يكون مساويا له فإن كان الزمان مذ كان إلى وقتنا هذا من
الزمان مذ كان إلى وقت الهجرة فالكل أقل من الجزء والجزء أكثر من الكل
وهذا هو الاختلاط وعين المحال إذ لا يخيل على أحد أن الكل أكثر من الجزء
وهذا ما لا شك فيه ببديهة العمل وضرورة الحس وإن كان مساويا له فالكل
مساو للجزء وهذا عين المحال والتخليط وإن كان أكثر منه وهذا هو الذي لا
شك فيه فالزمان مذ كان إلى وقت الهجرة ذو نهاية ومعنى الجزء إنما هو
إبعاض الشيء ومعنى الكل إنما هو جملة الإيعاض فالكل والجزء واقعان في كل
ذي أبعاض والعالم ذو أبعاض هكذا توجد حاملاته ومحمولاته وأزمانها فالعالم
كل لا بعاضه وابعاضه أجزاء له والنهاية كما قدمنا لازمة لكل ذي كل وذي
أجزاء والزمان هو مدة بقاء الجرم ساكنا أو متحركا ولو فارقه لم يكن الجرم
موجودا ولا كان الزمان أيضا موجودا والجرم والزمان موجودان فكلاهما لم
يفارق صاحبه والزمان ذو أول والجرم ذو أول وهذا مما لا أنفكاك له البتة
وأما ما لم يأت بعد من زمان أو شخص أو عرض فليس كل ذلك شيئا فلا يقع على
شيء من ذلك عدد ولا نهاية ولا يوصف بشيء أصلا لأنه لا وجود له بعد فإذا
وجد لزمه حينئذ ما لزم سائر ما قد وجد من أجناسه وأنواعه من النهاية
والعدد وغير ذلك من الصفات وأيضا فلا شك في أن ما وقع من الزمان ووجد من
الزمان إلى يومنا هذا مساو لما من يومنا هذا إلى ما وقع من الزمان معكوسا
وواجب فيه الزيادة بما يأتي من الزمان والمساوي لا يقع إلا في ذي نهاية
فالزمان متناه ضرورة وقد ألزمت بعض الملحدين وهو ثابت بن محمد الجرجاني
في هذا البرهان فأراد أن يعكسه على في بقاء الباري عز و جل ووجودنا إياه
فأخبرته بأن هذا شغب ضعيف مضمحل ساقط لأن الباري تعالى ليس في زمان ولا
له مدة لأن الزمان إنما هو حركة كل ذي الزمان وانتقاله من مكان إلى مكان
أو مدة بقائه ساكنا في مكان واحد والباري تعالى ليس متحركا ولا ساكنا
ولاشك أنه ليس في زمان ولا له مدة ولا هو في مكان أصلا وليس هو جرما ولا
جوهرا ولا عرضا ولا عددا ولا جنسا ولا نوعا ولا فصلا ولا شخصا ولا متحركا
ولا ساكنا وإنما هو تعالى حق في ذاته موجود مطلق بمعنى أنه معلوم لا إله
غيره واحد لا واحد في العالم سواه مخترع للموجودات كلها دونه لا يشبه
شيئا من خلقه بوجه من الوجوه وبالله تعالى التوفيق قال أبو محمد رضي
الله عنه وقد نبه الله تعالى على هذا الدليل وحصره في قوله تعالى يزيد في
الخلق ما يشاء برهان رابع قال أبو محمد رضي الله عنه إن كان العالم لا
أول له ولا نهاية له فالإحصاء مناله بالعدد والطبيعة إلى ما لا نهاية له
من أوائل العالم الماضية محال لا سبيل إليه إذ لو أحصي ذلك كله لكان له
نهاية ضرورة فإذا لا سبيل إليه فكذلك أيضا هو محال أن تكون الطبيعة
والعدد أحصيا ما لا نهاية له من أوائل العالم الخالية حتى يبلغا إلينا
وإذا كان ذلك محالا فالعدد والطبيعة إذا لم يبلغا إلينا وقد تيقنا وقوع
العدد والطبيعة في كل ما خلا من العالم حتى بلغا إلينا بلا شك فإذا قد
أحصي العدد والطبيعة كل ماخلا من أوائل العالم إلى أن بلغا إلينا فكذلك
الإحصاء منا إلى أولية العالم صحيح موجود لا ضرورة بلا شك وإذ ذلك كذلك
فللعالم أو ل ضرورة وبالله تعالى التوفيق برهان خامس قال أبو محمد رضي
الله عنه لا سبيل إلى وجود ثان إلا بعد أول ولا إلى وجود ثالث إلا بعد
ثان وهكذا أبدا ولو لم يكن لأجزاء العالم أول لم يكن ثان ولو لم يكن ثان
لم يكن ثالث ولو كان الأمر هكذا لم يكن عدد ولا معدود وفي وجودنا جميع
الأشياء التي في العالم معدودة ايجاب أنها ثالث بعد ثان وثان بعد أول وفي
صحة هذا وجوب أول ضرورة وقد نبه الله تعالى على هذا الدليل وعلى الذي
قبله وحصرهما في قوله تعالى وأحصى كل شيء عددا وأيضا فالآخر والأول من
باب المضاف فالآخر آخر للأول والأول أول للآخر ولو لم يكن أول لم يكن آخر
ويومنا هذا بما فيه آخر لكل موجود قبله إذ لم يأت بعد فليس شيئا ولا وقع
عليه بعد شيء من الأوصاف فله أول ضرورة
قال أبو محمد رضي الله عنه وقد أخبرني بعض أصدقائنا وهو محمد بن عبد
الرحمن بن عقبة رحمه الله تعالى أنه عارض بهذا البرهان بعض الملحدين وهو
عبد الله بن عبد الله بن شنيف فعارضه الملحد في قوله بخلود الجنة والنار
وأهلهما فقال له ابن عقبة إنما أخذنا خلود داري الجزاء وخلود أهلهما بلا
نهاية على غير هذا الوجه لكن على أن الله تعالى ينشئ لكل ذلك بقاء محدودا
وحركات حادثة ولذات مترادفة أبدا وقتا بعد وقت إلا أن الأول والآخر
جاريان حادثان في كل موجود من ذلك وإذا ثبت الأول فغير ممتنع تمادى
الزمان حينا بعد حين أبدا بلا نهاية وهذا مثل العدد فإنه لو لم يكن له
أول لم يقدر أحد على عد أي شيء أبدا فالعدد له أول ضرورة يعرف ذلك بالحس
والمشاهدة وهو قولنا واحد فإن هذا مبدأ العدد الذي لا عدد قبله ثم
الأعداد يمكن فيها الزيادة أبد الأبد لا إلى غاية لكن كلما خرج منه جزء
إلى حد الوجود وحد الفعل فله نهاية وهكذا أبدا سرمدا وبالله تعالى
التوفيق فانقطع الشنيفي ولم يكن عنده إلا الشغب
....فقد ثبت بكل ما ذكرنا أن العالم ذو أول وإذا كان ذا أول فلا بد ضرورة
من أحد ثلاثة أوجه لا رابع لها وهي إما أن يكون أحدث ذاته وإما أن يكون
حدث بغير أن يحدثه غيره وبغير أن يحدث هو نفسه وإما أن يكون أحدثه غيره
فإن كان هو أحدث ذاته فلا يخلو من أحد أربعة وجوه لا خامس لها وهي إما أن
يكون أحدث ذاته وهو معدوم وهي موجودة أو أحدث ذاته وهو موجود وهي معدومة
أو أحدثها وكلاهما موجود أو أحدثها وكلاهما معدوم وكل هذه الأربعة الأوجه
محال ممتنع لا سبيل إلى شيء منها
لأن الشيء وذاته هي هو وهو هي وكل ما ذكرنا من الوجوه يوجب أن يكون الشيء
غير ذاته وهذا محال وباطل بالمشاهدة والحس فهذا وجه قد بطل ثم نقول وإن
كان خرج عن العدم إلى الوجود بغير أن يخرج هو ذاته أو يخرجه غيره فهذا
أيضا محال لأنه لا حال أولي بخروجه إلى الوجود من حال أخرى ولا حال أصلا
هنالك فإذا لا سبيل إلى خروجه وخروجه مشاهد متيقن فحال الخروج غير حال
اللاخروج وحال الخروج هي علة كونه وهذا لازم في تلك الحال أعني أن حال
الخروج يلزم في حدوثها مثل ما لزم في حدوث العالم من أن تكون أخرجت نفسها
أو أخرجها غيرها أو خرجت بغير هذين الوجهين وهكذا في كل حال فإن تمادي
الكلام وجب بما قدمناه إلا نهاية وإلا نهاية في العالم من مبدئه باطل
ممتنع محال فإذا قد بطل أن يخرج العالم بنفسه وبطل أن يخرج دون أن يخرجه
غيره فقد ثبت الوجه الثالث ضرورة إذ لم يبق غيره البتة فلا بد من صحته
وهو أن العالم أخرجه غيره من العدم إلى الوجود وبالله تعالى التوفيق
وأيضا فإن الفلك بكل ما فيه ذو آثر محمولة فيه من نقلة زمانية وحركة
دورية في كون كل جزء من أجزائه في مكان الذي يليه والأثر مع المؤثر من
باب المضاف فإن لم يكن أثر لم يكن مؤثر وإن لم يكن مؤثر لم يكن أثر فوجب
بذلك أنه لا بد لهذه الآثار الظاهرة من مؤثر أثرها ولا سبيل إلى أن يكون
الفلك أو شيء مما فيه هو المؤثر لأنه يصير هو المؤثر والمؤثر فيه مع أن
المؤثر والأثر من باب المضاف أيضا ومعنى قولنا إن المؤثر والأثر والمؤثر
فيه من باب المضاف إنما هو أن الأثر والمؤثر فيه يقتضيان مؤثرا ولا بد
ولم يرد أن الباري تعالى يقع تحت الإضافة فلا بد ضرورة من مؤثر ليس مؤثرا
فيه وليس هو شيئا مما في العالم فهو بالضرورة الخالق الأول الواحد تبارك
وتعالى فصح بهذا أن العالم كله محدث وأن له محدثا هو غيره هذا الذي ما
نراه ويشاهد بالحواس من آثار الصنعة التي لا يشك فيها ذو عقل
ومن بعض ذلك تراكيب الأفلاك وتداخلها ودوام دورانها على اختلاف مراكزها
ثم أفلاك تداويرها والبون بين حركة أفلاك التداوير والأفلاك الحاملة لها
ودوران الأفلاك كلها من غرب إلى شرق ودوران الفلك التاسع الكلي بخلاف ذلك
من شرق إلى غرب وإدارته لجميع الأفلاك مع نفسه كذلك فحدث من ذلك حركتان
متعارضتان في حركة واحدة فالبضرورة نعلم أن لها محركا على هذه
(جامع الرسائل)
شبه الدهرية قالوا إذا قلتم أن العالم محدث بعد أن لم يكن فقد تأخر وجوده
عن وجود الباري تعالى فلا يخلو إما أن يتأخر بمدة أو لا بمدة فإن تأخر لا
بمدة فقد قارن وجوده وجود الباري سبحانه وإن تأخر بمدة فلا يخلو إما إن
تأخر بمدة متناهية أو بمدة غير متناهية فإن تأخر بمدة متناهية فقد وجب
تناهي وجود الباري تعالى وإن تأخر بمدة غير متناهية فنفرض في تلك المدة
موجودات لا تتناهى فإنه إن لم يمتنع مدة لا تتناهى لم يمتنع لم يمتنع عدة
لا تتناهى.
والجواب قلنا هذا الكلام غير مستقيم وضعاً وتقسيماً أما الوضع فقولكم لو
كان العالم محدثاً كان وجوده متأخراً فإن عنيتم به التأخر بالزمان فغير
مسلم فإنا قد بينا أن التقدم والتأخر والمعية الزمانية تمتنع في حق
الباري سبحانه.
وعلى هذا لم يصح بنا التقسيم عليه أنه متأخر بمدة أو لا بمدة فإن ما لا
يقبل المدة ذاتاً ووجوداً لا يقال له تقدم أو تأخر أو قارن بمدة أو لا
بمدة فأحلتم علينا تقدماً وتأخراً ومعية زمانية للباري تعالى وإذا منعنا
ذلك ألزمتم علينا مقارنة في الوجود وذلك تلبيس فإنا إذا منعنا التقدم
والتأخر الزماني منعنا المقارنة الزمانية بل وجود الباري تعالى لا يقال
متقدم بالزمان كما لا يقال أيضاً فوق بالمكان ولا يقال مقارن بالزمان كما
لا يقال مجاور للعالم بالمكان وإن عنيتم بالتأخر في الوجود أي الموجِد
مفيد الوجود والموجَد مستفيد الوجود والموجِد لا أول لوجوده والموجَد له
أول فهو مسلم ولا يصح أيضاً بنا التقسيم عليه أنه تأخر بمدة أو لا بمدة.
فإن قيل لا بد من نسبة ما بين الموجِد والموجَد وإذا تحققت النسبة فبمدة
متناهية أو غير متناهية.
قلنا ولا بد من نفي النسبة بين الموجِد والموجَد إذ لو تحققت النسبة بمدة
متناهية أو غير متناهية كان وجوده زمانياً قابلاً للتغير والحركة أليس لو
قال القائل ما نسبة واحد منا حيث حدث وله أول كان السؤال محالاً أليس لو
قال القائل ما نسبة العالم منه تعالى حيث وجد وله نهاية أفيباينه أو
يجاوره فإن باينه أفبخلا أو بينونة تتناهى أم لا تتناهى كان السؤال
محالاً كذلك نقول في المدة فإن الجزئي كالكلي والزمان كالمكان.(نهاية
الاقدام فى علم الكلام )
أما تعطيل العالم عن الصانع العالم القادر الحكيم فلست أراها مقالة لأحد
ولا أعرف عليه صاحب مقالة إلا ما نقل عن شرذمة قليلة من الدهرية أنهم
قالوا العالم كان في الأزل أجزاء مبثوثة تتحرك على غير استقامة واصطكت
اتفاقاً فحصل عنها العالم بشكله الذي تراه عليه ودارت الأكوار وكرت
الأدوار وحدثت المركبات ولست أرى صاحب هذه المقالة ممن ينكر الصانع بل هو
معترف بالصانع لكنه يحيل سبب وجود العالم على البحث والاتفاق احترازاً عن
التعليل فما عددت هذه المسئلة من النظريات التي يقام عليها برهان فإن
الفطرة السليمة الإنسانية شهدت بضرورة فطرتها وبديهة فكرتها على صانع
حكيم عالم قدير " أفي الله شك فاطر السموات والأرض ولئن سألهم من خلقكم
ليقولن الله ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن خلقهن العزيز
العليم " وإن هم غفلوا عن هذه الفطرة في حال السراء فلا شك أنهم يلوذون
إليه في حال الضراء " دعوا الله مخلصين له الدين وإذا مسكم الضر في البحر
ضل من تدعون إلا إياه " ولهذا لم يرد التكليف بمعرفة وجود الصانع وإنما
ورد بمعرفة التوحيد ونفي الشريك أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله
إلا الله ولهذا جعل محل النزاع بين الرسل وبين الخلق في التوحيد " ذلك
بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا " الآية " وإذا ذكر
الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكرت ربك في القرآن
وحده ولوا على أدبارهم نفوراً " وقد سلك المتكلمون طريقين في إثبات
الصانع تعالى وهو الاستدلال بالحوادث على محدث صانع وسلك الأوائل طريقاً
آخر وهو الاستدلال بإمكان الممكنات على مرجح لأحد طرفي الإمكان ويدعى كل
واحد في جهة الاستدلال ضرورة وبديهة.
وأنا أقول ما شهد به الحدوث أو دل عليه الإمكان بعد تقديم المقدمات دون
ما شهدت به الفطرة الإنسانية من احتياج في ذاته إلى مدبر هو منتهى
الحاجات فيرغب إليه ولا يرغب عنه ويستغني به ولا يستغني عنه ويتوجه إليه
ولا يعرض عنه ويفزع إليه في الشدائد والمهمات فإن احتياج نفسه أوضح له من
احتياج الممكن الخارج إلى الواجب والحادث إلى المحدث وعن هذا كانت
تعريفاته الخلق سبحانه في هذا التنزيل على هذا المنهاج أمن يجيب المضطر
إذا دعاه أمن ينجيكم من ظلمات البر أمن يرزقكم من السماء والأرض أمن يبدأ
الخلق ثم يعيده وعن هذا قال النبي صلى الله عليه وسلم " خلق الله تعالى
الخلق على معرفته فاجتالهم الشيطان عنها " فتلك المعرفة هي ضرورة
الاحتياج وذلك الاحتيال من الشياطين هو تسويله الاستغناء ونفي الاحتياج
والرسل مبعوثون لتذكير وضع الفطرة وتطهيرها عن تسويل الشيطان فإنهم
الباقون على أصل الفطرة " وما كان له عليهم من سلطان " وقال " فذكر إن
نفعت الذكرى سيذكر من يخشى " وقوله " فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو
يخشى " ومن رحل إلى الله قربت مسافته حيث رجع إلى نفسه أدنى رجوع فعرف
احتياجه إليه في تكوينه وبقائه وتقلبه في أحواله وأنحائه ثم استبصر في
آيات الآفاق إلى آيات الأنفس ثم استشهد به على الملكوت لا بالملكوت عليه
" أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد " عرفت الأشياء بربي وما عرفت ربي
بالأشياء ومن غرق في بحر المعرفة لم يطمع في شط ومن تعالى إلى ذروة
الحقيقة لم يخف من حط فثبت بالدلائل والشواهد أن العالم لا يتعطل عن
الصانع الحكيم القادر العليم سبحانه وتقدس.
وأما تعطيل الصانع عن الصنع فقد ذهب وهم الدهرية القائلين بقدم العالم
إلى أن الحكم بقدم العالم في الأزل تعطيل الصانع عن الصنع وقد سبق الرد
عليهم بأن الإيجاد قد تحقق حيث تصور الإيجاد وحيث ما لم يتصور لم يكن
تعطيلاً وكما أن التعطيل ممتنع كذلك التعليل ممتنع وأنتم عللتم وجود
العالم بوجوده وسميتم معبودكم علة ومبداً وموجباً وذلك يودي إلى أمرين
محالين أحدهما بثبوت المناسبة بين العلة والمعلول وقد سبق تقريره والثاني
أن العلة توجب معلولها لذاتها والقصد الأول وجود العالم من لوازم وجوده
بالقصد الأول فإن العالي لا يريد أمراً لأجل الأسفل فبطل أيضاً التعليل
وهذا من الإلزامات المفحمة التي لا جواب عنها.(نهاية الاقدام فى علم
الكلام)
وقوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} هذا يشمل كلّ من
تنقّص الله تعالى فإنّه ما قدره حقّ قدره، فيدخل في ذلك الجاحدون
المعطِّلون الذين ينفون وُجود الله تعالى، وهم الدهرية الذين يقولون:
{مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا
يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ}، يقولون: ليس لنا ربّ يتصرّف فينا، وإنّما
هذا الوُجود إنّما هو نتيجة الطّبيعة والصُّدفة ليس له ربٌّ أوجده وخلقه،
وإنّما يتفاعل هذا الوُجود بنفسه، فتتكوّن هذه الأشياء من تفاعُل هذا
الكون، ويجحدون وُجود الخالق سبحانه وتعالى، وهؤلاء يقال لهالمسلم
المعطِّلة الدهريّة.
وقد ردّ الله تعالى عليهم بقوله: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ
هُمُ الْخَالِقُونَ(35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا
يُوقِنُونَ(36)}، وردّ عليهم بقوله: {وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ
إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ}، لأن القول لابد أن يكون مستنداً إلى
بُرهان، وأين بُرهانهم؟ لأن البرهان إنمالى أنّ هذا الخلْق له خالق، هذا
هو البُرهان الذي تقرّه الفطر والعقول.فلا يُتصوّر ولا يُعقل أن يوجَد
مخلوق بدون خالق، فلا عاقل في الدّنيا يتصوّر أنّ هذا الكون وُجد بدون
خالق، لأن هذا من باب العبث بالعُقول، هل تجدون - مثلاً- أنّ قصراً تكوّن
بدون عمال وبدون بانٍ؟، هذا محال هل تجدون- مثلاً- شجرة وُجدت بدون أسباب
وبدون بِذار وبدون سقي؟، لابدّ من أسباب لوجودها. ص -317- ... وهذا يقال
إنّ الإمام أبا حنيفة رحمه الله جاءه جماعة من الملاحدة وقالوا: نريد
المناظرة، فقال لهم رحمه الله: قبل المناظرة بلغني خبرٌ عجيب، قالوا: وما
هو؟، قال: بلغني أنّ سفينةً تسير بنفسها في البحر، وتحمَّل نفسها
بالبضائع، ثم تأتي وتُفرغ حَمولتها بنفسها بدون عُمّال وبدون قائد،
قالوا: هذا مُحال، لا يُتصوّر أنّ سفينة تمشي في البحر وتحمّل نفسها
وتُفرغ عن نفسها بدون عمّال وبدون قائد، قال: هكذا بلغني، قالوا: هذا
مُحال، قال: يا سبحان الله! إذا كانت سفينة- وهي جزئيّة صغيرة في الكون-
لا يُتصوّر فيها أنّها تعمل هذا الشّيء فكيف بهذا الكون كلّه ليس له خالق
وليس له مدبِّر وليس له رب، فانخصموا واندحروا، وأفحمهم بهذه الحُجّة.
وهذه الآية مفحمة لكل ملحد: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ} هل يُعقل
أنّ الخلق يوجد بدون خالق؟، لا، هذا لا يقولُه عاقل.
وإذا كان الكون لابدّ له من خالق فمن هو هذا الخالق؟، هل هو أنتم؟ {أَمْ
هُمُ الْخَالِقُونَ} يعني: أنتم الذين خلقتم السماء، خلقتم الأرض، خلقتم
الشجّر، خلقتم البحار، بيِّنوا لنا الذي خلق هذه الأشياء، وضِّحوا لنا،
لا يستطيع أحد مهما بلغ من الكفر والإلحاد، لا يستطيع أن يدّعي أنّه خلق
السماء، وخلق الأرض، {أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا
يُوقِنُونَ(36)}، {أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ}، {هَذَا
خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ}، فكلّ
الكفرة والمشركين لا أحد منهم ادّعى أنّ معبوده من دون الله خلقَ شيئاً
من هذا الكون، أبداً، قال سبحانه وتعالى: {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ
شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ
اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}.
فالله جل وعلا هو المنفرد بالخلْق، ولا أحد نازعَ الله في ذلك من
الجبابرة والمتكبِّرين والكَفرة
(اعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد)
وإنما الدهرية تقول هذا العالم قديم واجب بنفسه أو يقولون هو معلول علة
قديمة واجبة بنفسها فيقال لهؤلاء إن قلتم إن هذا العالم واجب الوجود
بنفسه قديم لزمكم هذه المحالات وأضعافها فإنه يقال لكم لأي سبب تحرك
الفلك الأعلا وغيره من الأفلاك ولم حصلت هذه الاستحالات فإن هذه أمور
حادثة بعد أن لم تكن وهي ممكنة قطعا فالمحدث لها سواء كان الفلك أو غيره
الذي قد قدر أنه قديم واجب الوجود بنفسه إن أحدثها لغرض لزم أن يكون
مستكملا بها والتقدير أنه قديم واجب الوجود بنفسه فقد لزمكم أن يكون
القديم الواجب الوجود بنفسه مستكملا بغيره وهذا هو المحال الذي فررتم منه
فقد وقعتم فيه مع ما في ذلك من المحالات اللازمة على هذا التقدير مثل
امتناع كون الفلك الأعلا هو المحدث لجميع الحركات وغير ذلك حتى لو قدر في
كل فلك متحرك أنه قديم واجب الوجود بنفسه كان هذا السؤال قائما فيه وفي
حركاته الحادثة بعد أن لم تكن وكذلك إن قالوا تحرك لأجل العناية
بالسافلات أن يكون الأعلا خادما للأدنى وأن تكون هذه الغاية أعلا من
الفاعل الذي هو أشرف منها وهو متناقض
وإن فرض أن قائلا يقول أو يخطر له إن الفلك ليس بقديم واجب بنفسه ولا
معلول علة قديمة بل يقول حدث بنفسه بعد أن لم يكن وهذا لا نعلم به قائلا
وقد ذكر أرباب المقالات أنهم لم يعلموا به قائلا لكن هو مما يخطر بالقلب
ويوسوس به الشيطان
فيقال هذا الوجود المشهود إما أن يكون موجودا بنفسه وإما أن لا يكون وإذا
كان موجودا بنفسه فإما أن يكون قديما وهو القسم الذي تقدم بيان تناقض
أصحابه وإما أن يكون محدثا بنفسه فيقال هذا القول أظهر فسادا وتناقضا
فإنه من المعلوم بالفطرة البديهية أن المحدث لابد أن لم يكن لا يتصور أن
يحدث عن غير محدث ولا أن يحدث نفسه فلا يكون الشيء صانعا لنفسه ولا
مصنوعا لنفسه ولا يكون أيضا على غائية لنفسه كما قد بسطنا هذا في غير هذا
الموضع قال تعالى أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون قالوا من غير خالق
خلقهم قال جبير بن مطعم لما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه
الآية في صلاة المغرب أحسست بفؤادي قد انصدع وقد تكلمنا على هذه الآية في
غير هذا الموضع بين سبحانه باستفهام الإنكار الذي يتضمن أن الأمر المنكر
من العلوم المستقرة الملازمة للمخاطب التي ينكر على من جحدها لأنه سفسط
بجحد العلوم البديهية الفطرية الضرورية فإنه من المعلوم أن ما حدث لا
يكون من غير محدث أحدثه ولا يكون هو حدث بنفسه فقال أم خلقوا من غير شيء
أم هم الخالقون وهذا يستلزم الجمع بين النقيضين وغيره من المحالات
وإن كانت إحالته في العقل من أظهر العلوم الضروريات فإن كونه فاعلا لنفسه
يقتضي أن يكون وجوده قبلها وكونها مفعولة يقتضي أن يكون وجوده بعد نفسه
فيجب أن تكون نفسه موجودة معدومة في آن واحد
والمقصود هنا بيان تناقض حججهم وأن الذي يقولونه فيه من المحذور أعظم مما
فروا منه
فيقال إذا قدر أنه حدث بنفسه بلا محدث بل عن العدم المحض فمعلوم أن هذا
مع كونه معلوم الفساد بالضرورة من أبعد الأشياء عن الأمور الموجودة
المحسوسة وعن القياس العقلي فمن جوز أن يكون هذا الوجود صدر عن عدم محض
فصدروه عن علة موجبة لا تستلزم وجود المعلول أقرب إلى العقل وأبعد عن
المحذور وهو الذي فروا منه لأن أكثر ما في هذا أنه تكون العلة التامة قد
تخلف عنها معلولها أو وجد المعلول عن علة ليست تامة ومن المعلوم أن صدوره
لا عن شيء أعظم امتناعا وفسادا من صدوره عن علة ليست تامة ومن المعلوم أن
وجود العلة التامة بلا معلول أقل فسادا وامتناعا من وجود المحدث لا من
علة أصلا فإن المعلول إما محدث وإما قديم ومعلوم بالعقل أن حاجة المعلول
المحدث إلى العلة أظهر من حاجة المعلول القديم ووجود المعلول بلا علة
أبعد في العقل من وجود العلة بلا معلول فإذا جوزتم صدور المحدث بلا علة
ولا محدث كان تجويز وجود العلة التامة مع تأخر معلولها أقرب في العقل
وأبعد عن المحال
وكذلك أيضا إذا جوزتم صدوره عن العدم فصدوره عن فاعل مستكمل بفعله أو
فاعل يفعل لا لغرض أقرب في العقل وأبعد عن المحال مما جوزتموه فإن هذا
غايته أن يكون أحدثه فاعل ناقص أو عابث وبكل حال فهذا أقل امتناعا من أن
يكون حدث لا عن شيء
وبالجملة فافتقار المحدث إلى المحدث من أبده العلوم وأوضح المعارف وهذا
لم ينازع فيه أحد من العقلاء وأي قول قيل كان أقرب إلى العقل وأبعد عن
المحال من هذا فإذا قرر هذا القول ظهر أن المحال الذي فيه أعظم من المحال
الذي يلزم غيره ولهذا لم نكثر تقرير هذا القول وإنما تكلمنا على ما قال
به قائلون وهم الدهرية القائلون بقدم العالم إما واجبا بنفسه وإما واجبا
بعلته فهؤلاء إذا ظهر تناقض قولهم كان تناقض ذلك القول أظهر وقد ذكرنا
بعض تناقضهم
ويقال لهم أيضا هذه الكمالات الحاصلة للفلك بإحداث ما يحدثه من الحركات
إن كانت مقدورة له في الأزل فلم أخرها وإن كانت غير مقدورة له فقد
أثبتموه عاجزا عن غير ما فعل من الأحداث فإذا أقررتم بخلق الفلك لم
يلزمكم في إثباته أكثر من هذا وهو أن يكون مستكملا بما يحدثه من الأفعال
وأن لا يكون وجود تلك الأفعال في الأزل ممكنا وغاية ما يلتزمونه من قيام
أفعال حادثة بذاته أو من كونه جسما أو غير ذلك فإن هذا كله لازم لكم إذا
قلتم بأن الفلك قديم واجب الوجود فإذا كان كل محذور يلزمكم على تقدير
إثبات الصانع يلزمكم أيضا على تقدير نفي الصانع كان القول بنفيه باطلا
قطعا وكانت هذه الحجة فاسدة وهذا هو المقصود هنا
وأما بيان أن هذه الحوادث الموجودة في العالم يمتنع أن يكون الفلك مستقلا
بهذا فذاك له مقام آخر إذ الغرض هنا بيان تناقضهم مع أن ذلك ظاهر بين
والعقلاء المعروفون متفقون على أن الحوادث التي تحدث لا يستقل بها الفلك
ويمتنع أن يكون في المخلوقات ما يستقل بأحداث محدث منفصل عنه فهذا له
مقام آخر وهو دليل مستقل عظيم القدر على ثبوت الصانع تعالى
وهكذا الإلزام على التقدير الثاني وهو أن يقال هذه الحركات لغير غرض
فيقال فيلزمكم بموجب كلامكم أن يكون الموجود القديم الواجب الوجود يفعل
أفعالا دائمة مستمرة لغير غرض وقد قلتم إنه عبث والعبث على الحكيم محال
فمهما كان جوابكم عن ذلك في هذا أمكن أن تجيبوا أنفسكم به إذا كان القديم
الواجب الوجود هو صانع الفلك مع كون المحذور حينئذ أقل عندكم فلم عدلتم
عن القول الأخف إلى القول الأقبح ولله المثل الأعلى فنزهتموه إذا كان
موجودا قديما صانعا عن أن يستكمل بفعله أو يكون عابثا فيه فجعلتموه
معدوما وأي موجود فرض كان خيرا من المعدوم فعدلتم عن أن تصفوه بنوع نقص
فوصفتموه بما يجمع كل نقص ثم وصفتم غيره بصفات الكمال التي هي وجوب
الوجود والقدم مع وصفكم له بتلك النقائص فاجتماع هذه النقائص مع هذه
الكمالات لازم لكم ولم تستفيدوا إلا كمال التعطيل والجحود بلا حجة أصلا
وقد ظهر فساد حجتهم وتناقضهم فيها من وجوه
أحدها أن الذي نفوه به يلزمهم مثله فيما أثبتوه من موجود قديم واجب وهو
الفلك المشهود
الثاني أنهم قصدوا تنزيهه عن تجدد كمال له بفعله أو عن عبث فجعلوه أعظم
نقصا من المستكمل العابث ومن المعلوم أنه إذا قدر فاعل يستكمل بفعله كان
خيرا من المعدوم فإن الفلك أو غير الفلك إذا قدر ذلك فيه لم يشك عاقل أنه
خير من المعدوم فكان نفيهم له الذي فروا إليه شرا من نفي بعض الأمور التي
ظنوها كمالا فتدبر هذا أيضا وكذلك إذا قدر موجود كامل يفعل فعلا لغير غرض
له وقيل إنه عابث فهو أكمل من العدم الذي ليس بشيء أصلا فإن الفاعل لغير
غرض بمنزلة الساكن الذي لا يفعل وهذا يقال فيه إنه جامد ويقال في ذلك إنه
عابث والجامد والعابث خير من العدم المحض لا سيما إذا كان متصفا بسائر
صفات الكمال
الثالث ما تركب من هذين الوجهين وهو أنهم مع التزام المحالات التي زعموا
أنهم فروا منها ومع التزام ما هو شر مما فروا منه لم يستفيدوا بذلك إلا
جحود الصانع تعالى وتقدس رب العالمين الذي هو أصل كل باطل
وكفر وكذب وتناقض وشر في الوجود كما أن الإيمان به أصل كل حق وهدى وصدق
واستقامة وخير في الوجود وهكذا يقال لهم في فعل القبائح وعدم فعلها من
وجوه
أحدها أن هذا لازم لكم فيما تصفونه بأنه واجب لذاته قديم وهذا لا بد منه
على كل تقدير ولا مندوحة عنه الثاني أن يقال تجويز تصديق الكاذب أو الكذب
أكثر ما يقال فيه إنه يستلزم بطلان الرسالة والخبر عن الثواب والعقاب
وهذا المحذور أخف بكثير من محذور نفي الصانع فهل يسوغ في العقل أن نجحد
الصانع وخلقه للعالم لأن ثبوت ذلك يستلزم بطلان النبوة والوعد والوعيد
فإنه يقال لذلك وأنت إذا نفيته بطلت النبوة والوعد والوعيد أيضا وبطل
أضعاف هذا من أمور الديانات فبتقدير أن يكون هذا لازما على التقديرين لا
يجوز أن يحتج به على نفي أحدهما مع كثرة المحاذير على هذا التقدير بل
غاية ما يقال إذا قدر أنه لازم فليس بمحذور ومعلوم أن الإقرار بالصانع
تعالى مع الكفر بالرسل والمعاد أقل كفرا من جحود الصانع كما أن الإقرار
مستكمل أو عابث أقل كفرا من جحوده فالتزام زيادة الحجة والتعطيل بلا حجة
من أبطل الباطل
وهكذا ما احتجوا به على جحود فعل القبيح كتكليف المحال ووجود الشرور فإنه
يقال فيه هذان الوجهان
أحدهما لزوم ذلك أيضا مع ما يصفونه بالقدم ووجوب الوجود
الثاني أن ذلك إنما يستلزم نقصا وذلك أهون من العدم فإذا كانت الحجة إنما
تستلزم في الوجود لم جز أن يلتزم عدمه بلا حجة بل إذا كان إثبات الوجود
الناقص لا بد منه على كل تقدير
ومثل من احتج على بطلان الخالق بأن ذلك يستلزم بطلان النبوة والمعاد مثل
من بلغه أن الله تعالى بعث رسولا وأن قوما كذبوه فتأذى بذلك فجاء إليه
فقتله وقال إنما قتلته لئلا يتأذى بالتكذيب وهؤلاء أعدموا الخالق لئلا
تكذب رسله على زعمهم
وكذلك مثل من أراد أن ينصر ملكا له مملكة عظيمة ولكن بعض رعيته عصوه فعمد
إلى ذلك الملك فقتله أو عزله عن الملك بالكلية وقال إنما فعلت ذلك إجلالا
لقدره لئلا يعصيه بعض رعيته
ويحكى عن بعض الحمقاء أنه رأى ذبابا وقع على وجه مخدومه فأخذ المداس فضرب
به وجه مخدومه ليطير عنه الذباب
(بيان تلبيس الجهمية)

أما مثال الدهرية في هذا الذين جحدوا الصانع سبحانه وتعالى فمثال من أحس
مصنوعات فلم يعترف أنها مصنوعات بل نسب ما رأى فيها من الصنعة إلى
الاتفاق والأمر الذي يحدث من ذاتهقلت ذكره لهذين النوعين كلام صحيح حسن
في الجملة وإن كان في ضمنه مواضع قصر فيها مثلما ذكره في دلالة حركة
الفلك وتفسير الآية وتسبيح المخلوقات واستدلال إبراهيم ودليل الأحداث
والاختراع يدل على ربوبية الله تعالى ودليل الحكمة والعناية والرحمة يدل
على رحمته وقد فتح الله كتابه العزيز بقوله الحمد لله رب العالمين الرحمن
الرحيم وهذا أجود من طريق المتكلمين طريقة الأعراض وإن كان لم يستقص
الكلام في دلالة ثبوت الصانع تعالى ولم يفصل إحداث الجواهر وغير ذلك
مع أن طرق معرفة الصانع بالفطرة والضرورة وبالنظر والاستدلال بنفس الذوات
وبصفاته باب واسع ليس هذا موضعه وكثير من يرغب عن طريقة الأعراض يذكر ما
في خلق الإنسان أو ما في خلق ما يشهد حدوثه من هذين النوعين من الحدوث
الدال على المحدث والحكمة الدالة على قصد الصانع ورحمته ونعمته بما يدل
عليه
(بيان تبليس الجهمية)
فإن الحجة مبناها على أنه لا بد للحوادث من تأثير وجودي فإن كان محدثا
لزم التسلسل وهو ممتنع وإن كان قديما لزم قدم الأثر
فيقال له : إن كان التسلسل في الآثار ممكنا بطلت الحجة لإمكان حدوثه عن
تأثير حادث وذلك عن تأثير حادث وهلم جرا وامتناع التسلسل مقدمة من مقدمات
الدليل فإذا بطلت مقدماته بطل إن كان التسلسل ممتنعا لزم أن تكون الحوادث
حدثت عن تأثير وجودي قديم وحينئذ فيمكن حدوث العالم بدون تسلسل الحوادث
عن تأثير قديم وهو المطلوب
وإن شئت أدخلت المقدمة الأولى في التقدير أيضا كما تقدم التنبيه عليه ن
حتى يظهر الجواب على كل تقدير وعلى قول كل طائفة من نظار المسلمين إذ كان
منهم من يقول : التأثير في المحدثات وجودي قديم ومنهم من يقول هو أمر
عدمي ومنهم من يقول بتسلسل الآثار الحادثة
والدهري بنى حجته عل أنه لا بد من تأثير وجودي قديم وأنه حينئذ يلزم قدم
الأثر
فيجاب على كل تقدير فيقال : التأثير إن كان عدميا بطلت المقدمة الأولى
وجاز حدوث الحوادث بدون تأثير وجودي وإن كان وجوديا ـ وتسلسل الحوادث
ممكن ـ أمكن حدوثه بآثار متسلسلة وبطل قولك بامتناع تسلسل الآثار وإن كان
تسلسل الآثار ممتنعا لزالمسلم إما التأثير القديم وإما التأثير الحادث
بالقدرة أو بالقدرة والمشيئة القديمة وحينئذ فالحوادث مشهودة فتكون صادرة
عن تأثير قديم أو حادث وإذا جاز صدور الحوادث عن تأثير قديم أو حادث بطلت
الحجة
وأصل هذا الكلام المسلم أنا نشهد حدوث الحوادث فلا بد لها من محدث هو
المؤثر وإحداثه هو التأثير فالقول في إحداث هذه الحوادث والتأثير فيها
كالقول في إحداث العالم والتأثر فيه
وهؤلاء الدهرية بنوا هذه الحجة على أنه لا بد من تأثير حادث فيفتقر إلى
تأثير حادث كما بنوا الأولى على أنه لا بد من سبب حادث فمأخذ الحجتين من
مشكاة التسلسل في الآثار : القائلون بقدم العالم والقائلون بحدوثه كما
يجوزه طوائف من أهل الملل أو أكثر أهل الملل إذا أجيبوا على التقديرين
وقيل لهالمسلم إن كان التسلسل جائزا بطلت هذه الحجة وتلك وإن لم يكن
جائزا بطلت أيضا هذه وتلك كان هذا جوابا قاطعا
ولكن لفظ التسلسل فيه إجمال واشتباه كما في لفظ الدور فإن الدور يراد
به : الدور القبلي وهو ممتنع بصريح العقل واتفاق العقلاء ويراد به الدور
المعي الاقتراني وهو جائز بصريح العقل واتفاق العقلاء ومن أطلق امتناع
الدور فمراده الأول أو هو غالط في الإطلاق
ولفظ التسلسل يراد به التسلسل في المؤثرات وهو أن يكون للحادث فاعل
وللفاعل فاعل وهذا باطل بصريح العقل واتفاق العقلاء وهذا هو التسلسل الذي
أمر التبي صلى الله عليه وسلم بأن يستعاذ بالله منه وأمر بالانتهاء عنه
وأن يقول القائل : آمنت بالله ورسله
وهذا التسلسل في المؤثرات والفاعلين يقترن به تسلسل آخر وهو التسلسل في
تمام الفعل والتأثير وهو نوعان : تسلسل في جنس الفعل وتسلسل في الفعل
المعين فالأول ـ مثل أن يقال : لا يفعل الفاعل شيئا أصلا حتى يفعل شيئا
معينا أو لا يحدث شيئا حتى يحدث شيئا أو لا يصدر عنه شيء حتى يصدر عنه
شيء فهذا أيضا باطل بصريح العقل واتفاق العقلاء
وهذا هو الذي يصح أن يجعل مقدمة في دوام الفاعلية بأن يقال : كل الأمور
المعتبرة في كونه فاعلا : إن كانت قديمة لزم قدم الفعل وإن حدث فيها شيء
فالقول في حدوث ذلك الحادث كالقول في حدوث غيره فالأمور المعتبرة في حدوث
ذلك الحادث : إن كانت قديمة لزم قدم الفعل وإن كانت محدثة لزم أن لا يحدث
شيء من الأشياء حتى يحدث شيء
وهذا جمع بين النقيضين وقد يسمى هذا دورا ويسمى تسلسلا وهذا هو الذي أجاب
عنه من أجاب بالمعارضة بالحوادث المشهودة
وجوابه أن يقال : أتعني بالأمور المعتبرة الأمور المعتبرة في جنس كونه
فاعلا أم الأمور المعتبرة في فعل شيء معين ؟ أما الأول فلا يلزم من
دوامها دوام فعل شيء من العالم وأما الثاني : فيجوز أن يكون كل ما يعتبر
في حدوث المعين كالفلك وغيره حادثا ولا يلزم من حدوث شرط الحادث المعين
هذا التسلسل بل يلزم منه التسلسل المتعاقب في الآثار وهو أن يكون قبل ذلك
الحادث حادث وقبل ذلك الحادث حادث وهذا جائز عندهم وعند أئمة المسلمين
وعلى هذا فيجوز أن يكون كل ما في العالم حادثا مع التزام هذا التسلسل
الذي يجوزونه
وقد يراد بالتسلسل في حدوث الحادث العين أو في جنس الحوادث : أن يكون قد
حدث مع الحادث تمام مؤثره وحدث مع حدوث تمام المؤثر وهلم جرا
وهذا أيضا باطل بصريح العقل واتفاق العقلاء وهو من جنس التسلسل في تمام
التأثير
فقد تبين أن التسلسل إذا أريد به أن يحدث مع كل حادث حادث يقارنه يكون
تما تأثيره مع الآخر حادث وهلم جرا فهذا ممتنع من جنس قول معمر في
المعاني التسلسلة وإن أريد به أن يحدث قبل كل حادث حادث وهلم جرا فهذا
فيه قولان وأئمة المسلمين وأئمة الفلاسفة يجوزونه كما أن التسلسل يراد به
التسلسل في المؤثرات وفي تمام التأثير يراد به التسلسل المتعاقب شيئا بعد
شيء ويراد به التسلسل المقارن شيئا مع شيء فقول إنها أيضا : إن المؤثر
يستلزم أثره يراد به أن يكون عقبه فهذا هو الاستلزام المعروف عند جمهور
العقلاء وعلى هذا فيمتنع أن يكون في العالم شيء قديم
والناس لهم في استلزام المؤثر أثره قولان :
فمن قال : إن الحادث يحدث في الفاعل بدون سبب حادث فإنه يقول : المؤثر
التام لا يجب أن يكون أثره معه بل يجوز تراخيه ويقول : أن القادر المختار
يرجع أحد مقدوريه بمجرد قدرته التي لم تزل أو بمجرد مشيئته التي لم تزل
وإن لم يحدث عند وجود الحادث سبب
والقول الثاني : أن المؤثر التام يستلزم أثره لكن في معنى هذا الاستلزام
قولين : أحدهما : أن يكون معه بحيث يكون زمان الأثر زمان المؤثر فهذا هو
الذي تقوله المتفلسفة وهو معلوم الفساد بصريح العقل عند جمهور العقلاء
والثاني : أن يكون الأثر عقب تمام المؤثر وهذا يقر به جمهور العقلاء وهو
يستلزم أن لا يكون في العالم شيء قديم بل كل ما فعله القديم الواجب بنفسه
فهو محدث
وإن قيل : إنه لم يزل فعالا وإن قيل بدوام فاعليته فذلك لا يناقض حدوث كل
ما سواه بل هو مستلزم لحدوث كل ما سواه فإن كل مفعول فهو محدث فكل ما
سواه مفعول فهو محدث مسبوق بالعدم فإن المسبوق بغيره سبقا زمانيا لا يكون
قديما والأثر المتعقب لمؤثره الذي زمانه عقب زمان تمام مؤثره ليس مقارنا
له في الزمان بل زمنه متعقب لزمان تمام التأثير كتقدم بعض أجزاء الزمان
على بعض وليس في أجزاء الزمان شيء قديم وإن كان جنسه قديما بل كل جزء من
الزمان مسبوق بآخر فليس من التأثيرات المعينة تأثير قديم كما ليس من
أجزاء الزمان جزء قديم
فمن تدبر هذه الحقائق وتبين له ما فيها من الاشتباه والالتباس : تبين له
محارات أكابر النظار في هذه المهامه التي تحار فيها الأبصار والله يهدي
من يشاء إلى صراط مستقيم
وحينئذ فيقال : الدهرية يزعمون أن حركات الفلك لا بداية لها ولا نهاية لا
يجعلون لها آخرا تنتهي إليه فلا يصح اعتمادهم على أن هذه الحوادث متناهية
من أحد الجانبين بل يلزمهم قطعا أن تكون الحركة الفلكية التي زعموا أنها
لم تزل ولا تزال متفاضلة فدورات زحل عنهم لم تزل ولا تزال وكذلك دورات
الشمس والقمر مع أن دورات القمر دورات بقدر دورات الشمس اثنتي عشرة مرة
ودورات الشمس بقدر دورات زحل ثلاثين مرة فكل من هذين لا يتناهى في الماضي
والمستقبل وهذا أقل من هذا بقدر متناه وهذا أزيد من هذا بقدر متناه فإذا
كان الأقول من غيره متناهيا لزم أن يكون كل من الدورات متناهيا
وهذا الوجه لا يرد على من قال من أئمة الإسلام وأهل الملل بجواز حوادث لا
تتناهى فإن أولئك يقولون بأن حركة الفلك لها ابتداء ولها انتهاء وأنه
محدث مخلوق كائن بعد أن لم يكن وأنه ينشق وينفطر فتبطل حركة الشمس والقمر
وكل واحد من دورات الفلك وكواكبه وشمسه وقمره له عندهم بداية ونهاية
الأقوال في مقارنة المعلول لعلته الثانية
قيل : يجب أن يقارن الأثر ولتأثيره بحيث لا يتأخر الأثر عن التأثير في
الزمان فلا يتعقبه ولا يتراخى عنه وهذا قول هؤلاء الدهرية القائلين بأن
العالم قديم عن موجب قديم وقولهم أفسد الأقوال الثلاثة وأعظمها تناقضا
فإنه إذا كان الأثر كذلك لزم أن لا يحدث في العالم شيء فإن العلة التامة
إذا كانت تستلزم مقارنة معلولها لها في الزمان وكان الرب علة تامة في
الأزل - لزم أن يقارنه كل معلول وكل ما سواه معلول له : إما بواسطة وإما
بغير واسطة فيلزم أن لا يحدث في العالم شيء
وأيضا فما يحدث من الحوادث بعد ذلك يفتقر إلى علة تامة مقارنة له فيلزم
تسلسل علل أو تمام علل ومعلولات في آن واحد وهذا باطل بصريح العقل واتفاق
العقلاء وإن قدر أن الرب لم يكن علة تامة في الأزل بطل قولهم
فيقال له كأنت ألزمت مناظريك من أهل الكلام حدوث حادث بلا سبب حادث وذكرت
أن هذا ممتنع بالضرورة وهذا هو المقام المعروف الذي استطالت به المتفلسفة
الدهرية على مناظريهم من أهل الكلام المأخوذ في الأصل عن الجهمية
والقدرية فيقال له أنت يلزمك ما هو أشد من هذا وهو حدوث الحوادث بلا فاعل
وهو الذي ذكرت أنه ساقط بين السقوط وذلك أن الحوادث المشهودة أن قلت لا
فاعل لها فقد لزمك هذا القول وإن قلت : لها فاعل قيل لالكافر أفعلها بعد
أن لم تكن من غير حدوث شيء في ذاته ام لم يفعلها حتى حدث شيء في ذاته ؟
فإن قلت بالأول قيل لالكافر فهي دائمة أو لها ابتداء ؟ فإن قلت لها
ابتداء فهذا قول منازعيك وإن قلت لا ابتداء لها فقد صارت الحوادث كلها
تحدث عن فاعل من غير حدوث شيء فيه وقد قلت إنه لا يمكن أن يكن حال الفاعل
في المفعول المحدث وقت الفعل هي بعينها حاله وقت عدم الفعل فيلزمك أن لا
يكون حاله عند وجود حوادث الطوفان هي حاله عند وجود الحوادث التي قبله
فإن الحوادث مختلفة فإن أمكن أن يكون حاله واحدا مع حدوث الحوادث
المختلفة أمكن أن يكون حاله واحدا مع تجدد الحوادث لأن الحادث الثاني
كالطوفان فيه من الأمور ما لم يكن له قبل ذلك نظير فتلك حوادث لا نظير
لها ولا فرق بين إحداث هذا وإحداث غيره وإذا جعل المقتضي لذلك تغيرات
تحدث في الفلك كان الكلام في حدوث تلك التغيرات العلوية كالكلام في حدوث
التغيرات السفلية
وإن قلت : بل حدث أمر أوجب هذه الحوادث
قيل لالكافر الفاعل له : إن كان هو الأول عاد الإلزام جذعا وإن كان غيره
لزمك حدوث الحوادث بلا فاعل وإن التزمت أنه ما فعلها حتى حدث فيه شيء فقد
تركت قولك
وأيضا فالفاعل المستكمل لشروط الفعل إما أن يجوز حدوث المفعول عنه بعد أن
لم يكن بلا سبب حادث وإما أن لا يجوز فغن جاز فهو قول منازعك الذي ادعيت
أنه فاسد بالضرورة وإن لم يجز لزم أن يكون مفعوله مقارنا له لا يتأخر عنه
منه شيء فلا يجوز أن يحدث عن الفاعل شيء كما تقوله أنت وإخوانك إنه علة
تامة وموجب تام والعلة التامة لا يتأخر عنها معلولها ولا شيء من معلولها
فإذا كل ما تأخر عن الأول ليس معلولا للعلة التامة ولا مفعولا للفاعل
الأول ولا يجوز أن يكون فعلا لغيره إذ القول في ذلك الغير كالقول فيه
فيلزم أن تكون الحوادث كلها حادثة بلا محدث

(درء تعارض العقل والنقل)
وذهبت الدهرية إلى أن العالم قديم وليس له أول ولم يزل كان هكذا ولا يزال
يكون هكذا رجل من نطفة ونطفة من رجل وحبة من نبات ونبات من حب ودجاجة من
بيضة وبيضة من دجاجة وليل بعد نهار ونهار بعد ليل
والكلام في هذه المسالة على طريقين إثبات أصول ومقدمات إذا صحت وثبتت
ثبت حدوث العالم
والثاني يدل على بطلان مذهبهم واستحالة قولهم
أما الطريق الأول فيعتمد على ثلاثة أصول الأصل الأول يدل على إثبات
الأعراض وهي المعاني القائمة بالجواهر
وأنكرت طائفة من الملحدة الأعراض بالكلية وقالوا لا موجود إلا الجواهر
والدليل على ثبوت الأعراض انا نرى الجوهر ساكنا فيتحرك ويزول عن جهته
التي كان فيها إلى غيرها مع جواز أن لا يتحرك ويبقى في جهته فإذا كان من
الجائز أن لا يتحرك فإذا اختص بالحركة بدلا عن استمرار السكون لا بد له
من موجب أوجب زواله عن محله ثم الموجب لا يخلو إما أن يكون نفسه وهو محال
لأن نفسه كان موجودا قبل ذلك الوقت وبعده والحركة غير موجودة فثبت أن
الموجب أمر زائد عليه
فإذا ثبت أنه يقتضي معنى زائدا عليه فلا بد وأن يكون ذلك المعنى ثانيا
موجودا لأن العدم نفي محض والنفي لا يجوز أن يكون موجبا حكما
فإذا ثبت أن الزائد على الجوهر موجود فلا يخلو إما أن يكون مثل الجوهر
أو خلافه ولا يجوز أن يكون مثله لأن مثل الجوهر جوهر آخر فليس أحد
الجوهرين بإيجاب حركة في الآخر بأولى من أن يكون الجوهر الآخر موجبا غير
تلك الحركة فيه
فإذا ثبت أنه خلافه فلا يخلو إما أن يكون فاعلا مختارا أو معنى قائما به
هو الموجب
ولا يجوز أن يكون ذلك الخلاف فاعلا مختارا لأن الكلام في جوهر موجود
والموجود لا يفعل بل يستغني بوجوده عن الفاعل فثبت أنه معنى زائد عليه
قائم به وهو ما ذكرناه من الأعراض
الأصل الثاني يدل على أن ما أثبتناه من الأعراض حادثة والدليل
عليه أن الجوهر الساكن إذا تحرك فقد طرت عليه الحركة ودل طريانها على
انتفاء السكون عنه وانتفاء السكون دليل حدوثه لأن القديم يستحيل عدمه
فإن قيل ولم أنكرتم على من يقول أن الحركة ما حدثت والسكون ما انتفى
ولكن الحركة كانت كامنة فظهرت والسكون كان ظاهرا فكمن وتستر
قلنا لو كان كذلك لاجتمع الحركة والسكون في المحل وقد علمنا استحالة كون
الشيء الواحد متحركا ساكنا فكذلك يستحيل اجتماع الحركة والسكون فإن قيل
ولم قلتم أن القديم يستحيل عدمه
قلنا الدليل على استحالة عدمه أنه لو جاز عدمه لكان لا يخلو اما أن يقال
عدمه حالة ما يعدم واجب حتى يستحيل عليه البقاء على تلك الحال أي حالة
الوجود أو يقال عدمه في تلك الحالة من الجائزات ويجوز أن يستمر وجوده في
تلك الحالة أي حالة الوجود بدلا عن العدم ولا يجوز أن يكون العدم في تلك
الحالة واجبا حتى لا يجوز استمرار الوجود لأنا نجوز بقاء الحركة في
المتحرك حالة ما سكن ولو كان عدم الحركة واجبا لاستحال تقدير بقائها في
تلك الحالة وإن كان عدمه جائزا واستمرار الوجود جائزا فمحال لأنه إذا جاز
بقاؤه وجاز عدمه فلا يختص بأحد الجائزين إلا بمخصص يقصد إلى التقديم لأجل
الجائزين على الآخر وهم أنكروا الصانع والمخصص
فإن قيل ولم لا يجوز أن يكون عدمه لضد يطرأ عليه فيبطله
قلنا هذا محال لأن الطارئ كما يضاد القديم فالقديم يضاد الطارئ أيضا فلم
كان إبطال القديم بالضد الطارئ أولى من امتناع ثبوت الطارئ بمضادة القديم
له
فإن قيل ولم لا يجوز أن تكون الحركة قد انتقلت من جوهر آخر إليه
قلنا الحركة هو الانتقال ولو افتقر الانتقال إلى انتقال آخر لافتقر ذلك
الانتقال إلى انتقال آخر ثم لا يزال كذلك فيتسلسل وذلك محال
الأصل الثالث أن عند أهل الحق يستحيل خلو الجواهر عن الأعراض
بيانه أنه لا يجوز أن يكون جوهر لا يكون له لون أصلا ولا يكون له طعم
أصلا ولا يكون ساكنا ولا متحركا وكذلك لا يجوز أن يكون جواهر لا متصلة
مجتمعة ولا متباينة متفرقة

فأما إذا أردنا الكلام مع الملحدة نفرض في الأكوان فنقول الجواهر
القابلة للاجتماع والافتراق غير مجتمعة ولا متباينة لا يعقل
وأيضا فإنهم جوزوا الاجتماع والافتراق فيما لا يزال ولا يعقل اجتماع
موجودين إلا عن افتراق سابق ولا افتراق موجودين إلا عن اجتماع سابق
(الغنية فى أصول الدين)