تمهيد:

بسم الله الرحمن الرحيم
الإنحراف العقدي وأسبابه



أما بعد:
إن الانحراف العقدي الذي نتج عن إستخدام العقل في غير ما خلق له أو في مجالات فوق طاقة العقل ومنها ا لبحث فيما وراء الطبيعة أو تأويل آيات القرآن المتشابهة تأويلا في غير موضعه أو يفسر كلمات القرآن وآيالته حسب الأهواء الشخصية والميول المذهبية والطائفية كمن يفسر كلمة الكوثر فيدعي أنها السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها وأرضاها أو كمن بفسر الشجرة الملعونة في القرآن بأنها تعني عائلة بني أمية وذلك إفتراء ما بعده إفتراء على الله وآياته وكذلك عدم التصديق بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم صحيحة الإسناد بحجة عدم موافقتها للعقل المحدود ,,لا شك أنه لا يأتي من فراغ وإنما يأتي نتيجة أسباب عديدة وسأذكر في هذا المقام بعضها:
أولاً: الجهل بحقيقة عقيدة أهل السنة والجماعة، وذلك أن عقيدة أهل السنة هي الحارس بإذن الله من كل انحراف لأنها هي الصراط المستقيم والمنهج القويم، وأساس هذه العقيدة تحقيق التوحيد ومن حقق التوحيد فأسلم حقاً سلم المسلمون من لسانه ويده ومن آمن حقاً أمنه الناس على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم فلا يقرب شيئاً منها إلا بحق لقد كانت جزيرة العرب في الجاهلية تموج بوحوش بشرية فهي تقتل وتسرق وتغصب وتظلم لا رادع لها من دين ولا سلطان فجاء الله بالإسلام فجعل منهم إخوة متحابين متآلفين وإذا بذلك الخوف ينقلب بفضل الله أمناً ودعة وسكوناً حتى كانت المرأة تسافر من شرقها إلى غربها لا تخاف إلا الله، قال عدي بن حاتم الطائي بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل فشكا إليه قطع السبيل فقال يا عدي هل رأيت الحِيرة قلت لم أرها وقد أنبئت عنها قال فإن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحِيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلا الله قلت فيما بيني وبين نفسي فأين دعار طيئ الذين قد سعروا البلاد (أي استغرب من هذه البشرى وتساءل في نفسه كيف تستطيع المرأة أن تقطع هذه المسافة الطويلة وقطاع الطريق من طيء على الطريق قد أوقدوا الأرض فتنة وفساداً) قال عدي: فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله) أخرجه البخاري . نعم عاش عدي حتى أدرك تغير الأوضاع وأمن الناس وصاروا إخوة في الله بعد أن دخلوا في الإسلام وخالطت بهجة الإيمان قلوبهم واتخذوا من كتاب الله وسنة نبيه هدى وقدوة.
فإذا درس الشباب عقيدة أهل السنة والجماعة دراسة حقيقية لا تحريف فيها ولا تزييف وفهموا نصوصها على فهم السلف الصالح كانت بإذن الله عصمة لهم من كل فتنة.
خذ مثالاً على ذلك: من عقيدة أهل السنة والجماعة أنهم لا يكفرون المسلم بذنب ما لم يستحله فالمسلم إذا شرب الخمر أو زنا أو سرق أو قتل أو أكل الربا نقص إيمانه نقصاً عظيماً ولا شك ولكنه لا يكفر بذلك وإذا مات قبل أن يتوب فأمره إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء أدخله الجنة بعد أن يمسه العذاب. لكنه لو اعتقد أن شيئاً من هذه المحرمات حلالاً اعتقد أن الخمر حلال أو الربا حلال أو الزنا حلال ومثله لا يجهل التحريم كان بذلك كافراً خارجاً من ملة الإسلام
ولو نظرنا اليوم إلى كثير من هؤلاء المنحرفين وإذا بهم يخالفون هذا الأصل من أصول أهل السنة فيكفرون المسلمين بغير مكفر أحياناً يكفرونهم بأمور مباحة في الشرع، وأحياناً يكفرونهم بذنوب لكنهم فعلوها دون استحلال وإنما فعلوها وهم يعتقدون تحريمها وإنما اتباعاً للهوى.
وإليك مثالاً آخر: من عقيدة أهل السنة والجماعة وجوب السمع والطاعة لولاة الأمورإذا تم إنتخابهم من خلال بيعة شرعية لا لبس فيها ولا غموض وإن جاروا وظلموا واستأثروا بالحظوظ الدنيوية طالما أنهم يحكمون كتاب الله وسنة نبيه على الرعية كما جاءت بذلك النصوص الكثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأن من خالف هذا الأصل فقد ارتكب إثماً عظيماً وأتى منكراً شنيعاً وخالف سبيل المؤمنين.
ثم تجد هذه الفئة المنحرفة عن عقيدة أهل السنة والجماعةتركن الى الحكام الطغاة عملاء الكفار الذين نصبوهم حكاما على بلاد المسلمين المجزأة بحجة واهية وهي طاعة أولي الأمر ونسوا أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وأية معصية أكبر من الحكم بغير ما أنزل الله وإتباع الكفار والتنازل عن أرض المسلمين للكفار لقد أولوا طاعة ولي الأمر تأويلا يناقض كتاب الله وسنة نبيه وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
ثانياً:
الجهل بالفقه الشرعي المبني على الكتاب والسنة الصحيحة، وكل عمل لا يوافق الشرع فهو مردود على صاحبه. ومن القضايا الفقهية التي عظم الجهل بها في هذا العصر قضية الجهاد.
إن الجهاد من أبواب الدين العظيمة وقد عني الشرع به عناية بالغة فجاءت فيه كثير من الآيات وكثير من الأحاديث وألفت فيه المؤلفات الخاصة وكتبت فيه الكتابات بأقلام العلماء الراسخين بينوا فيها حقيقته وشروطه وواجباته وموانعه وآدابه وغير ذلك من التفاصيل.
فلما جهل كثير من الشباب هذه الأحكام رفعوا راية الجهاد(جهاد الطلب) في أمة مجزأة لا نحكم بكتاب الله وسنة نبيه ولاقت الأمة منهم صنوف المحن وجروا على المسلمين من البلاء ما لا طاقة لهم به كل ذلك تحت شعار الجهاد والجهاد الشرعي براء منهم.
إن من آثار الجهل بحقيقة الجهاد الشرعي أن تكون أرضُ المعركة بلادَ الإسلام والتوحيد، وأن يكون المستهدفُ بالقتل المسلمَ المصلي، وأن يقوم هذا الجهاد المزعوم على الكذب والغدر والخيانة والانحطاط الأخلاقي والانسلاخ عن كل المعاني الشريفة التي جاء بها الإسلام واتفقت عليها الفطر السليمة.
انظر إلى الجهاد المزعوم اليوم كيف يذبح فيه الأبرياء في بيوتهم وفي طرقاتهم وفي أسواقهم وفي أعمالهم ومهنهم بل و في مساجدهم.
انظر إلى الجهاد المزعوم كيف تستحل فيه الأنفس المعصومة بغير ذنب إلا بلون البشرة أو نوع الجنسية. هذا بالنسبة لجهاد الطلب أما جهاد الدفع فهو فرض عين على كل مسلم ما بقيت أرض إسلامية تحت إحتلال الكفار
ثالثاً:
البعد عن علماء الشريعة العلماء والأئمة العظام الراسخين في علم الكتاب والسنة ، الذين عرفوا بالنصح للأمة حكاماً ومحكومين، ابتعدوا عنهم بسبب الجهل في العلوم الشرعيةوقامواإتباع علماء سلطة مداهنون، يبيعون دينهم من أجل الدنيا، لا يفتون إلا على هوى الملك، متكبرون متغطرسون، لا يتواضعون للشباب، ولا يفتحون لهم قلوبهم، لا يتكلمون إلا في الطهارة والحيض والنفاس، حرب على الجهادلدفع الكفار حرب على الدعاة الحقيقيين حرب على كل من يدعوا لإقامة حكم الإسلام وكنس الحكام الطغاة عملاء الغرب الكافر.
إن سوء الظن بأهل العلم من الأئمة العظام وعلماء الحديث الذين هم مرجع الناس في معرفة دينهم من علامة الخسران والخذلان لا سيما إذا كان هذا الظن السيء قد تلطخ به الشاب في مقتبل عمره الذي هو سن الطلب والتلقي ومرحلة الحماس الذي إن لم يكبح بكوابح الشريعة كان وبالاً عليه وعلى أمته.
رابعاً: التلقي عن أهل البدع والأهواء والانحرافات الفكرية وهذه نتيجة منتظرة للجهل بالعقيدة والبعد عن علماء السنة ولهذا رأينا كثيراً من شبابنا يتهافون على كتب التكفير والفتنة تهافت الفراش على النار وينبهرون بكتب التفسير العصري للقرآن الذي فام به كتاب لا يعرفون من العلم الشرعي إلا القشور.!حقا فقد ارتدت البشرية إلى عبادة العباد،(الحكام الطغاة) وإلى جور الأديان ونكصت عن لا إله إلا الله وإن ظل فريق منها يردد على المآذن لا إله إلا الله دون أن يدرك مدلولها . أن البشرية بنكوصها عن الحكم بما أنزل الله عادت إلى الجاهلية وارتدت عن معنى ومدلول لا إله إلا الله فأعطت لهؤلاء العباد الذين هم في واقعهم حكام طواغيت خصائص الألوهية ولم تعد توحد الله وتخلص له الولاء . البشرية بجملتها إنحرفت عن طريق الإسلام المستقيم بما فيها أولئك الذين يرددون على المآذن في مشارق الأرض ومغاربها كلمات لا إله إلا الله ويستكينون لكل حاكم طاغ لا يحكم بما أنزل الله). "وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون",,فعلى من تنطبق هذه الآية إذا لم تنطبق على عباد الحكام الطغاة الذين يحرمون ما أحل الله ويحلون ماحرم ثم يطاعوا بحجة شرعية مغلوطة بأنهم ولاة الأمر الذين أمرنا الله بطاعتهم!!.
نرى كثيراً من شبابناالمنحرفين يتهافتون إعجاباً وولاء لبعض رؤوس علماء السلطان في هذا العصروتلامذة المستشرقين السفهاء وتنظيماتهم ؛ لأن الله أمر بالتعاون على البر والتقوى لا بالتعاون على الفساد والشر ، ونشر الكذب ، ونشر الدعوات الباطلة التي تسبب الفرقة واختلال الأمن إلى غير ذلك . هذه النشرات التي تصدر من دعاة الباطل ودعاة الشر والفرقة يجب القضاء عليها وإتلافها وعدم الالتفات إليها.
خامسا:؛الجهل بعلوم اللغة العربية وعلوم القرآن الكريم فينتج عن ذلك الجهل فهم كلمات القرآن كما بينا سابقا فهما مغلوطا لأن الكلمة في اللغة العربية تحتمل عدة معان وكذلك ينطبق على الأحاديث الشريفة .
_سادسا::الغفلة عن تدبر آيات الله الكونية ، وآيات الله القرآنية ، والانبهار بمعطيات الحضارة المادية ؛ حتى ظنوا أنها من مقدور البشر وحده ؛ فصاروا يُعظِّمون البشر ، ويضيفون هذه المعطيات إلى مجهوده واختراعه وحده ، كما قال قارون من قبلُ : [قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ]وكما يقول الإنسان [هَذَا لِي ]، [إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ ].
ولم يتفكروا وينظروا في عظمة من أوجد هذه الكائنات ، وأودعها هذه الخصائص الباهرة ، وأوجد البشر وأعطاهُ المقدرةَ على استخراج هذه الخصائص ، والانتفاع بها : [وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ].
[أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ ].
[اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ].
سابعا:_أصبح البيتُ في الغالب خاليًا من التوجيه السليم ؛ وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ] [ أخرجه الشيخان ] ، فالأبوان لهما دور كبير في تقويم اتجاه الطفل
ثامنا:_إحجامُ وسائل التعليم والإعلام في غالب العالم الإسلامي عن أداء مهمتها ، فقد أصبحت مناهج التعليم في الغالب لا تولي جانب الدين اهتمامًا كبيرًا ، أو لا تهتم به أصلًا ، وأصبحت وسائلُ الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة في الغالب أداة تدمير وانحراف ، أو تعنى بأشياء مادية وترفيهية ، ولا تهتم بما يُقَوِّمُ الأخلاق ، ويزرع العقيدة الصحيحة ، ويقاوم التيارات المنحرفة ؛ حتى ينشأ جيلٌ أعزلُ أمام جيوش الإلحاد لا يدان له بمقاومتها
تاسعا:_تصدر علماء السلاطين للإفتاء بما ينسجم مع رغبات الحكام الطواغيت الذين عطلوا كتاب الله وسنة نبيه فضلوا وأضلوا .
وسبل التّوقِّي في هذا الانحراف تتلخص فيما يلي:
1_ الرجوع إلى كتاب الله عزَّ وجلَّ ، وإلى سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - لتلقِّي الاعتقاد الصحيح منهما وتحكيمهما في كل شئون الحياة، كما كان السلف الصالح يستمدون عقيدتهم منهما ، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها ، مع الاطلاع على عقائد الفرق المنحرفة ، ومعرفة شُبههم للرد عليها والتحذير منها ؛ لأن من لا يعرف الشر يوشك أن يقع فيه .
2_العناية بتدريس العقيدة الصحيحة - عقيدة السلف الصالح - في مختلف المراحل الدراسية ، وإعطاؤها الحصص الكافية من المنهج ، والاهتمام البالغ في تدقيق الامتحانات في هذه المادة .
3_أن تُقرر دراسةُ الكُتبِ السَّلفية الصافية ، ويبتعد عن كتب الفرق المنحرفة ، كالصوفية والمبتدعة ، والجهمية والمعتزلة ، والأشاعرة والماتوريدية ، وغيرهم إلا من باب معرفتها لرد ما فيها من الباطل والتحذير منها .
4_قيام دعاة مصلحين يجددون للناس عقيدة السلف ، ويردون ضلالات المنحرفين عنها . مستفاد من كتاب: عقيدة التوحيد وبيان ما يضادها من الشرك الأكبر والأصغر
والتعطيل والبدع وغير ذلك .
5_تسليم وسائل الإعلام لرجال مؤمنين مخلصين لله ورسوله وإبعاد العلمانيين والمستغربين ممن تربوا على موائد الفكر الغربي الكافر
التفصيل:
من مظاهر الانحراف عن دين الله
يمكن أن نشير إلى ثلاثة أمور وقع فيها الانحراف: الأمر الأول: الانحراف في مفهوم الألوهية والعبادة. الأمر الثاني: الانحراف في أصول الحكم والتشريع والحاكمية. الأمر الثالث: الانحراف في مفهوم القضاء والقدر.

الانحراف في مفهوم الألوهية والعبادة وأسبابه


أما الانحراف في مفهوم الألوهية والعبادة فإن له أسباباً هيأت لهذا الانحراف الذي وجد، منها: أن الفرق الضالة مثل: المعتزلة والأشاعرة والماتريدية كانت تتبنى الإرجاء عقيدة في الإيمان، وكانوا يخرجون العمل عن مسمى الإيمان، وترتب على إخراجهم العمل من مسمى الإيمان أن أخرجوا توحيد الألوهية من حقيقة التوحيد، فلما أخرجوا توحيد الألوهية من حقيقة التوحيد، اعتبروا أن التوحيد الأساسي الذي يجب أن ندعو المسلمين إليه هو توحيد الربوبية، وهو إثبات أن الله الخالق الرازق المحيي المميت، فترتب على هذه المقالة أن الاستغاثة بغير الله، والدعاء لغير الله فيما لا يقدر عليه المخلوق، وأيضاً الذبح لغير الله أن هذا ليس من الشرك الأكبر المخرج عن الإسلام، وجاءت الصوفية بخرافاتها وبشركياتها، فوجدت جواً مناسباً في هذه الأفكار، أفكار الإرجاء التي دعمها الأشاعرة ودعمها الماتريدية بقوة، فانتشر الشرك في حياة الأمة، وأصبح في كل قطر وفي كل مدينة وفي كل قرية قبر عظيم بنيت عليه المباني الكبيرة، وله مدخل وله مطاف وله مخرج وله مكان للذبح، وهناك صناديق توضع فيه النذور، وأصبح الناس يتعبدون لغير الله سبحانه وتعالى، يعبدون القبور من دون الله سبحانه وتعالى، بل أصبح من جراء هذه الخرافة أن رجلاً واحداً يمكن أن يعبد في أكثر من مكان في العالم الإسلامي، فهذا الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما يعبد في العراق في كربلاء، ويعبد في دمشق في مقام يسمى رأس الحسين أو مقام النقطة، ويعبد في مصر في القاهرة، هذا رجل واحد يعبد في ثلاثة أماكن في العالم الإسلامي، وراجت بضاعة السحرة والكهنة والمشعوذين، بل إن أئمة الصوفية هم الذين يتبنون السحر، ويعالجون الناس عن طريق السحر، ويرون أن الرقى السحرية هي الرقى الشرعية التي يجب أن يعالج بها، وأصبحوا يضعون للناس حجباً، ويخاطبون الجن، ويستغيثون بهم، ويدعونهم من دون الله، ويسمونهم الروحانيين، ويستغيثون بالملائكة، ويستغيثون بغير الله عز وجل، فانتشر الشرك في حياة المسلمين انتشاراً ذريعاً، ومن يقرأ ويجمع أخبار هذه الفترة في موضوع القبور يجد العجب العجاب في هذه المسألة، ولما ظهر بعض الدعاةلعبادة الله وحده ونبذ المظاهر الشركية والدعوةإلى التوحيد الخالص، واجههم هؤلاء وحاربوهم، وكان لهم مواقف شديدة معهم، حاربوهم علمياً بالردود الباطلة، واتهموهم بالكذب، وأوذوا إيذاء شديداً من أصحاب الطرق الصوفية، وأصبح أصحاب الطرق الصوفية وأقطابه ا لهم المكانة العالية في الدولة العثمانية، وأصبح أي خليفة من خلفاء الدولة العثمانية يموت يجعل له مسجد من أجل أن يدفن فيه، فأصبح كل مسجد من مساجد المسلمين فيها قبر يوضع فيه، وعظم فيها ابن عربي، وعظم فيها عدد من طواغيت التصوف والمشركين الذين كانوا يعبدون غير الله سبحانه وتعالى، فأصبحت العبادة في مفهوم هؤلاء هي أن تعتقد أن الله هو الخالق، وأن الله هو الرازق، وأن الله هو المحيي، وأن الله هو المميت، وحينئذ تكون موحداً خالصاً، وأن تترك الأسباب كما سيأتي معنا في الكلام على القدر، وحينئذ تكون موحداً خالصاً، لكنك إذا قلت: إن العبادة يجب إفرادها لله، وأن تعظيم غير الله عز وجل شرك، وأن الطواف حول القبور شرك، سموك خارجياً حرورياً بعيداً عن السنة، فهذه الأجواء هيأت العالم الإسلامي لقبول الغزو الفكري ولقبول المذاهب الفكرية، بل إنها هيأته للانهزام أمام الجيوش أمام جحافل الغربيين عندما جاءوا لقتال المسلمين، حتى إن الشيوعيين لما بدأت ثورتهم في عام (1917) ميلادي ودخلوا على الجمهوريات الإسلامية، كان كثير منهم يترك قتال الشيوعيين ويذهب إلى القبور ويسقط عليها، ويقول: يا نقشبندي احمينا من الشيوعيين، ويأتي الشيوعيون ويقتلونهم على قبور أوليائهم، ولا يدفعون عن أنفسهم، وبعضهم كان يوصي الناس ويقول كما قال الأول: يا خائف من التتر لوذوا بقبر أبي عمر ولهذا صار هذا الانحراف فرصة ومناخاً مناسباً لدخول الأفكار والمذاهب الغربية، وفي الوقت نفسه صار أيضاً فرصة مناسبة لاجتياح الغربيين الصليبيين للعام الإسلامي،.
الإنحراف في أصول الحكم:

الأمر الثاني: الانحراف في أصول الحكم، كانت دول الإسلام في تلك الفترة في فترة الصراع بين العالم الإسلامي والغرب، الذي كان الغرب ينتفض على الكنيسة وينتفض على الأباطرة، وكان في العالم الإسلامي في تلك الفترة ثلاث دول: الدولة الأولى: الدولة الصفوية، وقد كانت دولة شيعية يعتبرون أئمتهم معصومين، ويكفرون الصحابة، ويكفرون أئمة المسلمين والدين. الدولة الثانية: هي الدولة المغولية، وهي من بقايا التتار الذين أعلنوا إسلامهم، وكانوا في تلك الفترة في بلاد الهند، وكان فيهم جهل عظيم بالإسلام، وانتشار للخرافات والخزعبلات والسحر والشعوذة.. ونحو ذلك. الدولة الثالثة: وهي الدولة الكبيرة التي كانت مؤثرة في تلك الفترة هي الدولة العثمانية، وقد كانت في العراق وبلاد الشام، وكانت أيضاً في شمال أفريقيا، وأيضاً كان لهم وجود كبير داخل أوروبا الشرقية من جهة تركيا، والحقيقة أن الدولة العثمانية في بدايتها كانت جادة ونشيطة في نشر الإسلام، ولهم مآثر عظيمة في الدعوة إلى الإسلام، وفي نشر الإسلام، وفي إقامة الجهاد في سبيل الله، وفي الحرص على الدعوة إلى الله عز وجل، وإن كان منذ أن بدءوا يوجد عندهم بعض الانحرافات العقدية، مثل: تبنيهم للتصوف، وتبنيهم لمذهب الماتريدية من جهة الاعتقاد النظري، لكن الدولة العثمانية في آخر أمرها انحرفت عن الخط الإسلامي انحرافاً كبيراً، فقد أصبح غلاة الصوفية من المعظمين لابن عربي الطائي الذي هو كما تعلمون يرى أن الوجود وحدة واحدة، وأنها هي الله، وأنك أنت الله وأنا الله وكل شيء هو الله، ولهذا يقول: العبد رب والرب عبد يا ليت شعري من المكلف إن قلت عبد فذاك رب أو قلت رب أنى يكلف يعني: كيف يكلف وهو رب؟! ليس هناك تكليف، وليس هناك أمر ولا نهي، وليس هناك رسل، وليس هناك ملائكة بل الجميع هو الله عندهم، ولهذا يقول: وكل كلام في الوجود كلامه سواء علينا نثره ونظامه يعني: كل شيء من الكلام من كلام الإنس أو الجن أو من نبيح الكلاب ونهيق الحمير وزقزقة العصافير ونحو ذلك كلها جميعاً يعتبرها من كلام الله سبحانه وتعالى، فتبنت الدولة العثمانية في آخر أمرها هذا المنهج الصوفي الخطير، الذي انحرف بها انحرافاً كبيراً، فكانت الدولة العثمانية في تلك الفترة يوجد فيها سلبيات من جهة الحكم والتشريع، وكان لهذه السلبيات أثر كبير جداً في سقوطها من جهة، وفي تبني من كان له أثر فيها للأفكار الغربية من جهة أخرى، ومن هذه الملاحظات والسلبيات التي كانت موجودة عندهم على الصعيد السياسي غياب مبدأ الشورى، والاعتماد على الملك الجبري عن طريق الوراثة النسبية، ولم يكونوا يشاركون الناس معهم في الحكم، ولم يكن هناك أهل للحل والعقد بحيث إنهم يصوبون أخطاءهم ويوجهونهم وينصحونهم، بل كان الحكم فردياً، ليس فيه اعتماد على الشورى لا من قريب ولا من بعيد، في الوقت التي كانت أوروبا تواجه ضغط الجماهير التي تطالب بحرية التفكير من جهة، وتطالب أيضاً بالمشاركة السياسية من جهة أخرى، وهذا يدل على أن الدولة العثمانية في تلك الفترة كانت غائبة عن المرحلة التي تعيشها، فإن المرحلة التي تعيشها كانت تقتضي في أفضل الأحوال أن يأتوا بأهل الحل والعقد من العلماء ورؤساء الأجناد ويسلموهم مقاليد الحكم، بمعنى: أنهم يكونون هم المشرفين على الحكم، يوجهون الحكام بما أمر الله سبحانه وتعالى به، وبما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنهم لم يعبئوا بذلك، فصار فيما بعد للمستغربين الذين اقتنعوا بأفكار الغربيين، مثل: حزب الاتحاد والترقي حجة في الوقوف ضد الدولة العثمانية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى صار لبعض المغفلين ممن ساير الغرب وقال: إن العرب لا يشاركون في الحكم مع الدولة العثمانية صار أيضاً لهم حجة في التعاون مع انجلترا مثلاً لإحداث ثورة قومية كما حصلت في تلك الفترة، وكانت مؤثرة في سقوط الدولة العثمانية كما هو معلوم تاريخياً. وأيضاً من السلبيات التي كانت موجودة عند الدولة العثمانية على هذا الصعيد: إغلاق باب الاجتهاد، والاعتماد على الفقه الحنفي فقط، فهم أغلقوا باب الاجتهاد وقالوا: الاجتهاد في الفقه لا مجال له، وإنما عندنا الفقه الحنفي نعتمد عليه، والفقه الحنفي كما هو معلوم يتميز بكثرة الافتراضات غير الموجودة التي يتخيلون أنها تقع، ومع هذا لما أغلقوا باب الاجتهاد، واعتمدوا على الفقه الحنفي، وصاروا لا يتحركون إلا في دائرة ضيقة في مجال الفقه الإسلامي، ولم يعتمدوا على النصوص الشرعية الواردة في القرآن والسنة، ويستنبطوا منها مصالحهم في الفترة التي تناسبهم، لما صار عندهم هذا في الوقت نفسه صار العالم يتجه نحو التنظيم ويتجه نحو الترتيب، وأصبحت الدولة العثمانية أمام مأزق في كثير من المشكلات الموجودة عندهم، فالجيش مثلاً كان عندهم عبارة عن ناس متطوعين يعتمدون على السيف والخيل، وإن اعتمدوا على بعض البارود، لكنه ليس عندهم جيش منظم، فاحتاجوا إلى وجود جيش منظم ومدرب في نفس الوقت، وأيضاً على الصعيد الداخلي كانت الأمور مضطربة مما أدى في نهاية الأمر إلى سقوط الدولة الدولة العثمانية وهزيمتها في الحرب العالمية الأولى وما نتج عن ذلك من إلغاء الخلافة .
الإنحراف في مفهوم القضاء والقدر:
الأمر الثالث الذي وقع فيه الانحراف في حياة المسلمين وكان سبباً لتهيؤهم لقبول الأفكار والمذاهب الغربية: هو الانحراف في مفهوم القضاء والقدر، وذلك أن الدولة العثمانية كما سبق أن أشرنا تتبنى مذهب الماتريدية، والماتريدية والأشاعرة في باب القدر جبرية، وعندهم نظرية تسمى: نظرية الكسب، كما سبق أن ذكرنا في دروس ماضية، فهم يثبتون فيها علم الله، ويثبتون إرادة الله عز وجل المطلقة، وأنه خالق لأفعال العباد، لكنهم لا ينسبون إلى العبد فعلاً، وحينئذ جعلوا العبد مسلوب الإرادة، واعتبروا أن أعظم التوكل هو الاعتماد على القدر، وأن تسلم جميع أمورك وألا تجتهد في بذل السبب، هذه العقيدة لما انتشرت وراجت في المسلمين، جعلتهم يفرطون في الأسباب المادية، وحينئذ إذا قيل لهم: نظموا مثلاً أموركم قالوا: نعتمد على الله، سيأتيكم الغرب الآن ويجتاحكم قالوا: نعتمد على الله، ونتوكل على الله، والإنسان إذا توكل على الله فهو حسبه، ويفهمون التوكل بمفهوم خاطئ وهو ترك العمل بالأسباب، بل إنهم أصبحوا يعيبون من يعمل بالأسباب وينتقدونه، وبعضهم يعتبر أن هذا من الشرك؛ لأن فيه اعتماد على السبب، وهذا خطأ كبير؛ فإن الله عز وجل يدبر الكون بالأسباب، ولا يمكن أن تحصل المسببات إلا بأسباب، والجميع من قدر الله. سأنقل لكم كلمة لأحد المستشرقين الألمان وهو باول اشمتس يقول في كتاب له اسمه (الإسلام قوة الغد العالمية) انظروا كيف أن هذا المستشرق استطاع أن يكتشف الخلل عند المسلمين، هو يتكلم عن أن الإسلام هو القوة، لكن ما هو الإسلام الذي يتكلم عنه؟ هو الإسلام الحقيقي الصحيح، يقول باول : طبيعة المسلم التسليم لإرادة الله، والرضا بقضائه وقدره، والخضوع بكل ما يملك للواحد القهار، وكان لهذه الطاعة -يعني: الإيمان بالقدر- أثران مختلفان، ففي العصر الإسلامي الأول لعبت دوراً كبيراً في الحروب، إذ حققت نصراً متواصلاً؛ لأنها دفعت في الجندي روح الفداء، وأصبح يرمي بنفسه في القتال ويقول: إن قتلت ففي سبيل الله وهذا بقدر الله، وفي العصور الأخيرة كانت سبباً في الجمود الذي خيم على العالم الإسلامي، فقذف به إلى الانحدار وعزله عن تيارات الأحداث العالمية. فانظروا إلى هذا الرجل الكافر كيف استطاع أن يكشف الخلل عند المسلمين، ولهذا يا إخوان! هذه المذاهب وهذه الأفكار وهذا الانفلات من الدين بالطريقة التي صارت عند الغربيين في أوروبا، وعند من تابعهم من المسلمين لا تحصل أبداً مع وجود الدين الحق الصحيح، وإنما تحصل عندما يكون هناك دين باطل، ويظنون أن هذا هو الدين الذي من عند الله، فالدين الذي كانت تتبناه أوروبا دين باطل ، والذين انتسبوا إلى العلمانية من المنتسبين للإسلام تبنوا العلمانية في العالم الإسلامي، وظنوا أن الدين الحق الذي جاء من عند الله هو التصوف، أو عقيدة الجبر في القضاء والقدر، أو الطواف حول القبور والذبح لها والنذر لغير الله، أو الخرافات التي عند هؤلاء وأولئك، أو ترك مبدأ الشورى في الحكم، أو قفل باب الاجتهاد، وأن الفقه الإسلامي عقيم لا ينتج آراء ولا ينتج حلاً لمشكلات العصر، حينئذ انتفضوا على الدين كله، فوقعوا في الكفر من حيث لا يشعرون، والعلمانيون من الغربيين قد يكونون معذورين بعض الشيء عندما انتفضوا على دينهم الباطل، فما هو عذر هؤلاء الذين انتفضوا على دين الإسلام؟ ليس لهم عذر، كان بالإمكان أن يبحثوا عن الدين الحق ويتبنوه ويعتقدوه، وحينئذ سترجع لهم عزتهم التي كانت في زمن الصحابة رضوان الله عليهم، سترجع لهم نفس العزة بالضبط. هذا هو السبب الأول، وهو السبب الذاتي الموجود في المسلمين: وهو الانحراف عن العقيدة الصحيحة، والانحراف عن منهج الله سبحانه وتعالى في مجالات متعددة كما سبق أن أشرنا.
الخاتمة:
,,,,,
إذا عرفت أسباب الزيغ معرفة حقيقية على نور من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم سهل العلاج بإذن الله وسهلت أكثر سبل الوقاية، وما ذكر فليست هي الأسباب جميعها وإنما هذه بعضها،
أن المقصود من معرفة الأسباب هو الجد في اتخاذ السبل والتدابير الواقية التي تجنبنا وتجنب أبناءنا الوقوع في هذه المزالق ومن أهم ما يكون لزوم عقيدة أهل السنة والجماعة ، ولزوم أهل العلم الراسخين في العلم فهذه إن شاء الله من أهم أسباب الوقاية والسلامة وعدم الوقوع في الإنحرافات العقدية التي تخرج الإنسان والعياذ بالله من دين الإسلام
ثم اعلموا أن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم...
والله نسأل أن يجنبنا وإياكم أسباب الضلالة والزيغ والفتن وأن يثبتنا على الصراط المستقيم إنه على ما يشاء قديروآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ...
أبو محمد مهنا