فتحت وفتحت في سورة الزمر
من روائع التعبير القرآني في سورة الزمر
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه, أما بعد
قال تعالى ((وسيق الذين اتقوا ربهم الى الجنة زمرا حتى إذا جاؤها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فأدخلوها خالدين )) الزمر:73

يذكر الله تعالى حال المؤمنين الذين آمنوا به واتقوه وحال الكفار الذين تعنتوا وحاربوا الله ورسوله في صورتين رائعتين من صور التعبير القرآني الذي يعجز البلغاء ويبهر العقول ويأسر القلوب
وفي سياق الوصف تأتي جملتان متشابهتان حال وصول كلا الفريقين الأبواب, لكنه سبحانه ذكر حرف الواو في جملة وحذفها من الأخرى!!
قال تعالى { وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمراً حتى إذا جاؤها فتحت أبوابها ...}الآية
وقال تعالى{وسيق الذين اتقوا ربهم الى الجنة زمرا حتى إذا جاؤها وفتحت أبوابها ..}الآية
فما السر في ذلك؟؟
يذكر ابن كثير في تفسيره 7/119
قوله تعالى{ حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها} تقديره : حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها كذا وكذا صُدقوا وعدهم, وطابت نفوسهم ونحو ذلك. وهذا إخبار عن حال السعداء المؤمنين حين يساقون وفدا إلى الجنة { زُمَرًا } أي: جماعة بعد جماعة: المقربون، ثم الأبرار، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم كل طائفة مع من يناسبهم: الأنبياء مع الأنبياء والصديقون مع أشكالهم، والشهداء مع أضرابهم، والعلماء مع أقرانهم، وكل صنف مع صنف، كل زمرة تناسب بعضها بعضا.{ حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا } أي: وصلوا إلى أبواب الجنة بعد مجاوزة الصراط حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار، فاقتص لهم مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هُذِّبُوا ونُقُّوا أذن لهم في دخول الجنة.
ويذكر ابن حيان في تفسير البحر المحيط 9/394 , والسيوطي في الاتقان 1/294
" حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها " قيل: الواو هنا للعطف عطف على جملة والجواب محذوف, والتقدير: حتى إذا جاءوها، وكانت هذه الأمور من فتح الأبواب لهم إكراما وتعظيما، وتلقتهم الملائكة الخزنة بالبشارة والسلام والثناء، لا كما تلقى الزبانية الكفرة بالتثريب والتأنيب، فتقديره: إذا كان هذا سَعِدوا وطابوا، وسُرّوا وفرحوا، بقدر كل ما يكون لهم فيه نعيم. وإذا حذف الجواب هاهنا ذهب الذهن كل مذهب في الرجاء والأمل ، وحذف الجواب بليغ في كلام العرب وقيل: الواو زائدة وهو قول الكوفيين وهو خطأ عند البصريين,وقد قيل: الواو واو الحال وإن زيادة الواو دليل على أن الأبواب فتحت لهم قبل أن يأتوا لكرامتهم على الله تعالى، والتقدير حتى إذا جاءوها وأبوابها مفتحة، أو وقد فتحت أبوابها بدليل قوله: { جنات عدن مفتحة لهم الأبواب } وحذف الواو في قصة أهل النار، فتحت لهم أبوابها من غير إنظار ولا إمهال، وليكون فتحها في وجوههم، وعلى وصولهم، أعظم لحرها، وأشد لعذابها.لأنهم وقفوا على النار وفتحت بعد وقوفهم إذلالا وترويعا لهم وإذا وافوا الجنة تكون الأبوابُ مُفَتَّحَةً لئلا يصيبهم نَصَبُ الانتظار وهذه الاقوال ذكرها الآلوسي في روح المعاني 18/30 والقرطبي في تفسيره 15/285 وغيرهم .وهناك من قال أنها واو الثمانية واستدل به على أن أبواب الجنة ثمانية وهي مسألة مختلف عليها عند المفسرين.
فأما الحكمة في إثبات الواو في الثاني وحذفها من الأول، فقد تكلم فيه بعض أهل العلم مثل تفسير البيضاوي 5/119, والنسفي 3/241 ومن علماء العصر الحديث الدكتور فاضل السامرائي في كتابه الجملة العربية والمعنى ,188
وهو أنه لما قال الله عز وجل في أهل النار: " حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها " دل بهذا على أنها كانت مغلقة وقيل: أبواب جهنم لا تفتح إلا عند دخول أهلها فيها ولما قال في أهل الجنة: " حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها " دل بهذا على أنها كانت مفتحة قبل أن يجيئوها, فلذلك جيء بالواو كأنه قال : حتى إذا جاءوها وقد فتحت أبوابها طبتم من دنس المعاصي ، وطهرتم من خبث الخطايا ، وقال الزجاج : أي كنتم طيبين في الدنيا ولم تكونوا خبيثين أي لم تكونوا أصحاب خبائث ، وقال ابن عباس : طاب لكم المقام ، وجعل دخول الجنة سببا عن الطيب والطهارة لأنها دار الطيبين ومثوى الطاهرين قد طهر من كل دنس وطيبها من كل قذر ، فلا يدخلها إلا مناسب لها موصوف بصفتها فهو للمبالغة في الإكرام وأن ما يلقونه أكبر مما يقال فيه .

جعلنا الله وإياكم من أهل الجنة
من ايميلي