د. ريمه عبد الإله الخاني
عتبة الدخول:
التربية بلا أظافر والمثالية والكاذبة، شعار العصر الذي لايهضم ولايتقبل سوى الأقوياء، وبداية:
لو فكرنا في الأمر جيدا وبطريقة النظرية الرياضية المنطقية.. لعالجنا أمورنا الحياتية كالتالي:
1-نعلم جيدا أن القانون لايحمي المغفلين، ومع ذلك نمارس غفلتنا في كل مطب...فلانجد أظافرنا البتة فنخفي إخفاقنا عن العيون ونكرر أخطاءنا.
2- وبالاستعانة بجبران خليل جبران يتبين كذلك:
أن معظم الأشخاص ليسوا مخلصين لك ، بل هم مخلصين لاحتياجهم لك ، وبمجرد أن تتغير احتياجاتهم يتغير اخلاصهم لك.
وندري ذلك متأخرين، لو حللنا تلك المقولة وأضفنا لها.وعليه فـ”إذا كان يمكنني إعطائك شيء في هذه الحياة كنت سأمنحك القدرة على رؤية نفسك بعيني“[1]
وهذا يعني أنني أراك كما أتمنى لاكما هي الحقيقة، وأبحث عن نفسي فيك، لا عن نفسك الحقيقية، فأرضيك وأرضي نفسي معا.
3- معظم ثقافتنا، ومطالعتنا مطالعات نظرية، وبمجرد مواجهتنا لمواقف مصيرية، نغص بماقرأنا ولانتفن فن التعامل معها ولا استخدامها جيدا.
4- مازال عالم البرمجة اللغوية العصبية، عالم هش بنظري، فهي إن دربتني على ترويض نفسي، فهي لم تدع أظافري تطول حتى أدافع عن نفسي، إذن فأنا لست بحاجة حقيقية لها ولأمثالها، إلا بقدر ماآخذ منها لترقيع ثوبي.
**********
يعتبر بعض الفلاسفة، أن المثالية قرينة الواقعية، فيقول جورج باركلي علّق على موضوع المثاليّة بقوله إنّ حقيقة الأشياء هي إدراك العقل لها، وكل شيء لا يدركه العقل هو عبارة عن عدم، وأوضح إيمانويل كانت بأنّ المقولات العقليّة هي الشرط الأساسيّ في المعرفة، وتظهر مثاليّة جورج هيجل بقوله إنّ حقيقة هذا الكون هي روح مطلقة تعبّر عن نفسها في الوجود.[2]
ولعل أفلاطون يوضح الأمر بطريقة أكثر قربا لمفاهيمنا فيقول: عن المثاليّة الواقعيّة و يؤكّد على وجود عالمٍ من المثل بحدّ ذاته، ويقع هذا العالم خارج حدود الفكر البشريّ والأشياء.[3]
وعليه فهو أمر غير منطقي ولاطبيعي ولاواقعي، بحيث يعيش صاحبه في أوهام الحقيقة الزائفة، والعلاقات التي تجد كل يوم خيبة ومطبا، ويبقى الأمل بوجود الأفضل، ولعل المشكلة ليست في حضور الأمل بقدر الاستسلام لكل موقف يتوقع منه المثالية، ولايضع صاحبه الفرضيات والاحتمالات التي مكن أن تكون من خلاله، بحيث لاتسبب له صدمة ومفاجأة، بقدر تحصنه ومنعته لكل مايمكن أن يكون، وإلا فتكرار مواقف مخيبة للآمال ، تعني أننا نعيش في عالم خيالي غير موجود، يعيدنا للوراء مراحل، في حين نسعى للتقدم للأمام.
1-مفهوم المثالية تربويا:
تقول الدكتورة مريم محمد الشهري:تعد الفلسفة المثالية من أقدم الفلسفات في الثقافة الغربية والتي يمتد تأثيرها حتى عصرنا الحاضر، و يلاحظ أنها قد أثرت في كثيرٍ من النظم التربوية والتعليمية في العالم. وترجع نشأة الفلسفة المثالية إلى كتابات المفكر اليوناني أفلاطون الذي يعتبر أباً للمثالية[4] (429-347ق.م) ثم “ما لبثت أن أصبحت خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر من أكثر الفلسفات انتشاراً وذيوعاً وربما يعود ذلك لكونها من أقرب الفلسفات للديانات السماوية.” ولقد مثل الفكر المثالي واحداً من أهم الأصول العقدية الفلسفية للتربية واستقي منه عدد من التطبيقات التربوية التي لايزال العمل ببعضها قائما حتى عصرنا هذا.والمثالية Idealism مأخوذة من المثال وتعني في اللغة الإغريقية الصورة أو الفكرة ويعرفها لالاند (lalande) في معجمه الفلسفي بأنها ” الاتجاه الفلسفي الذي يرجع كل وجود إلى الفكر بالمعنى الأعم لهذه الكلمة. وبمعنى آخر هي المذهب الذي يقول أن الأشياء الواقعية ليست شيئاً آخر غير أفكارنا نحن، وأنه ليس هناك حقيقة إلا ذواتنا المفكرة أما وجود الأشياء فقائم في أن تكون مدركة عن طريق هذه الذوات ولا حقيقة لها وراء ذلك”). ويتم ذلك عن طريق الحدس والإلهام وإن الحقائق التي تدرك بالعقول أكثر من الحقائق التي تدرك بالحواس، إنها رؤية شاملة للكون باستخدام العقل . وهناك من يرى أن “الفلسفة المثالية تعني بوجه عام الاتجاه الذي يرجع الوجود إلى الفكر، أي أن الواقع الطبيعي الذي نعيشه ويحيط بنا هو روحي في أساسه. فالواقع الطبيعي ليس له وجود مطلق وإنما هو ظواهر لواقع روحي، وبالتالي فالمظهر الخارجي للإنسان ليس حقيقته إنما الروح هو حقيقته وجوهره أي أن الروح أو العقل هو العالم الحقيقي أما الأشياء في العالم الطبيعي إذا كانت أشباح أو ظلال لعالم المثل فإن هذه الأشياء لا وجود لها إلا بمقدار إدراك العقل لها واقترابها من عالم المثل وهي مذهب فلسفي يؤمن معتنقوه بوجود أفكار عامة ثابتة ونهائية وهي جوهر الكون وحقيقته وقد أوجد هذه الأفكار عقل عام أو روح عامة وهي كل ما هو حقيقي. كما يؤمنون بأن عالم المادة عالم الخبرات اليومية عالم غير حقيقي لأنه يتميز بالتغير وعدم الاستقرار، ولكن هذه المادة لا يدركها الإنسان بحواسه، وصيغت على مثال وجد في الفكر، والعقل وحده هو الذي يحكم على مدى مطابقة المادة لتلك المثل. تعد الفلسفة المثالية من أقدم الفلسفات في الثقافة الغربية، وترجع جذورها التاريخية إلى الفيلسوف الإغريقي أفلاطون (429-347 ق.م) الذي اعتبره مؤرخو الفلسفة ونقادها أباً لها على الرغم من وجود فكر فلسفي وفلاسفة قبله. لقد آمن بالثنائية، أي بوجود عالمين: العالم الحقيقي وهو عالم الأفكار العامة الحقيقية الثابتة (عالم المُثل)، والعالم الآخر وهو عالمنا الذي نعيش فيه وهو ظل للعالم الحقيقي ( الرشدان وآخرون 1997م ص:59,ص:60). [5]
يتبين لنا مما سبق، أن لاوجود للمثالية إلا في عقولنا الحساسة، ومافيها من آمال وأحلام، تؤقعها مثاليتنا في توقنا لتحقيقها، ولاوجود لها أصلا، بل المثالية الحقيقية، هي تأقلم مع الواقع، وتربية أظافر الدفاع عن النفس حتى لو سلميا، للحصول على مانريد، ومادام البشر متفاوتون ذكاء وسلوكا وأخلاقا، فلاوجود لدعائم مثالية ثابتة بالطبع.وإن دل هذا فهو يدل على عجز تربوي ومجتمعي، يوضح، أن الأمور جميعا نسبية تماما.
لذا فنظرتنا للأمور كذلك تتسم بالقصور عموما مثال:
حيث تنظر هذه الفلسفة للتلميذ على أنه كائن روحي؛ ومن ثم تركز على تربية هذا الجانب و تهمل بقية الجوانب الأخرى، ودور التلميذ في هذه الفلسفة سلبي، يجب عليه الطاعة والانضباط وتلقي المعرفة من المعلم وحفظها واسترجاعها. “والتلميذ يُعتبر مثاليا إذا جلس صامتا ساكنا ليتمكن من استيعاب المعارف التي تلقى عليه من أجل خزنه وحفظها.
وينظر للطفل على أنه كائن عليه الطاعة، والامتناع عن المناقشة والمناورة فيما عليه تنفيذه بلا معرفة للسبب والدافع والهدف، وأن الطفل البار طفل لايملك رأيها مستقلا ولاإرادة ذاتية، توقن بهدف خاص يتبنى العمل عليه.
ويمكننا تطبيق تلك الأمور في مجالات شتى، تحمل قيم الانضباط الواقعية، والسلوك المنطقي القابل للتغيير حسب المتطلب منه والظروف والبيئة.وإن لم نقوم بحساب معادلة الواقع والمتطلب والمتاح، فعلينا ألا نفكر بالمثالية حتى.وإلا فنحن نبحث عن سراب، وعلينا تبني مصطلح الواقعية المنضبطة.
وهذا ماأكدته الدكتورة مريم حيث قدمت الفكرة مختصرة:تعتقد المثالية أن هدف المناهج التربوية لا يخرج عن كونه محاولة للوصول إلى المطلق باعتباره الجوهر، والمطلق لا يمكن الوصول إليه من أول محاولة لذلك تؤكد المثالية على التكرار لأنه الوسيلة للوصول إليه، ويرون أن المناهج التربوية مهما بلغت من الكمال والدقة عاجزة عن الوصول إلى الهدف النهائي. وبناء على هذا التصور فإن المنهاج الذي تقترحه ثابت غير قابل للتطور انطلاقاً من فكرة ترك القديم على قدمه، وأهم ما يدرس لديهم: دراسة الفنون الحرة والعقلية والكتب العظيمة التي أنتجها العظماء والمفكرون والدراسات الكلاسيكية والاهتمام بالفلسفة والتاريخ والأدب والدين والفنون الجميلة.[6]
2-مستخلص
السلوك يتطور بتطور الحياة، بتطور أدواتها، ولكن يبقى المبدأ مو الأصل..جميل أن نتمتع بالطيبة، ونملكها سمة مميزة لنا، والأجمل، أن نحسن الدفاع عن أنفسنا، قولا وفعلا، بلا أذى ولاتجاوز، تلك المعادلة الصعبة، التي تبدأ منذ نعومة الأظافر، أن تنمو لنا أظافر معقولة لنخدش من يحاول إيذاءنا، وأن نحسن لمن أساء لنا من موقف قوة لاضعف، دربة وتنشأة وتربية، أيتها الأمهات..سلمناكم أجيالنا فكونوا بقدر المهمة.



[1] منقول ومجهول المصدر.

[2] مفهوم فلسفة المثالية: https://mawdoo3.com/%D9%85%D9%81%D9%...84%D9%8A%D8%A9
آخر زيارة للرابط 11-2-2020

[3] المرجع السابق.

[4] ظاهريا لأنها لاتتماشى مع مبادئنا الأخلاقية في تفصيلاتها.

[5] الفلسفة المثالية وتطبيقاتها التربوية: https://www.new-educ.com/%D8%A7%D9%8...88%D9%8A%D8%A9
آخر زيارة للرابط 2-11-2020

[6] المرجع السابق للدكتورة مريم.